على الهواري يكتب: شيرين أبو عاقلة ومصر وشهداء الوطن
حالة من الجدل الشديد ما زالت تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي منذ الأربعاء الماضي حول اغتيال الصحفية الفلسطينية في قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
حيث تساءل الكثيرون، هل شيرين أبو عاقلة التي تنحدر من أسرة مسيحية شهيدة أم لا؟، بعد أن وصفها البعض بشهيدة الكلمة، وآخرون بشهيدة القدس، كما وصفها البعض الأخر بشهيدة الحقيقة والحق والحرية، وهل يجوز الترحم على غير المسلمين؟.
وتداولت المواقع الاخبارية ما قاله أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الدكتور أحمد ممدوح، حول الترحم على غير المسلم، حيث قال خلال إجابته على أحد السائلين عبر صفحة دار الإفتاء على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، أنه يجوز الترحم على غير المسلم الذي عُرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة، وأنه لا يُعادي الإسلام ولا يحاربه.
وأضاف: إذا رأيت مَن على غير ملتك وبه صفات جميلة لك أن تُعجب به، أما عن الترحم فدعنا نفرِّق بين أمرين: الله سبحانه وتعالى أخذ على نفسه أنه لا يغفر لمَن مات على الشرك، وبالتالى طلب المغفرة غير مشروع، لكن طلب الرحمة هو شيء آخر، حيث إن الرحمة أوسع من المغفرة، ونص العلماء على أن رحمة النبي تنال كل الخلائق فى الدنيا والآخرة، وفى الآخرة تفزع الأمة للنبي لطلب الشفاعة مؤمنهم وكافرهم، فيشفع فى الأمم للتخفيف عنها، وبالتالى المُنهى عنه الاستغفار، لكن الرحمة بالمعنى الأوسع والأعم ليست كذلك.
وتابع: الترحم على غير المسلم الذى عُرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة، وأنه لا يُعادي الإسلام ولا يحاربه، فإذا أراد المسلم أن يدعو له بالرحمة بالمعنى العام، فهذا جائز.
كما دعت دار الإفتاء المصرية، عبر صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” للشهداء، دون الإشارة إلى كونهم مسلمين أو من غير المسلمين.
وقال منشور دار الإفتاء: «اللهم ارحم كل شهيد دافع عن الحق اللهم ارحم كل شهيد دافع عن الوطن».
وقال الدكتور مبروك عطية، استاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر الشريف، إن الترحم يكون للجميع وليترك أمر القبول لله تبارك وتعالى.
وقال الشيخ حسن اللحام مفتي غزة بأن الشهيدة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة هي شهيدة الكلمة قضت شهيدة للرسالة الإعلامية المناصرة لوطنها وقضيتها فلسطين، ويجوز الترحم عليها لأنها من المخلصين للوطن وقضية فلسطين العادلة، وقد قضت بذلك في سبيل هذا الوطن حياتها منذ أكثر من 25 عامًا من أجل كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني.
المفتي: الجنود المسيحيين الذين يموتون في المعارك شهداء الوطن
كما استدعى البعض، على سبيل القياس، ما قاله الدكتور شوقي علام، مفتى الجمهورية، حول موقف الشرع من الجنود المسيحيين الذين يموتون في الحروب أو العمليات الأمنية، سواء في الجيش أو الشرطة.
حيث قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن الجنود المسيحيين الذين يُقتلون في الحروب أو العمليات الأمنية، سواء في الجيش أو الشرطة هم شهداء الوطن، وأمرهم متروك لله في الآخرة.
وأضاف «علام» في تصريحات لقناة «صدى البلد» الفضائية: «نحن كلنا جنود على جبهة واحدة، وندافع عن تراب واحد، وندافع عن مقدرات واحدة، ودماؤنا سالت في منطقة واحدة، فكلنا شهداء، كلنا شهداء هذا الوطن الذي نفخر به، ومن ثم لا يجوز لي، أو لا يصح لي أن أفرق بين إنسان وإنسان، كلنا في رتبة واحدة».
وتابع مفتي الجمهورية: «الآخرة أمر آخر ولا علاقة لنا بها، والأحكام التي نقولها في الدنيا هي على حسب ما هو موجود في الدنيا، ومن ثم وبناء على ذلك نترك أمور الآخرة لرب الآخرة، ويتصرف فيها كما يشاء، سبحانه وتعالى، ولكن نحن نقول عليه إنه شهيد والفتاوى مستقرة على ذلك».
وأشار المفتي إلى أن الشهيد هو الشخص الذي جاد بروحه وسالت دمائه دفاعا عن وطنه ودينه في حرب كانت بيننا وبين الأعداء، مثل حرب 1973، أو الحرب التي تدور بين الدولة والإرهابيين الذين يريدون هدم بنيان الدولة، وإذا هُدم هذا البنيان فإنه بلا شك سينهدم الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض، وهذا هو الشهيد الذي قصده الرسول، في قوله: «مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، فَهو في سَبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ».
