تفاصيل غضب إسرائيل من علماء الأزهر وطلب الوساطة لزيارة المشيخة
اتخذ الأزهر الشريف على مدار السنوات الماضية مواقف حازمة تجاه رفض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وفكرة التطبيع بشكل عام، وكانت هناك مواقف وطنية لشيوخ الأزهر، فيما كان القليل منهم له رأى مختلف بشان فكرة التطبيع، ورغم العلاقة الفاترة بين الأزهر والكيان الإسرائيلي، إلا أن هناك بعض الشخصيات الأزهرية التى تسببت في غضب إسرائيل نتيجة الهجوم عليهم، وهناك قصص والمواقف كثيرة لذلك.
وفي أحد الأيام، فوجئ الكاتب الراحل أنيس منصور بالرئيس الراحل أنور السادات يستدعيه ليبلغه أمرا مهما بخصوص الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي.
أمسك السادات بخطاب تلقاه من رئيس وزراء إسرائيل حينها «مناحم بيجين»، يشكو فيه من أن الشيخ محمد متولي الشعراوي يهاجم اليهود ليلًا ونهارًا ومن غير مناسبة، في الحلقتين الأخيرتين قبل إرسال خطابه.
وروى أنيس منصور حينها: «ذهبت إلى التليفزيون أطلب مشاهدة الحلقتين الأخيرتين للشيخ الشعراوي، ولم أجد شيئًا مما نقلوه إلى «بيجين»، فالشيخ الشعراوي أحد الخبراء فى البلاغة القرآنية، وتفسيره البلاغي للقرآن الكريم متعة، وكذلك قدرته على تحليل المعانى الإلهية».
ومضى «أنيس» في حديثه: «وقد شاهدت حلقات أخرى للشيخ محمد متولى الشعراوى وتبينت أن الرجل لا يهاجم اليهودية ولا المسيحية فهو فقيه مسلم يفتش فى كنوز المعاني البديعة، وعدت للرئيس السادات أنقل إليه ما وجدت، ولكن الرئيس كان مشغولا بهذا الخطاب الذى ضايقه، ورأى أن بيجين قد زودها وحشر أنفه فيما لا شأن له به، وخير له أن يطلق الرصاص على هؤلاء الجهلاء الذين سمعوا الشيخ محمد متولى الشعراوي وأساءوا الترجمة تمامًا، كما حدث بعد إلقاء خطابه الشهير فى الكنيست الإسرائيلي».
وتابع أنيس منصور: «وفجأة تلقيت خطابًا من الدكتور بطرس غالى وزير الدولة للشؤون الخارجية وفي الخطاب نص خطبة وزير التعليم الإسرائيلي وفي الخطبة يقول: «لن يتحقق السلام بيننا إلا إذا حذفتم بعض آيات من القرآن الكريم».
واستكمل: «هنا كلفني الرئيس السادات بأن أسافر إلى إسرائيل فورًا وقال لي «قل لبيجين على لساني: إذا لم يكف عن الإدعاء بأن محمد متولي الشعراوي يهاجم اليهود وليس الصهاينة، فإنه سينشر خطبة وزير التعليم الإسرائيلى على جميع القنوات في مصر والعالم العربي على أوسع نطاق، ونوقظ الكراهية النائمة عند ملايين المسلمين».
أبلغ أنيس منصور الرسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلى «بيجين» ويؤكد في الكتاب أن «بيجين» قرر أن يكف عن مهاجمة الشيخ الشعراوي، وأن يخرس وزير التعليم الإسرائيلي، ورفع «بيجين» يديه بما معناه أنه لن يفعل، وأن هذا يكفى».
مواقف شيوخ الأزهر تجاه إسرائيل
وأحدث عدد كبير من شيوخ الأزهر غضب الكيان الصهيوني، من بينهم الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الازهر الراحل والذى تولى من 1973 حتى 1978، حيث رفض أن يكون مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى زيارته للقدس، وأعلن رفضه التام للتطبيع، والسلام مع إسرائيل.
نفس الموقف اتخذه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر ومفتى مصر الأسبق، تولى من عام 1982 حتى عام 1996 حيث قال إن من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلى القدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين اليهود، وتعود إلى أهلها مطمئنة يرتفع فيها ذكر الله والنداء إلى الصلوات وعلى كل مسلم أن يعمل بكل جهده من اجل تحرير القدس ومسجدها الأسير.
وقدمت إسرائيل شكاوى عديدة للرئيس مبارك وطالبت بالوساطة مع «جاد الحق» والسماح باستقبال رجال دين إسرائيليون، وهو ما رفضه شيخ الأزهر الأسبق نهائيًا ولم يستقبل أى حاخامات يهودية أو مسئولين يمثلون إسرائيل في أى مناسبة.
نفس الأمر تكرر مع شيوخ الأزهر العظماء السابقين، منهم الشيح محمد المراغي كان له رأي في الأزمة الفلسطينية، ففي 16 أغسطس من عام 1929 حين توجه المسلمون بعد صلاة الجمعة لزيارة حائط البراق، فوجدوا اليهود منتشرين فيه فوقع صداما عنيفا وكانت هذه الأحداث موضع اهتمام الأزهر الشريف، حيث حذر شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي السلطات البريطانية من الأعمال التي يقوم بها اليهود.
