هل تزيح الحرب في أوكرانيا الدولار الأمريكي عن عرشه لصالح اليوان الصيني؟
كشف الغزو الروسي لأوكرانيا عن عدم التوازن في النظام المالي العالمي. بعد استهداف الغرب لأصول البنك المركزي الروسي وتجميد نحو 300 مليار دولار من أصل 640 مليار دولار من احتياطات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية، لم يتبق لروسيا سوى بعض الأصول من الذهب والرنمينبي الصيني.
وظهر الدولار الأمريكي كعملة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية بسبب القوة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة. وبدأت جميع البنوك المركزية في العالم تقريبا الاحتفاظ بجزء كبير من احتياطياتها من العملات الأجنبية في أدوات مقومة بالدولار الأمريكي باعتباره عملة الملاذ الآمن.
وإلى جانب الدولار، راكمت الدول النامية احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية في أدوات مقومة باليورو والجنيه الاسترليني والفرنك السويسري والين الياباني تصدرها الاقتصادات المتقدمة أو ما يسمى بالغرب.
ويرى خبراء أن ما حدث مع روسيا من عقوبات وارد جدا أن يحدث مع أي دولة أخرى. فالحروب والصراعات الداخلية لن تنتهي. وغالبا تاريخيا ما اتخذ الغرب طرفا في الحروب الأهلية والخلافات الداخلية وهو ما يطرح السؤال: ما مدى أمان الاحتفاظ باحتياطات ضخمة من الدولار الأمريكي وعملات البلدان الغربية الأخرى؟
الحرب الأوكرانية تزيد المخاطر
يقول الخبراء إن حرب أوكرانيا زادت بشكل كبير من المخاطر التي تواجه البنوك المركزية التي تمتلك أصولا ضخمة من الفوركس. فالقاعدة الذهبية لإدارة المخاطر هي تنويع المحفظة. وهذا يعني بشكل شبه حتمي أن العديد من البلدان النامية ستبتعد بصمت عن الأصول المملوكة للغرب وتستثمر في بلدان أخرى، لا سيما الاقتصادات الصديقة.
ويرى الخبراء أن التغيير قد لا يحدث فوريا، ولكنه قد يكون بطيئا. وقد حذر الملياردير الأمريكي ستانلي دراكينميلر، الذي يدير صندوق تحوط، من قبل من أن الدولار قد يخسر في غضون 15 عاما مكانته كعملة احتياطية مهيمنة على الصعيد العالمي. ويأتي تحذير دراكينميلر على خلفية التراجع طويل الأمد الذي شهدته مكانة الدولار في الوقت الذي يشهد فيه العالم توجها تدريجيا نحو نظام الاحتياطي متعدد العملات. وحتى قبل انتشار جائحة كورونا والظروف الاقتصادية الاستثنائيّة التي تسببت فيها، كانت دلائل تراجع هيمنة الدولار واضحة فعلا.
ولا يعتبر دراكينميلر الأمريكي الوحيد الذي أعرب عن مخاوفه من زيادة الطلب في الولايات المتحدة، ووجود بيئة مواتية لارتفاع معدل التضخم وما يصاحب ذلك من تراجع لقيمة الدولار. وقد مثلت هذه المخاوف عاملا ساهم في مزيد اضطراب أسواق الأسهم في مرات عديدة.
وقبل الحرب الأوكرانية، قامت روسيا بزيادة استثماراتها في الرنمينبي الصيني والذهب ربما أنها توقعت تصرفات الغرب. وتشير تقارير إعلامية إلى أن إسرائيل والهند خفضتا أيضا من الدولار واليورو في محفظتهما من العملات الأجنبية خلال الأشهر الستة الماضية.
ويمكن أن يظهر المزيد من التخلي عن الدولار في الكتل التجارية والاستثمارية الإقليمية. ضمن هذه الكتل، قد تحدث التجارة بعملة الدولة العضو الأكثر نفوذا. على سبيل المثال، داخل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، يمكن أن تكون الروبية الهندية خيارا. على الصعيد العالمي أيضا، قد تختار البلدان عملات مختلفة كوسيلة للتبادل مثل الرنمينبي الصيني.
وفي هذا الصدد، تقول تقارير أن المملكة العربية السعودية تفكر بالفعل في تجارة قائمة على اليوان مع الصين. ودخلت الهند مؤخرا في اتفاقية لشراء النفط من روسيا بالروبية والسماح لروسيا باستثمار تلك الأموال في السندات الهندية. وعلى المدى الطويل، يرى المراقبوان ااحتمالا قويا لمزيد من التجارة من بالعملات الأخرى.
الرنمينبي الصيني الرابح الأكبر
وباتت العملة الصينية الرنمينبي تستخدم بشكل متزايد كعملة دولية في السنوات الأخيرة ويتوقع أن تضطلع بدور أكثر أهمية كعملة احتياطية عالمية في المستقبل. ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، في الربع الرابع من عام 2021، شكل الرنمينبي 2.79 في المائة من سلة العملات الاحتياطية العالمية.
وقال عمر راشدي، وهو أستاذ في قسم الاقتصاد والمالية والمحاسبة في كلية إدارة الأعمال بمعهد "إي إس إيه دي إي" في مدريد، إن الرنمينبي "يزيد من حصته كعملة دولية، حيث تضاعفت على مدى العامين الماضيين تقريبا"، مشيرا إلى أن أحد أسباب النمو هو "الزيادة السريعة في حصة الناتج المحلي الإجمالي الصيني في الناتج المحلي الإجمالي العالمي والعلاقات التجارية القوية للصين مع الشركاء الدوليين".
وإلى جانب ذلك، ساهمت مبادرات أخرى مثل مبادرة الحزام والطريق وإصدار اليوان الرقمي أيضا في زيادة قيمة الرنمينبي في السوق الدولية. وقد أشار فيران برونيه سيد، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة برشلونة المستقلة، إلى أن أهمية الرنمينبي كعملة احتياطية ستنمو أيضا إلى نقطة تمثل فيها حوالي "10 في المائة من الاحتياطيات"، مستشهدا في هذا الصدد إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة والنمو البطيء للدول الغربية مقارنة بالصين.
ومن بين الخيارات الأخرى، يتوقع المراقبون أن تحتفظ البنوك المركزية باحتياطيات أعلى من الذهب. وعلى الرغم من أن لك لا يبدو مرجحا اليوم، إلا أنه قد تظهر أصول مبتكرة مثل النفط والمعادن (مثل النحاس أو الألومنيوم) في محافظ البنك المركزي. ولا تبدو العملات المشفرة شديدة التقلب في الوقت الحالي خيارا وجيها، ولكن يمكن اختيارها في المستقبل البعيد إذا استقرت واكتسبت القبول. وفي كل الحالات، سينخفض الطلب على الدولار الأمريكي.
ما إذا كانت حرب أوكرانيا لديها القدرة على إزاحة الدولار الأمريكي كعملة عالمية أم لا، فإن المستقبل وحده هو الذي يمكن أن يجيب على ذلك. ومع ذلك يمكن للحرب أن تسبب هزة كبيرة للدولار الأمريكي وتكشف خطوط الصدع في الاقتصاد العالمي، وربما تؤدي إلى تصدعه هذه المرة.