رئيس التحرير
خالد مهران

اغتيالُ الأئمة!

صبري الموجي يكتب:
صبري الموجي يكتب: اغتيالُ الأئمة!

فارقٌ كبير بين المنهج، وهو الطريقُ الواضحُ البيّن، أو القضيةُ التى تبدأ وتنتهى فى رأس الداعية، وبين الوسيلة التى تحملُ هذا المنهج وتُوصله للمُستمع.
وبناء عليه فإنه إذا كان من حق وزارة الأوقاف تحديدُ المنهج الخطابى بغرض تطوير الخطاب الدينى وتحقيق الانضباط فى الخطبة، وعدم الزج بها فى قضايا سياسية تُثير اللغط وتنشرُ البلبلة، فإنه ليس من حقها تحديدُ وسيلة نقل هذا المنهج لأن فى هذا ضررا بالمُتلقى والمُبلِّغ( أى الخطيب) فى آن واحد !
 


فما إن تقبَّل المُهتمون بشأن الدعوة - على مضض - قرار وزارة الأوقاف قصر الخطابة على الأزهريين، وتجريم اعتلاء غير الأزهريين المنبر لإلقاء خطبة الجمعة حتي  ولو كانوا يحملون أعلى الشهادات العلمية، حتى فوجئنا بقرارها المُطالِب بتوحيد الخطبة وإلقائها مكتوبة أمام الجمهور من أعلى المنابر فى شتى مساجد الجمهورية.
وتبرير الوزارة بأن فى ذلك صونا لحمى الدين، وبأنه يُسهم فى تطوير الخطاب الدينى ويُحقق الانضباط، مردودٌ عليه، إذ كيف ننشد تطويرا من خلال وسيلة تقتلُ الابتكار وتئد الارتجال فى مهده !
إن إلقاء الخطبة بهذا الشكل سيُمثل عبئا على عقول الأئمة، إذ سيجعلهم أشبه بقطار يسير على قضبان مُحدد لا يمكن تجاوزه؛ مما يقتل روح الإبداع لدى الخطيب، الذى كان من قبل يتفننُ فى استخدام الطرق لتوصيل المعنى !
بل سيصير خطيبُ الجمعة بموجب هذا القرار أشبه بالراديو أو التلفاز الذى يُردد المعلومة دون الإبحار والغوص فى روح المعنى، مما تستحيلُ معه نصوصُ الشرع إلى قوالب صماء يتلقاها المرءُ دون تدبر وتفكر وهما معنيان من أسمى غايات الشرع.
وحسنا فعلت وزارة الأوقاف بتراجعها عن شرط إلقاء الخطبة مكتوبة، وذلك بفضل جهود المخلصين من المهتمين بأمر الدعوة. وأري ككاتب أن هذا التراجع من وزارة الأوقاف يُثمنُ من وجوه:
أولها أن تمسكها بهذا الشرط فيه قتلٌ للعلم، وتهميشٌ لدور الخطباء، الذى قد يُنافسهم فيه أصحابُ الحرف الأخرى ما داموا يستطيعون القراءة والكتابة !
فضلا عن أن تمسك الوزارة بهذا الشرط - الذي صار في خبر كان - يُلحق الضررَ بالخطيب، كما يُلحقه بالمُتلقى؛ لأن الناس تتفاوت فى الأفهام والعقول، فمنهم من تنجح معه الوسيلةُ المكتوبة، ومنهم من لا تُشفى تلك الوسيلة غُلته، ويحتاجُ إلى شرح وإعادة، وبعد الإعادة زيادة؛ لهذا أُثر: خاطبوا الناس على قدر عقولهم.
وإذا كانت الخطابةُ هى فنَ مشافهة الجمهور للتأثير عليهم واستمالتهم، فإن قرار إلقاء الخطبة مكتوبة هو أول مسمار فى نعش الخطابة، ونحمد للوزارة تراجعها الشجاع قبل تشييع الخطابة إلي مثواها الأخير !
وأخيرا دعونا نتفق على أن رغبة وزارة الأوقاف فى تجديد الخطاب الدينى، وعدم اتخاذ منابر المساجد مسارح لترويج الأفكار السياسية لن تتحقق بفرض الخطبة المكتوبة، بل بتوعية الأئمة، وصقلهم عن طريق دورات تدريبية تُنمى روح المواطنة والإبداع، ولا مانع في توحيد الخُطبة شريطة أن تكون مواكبة لروح العصر، مُبرزة لمشاكل المجتمع مع طرح حلول لها، هذا بالإضافة إلى  تغليظ العقوبة على من يُخالف ذلك من الخطباء، والتى قد تصل بجانب الغرامة إلى المنع من الخطابة؛ وذلك عن طريق إلزام الخُطباء بتسجيل الخطبة ورفعها للمسئولين؛ للاستماع إليها لإثابة المُلتزم والأخذ على يد المُخالف، وغيرها من الحلول التى تحول بيننا وبين اغتيال الأئمة.