وليد جاب الله لـ«النبأ»: العالم يواجه موجة تضخمية غير عادية.. والحكومة المصرية أخذت إجراءات تقشفية
قال الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، إن تحريك سعر الصرف يضمن الحفاظ على مكاسب الاقتصاد المصري واستقراره المرحلة المقبلة، لافتًا إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية أشعلت التضخم العالمي، وأدت إلى وصوله لمستويات تاريخية.
وأضاف خلال حواره لـ«النبأ»، أن صندوق النقد الدولي يعتبر مصر قصة ناجح، وتنفيذ مصر لشروط الصندوق يعد إصلاح، موضحًا أن أزمة كورونا، تسببت في إحداث للمواطن رغبة في إشباع التعطش الاستهلاكي.. وإلى نص الحوار
في البداية.. حدثني عن وضع الاقتصادي المصري؟
الاقتصاد المصري يمر بمرحلة استثنائية، نتيجة الظروف العالمية الخاصة بالموجة التضخمية غير العادية، والتي بدأت منذ ظهور فيروس كورونا مع زيادة الطلب العالمي والذي تسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز والطاقة، فضلًا عن ارتفاع أسعار الشحن ونقل السلع والمنتجات عالميًا، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتُشعل هذا التضخم على المستوي العالم ليصل إلى معدلات تاريخية، وعلى الفور تأثرت مصر بالأحداث العالمية حيث ارتفعت تكلفة الواردات المصرية من البترول والقمح؛ ما أدى إلى ضعف الميزان التجاري بصورة لا تتحملها المصادر التعويضية مثل تحويلات المصريين بالخارج أو إيرادات السياحة أو قناة السويس، ما اضطر الحكومة إلى أخذ إجراءات وساسيات تقشفية لاحتواء موجة ارتفاع الأسعار العالمية.
هل يعد انخفاض قيمة الجنيه أحد حلول الأزمة؟
سعر صرف الجنيه أمام الدولار كان حر منذ نوفمبر 2016، ولم تتدخل الدولة في تحديده إلا من خلال السياسات النقدية المتعارف عليها دوليًا ووفقًا لمعايير يقرها المؤسسات الدولية وتراجعها بعثات صندوق النقد الدولي التي زارت مصر طوال مرحلة برنامج الإصلاح الاقتصادي، والتي بدأت أولى مراحلها خلال 2016 / 2019، وحصلنا منه على 12 مليار دولار على دفعات أو المرحلة الثانية الذي تمت خلال فترة كورونا وحصلنا على 8 مليارات دولار، ولكن منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية أًصبحت مصر غير قادرة على استقرار سعر الصرف في ظل معدلات تضخم قياسية؛ لذلك ليس أمام صناع القرار أما أن يؤجل قرار تصحيح سعر العملة ودعمها بالاحتياطي أو أخذ إجراءات استباقية بتصحيح سعر العملة؛ نتيجة خروجها عن قدرة السياسة النقدية على الحفاظ عليها، لذلك تم الوصول بسعر الصرف إلى مستوى نستطيع التعامل معه يضمن الحفاظ على مكاسب الاقتصاد المصري واستقراره المرحلة المقبلة.
ماذا عن رفع سعر الفائدة؟
الفائدة هي أداة للسياسة النقدية تحاول من خلالها الدولة امتصاص السيولة من السوق؛ مما يؤدي إلى تراجع اتجاهات المستهلك إلى السلع الاستفزازية؛ مما يخفف الطلب على الواردات من الخارج، وهو ما يشجع أصحاب رؤوس الأموال على إيداع ما لديهم في البنوك، والابتعاد عن الشراء؛ مما يخفض الطلب على الدولار، وخاصة مع ظهور الشهادة الاستثائية ذات عائد الـ18% لمدة سنة، وهي المدة المتوقع فيها استمرار الحرب بين أوكرانيا وروسيا وبعدها تعود الأمور إلى طبيعتها.
هل تتوقع رفع الفائدة مرة أخرى؟
السياسة النقدية تراجع متغيرات السوق للحفاظ على معدلات التضخم، الذي يستهدفه البنك المركزي بين 5% إلى 9%، وبناء على ذلك يتم تحديد أسعار الفائدة وفقًا لهذه المتغيرات؛ لذلك أتوقع تثبيت أسعار الفائدة الفترة المقبلة، ولا سيما مع استقرار الأوضاع في الأسواق.
وبالنسبة لسعر الدولار؟
الدولة لديها احتياطي نقدي آمن وسياسات نقدية تساعد في استقرار أسعار الصرف خلال الفترة الحالية، مع هامش ارتفاع أو انخفاض محدود حتى نهاية 2022، وعند عودة الحياة الطبيعية للاقتصاد العالمي، سيترتب عليه انخفاض الدولار وارتفاع قيمة الجنيه بصورة تدريجية.
