علي الهواري يكتب: نيرة أشرف ومعركة «عورات النساء»
فجرت تصريحات الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر حول الحجاب موجة جديدة من الجدل حول فرضية الحجاب، وفتحت الحديث عن «عورات المرأة»، وذلك في سياق الجدل الدائر حول مقتل الطالبة نيرة أشرف«ذبحا»، على يد زميلها أمام جامعة المنصورة.
الحكاية من البداية
في ظل الجدل الدائر حول مقتل طالبة المنصورة «نيرة أشرف»، ذبحا على يد زميلها في الجامعة، قال الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الفقهاء الأمناء أكدوا أن ستر العورة فريضة، ثم تم تحريف العبارة لتتحول من ستر العورة فريضة إلى الحجاب فريضة.
وأشار «الهلالي»، في تصريحات تلفزيونية مع برنامج «الحكاية» على قناة «mbc مصر»، إلى قول الله عز وجل: «يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولياس تقوى ذلك خير»، معلقًا: «عشان تعرف التحريف بيأتي إزاي.. هل حدد السوءة؟، ربنا محددش السوءة، من الذي يحدد السوءة؟»، وأجاب: «اللي يسيئك فيا أنا أخبيه واللي يسيئني فيك إنت تخبيه، طب والمجتمع ما يساء في المجتمع فالحكم عرفي ومجتمعي».
وأضاف: «أكبر دليل أنه لا يوجد نص في عورات المحارم ولا يوجد نص في عورات المرأة مع المرأة ولا يوجد نص في عورات الأطفال وخاصة المراهقين، ولكن تتحكم فيها الأعراف».
وتابع: «أحكام العورات أحكام عرفية، والأحكام العرفية دي انتهى الفقهاء اللي عندهم أمانة بالقول إن ستر العورة فريضة»، متسائلا: «هل قالوا الحجاب فريضة؟.. اتحرفت العبارة دي من ستر العورة فريضة إلى الحجاب فريضة».
واستكمل: «ستر العورة لا يُدرس في كتب الفقه إلا في شرط من شروط صحة الصلاة»، مشيرًا إلى فقرة في كتاب «بداية المجتهد نهاية المقتصد» لابن رشد: «اتفق العلماء على أن ستر العورة فرضًا بإطلاق واختلفوا هل هو شرط من شروط صحة الصلاة أم لا وكذلك اختلفوا في حد العورة من الرجل والمرأة وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة وذهب أبوحنيفة والشافعي إلى أنها من فروض الصلاة».
ليست المرة الأولى الذي ينكر فيها الدكتور سعد الدين الهلالي فرضية الحجاب، ففي أكتوبر 2018، تناول مسألة الحجاب خلال حلقة برنامج "الحكاية" للإعلامي عمرو أديب، حيث أوضح خلاله- وقتها- بأنه ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جملة الحجاب فرض، مشيرا إلى أنه يمكن الاستدلال من القرآن على فرضية الحجاب.
وفي 2016، أكد الدكتور سعد الدين الهلالى، خلال لقائه مع الإعلامى عمرو الليثى، على قناة المحور، أن لبس الحجاب ليس فرض من قبل الزوج على زوجته فهو أمر يرجع لإرادتها الحرة، ولا ولاية للزوج على زوجته فى هذا، والصلاة أهم من الحجاب والحجاب ليس شرطا لصحة خروج المرأة، مؤكدا أن الولاية بين الزوجين متبادلة.
كما أكد «الهلالي»، أن التبرج ليس من النشوذ، والزوج له واجب النصيحة لزوجته فقط، والولاية للزوج على زوجته فى الحقوق الزوجية وبخصوص العلاقة الزوجية فقط.
علمانيون ينكرون فرضية الحجاب
موقف سعد الدين الهلالي من الحجاب لا يختلف عن موقف بعض المحسوبين على التيار العلماني مثل إبراهيم عيسى، الذي قال عام 2012، أنه لا وجود لكلمة الحجاب في القرآن والسنة، مشيرا إلى أن تعبير الحجاب حديث لم يكن يعرفه الصحابة، والآية التي تتكلم عن الحجاب في القرآن المقصود منها دورة المياه، وهي المكان الذي يحتجب فيه الإنسان ليقضي حاجته.
