رئيس التحرير
خالد مهران

الصين تسرع نحو هدف النمو الاقتصادي بعد رفع قيود كوفيد عن بكين وشانغهاي

الصين
الصين

مع إعلان بكين عن إعادة استئناف خدمات تناول الطعام  داخل المطاعم وافتتاح المدارس والمواقع السياحية، وعودة شانغهاي إلى الحياة الطبيعية بعد أشهر من الإغلاق وعودة سباقات قوارب التنين إلى مدينة قوانغتشو للمرة الأولى بعد توقف دام عامين، تسرع الصين نحو النصف الثاني من عام 2022 بانتصار تم تحقيقه بشق الأنفس ضد المتحور أوميكرون وأمل كبير في تحقيق هدف النمو الاقتصادي للعام بأكمله.

وشهدت الصين تفشيات متكررة للفيروس منذ ظهور أول نسخة من الفيروس لأول مرة في ووهان، ولكن تم القضاء عليها جميعا من خلال القيود الحكومية مثل الإغلاق الأخير لمدينة شانغهاي الذي ابقى أقل من 30 مليون شخص في منازلهم قرابة الشهرين.

وقد نجحت الجولات المتكررة من الاختبارات الجماعية وتتبع المخالطين حتى الآن في السيطرة على تفشي متغير أوميكرون في بكين وتيانجين وهانغتشو وأماكن أخرى.

وفي العامين الماضيين، حالت سياسة "صفر كوفيد" في الصين مع عمليات الإغلاق والاختبارات الشاملة والحجر الصحي الصارمة على الحدود دون حدوث عدد كبير من الإصابات والوفيات في الداخل وضمنت استمرار تدفق كل شيء بدءا من أجهزة أيفون وتيسلا وحتى الأسمدة وقطع غيار السيارات إلى بقية العالم.

ومع ذلك، كانت الرسالة التي تسمعها خارج الصين مختلفة ومنتقدة أحيانا، إذ كلما تزايد تصميم بكين على القضاء على كل اندلاع للوباء، تزايد النقد الموجه اليها من خلال التأكيد على الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الصيني، والمخاطر التي تتعرض لها سلاسل التوريد العالمية، وحتى احتمالات جر الاقتصاد العالمي إلى وحل الركود مجددا بعد انتعاشه بعد الوباء.

وقالت جيتا جوبيناث، المسؤولة الكبيرة في صندوق النقد الدولي، في تصريحات مؤخرًا إن السلطات الصينية بحاجة إلى مراجعة استجابتها لتفشي كوفيد، محذرة من الاضطرابات الناجمة عن المزيد من الإغلاق يمكن أن يكون لها "عواقب مهمة للغاية على سلاسل التوريد العالمية".

وقد افترض تقرير غلدمان ساكس في يناير أنه إذا تعرضت مقاطعات متعددة لمتغير أميكرون وفرضت الحكومة إغلاقا وطنيا، فقد ينخفض النمو في الصين إلى 1.5 هذا العام، وهو أدنى مستوى منذ عام 1976.

ولكن حتى الآن اثبتت استراتيجية صفر كوفيد المنتقدة غربيا صلابتها في تجنب ذلك. وتفادت الصين حتى الآن رغم التفشيات المتفرقة للوباء منذ بداية العام الإغلاق الوطني ونجحت عمليات الإغلاق المحدودة التي طالت عدة مدن كبرى مثل شانغهاي وقبلها شيآن وجيلين وغيرها ليست فقط في حماية الأرواح بل العودة بسرعة إلى سكة النشاط الاقتصادي والحياة الطبيعية.

صحيح أن هناك تكاليف اقتصادية لهذه السياسة، فقد تباطأ النشاط الاقتصادي الصيني بشكل حاد في أبريل، وأظهر مسح اليوم الإثنين للأعمال الخاصة تراجع نشاط الخدمات في الصين للشهر الثالث على التوالي في مايو، لكن ذلك قد لا يقارن بالخسائر البشرية والاقتصادية التي يمكن أن تكون فادحة في حال لو حصل تفشي كبير للفيروس في جميع أنحاء الصين.