ما رؤيتك المستقبلة للوضع الاقتصادي؟
الدولة المصرية قامت بإجراءات استثنائية تضمن الاستقرار الاقتصادي خلال تلك الظروف حتى نهاية عام 2022 ومطلع 2023، من قرارات الحكومة تصحيح سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة وتجديد ودائع الاحتياطي مع السعودية والكويت وبرنامج الدعم الذي يتم إعداده حاليًا مع صندوق النقد الدولي، وهي خطة قصيرة الأجل نظرا لظروف الحرب الروسية الأوكرانية ثم تأتي بعد ذلك مرحلة أخرى وهي ما بعد الحرب، التي من المتوقع تتحسن فيها الحالة الاقتصادية وتعكس قدرة الاقتصاد المصري الحقيقية بعد انخفاض معدل التضخم العالمي وتراجع في أسعار البترول والقمح وارتفاع في إيرادات مصر السياحية.
هل سيكون لصندوق النقد الدولى شروطًا جديدة؟
صندوق النقد الدولي يعتبر مصر قصة ناجح، وساندها خلال فترات البرنامج، عندما تنفذ مصر شروط الصندوق فهي تستهدف إصلاح الدولة، ولكن إذا نظرنا إلى ضوابط صندوق النقد الدولي فهي تتوافق بطبيعتها مع الإصلاحات الاقتصادية والخصوصية المصرية، وليس هناك فرق بين متطلبات الصندوق وواقع الاقتصاد المصري، والذي أصبح مندمجا مع الاقتصاد العالمي؛ لذلك مصر حريصة على الاستمرار في التعاون الدولي ولا يوجد هناك مشكلة كبيرة في البرنامج الاقتصادي الخاص بالصندوق خلال الفترة القادمة.
ماذا تقصد بعدم وجود مشكلة في البرنامج؟
القرارات التي تمس المواطن تم أخذها بالفعل، مثل تحديد سعر الصرف حيث إنه حر منذ 2016، بالإضافة إلى رفع الدعم عن البنزين والكهرباء، ولكن بالعكس هناك مطالبات من جانب الصندوق بوجود حزم لحماية الشرائح الأولى بالرعاية، ومن ناحيتها مصر تهتم بهذا الجانب وتسعى إلى تطويره، كما أن الصندوق يطالب بطرح أسهم شركات في البورصة، وزيادة تنافسية القطاع الخاص وإعطائه مساحة أكبر للعمل وهذا أيضًا تقوم به مصر بالفعل.
كيف ترى ارتفاع حجم الديون المصرية؟
لا يوجد معيار عالمي محدد يتعلق بتحديد سقف الدين، حيث إن اتفاقية ماستريخت في الاتحاد الأوروبي كانت تتحدث بأن الدين يحسب على 65% من الناتح المحلى، ولكن نشاهد حجم الدين يتجاوز في الولايات المتحدة الأمريكية الناتج المحلى، أما اليابان يتجاوز فيها الضعفين، وبالتالي الأهم وفي تحديد حجم الديون القدرة سداده واستدامة الاقتصاد، كما أن المؤسسات الدولية لا تمنح قروضًا لدول إلا لو كانت تمتلك اقتصادا يسمح لها بالسداد، فإن الديون المصرية ارتفعت إلى ما يجاوز 100% من الناتج المحلى في 2015 /2016، ثم أخذت مسارًا تنازليًا إلى مستوى أقل من 90% قبل بداية تداعيات كورونا 2019، وبعد الحرب الأوكرانية عادت إلى مستويات أكبر، إلا أنه من المتوقع خلال تصميم الموازنة العامة تراجع مستوى الدين؛ نتيجة تحقيق فائض أولى يعادل 1.5%، والدين المصري بمستوياته الحالية لا يمثل خطورة، بدليل أن مصر لم تتخلف عن سداد أي دين في مرحلة من مراحلها وموافقة صندوق النقد الدولي على التعاون مع مصر، يعد ثقة بقدرة مصر على سداد ديونها.
ماذا عن موجة ارتفاع الأسعار التي تشهدها مصر؟
ارتفاع الأسعار في مصر له عدة عناصر، ويمكن أن نصنفه إلى أقسام أولهم هو ما ذكره الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، بأن 35% من التضخم بسبب أسباب خارجية خاصة بفيروس كورونا والأزمة الأوكرانية الروسية، 65% متعلق بارتفاع الاستهلاك في مصر خلال شهر شعبان ورمضان، وخاصة في المواد الغذائية، بالإضافة إلى رغبة المواطنين في إشباع رغبة التعطش الاستهلاكي والذي نشأ لدى البعض خلال الإغلاق الكامل الذي حدث عقب أزمة كورونا؛ ما أدى إلى ارتفاع الطلب والزيادة العالمية؛ نتج عنه ممارسات ضارة من بعض التجار، إلا أن الدولة قامت بمجموعة من الإجراءات لمواجهة هذا التضخم.