ومنذ أيام استنكر،عيسى، الإجراءات الذي اتخذتها الجامعة ومواقع التواصل الاجتماعي تجاه ضحية جامعة المنصورة نيرة أشرف، والتي ظهرت بها صور الضحية نيرة أشرف وهي محجبة سواء في الصور التي وُضعت داخل الجامعة أو على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال "عيسى"، خلال تقديمه برنامج "حديث القاهرة" المذاع عبر فضائية "القاهرة والناس"، إنه متعجب من طريقة تعامل الناس مع تلك الأزمة، "ليه نغير صورتها بالفوتوشوب ونحط ليها حجاب، هل غياب الحجاب عنها عار أو شرار أو أمر يُعتذر عنه أو أمر يسترها".
وأضاف أن ما حدث على مواقع التواصل الاجتماعي وتحويل صورتها إلى صورة بالحجاب يعني أن العقل المصري قدم استقالته، وهذا يعد إرهاب حقيقي للمجتمع المصري، مشيرًا إلى أن إرهاب السلاح أصبح لا يمثل خطرًا في الوقت الحالي مقارنة بالإرهاب المعنوي والإرهاب الديني والإرهاب الفكري.
وتابع أن الحجاب ليس ركن من أركان الإسلام، والقرآن لم يذكره في آياته، "القرآن مذكرش أن فيه غطاء رأس أصلا، كفاية نتعامل بالأحاديث الأحادية"، رافضا إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب أو جعله فرض على السيدات.
وواصل، أن التيارات السلفية حولت غطاء الرأس إلى عنوان للتدين، وتحاول دائما التعامل مع المرأة على أنها امر مثير للشهوة، "الشخص اللي بيفكر بالطريقة دي هو بيتعامل بمبدأ أنه ثور هائج"، موضحا أن الأفكار المتطرفة التي زرعها السلفيون أصبحت متغلغلة في المجتمع بشكل واضح.
وأشار إلى أنه يجب النظر إلى المملكة العربية السعودية التي بدأت تنفتح بشكل واضح على العالم، مستشهدًا بقرار المملكة بعدم إلزام المرأة بالجحاب في صور المحررات الرسمية.
وأكد عيسى في تصريحات أخرى، أن حجاب الأطفال يعتبر انتهاكا سافرًا للطفولة، بالإضافة إلى تحويل البنت في طفولتها لجسد سيدة كبيرة، فضلًا عن كونها عورة وفتنة يجب تغطيتها.
وأضاف عيسى، خلال برنامجه "حديث القاهرة"، عبر شاشة "القاهرة والناس"، أن سن الطفولة ينتهي عند 18 سنة، لافتًا إلى أن جميع المدارس الابتدائية في الصعيد وبحري و95% من المدارس الابتدائية بالقاهرة يرتدي بها الأطفال الحجاب، وهو ما يعد انتهاكًا سافرًا للطفولة.
وأكد عيسى، أن المجتمع بأكمله متواطئ على هذا الاختراق الغليظ المخالف للدين، موضحًا أنه إذا كان الحجاب فرض كما يدعي البعض، فهو للبالغات وليس الأطفال، مستنكرًا بعض الأمور في المجتمع، وعلى رأسها زواج القاصرات وحجاب البنات في فترة الطفولة، بالإضافة إلى ختان الإناث.
وشدد عيسى، على أن تلك الممارسات التي تتم على الأطفال ينتج عنها تشوه في المجتمع الذى يقود إلى ارتكاب الجرائم، مستشهدًا بواقعة الطالبة نيرة أشرف، فتاة جامعة المنصورة، التي قتلت على يد زميلها.
وأشار إلى أن ما يحدث سينتج عنه إكراه الطفلة للحجاب، متسائلًا عن أعداد الفتيات التي ترتدي الحجاب دون رضا، مؤكدًا وجود العديد من السيدات اللاتي يرتدين الحجاب بالإكراه.
واختتم إبراهيم عيسى، مؤكدًا أن البعض يريد أن يحكم المجتمع بـ أحاديث ضعيفة، مشيرًا إلى أن هذا الأمر غير مقبول.
