بقيادة عراب الصفقات الدولية..
خطة الإخوان لـ«تفخيخ» الحوار الوطنى و«جس نبض» الدولة
يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين لن تترك فرصة لمحاولة العودة إلى المشهد العام وإقحام اسمها مُجددًا بدوائر السياسة المصرية، ففور دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لكافة أطياف المجتمع والأحزاب والقوى السياسية دون استثناء أو إقصاء، بدأت الجماعة تعلن تأييدها لفكرة الحوار والدعوة له من مُنطلق إذا لم تستح فافعل ما شئت.
ونست الجماعة أن دوائر صنع القرار المصري لم تحجز مكانًا لهم على طاولة الحوار، ولكنها تحاول وضع نفسها على خريطة السياسة المصرية من جديد بعدما سقطت في 30 يونيو عام 2013.
ويرى خبراء العلوم السياسية، أن تحركات جماعة الإخوان محاولة لـ«تفخيخ الحوار الوطني» سياسيًا، وإحداث أزمات داخل القوى السياسية المشاركة به، خاصة وأن الجميع يرفض بشكل قاطع فكرة وجود الإخوان على طاولة الحوار، فيما يرى الجانب الآخر، أنها مجرد محاولة يائسة من الجماعة لجس نبض النظام المصري ومحاولة إقحام أنفسهم داخل المجتمع من جديد، مستغلين مبدأ التحاور والعفو الذي يرسى له الرئيس السيسي في عهد الجمهورية الجديدة.
عراب صفقات الإخوان
أول تحركات الإخوان تجاه محاولة الإقحام وزرع أنفسهم داخل دوائر القوى الوطنية المدعوة للمشاركة في الحوار الوطني، جاءت على لسان يوسف ندا، عراب صفقات الإخوان الدولية المحسوب على «جبهة لندن»، بعدما أعلن ترحيبه لفكرة الحوار مع «هرم السلطة» في مصر.
وقال «ندا» في رسالته الموجهة للنظام المصري: «نحن الإخوان المسلمون تعلمنا من كتاب الله قصة ابني آدم، الذي قتل أحدهما أخيه»، مضيفا: «فشلت شياطين الغدر أن تقنعنا بأن ندخل فـي طريق الثأر».
وأضاف: «هذه صفحة من تاريخ مصرنا العزيزة لم تطو بعد، فهل طويناها إلى غيرها أنقى وأنصع يحيطها التسامح والغفران».
وتابع: «هل بدأنا المسيرة برد المظالم ووقف العدوان وإنهاء معاناة المسجونين من النساء والرجال، معاناة أسرهم بتنفيذ ما نصت عليه المادة 241 من الدستور المصري الحالي والتي تسمح بإصدار قانون للمصالحة وتعويض الضحايا».
واختتم يوسف ندا، رسالته قائلًا: «سأظل أقول أن بابنا مفتوح للحوار والصفح بعد رد المظالم».
ولم تكن تلك الرسالة هي الأولى من نوعها التي يطلقها يوسف ندا، بل قام مهندس الصفقات الدولية لتنظيم الإخوان في شهر سبتمبر العام الماضي 2021، بإطلاق دعوة لفتح حوار مع مؤسسة الرئاسة المصرية بعنوان: «مصر إلى أين؟».
تكسير عظام الجماعة
على الجانب الآخر، أصدرت جبهة «محمود حسين» المعروفة بـ«معسكر إسطنبول» بيانًا صحفيًا أعلنت فيه ترحيبها بفكرة الحوار الوطني في تحرك سريع لتكسير عظام جبهة «لندن» والتي يقودها إبراهيم منير.
وقالت جبهة «محمود حسين» إن الحوار أداة سياسية وأمر لازم وضروري، ولكن الإرادة الصادقة لإجرائه ينبغي أن تتوفر لها شروط النجاح والاستمرار، وفي مقدمتها توفر حسن النية وبناء الثقة.
