دراسة خطيرة تكشف كارثة... 1.4 مليون عقار آيل للسقوط فى مصر
تشكل أزمة العقارات الآيلة للسقوط تحديًا كبيرًا في وجه الحكومة، فبرغم التحركات التي تقوم بها الدولة على نطاق واسع لإحلال وتجديد المناطق العشوائية؛ إلا أن ظاهرة البيوت التي تسقط على رؤوس أصحابها انتشرت بصورة مُخيفة خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يستلزم معه البحث عن حلول سريعة لوقف نزيف الضحايا، خاصة بعد الواقعة المؤسفة لانهيار عقار بمنطقة الوايلي، والتي حصدت 6 قتلى.
وتكشف الأرقام، عن ضخامة الحالات الموجودة بدائرة الخطر؛ إذ تشير دراسة للمركز المصري للحق في السكن، إلى وجود نحو 1.4 مليون عقار آيل للسقوط على مستوى الجمهورية، وأن محافظة القاهرة بها أعلى نسبة عقارات صدرت لها قرارات إزالة، كما أن الإحصائيات غير الرسمية؛ تؤكد أن هناك أكثر من 7 ملايين عقار مخالف في مصر، منها 2 مليون و184 ألف مخالفة خلال الـ8 سنوات.
محاولات حكومية
وخلال الفترة الأخيرة قامت الحكومة، بعدد من التحركات في محاولة للسيطرة على مسلسل الحالات المستمر.
وتبحث المهندسة جيهان عبدالمنعم، نائبة محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية، سبل تسكين الأسر من القاطنين العقارات الآيلة للسقوط، في نطاق أحياء المنطقة الجنوبية، بعد تحديث بيانات كل حي للحالات الأولى بالرعاية، لتوفير مساكن بديلة، نظرًا لخطورة العقارات الحالية على أرواحهم.
وكلفت المهندسة جيهان عبدالمنعم، رؤساء أحياء المنطقة، باتخاذ خطوات عاجلة لتسكين قاطني العقارات الآيلة للسقوط.
كما وجهت بسرعة التنسيق مع الأجهزة الشرطية المعنية، لحصر جميع العقارات التي لها محاضر للإزالة لاتخاذ الخطوات الفعلية حماية للأرواح.
وناشدت نائبة المحافظ، سرعة التواصل والإبلاغ عن أي عقار به خطورة داهمة بنطاق أحياء المنطقة الجنوبية، لسرعة المعاينة وعرضه على اللجان المختصة واتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة بصورة فورية.
وفيما يلي تحركات من قبل محافظتي القاهرة والجيزة بشأن عدد من العقارات التي تشكل خطورة على أرواح المواطنين لخطورتها الداهمة.
خطورة داهمة
ووجهت المهندسة جيهان عبدالمنعم، بسرعة تنفيذ إزالة لعقارين لخطورتهما الداهمة على أرواح المواطنين بنطاق حي الخليفة.
وفي هذا السياق بدأت الأجهزة التنفيذية بحي الخليفة أعمال إزالة العقارين رقم 19 و22 عطفة القطانة بمنطقة السيدة عائشة الصادر بشأنهما قرارات من لجنة المنشآت الآيلة بالسقوط بالحي والتصديق عليهما، وذلك بالتنسيق مع المتابعة الميدانية بالمنطقة الجنوبية للخطورة الداهمة.
وأكدت نائبة محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية، أن العقار الأول وعنوانه 19 عطفة القطانة والمكون من 3 أدوار عبارة عن أرضي وحوائط حاملة من الحجر والدبش القديم وأسقف خشبية وصادر له قرار إزالة، حيث تبيّن وجود انهيار بسقف الدور الأرضي بالجزء الداخلي وشروخ نافذة بالحوائط وهبوط أرضي بمدخل العقار والدور الأرضي مع تلف الصرف الصحي حيث صدر له قرار بإزالة العقار حتى سطح الأرض مع الإخلاء حماية للأرواح والمارة والسكان.
وأضافت أنه تم البدء أيضًا في إزالة العقار رقم 22 بنفس الموقع والمكون من دور أرضي ودورين علويين وبه شروخ نافذة بالواجهة والحوائط، وشددت على عمل الصلبات والتحفظات اللازمة قبل وأثناء تنفيذ الإزالة بمعرفة الحي.