وعلق الدكتور خالد منتصر، علي الجدل المثار حول الحجاب وأن عدم ارتداء الطالبة نيرة أشرف للحجاب كان ضمن الدوافع التى أدت لمقتلها.
وقال الدكتور خالد منتصر،" لو الحجاب فرض ديني ليه الجواري كان شعرهم مكشوف وكانت عورتهم لاتشمل الثديين!!هو الفرض الديني بيبقى طبقي؟".
أما الدكتور جابر عصفور، فأكد أن "الحجاب" ليس فريضة، وهى عادة وليست عبادة، مشيرا إلى أن مصر حديثة العهد بالحجاب ولو أصبحت المرأة سافرة لما تحدث عنه أحد، لافتا إلى أن هناك عددًا كبيرًا من مشايخ الأزهر، مثل محمد شلتوت وحسن العطار ومحمد عبده والطهطاوى ومحمود زقزوق قالوا بأنه لا يوجد زى خاص فى الإسلام، وأن المعول عليه فيما يتصل بالمرأة هو أخلاقها الحسنة وعفتها وليس مجرد قطعة قماش تعد من النوافل.
وذكر فى تصريحات سابقة، أن الفريضة هو الأمر الدينى الثابت الذى لا يقبل النقاش مثل الصلاة والصوم، أما الحجاب فحوله الكثير من الجدل والآراء فهو ليس فريضة بأى حال من الأحوال، كما أن الحجاب لم ينتشر فى مصر إلا فى وقت معين بعد مجىء السادات وتحالفه مع ما يسمى بالإسلام السياسى، فبداية ارتداء الحجاب كان إشارة على فكر سياسى يتمسح بالدين الإسلامى.
ويتذكر "عصفور": عندما كنت فى الجامعة فى الستينيات لم أجد أستاذة أو طالبة واحدة ترتدى الحجاب، فأنا لا أعترض على الحجاب ولا أعترض على المرأة أن ترتدى الحجاب أو لا ترتدى، إنما أنا ضد قول أن الحجاب فريضة، ومن يقولون أن الحجاب فريضة يكون كلامهم بعيدًا عن الإسلام.
أمال الكاتبة والناشطة فى مجال الدفاع عن حقوق المرأة، نوال السعداوى، فقد اعتبرت النقاب والحجاب أنهما ضد الأخلاق والأمن.
وقالت، إن الأخلاق تأتى بالتربية لا بالدين، ومعظم من يذهب لعيادتها من النساء لسن مقتنعات بالحجاب، لكنهن خائفات، مضيفة: "الأخلاق سلوك وليس ملابس هو "مظهر غلط"، متسائلة: "لماذا لا يتحجب الرجل؟ فالرجال لهم مفاتن مثل المرأة بالظبط، فالنساء ينظرن للرجل بشهوة"، واعتبرت أن الحجاب من العبودية، وهناك مدارس فى الإسلام ضد الحجاب.
وتابعت الكاتبة أن الذين يفسرون الأديان هى القوة السياسية، وكل نظام سياسى يفسر الدين كما يشاء.
أما المفكر نصر حامد أبو زيد، قال فى تعقيبه على الحجاب: "إذا كانت المسألة تتعلق بالفتنة فهناك رجال يفتنون النساء، وبالتالى عليهم التحجب وفق هذه النظرية.
وتساءل: "هل الفرائض زادت فريضة سادسة حتى نقول إن الحجاب فرض، إذا نظرنا للمسألة على أن الحجاب فرض من الناحية الفقهية والقانونية، فأنا أعتقد أن هذا صعب، وإذا كانت المسألة تتعلق بالفتنة فهناك رجال يفتنون النساء، فعليهم إذن أن يغطوا وجوههم".
أما الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى، قال إن التمسك بالنقاب أمر يثير السخرية أحيانًا وعندما يسيرون فى الشارع يملئونه بالسواد، ففى أى بلد متقدم لا يوجد نقاب سوى فى المجتمعات المتخلفة والبلدان التى تكره نفسها ومواطنيها وتتعامل معهم على أنهم حيوانات.
