رئيس التحرير
خالد مهران

فقر في الأجهزة وبحوث على الورق.. البحث العلمي بين الأرقام الرسمية والمشكلات الحقيقية

مراكز البحث العلمي
مراكز البحث العلمي فقر في الأجهزة وبحوث على الورق

أستاذ متفرغ بالقومي للبحوث: المراكز البحثية تفتقر إلى الأجهزة الحديثة والتمويل

عضو هيئة تدريس: أعداد البحوث ليس مقياس لتقدم البحث العلمي ولا يجب أن تكون وحدة القياس العدد في الليمون

زيادة عدد أبحاث المركز القومي للبحوث المنشورة دوليًا إلى 2690 بحثًا

إنشاء 18 حاضنة في 7 مجالات و90 شركة تكنولوجية وتخريج 63 شركة عاملة بالسوق المحلي والدولي عام 2019 بالتعاون مع مراكز البحوث

القومي لعلوم البحار يحصل على المركز 57 عالميًا في مجال علوم البحار والأول على مستوى الشرق الأوسط

أستاذ جامعي: تحول البحث العلمي إلى رقم نشر لتحقيق مركز وهمي في التصنيفات الدولية

 

"قليل من العلم مع العمل به أنفع من كثير من العلم مع قلة العمل به"، لم تكن تلك مجرد كلمات قالها الفيلسوف أفلاطون، قبل مئات السنيين، ولكنها باتت مع  التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم الآن، ضرورة مُلحَّة لتقدم الأمم، ولما كانت مراكز البحوث العلمية أهم ركن من أركان منظومة البحث العلمي لدى جميع الدول، فإنه من الضروري ربط البحث العلمي الذي تعمل على تلك المراكز بالواقع وتطبيقه والاستفادة منها في كافة المجالات.

ولما أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور خالد عبدالغفار، 18 يونيو الماضي، زيادة الأبحاث العلمية المنشورة في المجلات الدولية، أثار ذلك الكثير من التساؤلات عن حجم الاستفادة الحقيقية من تلك الأبحاث العلمية؟ ومشكلات البحث العلمي في مصر؟ وماذا عن الأرقام المُعلنة بشأن الأبحاث العلمية المُنشورة في المجلات العلمية؟

أرقام وإحصائيات

بلغ عدد الأبحاث العلمية المنشورة بالمجلات العلمية الدولية "scopus" حثًا علميًا، بينما بلغت الأبحاث العلمية المنشورة في المجلات المحلية 198 بحثًا، 109 بحث علمي منشورًا بالكُتب، 18 براءة اختراع، وفقًا لتقرير المركز القومي للبحوث، لعام 2021-2022.

لم يكن الارتفاع في عدد الأبحاث العلمية المنشورة في المجلات العلمية وحسب، إلا أنه المشروعات البحثية الدولية التي عمل عليها المركز خلال العام، بلغ 14 مشروعًا بحثيًا، في حين بلغت المشروعات البحثية المحلية 110 مشروعًا، بينما بلغت المشوعات الداخلية للمركز 380 مشروعًا، والمشروعات التكميلية 115 مشروعًا.

وبحسب التقرير تصدر المركز القومي للبحوث، قائمة المراكز البحثية في تصنيف سيماجو الأسباني، كتصنيف جديد للمراكز البحثية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2022.

كل تلك البحوث المنشورة دوليًا ومحليًا، مكنت المركز القومي للبحوث من الحصول على 7 جوائز في مجالات (العلوم التكنولوجية المُتقدمة، العلوم الأساسية، العلوم الهندسية، العلوم الكيميائية، العلوم الزراعية، العلوم التكنولوجية المُتقدمة التي تخدم مجالات العلوم الزراعية، المياه والطاقة والعلوم البيئية).

أنشطة المركز القومي للبحوث 2021

علوم البحار والمشروعات الخدمية

لم يكن المركز القومي للبحوث وحده الذي قطع شوطًا كبيرًا في نشر الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية عالمية، ولكن تمكن المركز القومي لعلوم البحار من زيادة عدد الأبحاث المنشورة بمجلات دولية بواقع 718 بحثًا، في حين وصل عدد براءات الاختراع إلى 7 براءات اختراع.

