من ضعف كُتَّاب السيناريو إلى تعنت المنتجين.. لماذا يزداد ابتعاد الروايات عن الشاشة؟
على الرغم من حالة الرواج التي تشهدها الرواية المصرية «كتابةً ومبيعات»، وتقديمها في أحايين كثيرة أفكارًا طازجةً جذابةً، إلاَّ أنها صارت بعيدةً عن الشاشة خاصة مع «الكسل» الواضح من قبل كُتَّاب السيناريو في تحويل الأعمال الأدبية الناجحة إلى مسلسلاتٍ وأفلامٍ.
يأتي ذلك في وقتٍ يزداد فيه الهجوم على أغلب الأعمال الفنية المعروضة سواء في الموسم الرمضاني الجاري، أو حتى في بقية المواسم على امتداد العام، بسبب تدنى مستوى الكتابة والاعتماد على «توليفاتٍ» جاهزةٍ، وتقديم قصصٍ مُستهلكةٍ تكون الجريمة وتجارة المخدرات حبكتها الأساسية.
حتى الأعمال الروائية التي يجري التعاقد مع كُتَّابها لتحويلها أفلامًا ومسلسلاتٍ تواجه عقباتٍ في التنفيذ والخروج إلى الشاشة، ويطاردها شبح «التجميد» في شركات الإنتاج..
وتتجاهل تلك الكيانات الإنتاجية تجارب ناجحة قليلة في السنوات الأخيرة، اعتمدت على الاستعانة بالروايات الأدبية، أهمها وأبرزها ما قدمته كاتبة السيناريو الشهيرة مريم نعوم في تجارب مثل: «بنت اسمها ذات» و«موجة حارة» و«واحة الغروب» عن رواياتٍ لـ صنع الله إبراهيم وأسامة أنور عكاشة وبهاء طاهر، على الترتيب.. و«في كل أسبوع يوم جمعة» للروائي الشهير إبراهيم عبد المجيد، والتي قدمها للشاشة نجله إياد إبراهيم ومحمد هشام عُبيّه وسمر عبد الناصر، فضلًا عن مئات الأعمال الفنية التي قُدمت قديمًا عن رواياتٍ لـ نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، يوسف إدريس، وغيرهم.
أشرف الخمايسي: مجال السيناريو بمصر «مُغلق» على أسماء معينة
يقول الروائي أشرف الخمايسي صاحب روايات «منافي الرب»، «انحراف حاد»، «جو العظيم»، إنَّ مجال السيناريو في مصر صار يعتمد على مجموعةٍ من الأسماء، ومن الواضح أنه «منغلقٌ عليهم»، وبالتالي فإنه قد يُقدم كاتبٌ جديدٌ على تحويل روايةٍ أدبيةٍ إلى مسلسلٍ تليفزيونيٍ أو فيلمٍ، ولكن لا يتم تنفيذ هذا المُنتّج.
يؤكد «الخمايسي» في حديثه لـ«النبأ»، أنَّ تحويل روايةٍ ما إلى مسلسلٍ تليفزيونيٍ هو بالطبع «عملٌ مجهدٌ»، والأهم من ذلك أنه يحتاج إلى سيناريست «مُبدع»، ومُخرج «مبدع» مُحب للقراءة أيضًا، منوهًا بأنه في حالة عدم توافر شرط الإبداع، فإنه لن يتم البحث عن روايةٍ لتحويلها عملًا فنيًا للشاشة.
يُشير إلى عاملٍ آخر قد يكون سببًا في ندرة المسلسلات أو الأفلام المأخوذة عن أعمالٍ روائيةٍ، ألا وهو سيطرة ذوقٍ معينٍ على تلك المسلسلات ويتعلق بـ«البلطجة» والجرائم، والوقائع القبيحة، كاشفًا عن وجود محاولةٍ لم تكتمل لتحويل روايته الشهيرة «منافي الرب» إلى عملٍ فني.
الروائي محمد بركة: الأدب والشاشة لا يزدهران إلا بتعاونهما معًا
ويرى الروائي محمد بركة مؤلف رواية «حانة الست» وغيرها من الأعمال الأدبية، أنَّ هذه الخصومة بين الدراما والرواية لا تليق ببلدٍ متحضرٍ مثل مصر، لافتًا إلى أنَّ جميع الأطراف خاسرة بسببها.
يوضح «بركة» في حديثه لـ«النبأ» أنَّ أول الخاسرين هم صناع الأفلام والمسلسلات؛ فهم يحرمون أنفسهم من كنزٍ حقيقيٍ من الأفكار والشخصيات والأماكن والحبكات غير التقليدية، ويحرمون أنفسهم من حوار مغايرٍ وكادرات بصريةٍ تفاجئ المتفرج.
يتابع: «في المقابل، نحن الأدباء لدينا تخمة أدبية تتمثل في صدور عشرات الروايات الجيدة سنويًا، وتعد الشاشة اقتراحًا رائعًا لتوظيفها، فينتشر العمل أكثر ويدر دخلًا أكبر على مؤلفه».
