نقص أكياس الدم يُهدد حياة المرضى فى المستشفيات الحكومية والخاصة
كيس دم واحد يساوي حياة إنسان، كفيل بإنقاذ مريض قد يفارق الحياة إن لم يتوافر له في الوقت المناسب، واقع مرير يعيشه الكثير من المرضى وأهاليهم الذين قد يفقدون حياة عزيز عليهم بسبب عدم وجود كيس دم من فصيلته، حيث أصبح التبرع بالدم عملة نادرة، نظرًا لتراجع أعداد المتبرعين واقتناعهم التام أن أكياس الدم يتم بيعها في السوق السوداء.
معاناة مواطن
رحلة المعاناة عاشها المواطن صبري إبراهيم، حينما تعرض ابنه لحادث تصادم سير وتوجه به فورًا إلى المستشفى الجامعي بالزقازيق، ووجد نفسه أمام حاجة مُلحة لتوفير 3 لترات من أكياس الدم وهو ما لم يكن متوافرًا في أحد المستشفيات الخاصة أو الحكومية بمستشفيات الشرقية، رغم تجميعه الأفراد المتبرعين بالدم، وظل ابنه خارج غرفة العمليات لحين توافر أكياس الدم.
وقال «إبراهيم»: «شعرت بصدمة حين أخبرنى مسئول بنك الدم بالمستشفى بعدم توافر أكياس الدم اللازمة لأبني وكنت على وشك الانهيار حتى نصحني أحد العاملين بالمستشفى بالاتصال بالخط الساخن لخدمات الدم، وحاولت الاتصال أكثر من مرة ويتم وضعى على الانتظار دون رد».
وتابع: «تواصلت مع العديد من الأشخاص الذين لديهم علاقات بالمستشفيات بالدقهلية والقليوبية ولم أجد سوى كيس واحد فقط».
واستكمل الحديث قائلًا: «أحد الأقارب تدخل وكلم أحد المسئولين الذي أعطى أوامره لأحد المستشفيات بتوفير أكياس الدم رغم أنني ذهبت إلى نفس المستشفى مرارًا وتكرارًا».
أسباب النقص
فيما رجح خالد جمال أحد المواطنين، أن أسباب نقص أكياس الدم تعود إلى غياب الرقابة عن بعض المستشفيات والجهات التي تحاول الاتجار بدماء المواطنين وبيعها بأسعار باهظة؛ مما يدفع المواطنين لعدم التبرع بالدم خشية استغلاله بشكل تجاري، وفى أحيان أخرى يحجم بعض المواطنين عن التبرع بالدم نظرًا للتعامل غير المناسب من بعض حملات التبرع بالدم مع المواطنين حيث سجل العديد من المواطنين شكاوى مختلفة حول الإلحاح الزائد على المواطنين لدفعهم إلى التبرع.
الرئيس السيسي صدق على قانون تنظيم عمليات الدم وتجميع البلازما، لتحديد قواعد وشروط التصرف في الدم والبلازما سواء بالبيع أو التصدير، وتصل غرامة مخالفتها إلى مليون جنيه.
ويضم القانون 23 مادة لتنظيم عمليات التبرع بالدم وتجميع البلازما في مصر، بما في ذلك شروط التبرع بالدم وتخزينه، أو فحصه، أو توزيعه، أو نقله، عدا البلازما لغرض التصنيع.
وبحسب القانون، فٱن «البلازما هي أحد مشتقات الدم، وتشمل البلازما العلاجية والبلازما المجمعة لغرض التصنيع، ومشتقاتها عبارة عن مستحضرات حيوية مشتقة من مكونات بالبلازما الدم البشري، منها على سبيل المثال الألبومين، وعوامل التجلط، وغيرها من مشتقات البلازما».
قانون عمليات الدم
خبراء الصحة يؤكدون أن قانون عمليات الدم وتجميع البلازما سيساهم في تصنيع مشتقات الأدوية التي تحتاج إلى الدم وتصديرها بالخارج، بعد تحقيق الفائض منها داخليًا أولا؛ كما أنه سيساهم في القضاء على أزمة نقص أكياس الدم، خاصة وأن القطاع الطبي واجه أزمات عديدة في توفير هذه الأدوية.
