انقلابيون ومتآمرون.. بعد قرارات «سعيد» و«الغنوشي».. تونس إلى أين؟
القرارات التي اتخذها البرلمان التونسي برئاسة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، وما تبعها من قرارات من جانب الرئيس التونسي قيس سعيد، اثارت الكثير من الجدل في تونس، وعمقت من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، فبعد قرارات سعيد والغنوشي.. تونس إلى أين؟
بدأت الأزمة عندما أقرّ مجلس النواب التونسي في جلسة عامة افتراضية الأربعاء، قانونًا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس البلاد قيس سعيد العام الماضي، ومن ضمنها تعليق اختصاصات المجلس، حيث صوّت لصالح القانون 116 نائبا من إجمالي 121 شاركوا في الجلسة من أصل 217 عدد أعضاء البرلمان.
الرئيس التونسي يحل البرلمان
بعد هذه الخطوة التصعيدية التي قام بها البرلمان التونسي، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، حلّ مجلس النواب بعد 8 أشهر من تعليق أعماله وتوليه كامل السلطة التنفيذية والتشريعية في يوليو 2021.
جاء ذلك خلال ترؤسه اجتماعًا لـ«مجلس الأمن القومي» بعد ساعات من تحدي نواب قرار تعليق أعمال المجلس، وعقدهم جلسة عبر تقنية الفيديو، صوّتوا خلالها على إلغاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها سعيّد في الأشهر الأخيرة.
وأدان سعيد خطوة البرلمان المجمد ووصفها «بالتآمر على أمن الدولة». وقال: «نحن مؤتمنون على أمن تونس، ولن نترك العابثين يواصلون غيهم وعدوانهم على الدولة ومقدرات الشعب».
وأضاف: «إذا كانوا يريدون تقسيم البلاد وزرع الفتنة، والفتنة أشد من القتل، فنجوم السماء أقرب إليهم من ذلك». وتابع: «كل ما يفعلونه الآن وما سيفعلونه في المستقبل لا قيمة قانونية له».
واعتبر الرئيس التونسي أن هذا اللقاء الافتراضي: "انقلاب لا شرعية له على الإطلاق"، متهما النواب المشاركين فيه بأنهم "يتلاعبون بمؤسسات الدولة". وأعلن أنه طلب من وزيرة العدل فتح تحقيق في هذا الاجتماع.
باحث: قرارات الرئيس التونسي نقطة تحول مفصلية بالنسبة للمرحلة الاستثنائية في تونس
عن هذا الموضوع يقول محمد فوزي، باحث في شئون الأمن الإقليمي، في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن اعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد في كلمة بثها التلفزيون التونسي الرسمي خلال ترؤسه اجتماع لمجلس الأمن القومي في 30 مارس الجاري (2022)، عن حل البرلمان المُعلقة أعماله منذ ثمانية أشهر عقب القرارات الاستثنائية في 25 يوليو الماضي، مثل نقطة تحول مفصلية بالنسبة للمرحلة الاستثنائية في تونس، خصوصًا في ظل السياق المضطرب الذي تعيشه البلاد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وما سيحمله هذا القرار من تداعيات على المشهد في تونس.
وأضاف«فوزي»، في بحث له على موقع «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أن خطاب الرئيس التونسي، والذي أعلن على هامشه عن حل البرلمان، حمل جملة من الرسائل التي وجهها إلى خصومه، وبعض أطراف الأزمة السياسية في البلاد. إذ قال سعيّد في خطابه إنه "اتخذ قرار حل البرلمان التونسي استنادًا إلى الفصل 72 من الدستور، وحفاظًا على الشعب ومؤسسات الدولة التونسية" وفق تعبيره، وهو الفصل الذي ينص على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور"، في إشارة من الرئيس التونسي إلى إمكانية حدوث "أزمة شرعية في البلاد" أو تكون "سلطات متنازعة الشرعية"، خصوصًا مع تصويت البرلمان المُنحل في جلسته التي عُقدت في 30 مارس الجاري على إلغاء كل القرارات الاستثنائية التي تم اتخاذها في 25 يوليو.
واعتبر الرئيس التونسي أن عقد 120 نائبًا من البرلمان المُجمد لجلسة افتراضية في 30 مارس الحالي، هو "محاولة فاشلة للانقلاب وتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي"، مشيرًا إلى أنه سيتم ملاحقة هؤلاء النواب "جزائيًا"، مؤكدًا أنه أعطى تعليمات لوزيرة العدل التونسية ليلى جفال بفتح تحقيق قضائي في اجتماع النواب. ويبدو أن مؤشرات هذه الملاحقات للنواب قد بدأت في الظهور، إذ أشارت تقارير إلى أن وزيرة العدل وجهت طلبًا للوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس للإذن لوكيل الجمهورية بفتح التحقيقات القضائية اللازمة ضد عدد من النواب المجمدين لاتهامهم بـ "التآمر على أمن الدولة الداخلي، طبق الفصل 23 من مجلة الإجراءات الجزائية"، فضلًا عن أن تقارير تونسية ذكرت أن فرقة مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية التونسية استدعت أكثر من 30 نائبًا في البرلمان المُنحل للتحقيق معهم.