ويستكمل: «ليس من قبيل المبالغة أن نقر بتلك الحقيقة التي يحاول الجميع تجاهلها، وهي أن الأدب والشاشة لا يزدهران إلا بتعاونهما معًا، أو بالتعبير السوقي (نسبةً إلى السوق) يتبادلان المنفعة، وحين نطالع أكبر منصةٍ عالميةٍ للأفلام والمسلسلات وهي نتفليكس نجد أن لديها قسمًا مستقلًا ضخمًا من الأفلام بعنوان (أعمال مستوحاة من الكتب) وهو بالمناسبة أكثر أقسامها إثارةً وتشويقًا للمتعة والتأمل وإطلاق الخيال».
يؤكد صاحب رواية «حانة الست» أنه ليس غريبًا أن أفضل مائةٍ فيلمٍ في تاريخ السينما الأمريكية يساهم فيها الأدب بسهم وافر، وكذلك السينما المصرية، بل إنَّ أكثر الأفلام المصرية تحقيقًا للإيرادات هو فيلم «الفيل الأزرق 2» الذي يعد استكمالًا لفيلمٍ مأخوذٍ عن رواية للكاتب أحمد مراد تحمل الاسم نفسه، وحقق الفيلم أكثر من مائتي مليون جنيه.
يتساءل «بركة»: في المقابل ماذا فعلت الدراما غير المقتبسة عن أعمالٍ روائيةٍ باستثناء قلةٍ قليلةٍ، نجد أن الأغلبية مجموعة من الهواة ينضمون سنويًا تحت مسمى «ورش الكتابة» ليجربوا في المتفرج أدواتهم البائسة من حبكةٍ مهلهلةٍ، وحوارٍ مفتعلٍ، وأجواءٍ مكررةٍ، وقصةٍ قُتلت بحثًا، وكله يأكل عيش على «قفا» الزبون الذي هو «المتفرج».
يُحذر «بركة» من القطيعة بين الأدب والشاشة قائلًا: «المتفرج هو الخاسر الأول والأخير من تلك القطيعة الغبية، الجاهلة والجهولة، بين الطرفين».
«أبو خنيجر»: نجوم الصف الأول في الأعمال الفنية «بعيدون عن الأدب»
ويرى الروائي والقاص أحمد أبو خنيجر أنَّ كُتّاب السيناريو في مصر صاروا محكومين بآلياتٍ وسوقٍ معينةٍ في الإنتاج التليفزيوني، فضلًا عن أنَّ نجوم الصف الأول في المسلسلات التليفزيونية يشترطون الكتابة على مقاسهم، وهم أيضًا (أي النجوم) علاقتهم بالأدب ضعيفة، منوهًا بأنَّ هذا الأمر يجعل صناع الأعمال الفنية لا يُقدّمون على المغامرة في تحويل رواية لكاتبٍ جديدٍ مثلًا إلى مسلسلٍ أو فيلمٍ، ويفضلون الأسماء المضمونة مثل: نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، يوسف إدريس.
في حديثه لـ«النبأ»، يوضح «أبو خنيجر» مجموعةً من الأسباب الأخرى التي تقف وراء قلة أو ندرة تحويل الروايات الجيدة إلى أعمالٍ فنيةٍ؛ فيقول إنَّ الجانب المادي جزءٌ من الأزمة؛ فالمنتج مثلًا قد يقول لنفسه: «لماذا أشتري رواية لتحويلها عملًا فنيًا، طيب ما أدفع لكاتب السيناريو مرةً واحدةً».
يُضيف «أبو خنيجر» أنَّ الأعمال الفنية المصرية صارت تعتمد على توليفاتٍ جاهزةٍ، فضلًا عن أن كثيرًا من الروايات قد تكون صعبةً على كاتب السيناريو، لأن تحويل عملٍ أدبيٍ إلى مسلسلٍ أو فيلمٍ، يحتاج إلى مبدعٍ وسيناريستٍ لديه خيالٌ موازٍ لكاتب الرواية.
يتابع: «كُتاب السيناريو الكبار الذين حولوا أعمالًا لنجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس، أغلبهم أصلًا قادمون من عالم الأدب.. لكن جيل كتاب السيناريو الموجود حاليا أغلبهم مختلف في الوعي والقراءة عن السابقين لهم».
يكشف «أبو خنيجر» عن أنه دار حديثٌ معه عن تحويل رواياته إلى أعمالٍ فنيةٍ، أكثر من مرةٍ، خاصة مع روايات: «العمة أخت الرجال»، «خور الجمال»، «نجع السلعوة».. ولكن كانت هذه العروض لا تكتمل، وأحيانا يُعرَّض عليه المشاركة في كتابة السيناريو لتلك الأعمال، دون وجود أجرٍ مالي مخصصٍ لذلك، بعيدًا عن الحقوق المادية لشراء الرواية أصلًا.
