على الهواري يكتب: الحجاب ومارين لوبان وإبراهيم عيسى وشركاهم
الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في فرنسا، والتي أسفرت عن فوز الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون بولاية ثانية، ليصبح بذلك أصغر رئيس للدولة الفرنسية منذ نابليون بونابرت، وأول رئيس فرنسي يتم اعادة انتخابة لولاية ثانية منذ 20 عاما، كشفت عن أن هناك توافقا تاما في الرؤى والفكر بين اليمين المتطرف في فرنسا وأوربا، والتيار العلماني الحداثي في مصر والوطن العربي، فيما يتعلق بقضية الحجاب.
الحجاب واليمين المتطرف في فرنسا وأوربا
يضع اليمين المتطرف في أوربا قضية الحجاب على رأس أولوياته، حيث تطالب كل الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا بحظر الحجاب باعتبار أنه يمثل خطرا على الهوية الأوربية، وأنه ضد القيم والتقاليد الغربية.
وفي الانتخابات الفرنسية الأخيرة اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منافسته في الانتخابات الرئاسية، مارين لوبان، بجر البلاد إلى حرب أهلية، على خلفية موقفها من الحجاب، بعد أن أكدت، مرشحة اليمين المتطرف، اعتزامها حظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة في حال انتخابها رئيسة لفرنسا، معتبرة إياه "زيا موحدا فرضه الإسلاميون".
وكان عددا من الدول الأوربية مثل إيطاليا والنمسا وفرنسا قد رضخت لضغوط اليمين المتطرف وقررت حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
وكان مجلس أوروبا، وهو هيئة حقوقية، قد تراجع عن حملة لتعزيز التنوع بين النساء ودعم حريتهن في ارتداء الحجاب الإسلامي، شارك في تمويلها الاتحاد الأوربي، بعدما أثارت احتجاجا شديدا من قبل اليمين المتطرف في فرنسا وبعض الدول الأوروبية.
مفكرون وعلمانيون ينكرون الحجاب
ينكر الكثير من المحسوبين على التيار العلماني أو الليبرالي في مصر الحجاب، ويرون أنه ليس فرضا، وأنه مجرد عادة، وأن القرآن لم ينص عليه، وأنه يمثل تحقيرا وإهانة للمرأة، واعتداء على حريتها الشخصية، وأنه يحط من كرامتها، وأنه ضد الديمقراطية والتعددية، وينتقص من حقوق المرأة، وأن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية التي جاء الإسلام بذمها وإبطالها.
فالمفكر ووزير الثقافة الأسبق، الدكتور جابر عصفور، أكد أكثر من مرة على أن الحجاب ليس فريضة، وهو عادة وليست عبادة، وأن مصر حديثة العهد بالحجاب ولو أصبحت المرأة سافرة لما تحدث عنه أحد، وأوضح أنه على استعداد أن يقدم حججًا تؤكد صحة هذا الرأى، مشيرًا إلى أن هناك عددًا كبيرًا من مشايخ الأزهر، مثل محمد شلتوت وحسن العطار ومحمد عبده والطهطاوى ومحمود زقزوق قالوا بأنه لا يوجد زى خاص فى الإسلام، وأن المعول عليه فيما يتصل بالمرأة هو أخلاقها الحسنة وعفتها وليس مجرد قطعة قماش تعد من النوافل.
وذكر عصفور في تصريحات له، أن الفريضة هو الأمر الدينى الثابت الذى لا يقبل النقاش مثل الصلاة والصوم، أما الحجاب فحوله الكثير من الجدل والآراء فهو ليس فريضة بأى حال من الأحوال، كما أن الحجاب لم ينتشر فى مصر إلا فى وقت معين بعد مجىء السادات وتحالفه مع ما يسمى بالإسلام السياسى، فبداية ارتداء الحجاب كان إشارة على فكر سياسى يتمسح بالدين الإسلامى.
أما الكاتبة والصحفية الراحلة الدكتورة نوال السعداوى، فقد اعتبرت أن الحجاب والنقاب ضد الأخلاق والأمن، مشيرة إلى أن الأخلاق تأتى بالتربية لا بالدين، ومعظم من يذهب لعيادتها من النساء لسن مقتنعات بالحجاب، لكنهن خائفات، مضيفة: "الأخلاق سلوك وليس ملابس هو "مظهر غلط"، متسائلة: "لماذا لا يتحجب الرجل؟ فالرجال لهم مفاتن مثل المرأة بالظبط، فالنساء ينظرن للرجل بشهوة"، واعتبرت أن الحجاب من العبودية، وهناك مدارس فى الإسلام ضد الحجاب، مؤكدة على أن الذين يفسرون الأديان هى القوة السياسية، وكل نظام سياسى يفسر الدين كما يشاء.
أما المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد، قال فى تعقيبه على الحجاب: "إذا كانت المسألة تتعلق بالفتنة فهناك رجال يفتنون النساء، وبالتالى عليهم التحجب وفق هذه النظرية.