تحرك من الجيزة
تلقت محافظة الجيزة بلاغًا بتصدع عقار خالٍ من السكان، ومكوّن من دور أرضي ودورين أسقف خشبية في حي شمال الجيزة.
وعاينت المحافظة العقار والعقارات المجاورة وتم تسليم مقاول الهدم العقار وآخر مجاور، وإزالة مواطن الخطورة وتأمين العقارات المجاورة.
إخلاء عقار آيل للسقوط بالأزبكية
وترأس اللواء السيد مزيد، رئيس حي الأزبكية، لجنة لتنفيذ قرار إزالة خطورة داهمة بالعقار رقم 1 حارة كامل باب البحر منطقة كلوت بك.
وتم إخلاء العقار بالكامل من السكان والمنقولات ولا يوجد خسائر في الأرواح وتم تسليم العقار لمقاول الإزالات المختص بالحي.
من جانبه، تقدم أعضاء البرلمان بطلبات إحاطة لعل أبرزهم أيمن محسب، عضو مجلس نواب، إلى المستشار حنفي جبالي، رئيس المجلس، بسؤال موجه إلى وزيري التنمية المحلية والإسكان والمرافق بشأن مشكلة المباني الآيلة للسقوط، مشيرًا إلى أن حادث انهيار عقار الوايلي بمصر القديمة، والذي راح ضحيته 6 مواطنين لم يكن هو الأول من نوعه، وإنما هو حلقة من مسلسل طويل لا ينتهي.
وأضاف البرلماني فى بيان له، أن ظاهرة انهيار وسقوط العقارات انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، قائلًا: «من وقت لآخر يستيقظ المصريون على خبر سقوط عقار على رأس ساكنيه؛ الأمر الذي بات شبحا يهدد حياة آلاف من المواطنين إما بالموت أو التشريد في الشوارع»، مؤكدًا أهمية وجود إستراتيجية حكومية فعالة للتعامل مع ظاهرة البناء المخالف، الذي يعد السبب الرئيسي في انهيارات العقارات، بالإضافة إلى التأخر في تنفيذ قرارات الإزالة للمخالفات من جانب المحليات.
ووجه النائب، سؤالًا للحكومة ممثلة في وزارتي التنمية المحلية والإسكان، بشأن الإجراءات التي اتخذتها لحكومة للتصدي لمشكلة المباني الآيلة للسقوط، ودور المحافظين في حصر هذه المباني، والعقبات التي تقف أمام تنفيذ قرارات الإزالة، وأخيرًا جُهود الحكومة المصرية من أجل حوكمة العقارات.
وتابع البرلماني: «ضخامة الأرقام تطلب تحرك حكومى سريع وواعي، خاصة من المحافظين من خلال حصر المباني الآيلة للسقوط داخل محافظاتهم، دراسة حالة كل منزل، وإعداد تقرير وافٍ بشأنه»، مُشددًا على أهمية تكويد العقارات، حتى يُصبح لدى الدولة قاعدة بيانات قوية وشاملة بشأن العقارات، وهو ما يساعد على حوكمة العقارات.
أسباب وحلول
وفي هذا السياق، قال النائب عمرو درويش، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إنه توجد إشكالية تتعلق بالعقارات الآيلة للسقوط، وخاصة في القاهرة والإسكندرية.
وأضاف «درويش»، لـ«النبأ»، أن أزمة العقارات الآيلة للسقوط في القاهرة تختلف عنها في الإسكندرية، ففي القاهرة الأمر يتعلق بشقق الإيجارات القديمة التي لا يهتم الملاك بصيانتها وفي نفس الوقت لا يقوم بذلك المستأجرون، بينما في الإسكندرية الأمر يرجع إلى البناء العشوائي وغير المخطط وقت إنشاء هذه العقارات، إضافة إلى مياه الصرف الصحي وكميات الأمطار الكبيرة التي تشهدها المحافظة، وهو ما يؤثر على العقارات التي لا تتحمل هذه الأوضاع إلى جانب ارتفاعات المباني الخالفة لعرض الشوارع نتيجة غياب دور المحليات في الماضي.
وتابع: «هي الدولة هتقدر تبني كام وحدة سكنية لاستيعاب المشكلة، في فرق بين بناء الدولة وبناء المواطن، وعلشان كده لازم يبقى في تسهيل في إجراءات واشتراطات البناء لتشجيع المواطنين على هدم وإعادة بناء العقارات التي تعاني من مشكلات إنشائية».