«عُبيّه»: أُخطط لتحويل تلك الروايات إلى أعمال فنية للشاشة
أما الزميل الصحفي وكاتب السيناريو محمد هشام عُبيّه، فيرى أنَّ أزمة ابتعاد الروايات عن الشاشة تقف وراءها العديد من الأسباب منها، أن أغلب كُتّاب السيناريو حاليًا يُفضلون تقديم أنفسهم للوسط الفني من خلال أعمالٍ أصليةٍ لهم، وليست مسلسلاتٍ مأخوذةً عن رواياتٍ، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى مجال تحويل الروايات لأعمال للشاشة، منوهًا بأن هناك سببًا آخر قد يكون جزءًا من تلك الأزمة، وهو يتعلق باحتمالية بُعد عدد من كُتَّاب السيناريو الحاليين عن «الأدب» أصلًا.
يرى «عُبيّه» في حديثه لـ«النبأ» أنَّ الرواية الأدبية شيء، وتحويلها إلى مسلسلٍ أو فيلمٍ شيء آخر، كاشفًا عن أنّ المنتجين لا يتحمسون لفكرة دفع المبالغ المالية لشراء الرواية من كاتبها قبل تحويلها للشاشة، على الرغم من أنَّ المبلغ المخصص لذلك في الغالب لا يكون كبيرًا مقارنةً بالتكلفة المالية الكلية للعمل الفني.
يُشير إلى عاملٍ آخر وراء ابتعاد الرواية عن الشاشة، وهو ذلك المتعلق بـ«دائرة الإنتاج الثقيلة»، بمعنى أنَّ النجاح في إقناع منتجٍ بروايةٍ، يحتاج إلى كاتب السيناريو قدمه «راسخة» في المجال، فضلًا عن وجود تخوفاتٍ لدى المنتجين من «التجديد».
يستكمل: «أنا من أهدافي في مجال السيناريو تحويل عددٍ من الروايات لأعمالٍ تليفزيونيةٍ وسينمائيةٍ، هذا الأمر سيجعلها تتشاف أكثر، ومن خططي أيضًا تحويل كتبٍ غير روائيةٍ إلى أعمالٍ للشاشة، وكذلك تحويل رواياتٍ لبنانيةٍ، والمنصات الرقمية ستساعد في كثرة الأعمال المأخوذة عن رواياتٍ».
وكشف «عُبيّه» في حديثه لـ«النبأ» عن أنه سيحول رواية «مي: ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثمائة ليلة وليلة في جحيم العصفورية» للروائي الجزائري «واسيني الأعرج» إلى مسلسلٍ في الشتاء المقبل مع المخرجة مريم أحمدي، وهي روايةٌ تدور حول حياة الكاتبة اللبنانية مي زيادة، فضلًا عن وجودٍ مشروع آخر يتعلق بتحويل رواية الكاتب إبراهيم عيسى «دم على نهدٍ» مسلسلًا لإحدى المنصات، وهناك مشروع آخر لرواية «هدوء القتلة» للكاتب طارق إمام، من الممكن تحويلها فيلمًا سينمائيًا.
يُضيف «عُبيّه» أنَّه لا يبحث عن روايات «البيست سيللر» خاصةً أنَّ «العين بتكون عليها» من شركات الإنتاج، ولكن همه البحث عن الروايات الجيدة التي تستحق الانتشار أكثر من خلال الأعمال الفنية.
«سليم»: المنتج يُفضل العمل الجاهز من السيناريست والمخرج
يقول الروائي أحمد مدحت سليم إنَّ كُتَّاب السيناريو يفضلون تقديم أعمالٍ لهم من «الألف للياء»، لأن الاستعانة بروايةٍ مثلًا لتحويلها إلى مسلسلٍ أو فيلمٍ قد يتسبب في وجود تعارض بوجهات النظر بين السيناريست وكاتب الرواية الأدبية، فضلًا عن انتشار «ورش الكتابة» التي تقدم مسلسلاتٍ.. هذا أمر يُصعب تلاقي وجهات النظر.
يُضيف «سليم» في حديثه لـ«النبأ» أنَّ المُنتج يفضل العمل الجاهز من قبل المخرج وكاتب السيناريو، ولا يميل إلى التعاقد مع الروائي، ودفع مبالغ مالية له، متابعًا: «عندنا روايات عظيمة تصلح للتحويل مسلسلاتٍ اجتماعيةً تهم الناس في شهر رمضان، ولكن كُتَّاب السيناريو قد يعانون من الكسل.. وهناك أعمالٌ تجريبيةٌ قد يصعب تحويلها».
قدّم الروائي أحمد مدحت سليم أعمالًا روائية حققت صدى ومبيعات، منها «خريف.. دماء وعشق»، «ثلاثة فساتين لسهرة واحدة»، «لقلبي حكايتان»، ويقول «سليم» عن تجربة الاستعانة برواياته لتحويلها أعمالًا للشاشة: «أنا متعاقد بالفعل على تحويل إحدى رواياتي عملًا للشاشة.. ولكن الإنتاج والتنفيذ يستغرقان وقتًا طويلًا».