ما تلك الإجراءات؟
أبرزها خفض سعر العملة ما يودي إلى ارتفاع الصادرات، بالإضافة إلى الشهادات ذات عائد الـ18% لسحب السيولة من الأسواق، وانخفاض الطلب مما يرفع من مستوى العرض وتنخفض الأسعار، بالإضافة إلى توفير البدل من السلع الأساسية في المعارض والمجمعات الاستهلاكية وشن حملات لمحاربة جشع التجار، فضلًا عن زيادة رواتب الموظفين والمعاشات، في أبريل بدلًا من يوليو، بجانب الإعفاءات الضريبية التي تصل مدتها إلى 3 سنوات، وهو ما يعد حماية لجميع طبقات المجتمع.
متى تنخفض الأسعار؟
الأسعار ستستقر على معدلات الحالية حتى يتم الانتهاء من الحرب الروسية الأوكرانية، والتي يليها انخفاض في أسعار النفط والسلع الأساسية في العالم في البورصات، بعدها من المتوقع أن تنخفض جميع أسعار السلع.
هل سترتفع أسعار البنزين؟
أتوقع تحريك أسعار البنزين خلال اجتماع لجنة تسعير الوقود أبريل القادم، ارتباطًا بالأسعار العالمية ولكن اللجنة مقيدة بزيادة قيمتها 10%، ولن يرتفع أكثر من ذلك.
هناك أنباء حول توقف استيراد السلع غير أساسية.. ما رأيك؟
لا بالطبع، العمليات الاستيرادية مستمرة، والدولار متوفر في البنوك سواء للسلع الأساسية أو غير الأساسية، ولم نشهد أي نقص في السلع طوال الأيام الماضية، ولكن الأزمة لدى المستوردين في قرار فتح الاعتمادات المستندية فضلًا عن آليات الإخطار المسبق للجمارك، هو ما يعد مرحلة انتقالية لتغيير نظام الاستيراد، ويشكل عقوبات أمام المستوردين ولكنها لن تمنع من وجود واردات تدخل مصر.
كيف تستفيد مصر من انخفاض الجنيه لزيادة صادرتها؟
انخفاض الجنيه يعطي ميزة للصادرات المصرية، بجانب قلة الأجور والوقود لا سيما الغاز هو المطلوب خارجيًا، لكن الصادرات المصرية تعاني في الوقت نفسه من ارتفاع تكلفة المواد الخام المستوردة، ويجب أن ننظر أيضًا إلى أن التصدير ليس مستهدفًا خلال الفترة الحالية، مع حظر دول العالم التصدير لما نواجه من الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أظهرته الحكومة عندما منعت تصدير الحبوب والذرة والبقوليات والمكرونة.
إذًا كيف نواجه الأزمة؟
خلال الفترة الحالية ما يمكن أن تقوم به مصر هو امتصاص الصدمة، حيث إذا استمرت تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا على هذا النحو، سيعطي فرصة كبيرة لمصر للزراعة في الصحراء والإنتاج، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الخارجي وجذب وجهات تمويلية لزراعة المحاصيل مستهلكة الطاقة مثل ذرة، بالإضافة سيحدث إعادة هيكلة للاقتصاد المصري مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
ما رأيك في ارتفاع أسعار السوق العقاري؟
الارتفاعات التي طالت سوق العقارات في مصر جاءت نتيجة زيادة في أسعار مواد البناء، ولكن لن يكون هناك ارتفاعات جديدة في العقارات الفترة المقبلة؛ وسيستقر على أوضاعه الحالية.
مع موجة الغلاء.. ما الاستثمار الآمن في مصر؟
العقارات تعد استثمارا طويل الآجل فهو قطاع يمرض ولا يموت، أما بالنسبة للذهب جيد ولكن القفزات في الأسعار حدثت بالفعل ولن تحدث مجددًا إلا على فترات بعيدة، وهناك أفراد اتجهوا للاستثمار في العملات المشفرة أو الرقمية، وهذا أحذر منه لأنه يحقق أرباحا ولكنه مجال غير مشروع ويحقق أيضًا خسائر لكل المدخرات في لحظة، كما أحذر أيضًا من التنقل بين الأصول من لديه عقار أو ذهب أو مشروع يحافظ عليه خلال الفترة الراهنة، ولكن إذا نظرنا إلى الاستثمار في الدولار فهو غير مناسب؛ لأن الشهادات ذات العائد 18%، تحقق أرباحا قصيرة الأجل وأكبر من أى هامش يأتي في المستقبل وهو الأفضل خلال الفترة الحالية.