وأوضح أن الشهيد له منزله في الآخرة وله أحكام في الدنيا، وعلى سبيل المثال فإنه لا يُغسل، ويدفن في الثوب الذي مات فيه، ولا يُصلى عليه، «مش محتاج لشيء، نجن نصلي لأجل الدعاء، وهو سبقنا في هذه المنزلة»، وهذا مثل قضية الحاج الذي مات أثناء الإحرام.
كما استدعى البعض ما قاله الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، في وقت سابق عام 2021، من أن الشهادة تُبنى على المواطنة وليست العقيدة، مؤكدًا أن جميع المواطنين الذين قُتلوا في سبيل الوطن شهداء، بما فيهم أهل الكتاب.
وأشار "كريمة" خلال لقاء تليفزيوني ببرنامج نور النبي المُذاع عبر فضائية صدى البلد، إلى الآية القرآنية: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
ولفت كذلك إلى قول الله تعالى: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد"، ذاكرًا الآية القرآنية: "إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا".
وتابع: "الجنة ليست حكرًا على دين دون دين، ولا مذهب دون مذهب، ولا طائفة دون طائفة، ولا قومية دون قومية"، مضيفًا: "الجنة والنار لله فقط".
وقال كريمة: «نريد أن نعالج النعرة الكاذبة، أن بعضنا يتصور أننا نحن المسلمين الأوحد والأحسن والأجود والأكمل وأن لنا الآخرة لوحدنا، وهذا خطأ في خطأ في خطأ، لأن ربنا أقر التعددية وقال لكم دينكم ولي دين»، مستشهدًا بقول الله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ».
كما استدعى البعض نعي، صحيفة "صوت الأزهر" الصادرة عن الأزهر الشريف، للقمص أرسانيوس وديد كاهن الإسكندرية، الذي قتل على يد شخص مسلم.
حيث وصفت الصحيفة في عددها الأسبوعي، القمص أرسانيوس بـ "شهيد الوطن"، مؤكدة أن قتل النفس كبيرة من الكبائر التي تستوجب غضب الله وعذابه في الآخر.
وكان فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، تقدم بخالص العزاء وصادق المواساة إلى البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، ولعموم الإخوة المسيحيين، في حادث مقتل القمص أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة السيدة العذراء وماربولس بالإسكندرية.
وأكد شيخ الأزهر في بيان له، أن قتل النفس كبيرة من الكبائر التي تستوجب غضب الله وعذابه فى الآخرة، وقد جعل الله قتلَ نفسٍ واحدة كقتل الناس جميعًا؛ فقال تعالى {من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا}.
وتمنى شيخ الأزهر، أن يتنبَّه الجميع إلى أن هذا الحادث وأمثاله هو طريق مُعبَّد لإشعال الحروب الدينية بين أبناء الوطن الواحد، وبخاصة بعد أن نجَّا الله مصر من هذه الحروب بفضله تعالى وبيقظة شعبها وقادتها، ويُطالب الجميع بأن يتيقَّظوا لمثل هذا المخطط، وأن يعملوا على إجهاضه أولًا بأول.
وأكد الأزهر الشريف، أنه إذ يتقدم بخالص العزاء إلى أسرة القمص أرسانيوس وديد، والإخوة المسيحيين، فإنه يدعو الله - تعالى - أن يحفظ مصر بحفظه وقوته، وأن يديم على أهلها نعمتي الأمن والأمان.
وهبت حياتها للدفاع عن القضية الفلسطينية
أنا من ناحيتي دخلت في جدل مع أحد رواد الفيس بوك، الذي انتقد بشدة وصفي للصحفية شيرين أبو عاقلة بالشهيدة، وقيامي بإعادة نشر بيان نقابة الصحفيين المصرية التي أنتمى لها، والذي استنكرت فيه مقتل الصحفية الفلسطينية، ووصفتها بالشهيدة، حيث دعم موقفه ببعض الآيات القرأنية والأحاديث النبوية.
لكننى قلت له:
أنه على العكس مما يقوله، يحسب للشهيدة شرين أبو عاقلة أنها مسيحية ووهبت حياتها للدفاع عن القضية الفلسطينية.
وذكرته بقول الله تبارك وتعالى «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون».
كما قلت له أن القضية الفلسطينية ليست قضية المسلمين وحدهم، إنما هي قضية المسلمين والمسيحيين، فالاحتلال الإسرائيلي يضطهد الجميع ويقتل الجميع، ولا يفرق بين مسلم ومسيحي على أرض فلسطين، فكما يعتدى على المساجد يعتدى على الكنائس، وكما يعتدي على الشيوخ والعلماء يعتدي على القساوسة والرهبان.
سيدة فلسطين الحديدية
كما ذكرته بالدور الوطني الكبير الذي قامت به الوزيرة حنان عشراوي، التي وهبت حياتها للدفاع عن القضية الفلسطينية، التي ولدت في مدينة نابلس في أسرة متعلمة مسيحية وكان أبوها قائدًا سياسيًا، درست في بيروت وحصلت على الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية.
