في امتحانات الأوقاف.. الرحمة مطلوبة!
أجيدُ الخطابة وفنَ الإلقاء، وأُحسنُ مخارجَ الحروف، وإعرابَ الكلمات والجمل، فلا تخرج مني كلمةٌ عن سياقها، فضلا عن أنني مُلمٌ بمترادفات الكلمة، وهو ما يُسعفني في شرح الجملة، وتفسير العبارة، ويشهد بذلك كلُّ من سمعني، وهو ما أغراني بالتصدر لخطبة الجمعة أحيانا؛ لأكشفَ للمستمعين مقاصدَ الشريعة، ومدلول النص ومفهومه استنادا إلى ما حصلتُه وأحصلُه من معلومات أثناء إعدادي لمادة رسالتي للماجستير في الفكر الإسلامي.
ولأنني غيرُ أزهري، صار اعتلاءُ المنبر أُمنية بعيدة المنال، حال بيني وبينها قرارُ د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بمنع صعود غير الأزهريين منابر المساجد، حتى وإن كانوا حاصلين على درجة الدكتوراه، فالتحقتُ بأحدِ المراكز الثقافية لوزارة الأوقاف؛ للحصول على شهادة تُثبت دراستي بالأزهر، وتمكنُني من الخطابة بصبغة رسمية، غيرِ مُعترضٍ عليها من الدولة.
لا أنكرُ أن مُقررات الوزارة حوتْ كثيرًا من المعلومات، وأصَّلت عندي لكثيرٍ من المفاهيم، حول المواطنة والانتماء، ومفاهيم الحرب والسلم والحاكمية، وقضايا تنظيم النسل، والإلحاد، وغيرها العديد من قضايا التجديد، التي درسناها خلال العامين، وفهمناها إجمالا، وهو ما أثرى حصيلتي الشرعية شأني شأن كثيرٍ من الدارسين، وقد ساعد في كسبِ وتحصيل تلك العلوم أساتذةٌ أكفاء من جامعة الأزهر، استعانت بهم وزارةُ الأوقاف؛ لتدريس علوم الحديث والفقه، وقضايا التجديد، والسيرة بأسلوب عصري غاية في السلاسة والروعة بعدما استنطقوا أصول التراث لمعرفة مقاصدها.
عديدٌ من العمداء والأساتذة درسوا للطلاب عبر منصة الوزارة وبالمراكز، وأبدا لن يضيفَ مقالي لهم، ولكن من بين هؤلاء الأساتذة مدرسٌ صغيرُ السن كبيرُ العلم، ترك بصمة واضحة، فأراني مُطالبا بالإشادة به؛ لنبوغه في شرح دروس النحو، الذي يُعد (بُعبُع) اللغة العربية عند كثيرٍ من الدارسين.
د. محمد سعد عبد العظيم مدرس النحو بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بجامعة الأزهر نموذجٌ يستحق الإشادة، ونشكرُ لوزارة الأوقاف استعانتها به في شرح دروس النحو الواضح لعلي الجارم ومصطفي أمين، هكذا بلا ألقاب؛ لأنهما أكبرُ من الألقاب.
وبعد هذه المقدمة الطويلة، أشيرُ إلي ملاحظة أراها مثلبة وقعتْ فيها لجانُ امتحان الشفوي لإجازة الطلاب بعد نجاحهم في التحريري، وكلمة مَثلبة لا تعني الانتقاص أبدا، خاصة أن المُمتحِنين بشر، والخطأ والصواب واردٌ في حق البشر.
المَثلبة من وجهة نظري ككاتب يُعبرُ عن ضمير الأمة، حرصُ اللجان علي الأمور الفرعية، وترك الأصول، والانشغال بالتفاصيل الدقيقة، التي جاءت على حساب الإجمال الكاشف لمقدار ما حصله الدارسُ حقيقة، وحيث إنه يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق أسوق نموذجين رأيتهما بعيني.
في مادة القرآن مثلا ما المبررُ في أن يطرح الأستاذ الممتحِن سؤالا تعجيزيا في متشابه الآيات ليختبر قوة حفظ المسئول، فيترك جزءا طويلا ويسأل: أكمل من قوله تعالي.. فويلٌ يومئذ للمُكذبين دون إشارة إلى اسم السورة؟.
وما الفائدة التي سيجنيها المُمتحَن بمعرفة الذوقين المقصودين في حديث (ذاق طعمَ الإيمان) الوارد في كتاب للعلامة د. محمد عبد الله دراز يزيد علي 350 صفحة؟.
وهل من المنطق أن يقف الدارسُ عند كل كلمة دون أن يترك شاردة ولا واردة؟.
أظن أن هذا محالٌ على أي طالب، ومن يجيب يكون بضربة حظ، أو أنه صادفته دعوة مُستجابة.
وإذا كانت هناك مصنفاتٌ - وأخالفها بكل تأكيد - تقول إن في الإسلام قشورا ولبابا، فإن في شروحات المصنِفين لكُتب وزارة الأوقاف قشورا ولبابا أيضا.
ولأن الاختلاف في الرأي لا يُفسدُ للود قضية أقول: جهدٌ وزارة الأوقاف واضحٌ، وفضلُ السادة علماء الأزهر لا ينكرُه إلا جاحدٌ، أما أسئلة التعجيز فأبدا لن تُفرز الأكفأ، خاصة أن ثمرة هذه الدراسة تصريح بالخطابة تطوعا لن يُكلف الوزارة مليما واحدا؛ لهذا أقول بأعلى صوت: الرحمةُ مطلوبة.