وتساءل: "هل الفرائض زادت فريضة سادسة حتى نقول إن الحجاب فرض، إذا نظرنا للمسألة على أن الحجاب فرض من الناحية الفقهية والقانونية، فأنا أعتقد أن هذا صعب، وإذا كانت المسألة تتعلق بالفتنة فهناك رجال يفتنون النساء، فعليهم إذن أن يغطوا وجوههم".
أما الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى، فقال إن التمسك بالنقاب أمر يثير السخرية أحيانًا وعندما يسيرون فى الشارع يملئونه بالسواد، ففى أى بلد متقدم لا يوجد نقاب سوى فى المجتمعات المتخلفة والبلدان التى تكره نفسها ومواطنيها وتتعامل معهم على أنهم حيوانات.
وأضاف "حجازى"، فى تصريحات سابقة، أن الحجاب والنقاب شعارات رفعها الإخوان لتدمير الهوية العربية ولا بد من التخلص منهم ومن أفكارهم.
كما اعتبرت الكاتبة الصحفية وعضو مجلس النواب فريدة الشوباشى، أن الحجاب انتشر مع انتشار أفكار الإخوان والسلفيين؛ وهم من روجوا إلى ارتدائه، لكنه ليس من فرائض الإسلام، وأعلنت عن نيتها تقديم مشروع قانون للمجلس بتحريم النقاب ومنعه.
كما اعتبر الباحث إسلام البحيرى، فى تصريح سابق له، أن الحجاب ليس من أصول الإسلام.
أما الكاتب والمفكر، شريف الشوباشي، فقد دعا في 2015، إلى تنظيم مليونية في ميدان التحرير لـ«خلع الحجاب»، وطالب وزارة الداخلية بتوفير الحماية اللازمة للمشاركات، مؤكدا على أن فتيات مصر تعرضن للتهديد والترويع والإرهاب النفسى حتى يتم إجبارهن على ارتداء الحجاب، مشيرا إلى أن 99% من العاهرات محجبات.
فيما أكد الإعلامي إبراهيم عيسى، أنه لا وجود لكلمة الحجاب في القرآن والسنة، مشيرا إلى أن تعبير الحجاب حديث لم يكن يعرفه الصحابة، والآية التي تتكلم عن الحجاب في القرآن المقصود منها دورة المياه، وهي المكان الذي يحتجب فيه الإنسان ليقضي حاجته.
وقال عيسى، إن الحجاب ليس قضية جوهرية في الإسلام، وأركان الإسلام خمسة ليس من بينها الحجاب وأوامر الله لا بد من تنفيذها ما دامت واضحة، مشيرا إلى أن ما قيل عليه الحجاب ليس المقصود منه، لافتا إلى أن الرافضين لمنع فرنسا للحجاب عليهم أن يغادروها أو يحترموا قوانينها.
أما المفكر الراحل سيد القمني، فقال، أن من يقول بأن الحجاب فريضة "كذّاب أشر"، وأضاف ساخرًا: "من يتعامل مع العري على أنه عار فعليه أن ينشأ سوق رق للنساء".
وتابع: "نحن في مأزق شديد وفي قاع مزبلة الأمم بسبب موقفنا من العري وحزين لفرض الحجاب على النساء والبنات".
أزهريون يشككون في فرضية الحجاب
هذا الجدل عن الحجاب وهل هو فرض أم عادة وصل إلى علماء ينتمون للأزهر والمؤسسة الدينية الرسمية في مصر، وعلى رأسهم الدكتور سعد الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذي أثار جدلا كبيرا بسبب ما ذكره من أدلة تنتهي إلى أن الإسلام لم يحدد زيا للمرأة، وأن الحجاب ليس فرضًا، متهما من قالوا بفرضية الحجاب بأنهم يريدون أن يجعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين والناس ويريدون فرض ثقافتهم القروية على نساء العالم.
وقد رد الدكتور على جمعة، مفتي مصر السابق، على موقف الدكتور سعد الدين الهلالي من الحجاب قائلا: أن جامعة الأزهر بها 7500 أستاذ، إضافة إلى هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، يتفقون على فرضية الحجاب، ووصف كلام الهلالى بـ «الشذوذ»، متابعا: «هذا الشذوذ من واحد فقط نسميه في الفقه المفتي الماجن، وهو الذي يفتي بهواه ويعرض على الناس أمرا مخالفا للإجماع ولاتفاق الناس، وأن الشرع يأمرنا الشرع بعدم طاعة المفتي الماجن».
وقال الشيخ خالد الجندي، الداعية الإسلامي من خلال برنامجه "لعلهم يفقهون" إن الحجاب فريضة تم إقرارها في القرآن والسنة والإجماع، مشيرا إلى أن هناك فرقا بين الحجاب والخمار، موضحًا أن "الخمار هو أى شيء يغطي الرأس فقط، أما الحجاب يعني الحاجز أو الفاصل بين الشيء والشيء، والحجاب هو الذى لا يرى بسببه من المرأة شيء".
ووجه "الجندي" رسالة إلى المحجبات قائلًا: "أقول للمحجبة اثبتى فأنتي على حق، متابعًا: "دة رأيي الشخصي القريب من الفقه والكتاب والسنة، وأنا لا أستطيع أن أحدد آخرة الأشخاص".
