أسرار اختلاف العلماء في تحديد موعد ليلة القدر
من المعلوم أن ليلة القدر تكون في الليالي الوترية من العشر الأواخر، وربما يغيب عن الكثيرين أنها قد تقع في الليالي الزوجية أيضًا.
وأختلف العلماء في تحديد أيام ليلة القدر، ففي مفاجأة قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كان يجتهد غاية الاجتهاد في العبادة خلال العشر الأواخر من رمضان.
وأضاف وزير الأوقاف، في خطبة الجمعة، أن بعض الناس يترقب وينتظر ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين من رمضان، منوها بأن النبي الكريم قد بين لنا أنها قد تكون في أي ليلة من ليالي العشر الأواخر.
آراء شرعية تحسم ليلة القدر
وذكر وزير الأوقاف، أن المسلم يستحب له أن يتحرى ليلة القدر في جميع الأيام العشر سواء وترية أو غيرها، ويتحراها بشكل خاص في الليالي الوترية، أو حتى ليلة يوم الثلاثين.
وقد وردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحري ليلة القدر على ثلاثة أوجه، الوجه الأول: الحث على التماسها في الليالي الفردية من العشر الأواخر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُلْتَمِسًا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ وِتْرًا"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "وَإِنِّي أُريْتُهَا لَيْلَةَ وِتْرٍ".
والوجه الثاني من الأحاديث النبوية الشريفة يحث على تحري ليلة القدر في الليالي الزوجية، كالذي ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان"، وهذا الحديث يحتمل أن تكون هذه الليلة زوجية أو فردية.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الْتَمِسُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، أَوْ خَامِسَةٍ تَبْقَى، أَوْ سَابِعَةٍ تَبْقَى"، ومعنى هذا أن ليلة القدر قد تكون في الليالي الفردية أو الزوجية على السواء، لأن الشهر قد يصل إلى ثلاثين أو ينقص إلى تسع وعشرين.
ودلَّت أحاديث أخرى بصورة أوضح على إمكانية مجيء ليلة القدر في الليالي الزوجية، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا كَانَتْ أُبِينَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَإِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِهَا فَجَاءَ رَجُلانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، الْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ".
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "إِذَا مَضَتْ وَاحِدَةٌ وَعِشْرُونَ، فَالَّتِي تَلِيهَا ثِنْتَانِ وَعِشْرِونَ، وَهِيَ التَّاسِعَةُ، فَإِذَا مَضَتْ ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ، فَالَّتِي تَلِيهَا السَّابِعَةُ، فَإِذَا مَضَى خَمْسٌ وَعِشْرُونَ فَالَّتِي تَلِيهَا الْخَامِسَةُ"، فتفسير أبي سعيد رضي الله عنه للحديث يعني أنها قد تقع في الليالي الزوجية أيضًا.
أما الوجه الثالث من الأحاديث الشريفة فقد دلَّ على الجمع بين الأمرين، وهو تحري ليلة القدر في جميع ليالي العشر الأواخر، كقوله صلى الله عليه وسلم: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي فَنُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ
من جانبه قال الشيخ سليم عبد العزيز عضو لجنة الفتوى، أولًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ليلة القدر على وجه التعيين، ثم أنسيها لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى وهي: أن يتحفز الناس للعبادة والدعاء في كل العشر، وأن لا يخصوا ليلة منها بعينها، والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى (تخاصم) رجلان من المسلمين فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ". وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنُسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر"
مشيرا إلى أن. هذان الحديثان يبينان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها، ويبينان نسيانه لها تحديدًا، هذا وقد روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان". وإذا علم هذا فعليه أن يعلم أيضًا أن المراد بالإنزال في الآية إنزال القرآن إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم منجمًا، فإنزاله إلى السماء الدنيا يكون في ليلة، ولا يلزم من هذا أن يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم تحديدًا، لأنه أنزل إليه القرآن مجزءًا ولم ينزل إليه جملة، هذا مذهب جمهور أهل العلم في المراد بالإنزال في ليلة القدر، وقد حكى عليه بعضهم الإجماع، وإن لم يسلم له. .