على الهواري يكتب: روسيا ليست إسرائيل وأوكرانيا ليست فلسطين!
يقارن البعض هذه الأيام، بين موقف الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من الأزمة الأوكرانية، وموقفهم من القضية الفلسطينية، رغم الفارق الشاسع بين القضيتين.
فروسيا دخلت أوكرانيا بصفة مؤقتة ولأسباب معروفة أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمسئولين الروس أكثر من مرة منها، نزع سلاح أوكرانيا، وتطهيرها من النازيين الجدد أو القوميين المتطرفين، وتحويل أوكرانيا إلى دولة محايدة وعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي«الناتو».
أما القضية الفلسطينية فتتعلق باحتلال دولة لأراضي دولة أخرى، إسرائيل تحتل فلسطين منذ أكثر من سبعين عاما، فعلت فيها وما زالت تفعل فيها الأفاعيل، من قتل واعتقال وهدم منازل وتهجير وإبادة جماعية ومصادرة وانتزاع أراضي وغيرها من الجرائم التي تدخل تحت مسمى «جرائم ضد الإنسانية» أو جرائم «الإبادة الجماعية».
جاءت الأزمة الأوكرانية لتفضح وتعري وتكشف عورة النظام العالمي التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وتبرهن على أن الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هي إلا ورقة قذرة وسلعة فاسدة يستدخدمونها ليحققون بها مصالحهم، ويسعون فيها للسيطرة على العالم، وأن سياسة «الغاية تبرر الوسيلة» هي التي تحرك هذه القوى المنافقة.
وروسيا جزء من هذا النظام العالمي، وهي أيضا دولة براجماتية انتهازية تسعى للسيطرة على العالم وتحقيق مصالحها عبر القوة العسكرية والضغوط الاقتصادية وغيرها من الوسائل غير الأخلاقية.
الأزمة الأوكرانية أكدت على أن سياسة الكيل بمكيالين أو إزدواجية المعايير، هي جزء من الفكر الاستراتيجي لصناع القرار الغربيين للسيطرة على العالم ونهب ثروات الدول الفقيرة، ونشر نظرية الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط التي بشرت بها وزير الخارجية الأمريكية السابقة«كوندليزا رايس».
وهذه هي الأدلة على كلامي:
حصار اقتصادي ودعم عسكري وسياسي
منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قدمت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كل أنواع الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لكييف.
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب سلسلة من حزم العقوبات على موسكو، وصفت بأنها الأقسى في التاريخ، طالت عصب الاقتصاد الروسي مثل قطاعات الغاز والنفط والبنوك والقطاع المالي، وتجميد الأرصدة الروسية في الولايات المتحدة والغرب، ومصادرة الأصول الروسية في هذه الدول، كما طالت هذه العقوبات النشاط الرياضي، حيث تم حرمان المنتحب الروسي من المشاركة في كأس العالم في قطر 2022، وكذلك حرمان الأندية الروسية من المشاركة في المسابقات الدولية والقارية، كما شملت العقوبات طرد العشرات من الدبلوماسيين الروس من العواصم الأوربية، ومنع الطيران الروسي من التحليق فوق الأجواء الأوربية، كما تم توقيع عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأسرته ووزير الخارجية سيرجي لافروف وأسرته ووزير الدفاع الروسي وعدد كبير من الشخصيات الروسية النافذة والمقربة من النظام، كما تم طالت العقوبات الكثير من رجال الأعمال الروس في الولايات المتحدة والغرب، حيث تم مصادرة أموال واستثمارات الكثير منهم وطردهم.
باختصار يتم فرض حصار اقتصادي شامل على روسيا، وعزلها عن النظام المالي العالمي.
أما بالنسبة للدعم العسكري، فما زالت الأسلحة الأمريكية والغربية الثقيلة والفتاكة تتدفق على أوكرانيا، لا سيما الدروع المضادة للطائرات والدبابات والطائرات دون طيار.
اللاجئين والعنصرية الغربية
يتم استقبال اللاجئين الأوكرانيين في العواصم الأوربية استقبال الفاتحين، وكأنهم أصحاب دار، عكس النظرة الفوقية والعنصرية التي يتم التعامل بها مع اللاجئين من دول الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يتم معاملتهم كإرهابيين وغزاة وخطر على الأمن القومي، مما يثبت النظرة الفوقية للجنس الأبيض.
وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي، قامت الولايات المتحدة والغرب باصدار قرار من الأمم المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، كما تم تحويل الملف إلى محكمة العدل الدولية التي أدانت الغزو الروسي وطالبت بوقفه فورا، كما تم طرد روسيا من المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
المذابح وجرائم الإبادة الجماعية
انتفض الغرب بسبب مزاعم قيام روسيا بارتكاب مذبحة مروعة في بلدية بوتشا الأوكرانية، حيث تبارى القادة الغربيون في اتهام روسيا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية، ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمجرم الحرب، وطالب بمحاكمته، وما زال القادة الغربيين يطالبون بمحاكمة بوتين وأركان نظامه بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية.
أين كانت الولايات المتحدة والغرب، من مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982، التي قتل فيها الألاف من بينهم الأطفال والنساء والشيوخ.ومجزرة مخيم جنين عام 2002، والتي اسفرت عن مقتل وإصابة الألاف.
أين كانت الولايات المتحدة والغرب، من الحروب الذي شنها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة، والتي اسفرت عن تدمير القطاع أكثر من مرة، وقتل وتشريد الألاف.
ناهيك عن مجزرة سربرينيتسا عام 1995 في البوسنة والهرسك، والتي وصفت بأكبر وأبشع عملية للقتل الجماعي ارتكبت في اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وصنفتها الأمم المتحدة ضمن خانة الابادة الجماعية التي راح ضحيتها ألاف البوسنيين المسلمين العزل الذين تم دفتهم في مقابر جماعية، والتي قال عنها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إن "مأساة سربرنيتسا ستظل إلى الأبد وصمة في تاريخ الأمم المتحدة".
ومذابح رواندا عام 1994، التي راح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص خلال ثلاثة أشهر، وتم تحميل فرنسا المسئولية عن هذه المجزرة.
المقاتلون الأجانب.. من إرهابيين إلى متطوعين
ملف أخر يؤكد على سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها الغرب في التعامل مع أزمات العالم، وهو ملف «المقاتلين الأجانب».
ففي الوقت الذي كانت تتعامل فيه الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية مع الجماعات المسلحة في العراق وسوريا وليبيا على أنها جماعات إرهابية ومرتزقة، وتؤسس التحالفات لمحاربتها وملاحقتها، الأن تقوم بجلب هؤلاء المقاتلين للتقال في أوكرانيا إلى جانب الجيش الأوكراني، وتطلق عليهم «المتطوعون»، وتمنحهم الشرعية، وهذا يؤكد على أن هذه الجماعات ما هي إلا صنيعة أمريكية وغربية، صنعتها المخابرات الأمريكية والغربية على عينها لكي تكون أذرعها الإرهابية في الحروب بالوكالة التي تخوضها في المنطقة، وأحد أدواتها لتحقيق مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على تفتيت وتمزيق دول المنطقة وتحويلها إلى كانتونات ودويلات صغيرة يسهل السيطرة عليها ونهب ثرواتها الهائلة.
حركات المقاومة.. كتيبة «أزوف» تسقط الأقنعة
ملف أخر يكشف الوجه القبيح للولايات المتحدة والغرب، وهو ملف التعامل مع حركات المقاومة، ففي الوقت الذي يحتضن فيه الغرب كتيبة«أزوف»، وهي حركة أوكرانية يمينية متطرفة، تعتبرها بعض الدول الأوربية حركة متطرفة وإرهابية، حتى الكونجرس الأمريكي كان يسعى لتصنيفها على قوائم الإرهاب، ما زالت هذه الدول تعتبر حركات المقاومة في فلسطين تنظيمات إرهابية.
إسرائيل فوق المحاسبة والعقاب
منذ إقامة إسرائيل تم صدور عشرات بل مئات القرارات من مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها ضد الإحتلال الإسرائيلي، والتي تدين جلها جرائم واعتداءات الإحتلال وتطلب بفتح تحقيق دولى في جرائمه،كما تطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لكن كل هذه القرارات تحولت إلى حبر على ورق وضربت بها إسرائيل عرض الحائط، بسبب الحماية الأمريكية لها في المحافل الدولية، أخر هذه القرارات تقرير منظمة العفو الدولية«أمنستي» الذي يتهم إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية، وهو ما رفضته الولايات المتحدة بشدة على لسان المتحدث باسم الخارجية في واشنطن نيد برايس الذي قال: "نرفض الرأي القائل بأن ممارسات إسرائيل تشكل فصلا عنصريا. ولم تستخدم تقارير الوزارة مثل هذه المصطلحات مطلقا".
وأضاف أنه لا يجوز منع إسرائيل بصفتها دولة يهودية من حقها في تقرير المصير، مشددا على ضرورة "ضمان عدم تطبيق معايير مزدوجة".
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية اعترفت بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وقامت بنقل السفارة الأمريكية للقدس، ضاربة بكل القرارات الدولية عرض الحائط.
الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تبرر جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وتمده بكل أنواع الأسلحة المتطورة والحديثة لكي تحافظ على تفوقه العسكري في الشرق الأوسط، حتى أصبحت إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية وأسلحة دمار شامل، وترفض الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار النووي أو الخضوع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الولايات المتحدة الأمريكية التي تدافع عن الشرعية في أوكرانيا وتطالب بمحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمجرم حرب، هي نفسها التي صمتت أو تواطأت أو دعمت المجازر والفظائع التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، والتي تندرج في خانة جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية.
نتعاطف مع الشعب الأوكراني.. ولكن
ورغم تعاطفنا الكامل مع الشعب الأوكراني، ورفضنا لما يتعرض له من قتل وتشريد وتهجير وترويع وإرهاب على يد الجيش الروسي، فإننا نستغرب من تصريحات الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي التي قال فيها، إنّ أوكرانيا ستصير أشبه "بإسرائيل كبيرة" مع تصدر الأمن قائمة الأولويات في السنوات الـ10 المقبلة. كما قال في خطاب للكنيسيت الإسرائيلي، عبر خاصة زوم، أن "التهديد الذي تواجهه أوكرانيا يشبه التهديد الذي يواجه إسرائيل".
ونحن نرى أن تصريحات الرئيس الأوكراني لا تصب في مصلحة القضية الأوكرانية، وسيكون لها تأثير سلبي على القضية الأوكرانية، وسوف تقلل إلى حد كبير من تعاطف الشعوب العربية مع الشعب الأوكراني.
لا نبرر ما تقوم به روسيا
نحن هنا لا نبرأ روسيا مما تقوم به في أوكرانيا، فبكل تأكيد ما تقوم به مخالف لكل القوانين والمواثيق والشرائع الدولية، وغزو مرفوض لدولة عضو في الأمم المتحدة، مهما كانت المبررات لا يحق لأي دولة غزو أو احتلال دولة أخرى لمجرد الزعم أنها تمثل تهديدا لها وخطرا على أمنها القومي، وإلا لتم احتلال كل الدول الصغيرة والضعيفة بزعم أنها تمثل خطرا على الأمن القومي للدول الكبرى.
فروسيا التي تحتل أوكرانيا الأن وتفعل فيها ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، لا تختلف كثيرا عن الغرب، فمعروف عن روسيا أنها دولة توسعية وأن بوتين يسعى إلى إعادة الإمبراطورية الروسية، وأن الرئيس الروسي يستخدم القوة العسكرية لتحقيق أهدافه، وأن مسألة حقوق الإنسان ليس من ضمن حساباته، فما تفعله روسيا في مناطق كثيرة من العالم، لا يختلف كثيرا عن ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الكبرى في هذا العالم، الذي أصبحت تحكمه لغة القوة ولي الذراع.
ونحن نعلم أن روسيا لن تنفذ أي قرار من القرارات التي صدرت ضدها من المنظمات الدولية وأنها سوف تضرب بهذه القرارات عرض الحائظ، وأن هذه القرارات سوف تصبح مجرد حبر على ورق، وهذا ينطبق على إسرائيل والصين والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من دول العالم الأول، فروسيا دولة عظمى ومن ضمن الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن التي تمتلك حق النقض«الفيتو»، وهذه الدول ترى أن فوق رأسها ريشة، وبالتالي هي متأكدة من أنها سوف تفلت من العقاب، فليس من المتخيل أن نرى بوتين في قفص الجنائية الدولية مثلما رأينا غيره من الرؤساء الذين تم اتهامهم بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، ولن ننتظر أن يقوم الإنتربول الدولي بملاحقة بوتين مثلما يفعل مثلا مع الرئيس السوداني عمر البشير أو سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي الذي تم اسقاط نظامه واسقاط ليبيا بأكملها بواسطة النيتو.
في النهاية، الصراع بين القوى الكبرى هو صراع على النفوذ وعلى التوسع والسيطرة وابتلاع المزيد من ثروات الشعوب المسستضعفة والمستكينة، وهذه القوى تمارس لعبة تبادل الأدوار، فهي تتحرك حسب مصالحها الاستراتيجية، وهي التي تمتلك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية وتحتكر السلاح النووي، وتستطيع فرض شروطها بالقوة العسكرية والضغوط الاقتصادية والحصار، فكلهم يخالفون القوانين التي صاغوها بأنفسهم وكلهم يسعون إلى السيطرة على العالم، وكلهم يتاجرون بالديمقراطية وحقوق الانسان، وكلهم يفلتون من العقاب ولا يخضعون للمحاسبة والمساءلة.