مسئول بوزارة الصحة كشف أن الأرقام العالمية للتبرع بالدم تشير إلى أن معدلات توافر أكياس الدم تتراوح بين 3 و5% من تعداد السكان، مضيفا أن مصر من المفترض أن تجمع حوالى من 3 إلى 5 ملايين كيس دم سنويًا، بينما فى الواقع نجد أنه لا يتم تجميع أكثر من مليوني كيس دم سنويًا وهو معدل منخفض نسبيًا.
وأضاف، أن وزارة الصحة والسكان لديها قطاعان يختصان بخدمات الدم، أولهما قطاع خدمات نقل الدم القومية، وهو عبارة عن 28 مركزًا أقليميًا على مستوى الجمهورية بواقع مركز بكل محافظة، إضافة إلى الإدارة العامة لبنوك الدم ولديها حوالي 320 بنك دم على مستوى الجمهورية تقدم خدمات بنك الدم للمواطنين.
ووضعت الوزارة خطة لزيادة التبرع بالدم عن طريق «السوشيال ميديا» وصفحات الوزارة اعتمادًا على الصفحة الرسمية للوزارة، والصفحة الرسمية لوزير الصحة، والصفحة الرسمية لخدمات نقل الدم القومية، ويتم من خلالها عمل حملات لحث المواطنين على الأقبال للتبرع بالدم والرد على الأسئلة الشائعة.
اعتراف
بدوره اعترف مدير مركز الحق في الدواء محمود فؤاد، في تصريح خاص لـ«النبأ»، أن مصر تعاني خلال هذا الشهر من نقص أكياس الدم في العديد من المستشفيات، مؤكدًا أن هناك العديد من العوامل التي ساهمت في هذه الأزمة منها تراجع ثقافة المواطنين بالتبرع بالدم لاعتقادهم أنهم يتم بيعه بأسعار خالية فى المستشفيات ولا يستفيد بها المحتاج.
وأكد مدير مركز الحق في الدواء، أن قانون عمليات الدم وتجميع البلازما، يعتبر «بشرة خير»، في ظل أهمية البلازما لمرضى الأورام والهيموفيليا والحوادث، خاصة مع دخول الأوبئة وانتشار الفيروسات، موضحًا أنه سيساهم بنسبة كبيرة في حل أزمة تقص أكياس الدم بالمستشفيات.
وأشار إلى أن مشتقات الدم تدخل في العديد من العقاقير المرتبطة بأمراض الدم، مؤكدًا أن القانون يضع مصر في مرحلة متقدمة وعلى طريق تصنيع أدوية أمراض الدم والاعتماد على الدولة المصرية وعدم الاعتماد على التبرعات الخارجية التى كانت لا تأتي في بعض الأحيان.
ولفت «فؤاد» إلى أن القانون سيساهم بشكل إيجابي في الحفاظ على صحة المرضى، بالإضافة إلى أن معاناة الحصول على أكياس الدم ثم مرحلة الدم غير النقي المُصاب بالفيروسات، مؤكدًا أن القانون سيقضي على مثل هذه الأزمات.
أزمة دائمة
من جانبه قال هشام شرف، طبيب بأحد المستشفيات الحكومية، إن القطاع الطبى في مصر يعيش أزمة دائمة بسبب نقص الكميات المتاحة من أكياس الدم ببنوك الدم الحكومية والخاصة، موضحًا أن السبب في ذلك يرجع للعديد من الأسباب، أولها نقص الوعى العام بأهمية تبرع المواطنين بالدم وأهمية ذلك صحيًا للمواطن المتبرع، وكذلك للمريض الذى يحتاج لتلك الدماء، وعزوف العديد من المواطنين الاستجابة لحملات التبرع بالدم.
وأشار إلى أن أزمة نقص أكياس الدم من الأزمات التي قد يتعرض لها معظم المواطنين، خاصة أولئك الذين يعتمدون على أكياس الدم المدعمة من الدولة ولا يقدرون على تحمل تكلفتها الباهظة التي تطلبها بعض المستشفيات الخاصة.
وتابع «شرف»: «من حين لآخر قد يواجه أي مواطن بشكل مفاجئ احتياجه لأكياس الدم لأحد أفراد أسرته أو أحد أقاربه، فأحيانًا يتوافر لديه ما يحتاجه من أكياس الدم بشكل فوري، وأحيانا أخرى يخوض رحلة من المعاناة في توفير أكياس الدم، خاصة الذين لهم فصائل دم نادرة».