الغرب ينتفض لمذبحة بوتشا الأوكرانية.. ماذا عن مجازر الإبادة الجماعية التي لم يتم محاكمة مرتكبيها حتى الآن؟
جدل كبير يدور الآن بين روسيا وكل من أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب على خلفية ما حدث في بلدية بوتشا الأوكرانية.
فقد اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية الجيش الروسي بارتكاب مذبحة في بلدة بوتشا الأوكرانية، بعد العثور على أكثر من ثلاثمائة جثة لمدنيين في شوارع البلدة عقب انسحاب القوات الروسية منها، لكن الكرملين ينفي ويتحدث عن تزوير وتضليل.
وكانت وزارة الدفاع الأوكرانية نشرت الفيديو الأصلي، بعد دخول القوات الأوكرانية إلى مدينة بوتشا في شمال غربي كييف.
ووصفت الوزارة ما حصل بـ "سربرنيتشا جديدة"، في إشارة إلى المجزرة التي حصلت بحق البوسنيين المسلمين عام 1995.
وقالت إن "مدينة بوتشا الأوكرانية كانت في أيدي وحوش روسية لعدة أسابيع، وتم إعدام مدنيين تعسفيا، وتم تقييد أيدي بعضهم خلف ظهورهم، وتناثرت جثثهم في شوارع المدينة".
ووصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه مجرم حرب ويجب محاكمته، ويطالب القادة الغربيين بمحاكمة المسئولين عن هذه المجزرة، وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين.
من جانبها، قالت وزارة الدفاع الروسية، الأحد، إن قواتها لم تقتل مدنيين في بوتشا، التي استعادتها القوات الأوكرانية من الجنود الروس.
وأضافت الوزارة في بيان "في وقت كانت هذه المدينة تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية، لم يتعرض أي مواطن محلي للعنف".
وتابعت الوزارة أن جميع السكان "أتيحت لهم الفرصة للمغادرة بحرية" من المنطقة "نحو الشمال"، في وقت كانت الضواحي الجنوبية للمدينة تتعرض "لإطلاق نار من القوات الأوكرانية على مدار الساعة".
واعتبرت أن الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت لجثث في شوارع بوتشا كانت "فبركة جديدة (قام بها) نظام كييف لوسائل الإعلام الغربية".
البعض يتساءل: أين كانت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من المجازر والمذابح التي تم ارتكابها في العصر الحديث، وشاركت فيها بعض الدول الأوربية، سواء بالصمت أو التواطؤ أو الدعم، مثلما حدث في فلسطين والبوسنة والهرسك ورواندا وغيرها، والتي لم يحاكم مرتكبوها حتى الأن، وهل يمكن أن يستيقظ ضمير الغرب ويعبد فتح ملفات هذه المجازر، على اعتبار أن هذه الجرائمة لا تسقط بالتقادم،أما ستظل سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير هي التي تحكم تصرفات القادة الغربيين؟
مجزرة صبرا وشاتيلا
وقعت مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا بين 16 و18 سبتمبر/أيلول 1982، بعد أن سمحت قوات الجيش الإسرائيلي ـ التي كانت تحتل بيروت آنذاك تحت القيادة العامة لأرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بصفته وزير الجيش ـ لأفراد ميليشيا “الكتائب” بدخول المخيمين، وتشير تقديرات المخابرات العسكرية الإسرائيلية، إلى مقتل أكثر من 750 شخص قتلوا في هذه المجزرة.
لكن مصادر فلسطينية وغيرها ذكرت، أن عدد القتلى بلغ بضعة آلاف، من بينهم الأطفال والنساء والشيوخ، بعضهم تم نزع أحشاءهم قبل قتلهم.
ويقول الصحفي الشهير، توماس فريدمان من صحيفة “نيويورك تايمز”: “رأيت في الأغلب مجموعات من الشبان في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، صُفُّوا بمحاذاة الجدران، وقُيِّدوا من أيديهم وأقدامهم، ثم حُصدوا حصدًا بوابل من طلقات المدافع الرشاشة بأسلوب عصابات الإجرام المحترفة”.
وتؤكد كل الروايات أن مرتكبي هذه المجزرة الغاشمة هم من أعضاء ميليشيا الكتائب، وهي قوة لبنانية ظلت إسرائيل تسلحها وتتحالف تحالفًا وثيقًا معها منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975.
وفي رواية أخرى، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي هي التي ارتكبت مذبحة “صبرا وشاتيلا” وراح ضحيتها بين 3500 إلى 5000 شهيد من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون المخيم وقت حدوث المجزرة التي استمرت ثلاثة أيام، بعد تطويق المخيم من قبل الجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة أرئيل شارون وزير الدفاع آنذاك، ورافائيل ايتان.
وارتكبت المجزرة بعيدا عن وسائل الإعلام، واستخدمت فيها الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم، وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة.
