نيرة أشرف.. ضحيةُ مجتمع!
قد يسبقُ اللسانُ العقل، فينطق المرءُ بعكس المراد، وربما يقولُ كلاما مُخرجا من المِلة، ولكنَّ رحمةَ الإسلام تشملُه، وأبدا لا نخرجه من حظيرة الإسلام.
هذا ما كان مع رجلٍ ضَلتْ راحلته في صحراء شاسعة، وعليها زاده وشرابه، وبعدما آيس من عودتها، ركن إلي ظلِ شجرة ينتظرُ الموت، وبينما هو جالسٌ يُطارد هواجس الموت بعيدا عن أهله وخلانه، إذا بدابته أمامه، فقال فرحا شاكرا ربه: اللهم أنت عبدي وأنا ربُك، يقصد العكس، فخانه لسانُه، فلم يكفر باللفظ؛ لأن الله أعلمُ بالسرائر.
بإنزال هذا الأثر علي موقف د. مبروك عطية من قصةِ اغتيال نيرة أشرف فتاة المنصورة، يتضح أن الرجل عاني ويلات القيل والقال، ووجهت له سهامُ النقد، التي وصلت إلي حدِّ التجريح، وإنكارِ دوره في الدعوة والتوجيه علي مرِّ السنوات، وهو ما أثمر كثيرا من المحبين، وأعاد - قطعا- كثيرا من العُصاة إلي الجادة من خلال أسلوبه في الفتوي الذي لا يخلو من الطُرفة والفكاهة، والتي إن لم تُعجب البعض، فإنها تُعجب الآخرين، فالناسُ فيما يعشقون مذاهب!
يتفق أو يختلف القليلُ أو الكثيرُ مع أسلوب د. مبروك عطية، إلا أن أسلوبه سيظل مُميزا، وله محبوه سواء قلوا أو كثروا، وما قاله في هذه القضية، لا يتطلب كلَّ هذه الزوبعة، وإشهار السيوف، وسن الرماح كما شهدنا وسمعنا خلال الأيام الماضية.
الرجل دعا بالرحمة للفتاة مرارا، وأن يُقيض الله لها قاضيا يثأر لها ولدمها الذي أريق هدرا، ثم تحدث بوصفه داعية عن رؤيته للتغلب علي تلك المشكلات لاحقا، فاستند في توجيهه إلي ما لفتَ إليه الشرع بأن تخرج الفتاةُ مُحتشمة، ولا تخضع بالقول لكيلا يطمع الذي في قلبه مرض، وهذا كلام لا يُلام الرجل عليه؛ لأنه لم يأت به من كيسه، بل نقل ما قاله ربُ الناس الأعلم بما يُصلحُ عباده !
وانشغال الناس بتوجيه الطعنات للرجل علي حساب القضية الرئيسة هو - من وجهة نظري - تغييبٌ للعقل، وتفويتٌ لفرصة التعلم من أخطائنا، أو أخطاء الغير؛ لأن السعيدَ من وعظ بغيره.
مقتل نيرة أشرف لن يكون الحادث الأول والأخير، بل هو بداية لسلسلة جرائم ستتوالي تباعا بفعل انتشار أعمال البلطجة، والفتونة، والنصب والاحتيال، التي نشاهدها في أفلام العنف والمخدرات والشذوذ عبر الشاشات صباح مساء، والتي تجعل من المجرم بطلا، ومن النصاب (فهلوي)، ومن الفتاة التي تخرج عن طوع أبيها وتهرب مع عشيقها ضحية، وهو ما يتطلبُ حلا جذريا لهذه المشكلة !
من قتل نيرة أشرف ليس د. مبروك عطية، الذي حاول الإصلاح بما استطاع، فوجهت إليه النصالُ من كل حدب وصوب.
اختلف مع أسلوبه كما تشاء، اقبل طريقته أو ارفضها.. هذا من حقك، لكن ليس من حقك أن تغفل دوره، وتنكر أثره.
حض د. مبروك عطية الفتاة علي العفة والحجاب، أبدا ليس جرما، بل الجرمُ هو ما يفعله من يطلبون منها التكشف والعري، وأن تخرج كلأ مباحا، تتسلط عليها أنظارُ الغادي والرائح.
نيرة أشرة، نعم هي ضحية، تفرق دمُها بين القاتل، الذي نُزعت الرحمة من قلبه، وضحية مُجتمع استمرأ السلبية، وآثر أن يسير داخل (الحيط) وليس بجواره، إذ لم يُحرك واحدٌ ممن شاهدوا الجريمة ساكنا لنجدة الفتاة المسكينة، واكتفوا بتصوير الحدث للتوثيق.
نيرة أشرف هي ضحية (الأنامالية)، والجُبن والتخاذل.. ولكنها طبيعتنا دائما، نفتشُ عن أمور جانبية نستهلك بها الوقتَ والجُهد، ونهمل لب المشكلة.. فهل هذا عقل ؟!