واستطرد، فوزي: يأتي قرار الرئيس قيس سعيّد بحل البرلمان التونسي في ظل سياق مضطرب تعيشه تونس على كافة المستويات، وهو السياق الذي يمكن إبراز معالمه على النحو التالي:
1- جاء قرار الرئيس التونسي بحل البرلمان المُجمد، على خلفية عقد 120 نائبًا لجلسة افتراضية، وهي الجلسة التي أسفرت عن صدور قرار بإلغاء الإجراءات الاستثنائية المتخذة في 25 يوليو الماضي، حيث صوت 116 نائبًا من المشاركين بنعم، كما أكد النواب المشاركون في الجلسة على رفضهم للمرسوم الرئاسي الخاص بحل المجلس الأعلى للقضاء، وعدم اعترافهم بشرعية المجلس المؤقت الجديد، وندد المشاركون بما وصفوه بـ "محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية"، ودعوا إلى فتح حوار وطني شامل لإنقاذ البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية[4]، وهو تحرك مثل تصعيدًا نوعيًا من الاتجاهات السياسية التونسية الرافضة للمسار الذي اتخذ في مرحلة ما بعد 25 يوليو الماضي، حتى أن بعض الدوائر اعتبرت أن هذا التحرك قد يدفع باتجاه "أزمة شرعية" في البلاد، واستنساخ السيناريو الليبي في تونس.
2- تزامن قرار حل البرلمان المُجمد مع تعقد المشهد السياسي التونسي، ودعوة العديد من القوى السياسية إلى إجراء حوار وطني شامل بالبلاد، يُمهد لتوافق بين القوى السياسية حول آليات التعاطي مع أزمات البلاد، واعتبار "الاستشارة الإلكترونية" التي بدأت مطلع العام الحالي وانتهت في 20 مارس الحالي، غير مُجدية لحلحلة الأزمات، ولا تمثل بديلًا للحوار الوطني، لكن الرئيس سعيّد لم يُصدر أي رد فعل تجاه دعوات إجراء حوار وطني، واكتفى بالإشارة إلى أنها تُظهر رغبةً في التوجه نحو النظام الرئاسي.
جدير بالذكر أن الاستشارة الإلكترونية كانت قد انطلقت في مطلع العام الحالي، واستهدفت حسب الرئاسة التونسية "جمع اقتراحات التونسيين لإصلاح المنظومة السياسية والدستورية تمهيدًا لاستفتاء لتعديل الدستور"، وتركزت قضايا الاستشارة حول ستة محاور، حسب ما ورد في الوثيقة الإلكترونية، وهي: الشأن الاقتصادي، التنمية المستدامة، الشأن التعليمي، الشأن الثقافي، الشأن الاجتماعي، وجودة الحياة. لكن بعض التقديرات والاتجاهات التونسية ذهبت إلى أن "ضعف المشاركة في الاستشارة – حيث لم يتجاوز معدل المشاركة فيها نسبة الـ5%[7] - هو مؤشر يعكس عدم إمكانية البناء على مخرجاتها لصياغة المستقبل السياسي والدستوري لتونس".
3- لم تقتصر حالة الاستقطاب والتشتت التي تشهدها تونس، والتي تزامن معها قرار حل البرلمان، على المشهد السياسي فقط، إذ أنه يأتي بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، في ضوء تأخر دفع رواتب بعض مؤسسات القطاع الحكومي، ونقص بعض المواد الأساسية من السوق التونسية، والخلاف بين حكومة نجلاء بودن والاتحاد التونسي العام للشغل – أهم مؤسسة نقابية بتونس –، حول خطة الإصلاح الاقتصادي، إذ يرفض الاتحاد الإصلاحات الاقتصادية؛ التي تقترحها الحكومة التونسية للحصول على تمويل من صندوق النقد[8]، خصوصًا وأنها تتضمن "وقف التوظيف، وتجميد الأجور لمدة 5 سنوات في القطاع العام، وبيع بعض الشركات العامة، ورفع الدعم نهائيًا في غضون 4 سنوات".