وقادة عشراوي الانتفاضة الأولى والمتحدثة الرسمية باسم السلطة الفلسطينية، تم اختيارها لتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في محادثات سلام الشرق الأوسط في مدريد عام 1993 لقدرتها على التفاوض بصيغته العالمية وإتقانها للغة الإنجليزية، وفي 1996 ترأست اللجنة الفلسطينية للدفاع عن الحقوق المدنية وأصبحت وزيرة للتعليم العالي.
وقد أبهرت العالم بقدرتها على التفاوض بحكمة وذكاء فاستحقت جائزة اولوف بالمه عام 2002 تكريمًا لنضالها من أجل حرية واستقلال شعبها، وفي عام 2003 حصلت على جائزة سدني للسلام.
وكما يقول البعض: أصبحت سيدة فلسطين الحديدية حنان عشراوي رمزًا للمرأة العربية المناضلة في زمن صراع الأرض والسلام ومقاومة التطبيع ودرة التاريخ النسوي الفلسطيني العربي الحديث.
شيرين أبو عاقلة ومصر
وثقت الصحفية شيرين أبو عاقلة، آخر زيارة لها لمصر، والتى أجرتها فى شهر أغسطس العام الماضي، بصورة على صفحتها الرسمية على موقع «فيس بوك»، وذلك فى 16 من أغسطس 2021.
وكتبت الصحفية شيرين أبو عاقلة، على الصورة التى نشرتها خلال زيارتها لأهرامات الجيزة «مافيش بجمالك يا مصر».
من هي الشهيدة شيرين أبو عاقلة؟
وشيرين أبو عاقلة، ولدت في شهر يناير عام 1971 في القدس، وتخرجت من مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا في مدينة القدس، وتحمل الجنسية الأمريكية.
درست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بالأردن، ثم اتجهت بعد ذلك إلى الدراسة الصحفية، حيث حصلت على بكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك الأردنية، وكان تخصصها في الصحافة المكتوبة.
عادت أبو عاقلة بعد تخرجها إلى الأراضي الفلسطينية، وعملت في عدة هيئات إعلامية من بينها إذاعة صوت فلسطين وقناة عمّان الفضائية، ثم انتقلت في 1997 إلى العمل بقناة الجزيرة الفضائية بعد عام من انطلاقها، حيث كانت من الرعيل الأول لمراسليها الميدانيين.
إنضمت شيرين إلى قناة الجزيرة في عام 1997، وأصبحت، بالنسبة لجيل جديد من الصحفيات العربيات اللائي بزغ نجمهن آنذاك، واللائي أصبحن فيما بعد قوة لا يستهان بها في الصحافة - من أوائل المراسلات الحربيات اللواتي شاهدن العرب على التلفزيون.
قامت أبو عاقلة بتغطية أحداث الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت في عام 2000، والاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين وطولكرم عام 2002، والغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية المختلفة التي تعرض لها قطاع غزة.
كانت أبو عاقلة أول صحفية عربية يسمح لها بدخول سجن عسقلان في عام 2005، حيث قابلت الأسرى الفلسطينيين الذين أصدرت محاكم إسرائيلية أحكاما طويلة بالسجن في حقهم.
وروت أبو عاقلة أن من أكثر اللحظات التي أثرت فيها هي زيارة السجن والاطلاع على أوضاع أسرى فلسطينيين، بعضهم قضى ما يربو على 20 عاما خلف القضبان.
بعد تحسن العلاقات القطرية-المصرية والسماح لقناة الجزيرة بالعودة إلى القاهرة، اختارت قناة الجزيرة أبو عاقلة لتكون أول من يفتتح بثها المباشر من هناك في يوليو/تموز الماضي.
وفي فيديو ترويجي بثته الجزيرة في أكتوبر/تشرين الثاني الماضي بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيسها ال25، قالت أبو عاقلة: "اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان. ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم...أنا شيرين أبو عاقلة".
كان اسم شيرين أبو عاقلة معروفا في البلدان العربية، وكان حضورها الهادئ والمؤثر في آن يُسمع في بيوت وساحات ومخيمات عدة عندما كان العرب يتابعون قناة الجزيرة.
وودع محمود عباس أبو مازن، الرئيس الفلسطيني، الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة بكلمات مؤثرة قائلًا: "نودع اليوم شيرين أبو عاقلة شهيدة القدس.. شهيدة الحقيقة والكلمة الحرة.. ورمزًا للمرأة الفلسطينية والإعلامية المناضلة".
وأضاف أبو مازن”، خلال كلمته أثناء تشييع جثمان الصحفية شيرين أبو عاقلة من مقر الرئاسة الفلسطينية، "ضحت بحياتها دفاعًا عن قضيتها وشعبها.. وكانت صوتًا صادقًا ووطنيًا.. ونقلت معاناة أمهات الشهداء.. ومعاناة القدس والمخيمات والاعتصامات.. واقتحامات المدن والقرى".