وأضاف "حجازى"، فى تصريحات سابقة لــ "اليوم السابع"، أن الحجاب والنقاب شعارات رفعها الإخوان لتدمير الهوية العربية ولا بد من التخلص منهم ومن أفكارهم.
كما اعتبرت فريدة الشوباشى الكاتبة الصحفية، أن الحجاب انتشر مع انتشار أفكار الإخوان والسلفيين؛ وهم من روجوا إلى ارتدائه، لكنه ليس من فرائض الإسلام.
وقالت فى تصريحات إعلامية سابقة: ''إن الحجاب أتفرض على المصريين فى الـ30 سنة اللى فاتوا''.
أما الباحث إسلام البحيرى، فقد اعتبر فى تصريح سابق له، أن الحجاب ليس من أصول الإسلام.يامأ
الحجاب فرض مثل الصلاة والصيام
وقد رد الأزهر الشريف ودار الافتاء ووعلماء وشيوخ الأزهر أكثر من مرة على «إنكار فرضية الحجاب».
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قال: «إن هذا الموضوع يُثار دائمًا رغم أن العلماء تحدثوا فيه وحدّدوا في كلامهم المقصود الشرعي في هذه المسألة لكن للأسف الشديد لا أدري لماذا يُثار بين حين وآخر حتى عند الفتيات اللائي يردن معرفة الحكم الشرعي انقلب الموضوع إلى ما يشبه النزاع أو العناد بين مذهبين النقاب والحجاب».
وأضاف شيخ الأزهر في فيديو له: «الجزء الثاني من المعركة بين الذين لا يريدون لنساء المسلمين أن يلبسن الحجاب أصلًا، وأرى أن المعركة ليست بحثًا عن حكم شرعي بقدر ما هي معركة من يكسب فيها ضد من، وكأن المسألة فيها تنافس في من ينفذ هذا أو ذاك، سواء النقاب أو الحجاب أو عدم الاثنين، لكن الواقع معقد، مع أن المسألة مما يكون ومما يتوهم».
وأوضح أن الحجاب بمعنى غطاء شعر الرأس فهذا أمر به نساء المسلمين في القرآن الكريم وأجمعت الأمة على أنه أمر مطلوب، تصوير المرأة التي لا ترتدي الحجاب أنها خارجة عن الإسلام أمر لا يجوز ولكن حكمها أنها عاصية.
من جانبها ردت دار الإفتاء أكثر من مرة على جدلية «فرضية الحجاب»، قالت في إحداها،: «إنه أجمع فقهاء المسلمين على أنَّ الحجاب فرضٌ على المرأة المسلمة إذا بلغت سن التكليف، وهي السن التي ترى فيها الأنثى الحيضَ وتبلغ فيه مبلغ النساء، وهو ما يكون ساترًا جميع جسدها ما عدا وجهها وكفيها، وزاد بعض العلماء قدميها وبعض ذراعيها».
وأضافت دار الإفتاء: «القول بجواز إظهار شيء غير ذلك من جسدها لغير ضرورة أو حاجة تُنَزَّل منزلتَها هو كلام مخالف لِمَا عُلِم بالضرورة من دين المسلمين، وهو قولٌ مبتدَعٌ منحرف لم يُسبَقْ صاحبُه إليه، ولا يجوز نسبة هذا القول الباطل للإسلام بحال من الأحوال، فصار حكم فرضية الحجاب بهذا المعنى من المعلوم من الدين بالضرورة».
وفي فتوى أخرى، أكد مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، أن الحجاب فرض ثبت وجوبه بنصوص قرآنية قطعية الثبوت والدلالة لا تقبل الاجتهاد، وليس لأحد أن يخالف الأحكام الثابتة، كما أنه لا يقبل من العامة أو غير المتخصصين مهما كانت ثقافتهم الخوض فيها.
ويشير مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، إلى أن من الآيات القرآنية قطعية الثبوت والدلالة، التى نصت على أن الحجاب فرض على كل نساء المسلمين، قول الله تعالى فى سورة المؤمنون: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ»، وقوله جل شأنه فى سورة الأحزاب: «يَا أَيُّهَا النَّبِى قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا».