الموقف المصري حاسم
موقف النظام المصري الحالي يبدو أنه واضح تمامًا فيما يتعلق بإجراء مصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين، حينما أعلنها صراحة أثناء إجرائه مقابلة مع قناة «فرانس 24» الفرنسية، بأن مسألة المصالحة في يد الشعب وحده، مؤكدًا أن الشعب المصري في حالة غضب شديد ويجب وضع ذلك في الاعتبار.
وكان الرئيس السيسي قد قال خلال مشاركته بالندوة التثقيفية للقوات المسلحة في أكتوبر عام 2020، مؤكدًا أنه لا يستطيع المصالحة مع الإخوان.
واستكمل: «لو عايزين ترتاحوا من اللي بيتعمل فيكم كل يوم ده اتصالحوا، نعمل إيه، اتصالحوا لو عايزين تتصالحوا قولولي، أنا مقدرش أتصالح».
وتابع: «طيب مش بيقولوا الصلح خير طيب مبتصالحش ليه، مقدرش أتصالح مع اللي عايز يهد بلادي ويأذي شعبي وولادي، لو اختلف معايا اختلاف على أد الاختلاف أهلًا وسهلًا، لكن لو عايز تدمر وتخرب وتقتل أصالحك إزاي، أنا وشعب مصر هان عليك، الأطفال والسيدات والكبار هانوا عليك ومستعد تشردهم وتوديهم يقتلوا أو يبقوا لاجئين ومقولتش بلاش لأجل خاطر الناس في مصر، لو قولت كده هقول والله ضميرك ودينك وإنسانيتك موجودة لكن انت مبتعملش كده، لا عندك دين ولا ضمير ولا إنسانية».
أساس المشاركة في الحوار الوطني
ويرى الدكتور إكرام بدر الدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الإخوان وجدوا أنفسهم مؤخرًا ليس لهم أي دور وتم استبعادهم بلا رجعة، وأن كافة القوى السياسية الداخلية غير موافقة على وجودهم؛ لذا لجأوا إلى حيلة إصدار البيانات ومحاولة زرع أنفسهم داخل القوى الوطنية.
وأضاف أن الخلاف مع جماعة الإخوان ليس اختلافًا شخصيًا أو فكريًا إنما خلاف استراتيجي في الأساس، وذلك يفسر سبب تحركاتهم الأخيرة لإيجاد فرصة لأنفسهم داخل الحراك المجتمعي والسياسي.
وحول ما أثير عن إرسال السياسي الهارب أيمن نور، طلب سري لعودته إلى البلاد، قال «بدر الدين» إن جميع المواطنين المصريين في الخارج من حقهم العودة إلى بلادهم في أي وقت ولكن في تلك الأمور يجب النظر أولًا إلى وجود أحكام قانونية أو مسائل قضائية مفتوحة من عدمه على الشخص العائد، متابعًا: «محدش هيمنعه يرجع وطنه، سواء أيمن نور أو غيره ودا كمبدأ عام».
وعن ما تشهده البلاد حاليًا من موجة للعفو الرئاسي عن عدد من سجناء الرأي، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن العفو سيشمل الكل، ولكن كلمة الكل تنطبق على القوى الوطنية ويجب وضع أكثر من خط تحت كلمة الوطنية.
وأشار إلى أن الذين سيشملهم العفو الرئاسي كل شخص لا يوجه الإساءة إلى الوطن ولم يتورط في أعمال عنف ولم يُهدد مقدرات الوطن، مستكملًا حديثه: «دا الأساس للمشاركة في الحوار الوطني».
ويرى الدكتور إكرام بدر الدين، أن الأحكام القضائية التي صدرت مؤخرًا ضد قيادات وكوادر الجماعة الإرهابية أمر قضائي ومسألة قانونية بحتة، نافيًا أن تكون أحكاما سياسية أو ردا على تحركات الإخوان الأخيرة للصيد في الماء العكر ومحاولة إقحام أنفسهم في الحراك السياسي الذي تشهده مصر حاليًا.
وتابع: «بالفعل صدرت أحكام في الفترة الأخيرة، ولكن في نفس التوقيت خرج البعض بعفو رئاسي، وأنا أراها أحكاما قانونية وقضائية ليس لها أي دخل بالسياسة».