وأشار إلى أن مشكلة العقارات الآيلة للسقوط متشعبة ومتفرعة، جزء منها يتعلق بالإيجارات القديمة وجزء آخر يتعلق بعشوائية البناء والمخالفات وجزء يتعلق بعوامل طبيعية نتيجة التقادم، موضحًا أنه لا بد من تفعيل القانون بشكل سليم من أجل مواجهة تلك المشكلات ومنع تفاقمها.
كما طالب عضو مجلس النواب برفع وعي المواطنين بأضرار هذه المشكلة إلى جانب تسهيل إجراءات واشتراطات البناء لتسهيل عملية إعادة إحلال أو تأهيل وتطوير تلك المباني، مشددًا على أهمية تشديد الرقابة على أعمال البناء والترميمات وغيرها من قبل الإدارات المحلية والتعامل بنزاهة وشفافية.
قرارات الإخلاء الإجباري
وبدوره، أوضح الدكتور صبري الجندي، خبير الإدارة المحلية، أن الإدارة المحلية لا تملك وفق القانون إلا المعاينة وإصدار تقرير هندسي ومن ثم تخاطب السكان أو الملاك بنتيجة المعاينة سواء بالترميم أو التنكسي أو إزالة جزئية أو هدم كلي، قائلًا: «لا تملك قرارات إجبارية بالإخلاء».
وأضاف «الجندي»، لـ«النبأ»: «للأسف الشديد لا الملاك ولا السكان بينفذوا هذه القرارات وبيفضلوا قاعدين فيها لحد ما البيت يقع، وبعد ما البيت يقع الناس بتطلع تلوم الإدارة المحلية، ولكن الحقيقة أن المحليات لا يمكنها إخراج المواطنين من المنازل وذلك حسب نص قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008».
وتابع: «الحالات التي توجب على المحليات الإزالة هي حالات التعدي على أملاك الدولة أو الأراضي الزراعية أو أملاك القوات المسلحة أو التعدي على ارتفاعات الطيران المدني، لكن الملكية الخاصة لا يمكن معها للأجهزة التنفيذية بالمحافظات إجلاء السكان وإزالة المكان».
وواصل خبير الإدارة المحلية: «عيب الأجهزة المحلية أنها لا تتابع تنفيذ القرار»، متابعًا: «هي بتطلع القرار وخلاص على كده، ولما ييجي رئيس الحي أو المدينة يروح النيابة علشان البيت وقع يقول أنا مطلع قرار والناس منفذتش وبكده بيتم إعفائه من أي مساءلة».
وأكد صبري الجندي: «البيوت الآيلة للسقوط مش بالضرورة تكون في أحياء عشوائية ممكن تبقى في أحياء مخططة لكنها بيوت قديمة وقد يتجاوز عمرها 100 و120 سنة، وهناك إشكالية في مصر تتعلق بالاهتمام بأعمال الصيانة، إلى جانب مشكلة أخرى وهي مشكلة تدني القيم الإيجارية التي يحصل عليها الملاك من عقاراتهم وبذلك يتم إهمال عمليات الترميم».
واستطرد: «البيوت الآيلة للسقوط، هي في النهاية ملكية خاصة»، متابعًا: «لما يكون على وشك إنه يقع باخد الناس دي أقعدهم في مراكز إيواء أو مدارس أو مراكز شباب لحين تدبير أحوالهم».
مشكلة الإيجار القديم
وتطرق إلى الحديث عن مشكلة الإيجار القديم وذلك لأن المالك يستفيد من قيمة أرض العقار الخاص به، وفي حالة انهيار المنزل يمكنه بيع الأرض بملايين الجنيهات أو إعادة بنائها من جديد لصالحه دون وجود للسكان، لافتًا إلى أنه من صالح السكان أن يجروا عمليات الترميم على حسابهم حفاظًا على الوحدات التي يسكنون فيها، ولكن المالك من مصلحته خروج المستأجرين وفي الوقت نفسه المستأجر من مصلحته يستمر في شغل الوحدة بسبب تدني قيمة الإيجارات والتي تصل لـ20 جنيهًا شهريًا وهي قيم غير موجودة نهائيا في قانون الإيجارات الجديد.
وختم: «نحن بحاجة لتعديل تشريعي يعطي مهلة زمنية للساكن لترميم منزله، ويجبره على ذلك؛ حفاظًا على أوراحهم».