وقام الجيش الإسرائيلي بمحاصرة مخيمي صبرا وشاتيلا وتم إنزال مئات المسلحين بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني، وكان المقاتلون الفلسطينيون خارج المخيم في جبهات القتال ولم يكن في المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء وقام مسلحون بقتل النساء والأطفال، وكانت معظم الجثث في شوارع المخيم ومن ثم دخلت الجرافات الإسرائيلية لجرف المخيم وهدم المنازل.
وحسب شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو في أكتوبر 1982، أن عدد الذين قتلوا في هذه المجزرة، تراوح بين 4000-4500 شهيد من 12 جنسية، العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين، يليه شهداء من اللبنانيين والسوريين والمصريين والإيرانيين والباكستانيين والبنغلاديشيين والأردنيين والأتراك والسودانيين.
وبدأت المجزرة مع شروق الشمس، حيث فرض الجيش الإسرائيلي حصارا على أبواب المخيمين تمهيدا للاقتحام، بعد أن سهّل الطريق لمليشيا حزب الكتائب اللبنانية المسلحة، الشريكة في الهجوم، إضافة إلى جيش لبنان الجنوبي الذي كان له دور أيضا في المجزرة.
مذابح رواندا
في 2021 اعتبر تقرير أعده مكتب محاماة أمريكي بطلب من رواندا، أن فرنسا "تتحمل مسؤولية كبيرة" عن الإبادة الجماعية بحق إثنية التوتسي التي جرت في ذلك البلد الأفريقي في عام 1994.
وأكد معدو التقرير حول دور فرنسا في هذه المجازر التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص خلال ثلاثة أشهر، "خلصنا إلى أن الدولة الفرنسية تتحمل مسؤولية كبيرة في جعل الإبادة الجماعية المتوقعة ممكنة" وبخاصة بالنسبة لإثنية التوتسي.
واعتبر هذا التحقيق الذي أعده مكتب المحاماة "ليفي فايرستون ميوز" بتكليف من الحكومة الرواندية في عام 2017، أن فرنسا كانت تعلم بالاستعداد لإبادة جماعية لكنها استمرت في تقديم "الدعم الراسخ" لنظام الرئيس الهوتو جوفينال هابياريمانا. واستمر هذا الدعم حتى عندما "أصبحت نوايا الإبادة الجماعية واضحة".
ذكرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية، فى تقرير على موقعها الإلكترونى، بأنه تم إدانة 29 شخصًا ممن قادوا مجازر الإبادة، مشيرة إلى أنه عقب انتهاء الحرب الأهلية فى رواندا، تم نقل مهندسى الإبادة الجماعية، بما فى ذلك الساسة ورجال الشرطة والكهنة، إلى المحكمة التى أسست لهذا الغرض فى أروشا بشمال تنزانيا، وأطلق عليها المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.
وأشارت إلى أنه فى 6 أبريل من عام 1994 أصاب صاروخان الطائرة الرئاسية الرواندية أثناء اقترابها من مطار كيجالى الرواندى، ما أدى إلى سقوطها على الأرض ومقتل جميع ركابها، من بينهم زعيم رواندا جوفينال هابياريمانا، والرئيس البوروندى سيبريان نتارياميرا.
وأضافت أنه فى غضون ساعات عقب حادث هذه الطائرة الرواندية، انطلقت المجازر عبر رواندا بأكملها وبدأت عمليات القتل، وهو ما تسبب فى القضاء على خمس سكان البلاد قضى معظمهم قتلا بالمناجل والمطارق والسيوف، منتهية بعد 100 يوم فقط.
وتابعت أن المجازر لم تبدو كما أشارت التقارير الإخبارية فى ذلك الوقت، من تدفق الكراهية القبلية من قبل قبيلة الهوتو ذات الأغلبية فى البلاد ضد الأقلية من قبيلة التوتسى بسبب وفاة الرئيس الذى ينتمى للهوتو.
وأشارت إلى أنه يعتقد أن أسرع إبادة جماعية فى العالم تم التخطيط لها قبل ذلك بمدة طويلة، حيث تم وضع قوائم لقبيلة التوتسى وتوزيعها، وتم نقل وتخزين شحنات تحتوى على المناجل، ومضت المحطات الإذاعية فى بث أوامر للتحريض على القتل.
وقالت الصحيفة إن الهدف الذى وضع من قبل المتطرفين من نخبة الهوتو الذين رفضوا المشاركة فى السلطة، كان القضاء على التوتسى فى رواندا إلى الأبد، ونجحوا تقريبا بقتل أكثر من 800 ألف شخص، من بينهم ما يقدر بنحو 70 فى المائة من التوتسى الذين يعيشون برواندا فى ذلك الوقت.
ونوهت الصحيفة إلى أنه تم تحذير كل من قيادات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وموظفى الصليب الأحمر، والدبلوماسيين المتمركزين فى البلاد مرارًا وتكرارًا قبل ذلك بأسابيع من أن شيئا مروعا على وشك الحدوث.
وقالت إن العالم تجاهل ذلك، وفى الوقت الذى اشتدت فيه عمليات القتل، فشل جنود الأمم المتحدة فى التدخل منذ البداية، وفروا عندما تعرضوا للهجوم تاركين رواندا لمصيرها المحتوم.