والأمر فى الآية الواردة فى سورة الأحزاب، لزوجات «النبى صلى الله عليه وسلم» وبناته، وعموم نساء المسلمين، وليس كما يدعى البعض أنه تشريع خاص ببيت النبوة؛ كما أن المطالِع لكتب التاريخ والفقه الإسلامى على مر العصور، لا يجد رواية واحدة تشير إلى أن عمل الصحابة - رضوان الله عليهم - كان مخالفا لهذه النصوص القرآنية، أو أن أحدا منهم أفتى بأن الحجاب ليس فرضا، ولا يوجد كذلك قول واحد لأى عالم من علماء الأمة الثقات يبيح للمرأة عدم ارتداء الحجاب.
وأكد الدكتور عباس شومان، المشرف على الفتوى بالأزهر الشريف، أن الحجاب فريضة محكمة كالصلاة ولا ينكر فرضيته إلا جاهل ضال.
وقال «شومان»، خلال منشور له عبر حسابه الرسمي على "فيسبوك"، الاثنين: «الحجاب فريضة محكمة كالصلاة، ولاينكر فرضيته إلا جاهل ضال، فقد أجمع على فرضيته علماء المسلمين في كل العصور، فكفوا عن إرضاء البشر على حساب دينكم».
وأكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن حجاب المرأة المسلمة فرضٌ على كلِّ مَن بلغت سن التكليف، مشيرًا إلى أن سن الحيض التي ترى فيها الأنثى الحيض وتبلغ فيها مبلغ النساء؛ فعليها أن تستر جسمَها ما عدا الوجه والكفين، وزاد جماعة من العلماء القَدَمَين في جواز إظهارهما، وزاد بعضهم أيضًا ما تدعو الحاجة لإظهاره كموضع السوار وما قد يظهر مِن الذراعين عند التعامل، وأمّا وجوب ستر ما عدا ذلك فلم يخالف فيه أحد من المسلمين عبر القرون سلفًا ولا خلفًا؛ إذْ هو حكمٌ منصوصٌ عليه في صريح الوحْيَيْن الكتاب والسنة، وقد انعقد عليه إجماع الأمة.
ونبه مفتي الجمهورية، على أن من الأدلة القاطعة على وجوب الحجاب على المرأة المسلمة قول الله سبحانه وتعالى: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ» [النور: 31]؛ قال الإمام القرطبي في "الهداية إلى بلوغ النهاية" (8/ 5071): [أيْ: وليلقين خمرهن، وهو جمع خمار على جيوبهن، ليسترن شعورهن وأعناقهن].
وواصل: ومن الأدلة أيضًا حديثُ أنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها بِعَبْدٍ كَانَ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ثَوْبٌ؛ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ، إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» رواه أبو داود، موضحًا فهذا الحديث صريحٌ في وجوب تغطية الرأس؛ لتحرُّج السيدة فاطمة رضي الله عنها من كشف رأسها حتى تغطي رجلها، ولو كان أحد الموضعين أوجب من الآخر في التغطية، أو كانت تغطية أحدهما واجبة وتغطية الآخر سنة، لقدَّمَتِ الواجبَ بلا حرج.
من جانبه قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن 99 % من رأى جمهور الفقهاء أكد أن الحجاب فرض على المرأة المسلمة.
وأضاف «الطيب» فى تصريحات تليفزيونية، أن المرأة لا يجوز لها ارتداء النقاب لا فى الحج أو غيره ولا حتى فى الصلاة، واصفا من يطالب بذلك بأنه تحايل على الدين، لأن النقاب ليس من الفروض أو السنة، لكنه أمر مباح، ولكن لا يسمى بالملبس الشرعى.
أما الحجاب والمقصود به غطاء شعر الرأس، وهو ما أجمع عليه علماء المصلين، وإن كان من الصعب اتهام المرأة التى لا ترتدى الحجاب بأنها خارجة عن الإسلام ولكنها مخالفة أو عاصية.
تصريحات الهلالي تفجر قضية «العورات»
كما أثارت تصريحات سعد الدين الهلالي، جدلا واسعا حول العورة عند المرأة.