كذلك الشيخ عبد المجيد سليم الذي تولى مشيخة الأزهر من 1950، وأفتى شيخ الأزهر في سؤال ورد للجنة الفتوى بالأزهر حول حكم من يبيع أرضه لليهود أو يعمل سمسارًا لترويج هذا البيع باعتبار أن المسلمين عامة وأهل فلسطين، خاصة إذا علموا أن هذا السلوك يفيد اليهود فى الوصول إلى أطماعهم من امتلاك البلاد وتهويدها، بتشديد حكم الله على من يعين أعداء الدين ويتخذهم أولياء من دون المؤمنين من القرآن الكريم والسنة النبوية، وجاء فى الفتوى: «الرجل الذى يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم فى شيء من هذه الآثام المنكرة وساعد عليها مباشرة أو بواسطة لا يُعد من أهل الإيمان، وعلى المسلمين أن يعادوا هؤلاء وينبذوهم ويقاطعوهم فى متاجرهم ومصانعهم ومساكنهم ومجتمعاتهم».
وكان هناك دور هام ضد إسرائيل من جانب الشيخ محمد الفحام شيخ الجامع الأزهر الشريف، فله موقفه إزاء القضية الفلسطينية، ففى 1973 أكد شيخ الأزهر حتمية الجهاد ضد إسرائيل لإنقاذ الأراضى الإسلامية من سيطرة الأعداء عليها.
كذلك الشيخ محمد مأمون الشناوي فى إبريل عام 1948 قبل إعلان دولة إسرائيل بشهر واحد، عقد اجتماعا فى القاعة الكبرى بالأزهر الشريف برئاسة شيخ الأزهر وضم عددًا كبيرًا من علماء الأزهر يتقدمهم مفتى الديار المصرية لبحث مسألة فلسطين، واستقر رأيهم بالإجماع على ضرورة إنقاذ فلسطين وأن السبيل لذلك هو تكاتف الحكومات الإسلامية والعربية، بذل كل مسلم وعربى ما يستطيع من مال ونفس لمعاونة الحكومات فى ذلك، مع مطالبة الحكومات بتهيئة المأوى والنفقة للعرب المشردين من فلسطين، باعتبار ذلك واجبًا دينيًا مع ضرورة إبلاغ هذا القرار جميع الحكومات الإسلامية وكان للفتوى التي أصدرها «الشناوي» أثناء حرب 1948 أكبر محفز للمجاهدين المصريين الذين شاركوا فى الجيوش العربية لتحرير فلسطين بعد إعلان قيام دولة إسرائيل.
وآخر الشخصيات غير المرضي عنها في إسرائيل وتسعى دائمًا لفتح حوار معه هو الإمام الأكبر أحمد الطيب، فلم يكن موقف الإمام الأكبر أحمد الطيب الداعم للقضية الفلسطينية، ورفضه لقاء نائب الرئيس الأمريكي بالأمر الجديد على المؤسسة الدينية العريقة، التي كان لها رأي ومواقف قوية ضد الكيان الصهيوني طوال تاريخها، حيث كانت الداعم الأول للفلسطينيين في قضيتهم العادلة سواء بالفتاوى التي تصدرها والداعية إلى مناصرة الشعب الفلسطيني، أو بالمؤتمرات التي تدعو فيها لتقديم يد العون للفلسطينيين أو بالمواقف السياسية التي اتخذها شيوخ الأزهر السابقين، بل ندد «الطيب» بالتطبيع مع إسرائيل ورفض عقد أى لقاءات مع حاخامات إسرائيلية سواء بالمشيخة أو مؤتمرات حوار الأديان بالخارج.
على النقيض خرجت إشادات إسرائيلية لعلماء الأزهر، وكان على رأس المرض عنهم من جانب تل أبيب الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق، حيث إنه أول من أجاز التطبيع مع إسرائيل، بل استقبل حاخامات يهود داخل مشيخة الأزهر، كما حرص شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى على مصافحة الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، فى مؤتمر حوار الأديان، وأثار وقتها جدلًا عنيفًا فى الأوساط السياسية والبرلمانية المصرية، فما إن نشرت وسائل الإعلام الصورة حتى ثارت أوساط المعارضة المصرية الرافضة للتطبيع بكل صوره، واعتبرت المصافحة خرقًا كبيرًا للموقف من التطبيع، فى ظل الحصار الإسرائيلى للشعب الفلسطيني.
واتهم شيخ الجامع الأزهر محمد سيد طنطاوى، فى حديثه لقناة فضائية، الرافضين للتطبيع مع إسرائيل بأنهم جهلاء وجبناء، وأكد رفضه دعوة البابا شنودة الثالث لمقاطعة إسرائيل ومنع المسيحيين من الحج إلى القدس إلا بعد تحريرها، وقال «إن من يمتنع عن مقابلة عدوه فهو جبان».
وفي 18 إبريل عام 2012، زار الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، مدينة القدس برفقة الأمير غازي بن محمد ممثل المملكة الأردنية الهاشمية، ولاقت الزيارة اعتراضات عديدة خاصة من الأزهر الذي أدان زيارة مفتي الجمهورية وقتها، وأدان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، الزيارة إثر جلسة طارئة تم عقدها برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وكذلك تمت إدانة الزيارة من قبل اللجنة الدينية لمجلس الشعب.
وأكد علي جمعة، أن جميع العلماء حثوا على زيارة القدس، وأن حظر السفر إليها قرار سياسي لا علاقة له بالدين، وكان للزيارة ترحيب كبير واشادة داخل إسرائيل وخرجت الصحف الإسرائيلية تشيد بموقف على جمعة وزيارة للقدس.