وأوضحت أن المعارك انتشرت على طول الطريق من العاصمة كيجالى والمدن التى تتبعها، وتم مطاردة الرجال بالمناجل من رواندا لإخراجهم منها حتى حلول منتصف يوليو من عام 1994، والذى شهد نهاية المذابح، ونوهت بأن جيش المتمردين الآن أصبح حزبًا سياسيًا، الذى حكم رواندا منذ عام 1994، وكاجامى أصبح الرئيس كاجامى، وفى منتصف فترة ولايته الثانية بعد انتخابات ديموقراطية.
مجزرة سربرينيتسا
مذبحة سربرنيتسا والمعروفة أيضا باسم الإبادة الجماعية في سربرينيتسا، حديث عام 1995، في البوسنة والهرسك، وراح ضحيتها أكثر من 8000 مسلم، من قبل وحدات من قوات الدفاع في جيش جمهورية صربسكا تحت إمرة الجنرال راتكو ملاديتش خلال حرب البوسنة، في أكبر وأبشع عملية للقتل الجماعي ارتكبت في اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، و صنفتها الأمم المتحدة ضمن خانة الابادة الجماعية.
وأُعدم الآلاف ودُفعت جثثهم إلى قبور جماعية باستخدام جرافات. وترجح تقارير أن البعض دُفن حيًا، بينما أُجبر آباء على مشاهدة أبنائهم وهم يُقتلون.
أما النساء والفتيات فقد أُخرجن من الصفوف ليُغتصبن. ويقول شهود إن الجثث كانت متناثرة في الشوارع.
ولم يحرك الجنود الهولنديون ساكنا إزاء ما يشهدون من عدوان صربي، بل لقد سلّموا نحو خمسة آلاف مسلم التجأوا إلى قاعدتهم للاحتماء. وكشف تحقيق في محكمة تابعة للأمم المتحدة في لاهاي أن تخطيطا مكثفا جرى استعدادا للمذبحة.
وجاء في منطوقِ حكمٍ صدر بحقِّ أحد قادة صرب البوسنة: "جرتْ جهود منسقة لتصفية كل المسلمين القادرين على القتال". وكان يتم البحث بشكل ممنهج عن الذكور في الحافلات التي كانت تقل النساء والأطفال. وحتى بعض الأطفال وكبار السن من غير القادرين على حمل السلاح تمت تصفيتهم.
وفي وقت لاحق، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إن "مأساة سربرنيتسا ستظل إلى الأبد وصمة في تاريخ الأمم المتحدة".
وكانت مذبحة سربرنيتسا جزءا من عملية تطهير عرقي استهدفت المسلمين على أيدي قوات صربية أثناء الحرب البوسنية، وهي إحدى الحروب العديدة التي اندلعت في حقبة التسعينيات مع تفتت يوغوسلافيا.
ولا تزال أصداء هذه المذبحة تتردد حتى يومنا هذا. ولا يزال يُكشف عن جثث الضحايا.
وفي عام 2002، نُشر تقرير يُنحي باللائمة على الحكومة الهولندية ومسؤولين من الجيش في الفشل في منع المذبحة. وبناء عليه استقالت الحكومة بالكامل.
وفي عام 2017، أدانت محكمة تابعة للأمم المتحدة في لاهاي الجنرال ملاديتش بارتكاب إبادة جماعية وجرائم أخرى.
وظل ملاديتش مختبئا بعد نهاية الحرب في عام 1995 ولم يُعثر عليه إلا في عام 2011 في منزل أحد أقاربه شمالي صربيا.
وفي عام 2019، أصدرت المحكمة العليا في هولندا حكما قالت فيه إن هولندا مسؤولة بشكل جزئي عن مقتل 350 شخصا في مذبحة سربرنيتسا.
وقدمت صربيا اعتذارا عن الجريمة لكنها لا تزال ترفض تسميتها عملية إبادة جماعية.
مذبحة مخيم جنين
مجزرة جنين هو اسم يطلق على عملية التوغل التي قام بها الجيش الإسرائيلي في جنين في الفترة من 1 إلى 11 أبريل 2002.
وتشير مصادر السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى أن القوات الإسرائيلية أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين قامت بارتكاب أعمال القتل العشوائي، واستخدام الدروع البشرية، والاستخدام غير المتناسب للقوة، وعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية.
بدأت عملية الإجتياح بأمر من رئيس الوزراء السابق آرائيل شارون، الذي قابله تصدي الاهالي العزّل، رغم قلة الإمكانيات وقلة السلاح، وفُرِضّ النزوح الجماعي والتهجير على معظم السكان، وتعرض من بقيَ منهم لمجازر على يد الجيش الإسرائيلي، ولم تسلم الأبنية السكنية والبنية التحتية وشبكات الكهرباء والماء والاتصالات، من قصف طائرات الاحتلال العشوائي.
وقد اسشهد في هذه المعركة حسب تقرير الأمم المتحدة 58 فلسطينيا، لكن رواية السلطة الفلسطينية تتحدث عن استشهاد أكثر من 500 شخص