وعلق أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، على وضع اسم عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، ونائبه محمد القصاص، ضمن الأسماء المقترحة لدى لجنة العفو الرئاسي التي تشكلت بعد توجيهات مباشرة من الرئيس السيسي، قائلًا: «القانون يطبق على من يخالف أحكامه بصرف النظر عن أبو الفتوح أو غيره، ما دام صدر عنه قرار عفو رئاسي، ولكن يجب هنا أن نتساءل هل هو سيقوم بأعمال تخالف القانون من عدمه يرتبط الأمر بالتصرفات والسلوكيات والأفعال».
عملية جس النبض
والتقط أطراف الحديث الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قائلًا إن جماعة الإخوان لم تدع للمشاركة في الحوار الوطني أو للجلوس على أي مائدة، مؤكدًا أنه لا يصح بالأساس دعوة جماعة غير شرعية ومُدرجة كمنظمة إرهابية محظورة وفقًا لحكم قضائي إلى الحوار.
وأوضح «فهمي» أن الأكاديمية الوطنية للتدريب -المنوطة بالإعداد وتنظيم الحوار الوطني- لم ترسل ثمة دعوات لشخصيات تنتهي للإخوان سواء داخل مصر أو خارجها، لافتًا إلى عدم وجود أي نية لدى الأكاديمية لإشراك شباب الإخوان أو المنتمين والمحبين لها.
وتابع أستاذ العلوم السياسية: «ربما هناك حالة من اللبس عند البعض حول مشاركة الإخوان في الحوار الوطني»، مستنكرًا تصرفات الجماعة بوضع شروط للمشاركة في الحوار الوطني بالرغم من أنهم غير مدعوين لطاولة الحوار تحت أي مُسمى.
وعن بيان يوسف ندا الذي أعلن فيه ترحيب الجماعة للجلوس والتحاور مع هرم السلطة في مصر، يرى الدكتور طارق فهمي، أنه بيان سياسي ليس له أي علاقة بالواقع.
وعن مدلولات تلك الدعوات والبيانات الصادرة من الجماعة، يرى «فهمي» أنها محاولات يائسة تهدف إلى توريط الدولة في إصدار بيان رسمي تعلن فيه مشاركة الإخوان في الحوار، مستطردًا: «وهذا لم ولن يحدث ولا يجب أن نروج نحن لهذا الكلام، وهذا الكلام ينطبق على قيادات التنظيم الدولي ينطبق أيضًا على الشلة التي تدعي انتماءها إلى الليبرالية مثل أيمن نور ومحمد البرادعي فجميعهم في مصاف واحد».
وأشار الدكتور طارق فهمي، إلى أن تحركات الإخوان الأخيرة هدفها الرئيسي جس نبض الدولة واختبار النظام المصري، وكذلك لإثبات موقف ومغازلة الغرب بأنهم يسعون إلى الحوار مع الرئيس السيسي ولكنه هو الذي يرفض.
وعن إمكانية صدور عفو رئاسي عن عبد المنعم أبو الفتوح، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن خروج «أبو الفتوح» من السجن لا يمثل أي مشكلة، بالعكس فذلك يؤكد أن الدولة لديها رحابة في الفكر كما حدث مع المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي باستقباله من مؤسسة الرئاسة وخروجه عقب ذلك للحديث في شاشات التلفزيون.
وتابع «فهمي»: «عفو الرئيس يشمل الجميع مؤيدين ومعارضين، خطوة جيدة وتؤكد أن الدولة أقوى مما يتصور البعض، وللأمانة أبو الفتوح لم يعد إخوانيًا».
وبسؤاله عن سيناريوهات مشاركة عبد المنعم أبو الفتوح في الحوار الوطني بصفته رئيسًا لحزب مصر القوية في حالة العفو عنه وخروجه من السجن، قال الدكتور طارق فهمي، إنه من المُبكر الحديث عن ذلك الأمر، واختتم حديثه قائلًا: «لو خرج الدولة ليس عندها مشكلة في مشاركته ومُرحب به فهو رئيس حزب معترف به، وكذلك الموقف مع نائبه محمد القصاص، والحزب حتى الآن لم تلغ رخصته».