وعن التداعيات المحتملة لقرار الرئيس التونسي، قال الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه ربما تفرض خطوة الرئيس قيس سعيّد بحل البرلمان العديد من التداعيات والتحولات على المشهد التونسي في المرحلة المقبلة، ويتمثل أبرزها في:
1- سوف تزيد خطوة حل البرلمان من حدة الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، خصوصًا في ضوء الشكوك التي تثيرها القوى المناوئة لها حول مدى "قانونية وشرعية" هذه القرارات، فبالنسبة لقرار حل البرلمان، فهو قرار جاء استنادًا إلى الفصل 72 من الدستور والذي ينص على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور"، إلا أن بعض القوى بدأت في التركيز على الحالات التي يتم فيها حل البرلمان، ومن هذه الحالات "مرور 4 أشهر على تكليف مرشح الحزب المتحصل على أكبر عدد من مقاعد مجلس نواب الشعب، دون حصول حكومة على الثقة"، و"عدم قدرة المجلس على تزكية حكومة مقترحة بعد استقالة رئيس الحكومة تلقائيًا أو عبر رفض تجديد الثقة فيه. وبعد تكليف الرئيس الشخصية الأقدر".
وقد تستخدم الاتجاهات الرافضة للقرار هذا المدخل للطعن في شرعية القرار، أمام القضاء والسعي لإبطاله، فضلًا عن التحركات الميدانية المحتملة التي ستتبناها هذه الاتجاهات في المرحلة المقبلة، وهو ما يعني أن البلاد قد تشهد مزيدًا من التصعيد والصدام. ومع ذلك، فإن حالة الانقسام التي قد تشهدها حركة النهضة- أحد الأطراف المسئولة عن تفاقم الأزمتين السياسية والاقتصادية في البلاد-قد تقلص من حدة الإجراءات الأخيرة، حيث تتجه الحركة إلى عقد مؤتمرها العام الحادى عشر في أكتوبر القادم لانتخاب رئيس جديد بعد أن أكد راشد الغنوشي عدم ترشحه مرة أخرى، على خلفية الضغوط التي يتعرض لها من قبل بعض قيادات وكوادر الحركة، منذ عام 2020، لعدم الترشح مجددًا.
2- سوف يمثل هذا القرار دافعًا وعاملًا محفزًا للرئيس التونسي لاستكمال رؤيته لإعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي في تونس، خصوصًا في ظل غياب المحكمة الدستورية، وهو الاعتبار الذي يجعله يملك منفردًا صلاحية تأويل الفصول الدستورية.
وعلى الأرجح ستشمل هذه التغييرات تعديل الدستور الحالي والنظام السياسي، من خلال إعادة النظام الرئاسي، وتبني نظام "البناء القاعدي"، وتعديل القانون الانتخابي من نظام التصويت على القوائم إلى "الاقتراع بالأغلبية على الأفراد"، وإضافة مسألة سحب الثقة الشعبية من المسئولين على جميع المستويات، وأيضًا تعديل قانون الجمعيات بمنع التمويل الأجنبي نهائيًا، وهي تغييرات كان الرئيس التونسي قد أشار إليها في حملته الانتخابية.
3- من المنتظر أن تجتمع لجنة مقترحات المواطنين خلال الفترة المقبلة، وتعد الخطوط العريضة لاستفتاء على الدستور في 25 يوليو القادم، على أن يتم تنظيم انتخابات نيابية جديدة في 17 ديسمبر المقبل، لكن تنفيذ هذه الاستحقاقات في موعدها قد يواجه عددًا من التحديات، في ضوء التطورات التي تشهدها تونس، خصوصًا في ظل الغموض المحيط بماهية التعديلات الدستورية التي ستتم، والتعديلات التي ستطرأ على النظام والقانون الانتخابي، فضلًا عن التعديلات المحتملة دستوريًا وسياسيًا على قرار حل البرلمان، وهو ما يطرح تساؤلات حول الإطار الدستوري الذي سيكون حاكمًا لعملية إجراء الاستفتاء والانتخابات، على نحو يزيد من فرضية مفادها احتمال إصدار الرئيس التونسي لإعلان دستوري خاص بتنظيم هذه الاستحقاقات.
وختم بالقول: يمكن القول إن قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية منذ 25 يوليو الماضي، والتي كان آخرها قرار حل البرلمان المجمد، تدفع باتجاه بعض السيناريوهات، ومن هذه السيناريوهات استمرار الوضع كما هو عليه واستمرار الرئيس قيس سعيّد في اتخاذ العديد من التدابير الاستثنائية التي يضمن بها إعادة هيكلة جذرية للنظام السياسي التونسي، أما السيناريو الثاني المطروح فيتمثل في زيادة حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد، خصوصًا حال عدم إجراء حوار وطني شامل، استجابةً لدعوة القوى السياسية التونسية التي يؤيد بعضها الرئيس، والحاصل أن حدوث أي من هذين السيناريوهين يتوقف على مدى المرونة التي ستبديها أطراف الأزمة في تونس، لبناء مسار وطني تشاركي لحلحلة الأزمات التي تعاني منها البلاد والتعاطي معها بفاعلية.