الأزهر يحسم قضية الحجاب
وقد حسم الأزهر الشريف قضية الحجاب أكثر من مرة، حيث قال مركز الأزهر العالمي الفتوي الإلكترونية: إنه قد انتشرت في الآونة الأخيرة بعضُ الأفكار والفتاوىٰ التي تدَّعي عدمَ فرضية الحجاب، ولا شك أن مثل هذه الأفكار إنّما هي ادعاءاتٌ لا تمت للإسلام بصلة.
ومن خلال فتوي رسمية صدرت منذ قليل عن مركز الأزهر العالمي للفتوي الاليكترونية، اعتبر المركز من خلال فتوى رسمية، أن الحجاب فرضٌ ثبت وجوبُه بنصوص قرآنيةٍ قطعيةِ الثبوتِ والدلالة لا تقبل الاجتهاد، وليس لأحدٍ أن يخالف الأحكام الثابتة، كما أنه لا يُقبل من العامة أو غير المتخصصين - مهما كانت ثقافتهم- الخوض فيها.
واستشهد الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية ببعض من الآيات القرآنية قطعية الثبوت والدلالة التي نصت علىٰ أن الحجاب فرضٌ علىٰ كل النساء المسلمات، قول الله ﷻ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...} [المؤمنون: 31]، وقوله ﷻ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].
وقال: إن المتأمل بإنصافٍ لقضيةِ فرضِ الحجابِ يجدُ أنه فُرض لصالح المرأة؛ فالزِّيُّ الإسلامي الذي ينبغي للمرأة أن ترتديه، هو دعوة تتماشىٰ مع الفطرة البشرية قبل أن يكون أمرًا من أوامر الدين؛ فالإسلام حين أباح للمرأة كشفَ الوجه والكفين، وأمرها بستر ما عداهما، فقد أراد أن يحفظ عليها فطرتها، ويُبقي علىٰ أنوثتها، ومكانِها في قلب الرجل.
وتابع، كذلك التزامُ المرأة بالحجاب يساعدها علىٰ أن يُعاملها المجتمع باعتبارها عقلًا ناجحًا، وفكرًا مثمرًا، وعاملَ بناءٍ في تحقيق التقدم والرقي، وليس باعتبارها جسدًا وشهوةً، خاصةً أن الله ﷻ قد أودع في المرأة جاذبيةً دافعةً وكافيةً لِلَفت نظر الرجال إليها؛ لذلك فالأليق بتكوينها الجذاب هذا أن تستر مفاتنها؛ كي لا تُعاملَ علىٰ اعتبار أنها جسدٌ أو شهوةٌ.
وأضاف أن الطبيعة تدعو الأنثىٰ أن تتمنع علىٰ الذكر، وأن تقيم بينه وبينها أكثرَ من حجاب ساتر، حتىٰ تظل دائمًا مطلوبةً عنده، ويظل هو يبحث عنها، ويسلك السبل المشروعة للوصول إليها؛ فإذا وصل إليها بعد شوق ومعاناة عن طريق الزواج، كانت عزيزة عليه، كريمة عنده.
وأوضح من خلال ما سبق أن الذي فرضه الإسلام علىٰ المرأة، من ارتداء هذا الزي الذى تستر به مفاتنها عن الرجال، لم يكن إلا ليحافظ به علىٰ فطرتها.
وأهاب مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، بمن يروِّجون مثلَ هذه الأحكام والفتاوىٰ أن يكفُّوا ألسنتهم عن إطلاق الأحكام الشرعية دون سند أو دليل، وأن يتركوا أمر الفتوىٰ للمتخصصين من العلماء، وألا يزجّوا بأنفسهم في أمور ليسوا لها بأهل، وأن ينتبهوا لقول الله ﷻ: {وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَـٰذَا حَلَـٰلࣱ وَهَـٰذَا حَرَامࣱ لِّتَفۡتَرُوا۟ عَلَى اللهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡتَرُونَ عَلَى اللهِ ٱلۡكَذِبَ لَا یُفۡلِحُونَ} [النحل: 116]، ولقول بعضِ السلف: «أجرؤكم علىٰ الفُتيا أجرؤكم علىٰ النار» أخرجه الدارميُّ في سننه.
وفي بيان أخر، قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن حجاب المرأة فريضة عظيمة، وهو من هدي أمَّهاتنا أمَّهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنَّ زوجات سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مؤكدا على أن فرضية الحجاب ثابتة بنصِّ القرآن الكريم، والسُّنة النَّبوية الصَّحيحة، وإجماع الأمة الإسلامية من لدن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
وأوضح مركز الأزهر عبر صفحته على فيس بوك أن احتشام المرأة فضيلة دعت إليها جميع الشَّرائع السَّماوية، ووافقت فطرة المرأة وإنسانيتها وحياءها، مؤكدا على أن حجاب المرأة لا يُمثِّل عائقًا بينها وبين تحقيق ذاتها، ونجاحها، وتميُّزها، والدعوة إليه دعوة إلى الخير.