وبالبحث عن هذا الموضوع عثرت على موضوع منشور على موقع «اليوم السابع»، يتحدث عن عورة المرأة، جاء فيه: ورد سؤال لدار الإفتاء نصه..ما هي عورة المرأة أمام محارمها؟، وجاء رد الدار كالآتى:
أولًا: العورة هي ما يجب ستره وعدم إظهاره من جسم الرجل أو المرأة، والأمر بستر العورة فيه تشريف وتكريم للإنسان.
ثانيًا: محرم المرأة هو من يحرم عليه نكاحها من الرجال على وجه التأبيد: سواء لنسب؛ كالأب والابن والأخ ونحوهم، أو سبب -أي: مصاهرة-؛ كأم الزوجة وبنتها، ولا يدخل في ذلك أخت الزوجة ولا عمتها ولا خالتها، أو رضاع، ويحرم به ما يحرم من النسب.
ثالثًا: عورة المرأة بالنسبة إلى رجلٍ محرمٍ لها على المفتى به -وهو مذهب المالكية والحنابلة- هي جميع جسدها غير الوجه والرأس واليدين والقدمين، ويجوز للمرأة أن تكشف وجهها وشعرها ويديها ورجليها أمام محارمها، ويحرم عليها كشف ثدييها وبطنها وفخذيها ونحو ذلك عندهم، ويحرم على محارمها كأبيها وأخيها رؤية هذه الأعضاء منها وإن كان من غير شهوة وتلذذ.
ويدل لذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ﴾ [النور: 31].
فالمراد بالزينة مواضعها لا الزينة نفسها؛ لأن النظر إلى أصل الزينة مباح مطلقًا، فالرأس موضع التاج، والوجه موضع الكحل، والعنق والصدر موضعا القلادة، والأذن موضع القُرط، والعضد موضع الدُّمْلُوج (وهو المِعْضَدُ من الحُلِيِّ، أي ما يلبس من الحلي في العضد)، والساعد موضع السوار، والكف موضع الخاتم، والساق موضع الخلخال، والقدم موضع الخضاب (وهو ما يغير به لون الشيء من حناء وكتم ونحوهما)، بخلاف الظهر والبطن والفخذ؛ لأنها ليست بموضع للزينة؛ ولأن الاختلاط بين المحارم أمر شائع، ولا يمكن معه صيانة مواضع الزينة عن الإظهار والكشف.
وبعد أن ساقت دار الإفتاء عددا من الأدلة خلصت إلى: وعليه فالمفتى به هو أن عورة المرأة أمام المحارم هي جميع جسدها عدا الوجه والرأس والعُنُق، واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الركبتين، فيجوز لها أن تكشف هذه الأعضاء أمامهم، وذلك عند أمن الفتنة، وأما إذا لم تؤمن الفتنة؛ بأن كان ذلك المحرم فاسقًا يتعدى على الحرمات مثلًا، فإن على المرأة أن تستتر منه قدر استطاعتها.
عورة المرأة المسلمة أمام غير المسلمة
وفي مقال للدكتور سعد الدين الهلالي، منشور في «المصري اليوم»، عام 2013، قال فيه: حيث اختلف الفقهاء فى حدود عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة أو غيرها على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: يرى أن حدود عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة أو غير المسلمة من السرة إلى الركبة.. وهو أحد الوجهين عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة.. وحجتهم: القياس على عورة الرجل بالنسبة إلى الرجل التى أجمع الفقهاء على أنها لا تختلف باختلاف صفة الإسلام وغيره.. وأن تحديدها بهذا القدر يرجع إلى ما أخرجه الدارقطنى وأحمد عن عبدالله بن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ما تحت السرة إلى الركبة عورة»، وما أخرجه أحمد والترمذى وحسنه عن جرهد أن النبى صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال له: «غط فخذك فإنها من العورة».. قالوا: وإلى هذا التقدير فى العورة بين الرجال ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمشهور عند المالكية ومذهب الشافعية والمشهور عند الحنابلة. وإذا كان هذا مذهب الجمهور فى تقدير العورة بين الرجال فإنه يقاس عليه تقدير العورة بين النساء لاتحاد الجنس.
