بالحق أقول: الخلافُ مفسدة!
لم يزد قولُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حق من خرجوا عليه وهو ولي أمر المسلمين في معركة الجمل علي عبارة: (إخواننا بغوا علينا)، فلم يصفهم بالشرك، ولا النفاق، ولم ينف عنهم الإسلام، إنما نفي عنهم الإيمان أو كماله.
ولا غرو فإن عبارةَ علي رضي الله عنه أكبرُ دليل علي حرص الإسلام علي الألفة والجماعة، أما التشرذم والفرقة وتبديع المسلمين بعضهم بعضا، بل وتكفيرهم بعضهم بعضا إن دل علي شيء فإنما يدل علي عوار الفكر، وقصور الفهم.
وبعيدًا عن التعصب والتشنج أقول إن كان جائزا أن يُخطئ بعضُنا بعضا في أمور العقيدة، وما كان قطعيَّ الثبوت، مادام قد توافر الدليل علي خطأ المخالف، وعُلم مناطه ومقصدُه، وغيرها من القواعد الأصولية، فإنه لا يجوز تخطيئة بعضنا في الأمور المختلف عليها، واتهام المخالف بالكفر حتي وإن كان رأيُه مرجوحا.
والسبب فيما أقول هو أن وحدة المسلمين من أهم مقاصد الشرع، التي أمر الله بها في غير موضع من كتابه العزيز كقوله سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، كما حض عليها نبيُه في أحاديث كثيرة منها (مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو تداعت له سائرُ الأعضاء بالحمي والسهر).
من صور الخلاف غير المُبرر التي عكرتْ عليَّ فرحتي بعيد الأضحي المبارك هذا العام الخلافُ حول مسائل هي محل خلاف بين علماء الأمة من قديم وإلي الآن، وهو ما يتطلبُ ألا يصادر أحدٌ رأي أحد، وألا يُبدع أحدٌ أحدا، ومن باب أولي ألا يُكفر فريقٌ الفريق المخالف، بل لا بد أن نُوسع دائرة الحوار، ونؤصل لقاعدة النقاش بُغية التعلم لا التعالُم دون تنازع ولا تجريح، وأن نُنصتَ لصوتِ العلم، فالحكمةُ ضالةُ المؤمن أني وجدها فهو أحقُ الناس بها.
من هذه المسائل مسألةُ الاحتفال بمولد النبي هل هو جائزٌ أم غيرُ جائز؟
والجواب سريعا: الاحتفالُ بمولد النبي جائزٌ طوال العام، وليس في الثاني عشر من ربيع الأول، الذي هو مقطوعٌ بأنه يوم وفاته وليس يوم مولده، وإذا كان الاحتفالُ جائزا فإن طريقة الاحتفال المُتبعة حاليا، والتي يكثر فيها الاختلاط والصخب، وتُرتكبُ فيها المحرمات والفواحش كما يحدث في الموالد وحلقات الذكر البدعي هي المحرمة، أما الاحتفال الحقيقي فيكون بإحياء سنته، واتباع أوامره، وتلاوة القرآن، الذي يُعدُ معجزتَه الخالدة، والبرهان الساطع علي صدق نبوته، وغيرها من صور الاحتفال المشروعة التي ترفع صاحبها لا أن تهوي به إلي أسفل سافلين.
ومن الخلافات أيضا (صدقةُ الفطر) التي تكون في آخر شهر الصيام هل هي نقودٌ أم حبوب؟.
والمسألة فيها راجحٌ وهو إخراجُها حبوبا، ومرجوحٌ وهو إخراجها نقودا، والرأي الأول عمل به كثيرون، والثاني عمل به غيرهم، فلكل سندُه ودليله دون أن يكفر البعض الآخر أو حتي يفسقه، وبمراجعة نصوص الفريقين (استفت قلبك وإن أفتوك)، المهم أن تُخرج صدقتك رحمة بالفقراء الذين يفتشون في صناديق القمامة عن كسرة خبز تقيم أودهم.
ومن الخلافات أيضا صيغةُ التكبير أيام العيد، وهل يُصلي فيها علي النبي أم لا؟
وباختصار نقول وردت الصيغتان، ولكن الأرجح صيغة عدم الصلاة، أما الصيغة الثانية والتي يُصلي فيها علي النبي وآله، وردتْ عقب معارك النصر لبيان عزة الإسلام، وتأكيد تأييد المولي لعباده أتباع النبي.
وأخيرا أقول إن عمر الإنسان قصير، وبأمور الشرع فاضلٌ ومفضول، وراجحٌ ومرجوح، فحريٌ بالعاقل أن يحرص علي الفاضل والراجح، ويترك المفضولَ والمرجوح ليُحصلَ الثوابَ الكبير بالعمل القليل، ويكون هذا بالعلم وليس باللغط وشتم بعضنا بعضا كما رأيت ما عكر مزاجي.