وأظهر مسح كايشن اليوم الاثنين أن الأعمال الجديدة، بما في ذلك طلبات التصدير الجديدة، تراجعت للشهر الرابع على التوالي في مايو حيث أبقت القيود المفروضة على التنقل العملاء في منازلهم وعطلت العمليات. وأدى ذلك إلى قيام شركات الخدمات بتخفيض رواتبها بمعدل أكثر حدة، حيث بلغ مؤشر فرعي للتوظيف 48.5، وهو أدنى مستوى منذ فبراير من العام الماضي، هبوطًا من 49.3 في الشهر السابق.

وأظهرت بيانات رسمية أن معدل البطالة في الصين على مستوى البلاد قد ارتفع إلى 6.1٪ في أبريل، وهو أعلى مستوى منذ فبراير 2020 وأعلى بكثير من هدف الحكومة لعام 2022 وهو أقل من 5.5٪.
لكن إذا تخلت البلاد عن صفر كوفيد وسمحت للفيروس بالانتشار إلى حد ما دون رادع بين 1.4 مليار شخص، ستواجه الصين "تفشيا هائلا" على نطاق يتجاوز أي شيء شهدته أي دولة أخرى حتى الآن، مع أكثر من 630 ألف إصابة في اليوم إذا أعيد فتحها بطريقة مماثلة للولايات المتحدة، وفقا لنمذجة قام بها باحثون في جامعة بكين. 

وحتى لو أمكن إبقاء الوفيات عند المستويات المنخفضة التي تحققت في كوريا الجنوبية أو اليابان، فمن المرجح أن تشهد الصين وفاة عدد أكبر بكثير من الوفيات الرسمية التي تقدر بأقل من 5 الاف حالة وفاة بسبب كوفيد خلال العامين الماضيين.

وفي الولايات المتحدة، التي يقل عدد سكانها عن ربع السكان، تجاوز العدد مؤخرًا مليون.

وفي سياق خطواتها لتحقيق الاستقرار في الوضع الاقتصادي، أعلن مجلس الوزراء الصيني مؤخرا عن حزمة من 33 إجراءً تغطي السياسات المالية والمالية والاستثمارية والصناعية لتحقيق هف النمو المقدر بـ5.5 بالمائة.

فقد مر قطاع التصنيع في البلاد حتى الآن عبر الوباء سالما بشكل ملحوظ.

وسجلت الصادرات وسط سياسة صفر كوفيد أرقاما قياسية في عام 2020 ثم مرة أخرى في عام 2021، ولولا هذا التدفق المستمر للسلع، لكانت أسعار الواردات العالمية ارتفعت بشكل أسرع، وكان النقص في المنتجات الأساسية منها والفاخرة أكثر وضوحا.

ويرى الاقتصاديون الصينيون، إن رفع بكين للإجراءات التقييدية لكوفيد-19 واستئناف شانغهاي للحياة الطبيعية، والتي جاءت قبل أسبوعين مما كان متوقعًا، من شأنه أن يضع بالتأكيد أساسًا جيدًا للتعافي الاقتصادي السريع في النصف الثاني من العام.

وانخفض عدد حالات العدوى الجديدة المنقولة محليا يوميا في جميع أنحاء الصين إلى أقل من 100 حالة لمدة ستة أيام متتالية وووضعت أحدث حصيلة، اليوم الإثنين، عدد تلك الحالات عند 25 فقط.

وقال تساو هيبينغ، الخبير الاقتصادي بجامعة بكين في تصريحات إعلامية الأحد "ستشهد الصين نموًا إيجابيًا واضحًا في أغسطس، فقد أرست السياسة الوطنية الديناميكية الموحدة لعدم انتشار فيروس كورونا أساسًا صلبا لتعافي الاقتصاد بأكمله".

وأضاف: "إذا تم احتواء الوباء بالكامل في النصف الثاني من هذا العام وكان تأثير الصراع بين روسيا وأوكرانيا محدودًا داخل القارة الأوروبية، فمن الممكن للغاية أن تحقق الصين نموًا اقتصاديًا للعام بأكمله بنسبة 5 في المائة أو أكثر".