المذهب الثاني: يرى أن حدود عورة المرأة المسلمة أمام المرأة المسلمة أو غيرها تنحصر فى السوءتين فقط.. وهو رواية عند الحنابلة وإليه ذهب الظاهرية.. وحجتهم: القياس على عورة الرجل بالنسبة إلى الرجل التى أجمع الفقهاء على أنها لا تختلف باختلاف صفة الإسلام وغيره، وأن تحديدها بهذا القدر يرجع إلى ما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك، أن النبى صلى الله عليه وسلم حسر يوم خيبر الإزار عن فخذه حتى إنى لأنظر إلى بياض فخذه. وما أخرجه مسلم عن عبدالله بن الصامت أنه سأل أبا ذر فضرب على فخذه، وقال - أى أبو ذر - إنى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب فخذى كما ضربت فخذك وقال: «صل الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصل ولا تقل إنى قد صليت فلا أصلى».. قال ابن حزم: «فلو كان الفخذ عورة لما مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبى ذر أصلًا بيده المقدسة، ولو كانت الفخذ عند أبى ذر عورة لما ضرب بيده، وما يستحل لمسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب، ولا على حلقة دبر الإنسان لا على الثياب ولا على بدن امرأة أجنبية على الثياب البتة» قالوا: وإلى هذا التقدير فى العورة بين الرجال ذهب بعض المالكية والحنابلة فى رواية عندهما وهو اختيار أهل الظاهر، ويقاس عليه حد العورة بين النساء لاتحاد الجنس وأمن الفتنة.
المذهب الثالث: يرى اختلاف تحديد عورة المرأة المسلمة باختلاف دين المرأة الناظرة، فالعورة بين المسلمات تنحصر فيما بين السرة والركبة، وأما عورة المرأة المسلمة بالنسبة إلى غير المسلمة فتعم كل الجسد إلا الوجه والكفين، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعية، وحجتهم: أن العورة بين المسلمات وبعضهن يرجع فى تحديدها إلى مبدأ اتحاد الجنس فيما بين الرجال المسلمين وبعضهم، أما تحديد العورة بين المسلمات وغيرهن فهى ما عدا الوجه والكفين لما يأتى:
1 - عموم قوله تعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن» (النور:31).
حيث خصت الآية الكريمة الحكم بالنساء المسلمات بقوله: «أو نسائهن»، فلو جاز إبداء الزينة أمام المرأة غير المسلمة لما بقى للتخصيص فائدة.
2 - ما أخرجه البيهقى والطبرى من رواية قيس بن الحارث فى كتاب عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة يأمر فيه بمنع الكتابيات من دخول الحمام مع المسلمات وقال: «فإنه يحرم لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها».
وقد اختار المصريون مذهب الحنابلة فى المشهور، وهو قول بعض الشافعية فى وجه ومذهب الظاهرية الذين لم يفرقوا فى عورة المرأة المسلمة بين النساء المسلمات أو غير المسلمات لاتحاد الجنس، وترك المصريون مذهب جمهور الفقهاء الذى يرى وجوب التفريق فى تحديد عورة المرأة المسلمة بين المسلمات وغير المسلمات، فلا يجيزون للمرأة غير المسلمة أن ترى من المرأة المسلمة سوى الوجه والكفين، أما المسلمة فلها أن ترى من أختها ما يراه أهل المحارم دون فتنة فيما عدا ما بين السرة والركبة.
ولم يكن ترك المصريين لمذهب الجمهور فى هذه المسألة تجرؤًا أو لمجرد المخالفة الفقهية، وإنما كان من باب قناعة المصريين بوجاهة منطق الحنابلة ومن وافقهم القول بعدم التفريق فى عورة المرأة المسلمة بين المسلمات أو غيرهن لأمن الفتنة مع بنات الجنس الواحد خاصة مع قول النبى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن: «يا وابصة استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك».
هذا بالإضافة إلى أن هذا القول المخالف للجمهور يحقق مصلحة عامة للمسلمين فى تواصل المسلمات ورفع الحرج عنهن فى التعامل مع غيرهن أو التعايش مع غير المسلمات فى المدن الجامعية النسائية ونحوها، وقد قال تعالى: «وما جعل عليكم فى الدين من حرج» (الحج:78).