وزارةُ الأوقاف.. ما هكذا توردُ الإبل!
جُهدٌ بلا طائل، هو نوعٌ من العبث الذي لم تكُن له ضرورة.
وغرسٌ بلا ثمر، هو صورةٌ من صور إهدار الوقت والجهد، اللذين أسمي ما يملك الإنسان، فسعادةُ المرء أن يري ثمرة جهده، ونتيجةَ كفاحه، أما أن تُحجبَ نتيجةُ امرئ، فهذا ظلمٌ يخلُق الطاقات السلبية، التي تهدم ولا تبني.
ما فعلته مراكزُ الثقافة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف مؤخرا مع طلاب تلك المراكز، بعدما حَجبت عن جُل الدارسين بالفرقة الثانية بمعهد إعداد الدعاة نتيجة إتمام الدراسة رغم نجاحهم بالفرقة الأولى (تحريري وشفوي)، واجتياز امتحانات الفرقة الثانية (تحريري)، هو صورةٌ من صور القرارات، التي تحتاج إلي مُراجعة، إذ إنها ذهبتْ بجهد الدارسين بها أدراج الرياح اعتمادا على اختبار الشفوي، الذي ضيَّع علي الطلاب جُهد عامين، حرصوا خلالهما على حضور المحاضرات والمذاكرة.
وبعيدًا عن العاطفة تعالوا نُغلب صوت العقل فيما انتهجته وزارة الأوقاف مع طلاب تلك المراكز ممن التحقوا بها لتحصيل العلم الشرعي، والحصول علي شهادة -صارت حلما- تُثبت دراستهم بالأزهر والأوقاف لنقر عدة أمور؛ أولها أن اعتماد مراكز الثقافة الإسلامية علي نتيجة اختبار شفوي الفرقة الثانية، وإغفال جهد عامين هو ظلمٌ بَيِّن، إذ إن تقييم الطلاب ينبغي أن يكون وفق مجمل ما حصلوه، ومجموع النتائج، وليس استنادا إلى نتيجة اختبار واحد، تتدخل في إخفاقهم فيه عواملُ بشرية مثل ظروفهم الصحية، أو النفسية، أو التأخر وربما التغيب لظروف طارئة لا طاقة لهم بها، أو نتيجة عدم وجود (كيميا) بين الطالب والأستاذ الممتحن، وغيرها من العوامل، التي قد تتسبب في إخفاق الطالب في اختبار الشفوي، وتتطلب أن يكون هناك دورٌ ثان للتخلف في الشفوي فقط، حتي لا يضيع جهدُ الطالب سدي، ويضطر إلي إعادة العام مرة ثانية (تحريري وشفوي).
أمر آخر، هو أن التشديد في منح الطلاب شهادات بإتمام الدراسة لإخفاقهم في اختبار الشفوي، الذي لا يستغرق دقائق لا تزيد علي أصابع اليد الواحدة، وأبدا لا يُقيم الطلاب، سيكون مُبررا لإحجام غيرهم عن تلك المراكز، فالسعيدُ من وعظ بغيره، وهذا ما نراه بالفعل، إذ يقل عددُ الطلاب بها عاما بعد آخر، وكشوف وزارة الأوقاف شاهد.
وسببٌ ثالث لضرورة مراجعة وزارة الأوقاف نفسها، وهو أنها إن لم تحتضن الباحثين عن المعرفة، فسيحتضنهم آخرون ممن انتشرت منصاتهم التعليمية، ورغم أننا نُحسن الظن بهذه المنصات، إلا أنه لا محالة سيكون من بينها من له مآربُ أخري، ويدس السم في العسل، ويقدم الغث والسمين، فتكون بذلك - أقصد وزارة الأوقاف -أفسدت أكثرَ مما تُصلح.
وأخيرًا أقول لا بد لمن أخفق من فرصة ثانية، وإن التقويم السليم لا بد له أن يجمع بين الثواب والعقاب، وأن يكون هناك تفاوتٌ بين الطلاب، لكنه أبدا لا يصل لحد منح البعض ومنع آخرين، كما فعلت وتفعل وزارة الأوقاف، وهو ما يضطرني أن أهمسَ في أذنها: ما هكذا تورد الإبل.