وتقدم المعهد القومي لعلوم البحار في مؤشرات  تصنيف SCImago  لعام 2022، بحصوله على  المركز 57 عالميًا في مجال علوم البحار، من بين 743 جامعة ومعهدًا بحثيًّا ومؤسسة دولية، وعلى الترتيب الأول على مستوى الشرق الأوسط من بين 25 معهدًا وجامعة عربية، كما حقق المعهد المركز الأول أفريقيًّا من بين 11 متقدمًا، كما تقدم المعهد فى مؤشر الأداء البحثى على المستوى الدولى، حيث حقق هذا العام المركز 370 مقارنة بالعام الماضى 398 فى تصنيف SCImago  لعام 2021.

ربط البحوث العلمية بمختلف المجالات

جهود التعليم العالي في ربط البحث العلمي بمختلف المجالات على أرض الواقع، لم يكن وليد العامين الماضيين، إلا أنها أنشأت 18 حاصنة في 7 مجالات  (النسيج، والذكاء الصناعي، وإنترنت الأشياء، والتعليم، والإلكترونيات، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز)، خلال عام 2019، فضلًا عن عم ما يزيد على 90 شركة تكنولوجية، وتخريج 63 شركة عاملة في الأسواق المحلية والعالمية، بإجمالي 48 مليون جنيه بالشراكة مع جامعات ومراكز بحثية، ومنظمات مجتمع مدنى وجهات أجنبية، فإن الواقع يشير إلى وجود عدد من المعوقات ما زالت تعطل البحث العلمي، حسب تقارير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

ورغم الأرقام التي تُشير إليها التقارير بشأن تقدم العلمي، إلا أن بعض المختصين يعتقد أن البحث العلمي في مصر لازال يعاني من مشكلات عديدة، وأنه لا بد من ربطه بالصناعة وإقامة مشروعات للاستفادة منه، حتى لا يكون مجرد حبر على ورق.

وتسير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، على خطة لتوظيف البحث العلمي لخدمة الاستراتيجية القومية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار 2030، تعتمد على ربط البحث العلمي بالصناعة، ودعم الباحثين والمبتكرين، لتحويل مخرجات البحث العلمي لمنتجات صناعية في مختلف مجالات الطاقة والمياه والزراعة، مشيرًا إلى ما حققته الوزارة من تطوير في منظومة التشريعات الخاصة بالبحث العلمي لدعم الباحثين والمبتكرين، ومنها إصدار قانون حوافز العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وإنشاء صندوق رعاية المبتكرين والنوابغ، وفقًا لتصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور خالد عبدالغفار، 12 يونيو الماضي.

دكتور إبراهيم سيد

تقارير رسمية ومشكلات حقيقية

ووفقًا للتقارير الرسمية الصادرة عن المراكز البحثية هناك مشروعات بحثية قائمة بالفعل نتاج ربط البحث العلمي، بعضها محلي وأخرى ممولة من جهات خارجية بمختلف المجالات.

وبحسب تقرير رسمي صادر عن المركز القومي لعلوم البحار، والصادر 12 يوليو الجاري، يعد مشروعي "تحسين مخزون وإنتاج زريعة البوري الرمادي- خيار مستدام" الممول من هيئة المعونة الأمريكية، و"من أجل تعميم الزراعات المحمية: إحكام الحلقة حول الصوب الزراعية في البحر المتوسط" والممول من برنامج بريما.

أما عن المشروعات المحلة بمعهد علوم البحار، فشملت: مشروع هجرة الكائنات البحرية بين البحر المتوسط والبحر الأحمر الممول من هيئة قناة السويس، الرصد البيئي لنوعية المياه والرواسب وحركة الكائنات البحرية بقناة السويس وبحيراتها ونقاط اتصالها مع خليج السويس والبحر المتوسط "المرحلة التانية"، دراسة تقييم الأثر البيئى لمشروع التطوير الجديد للمجرى الملاحى لقناة السويس الممول من هيئة قناة السويس، مشروع الرصد البيئي للبحيرات المصرية، مشروع إنشاء بنك للمحافظة على الأصول الوراثية لأسماك البلطي النيلي في البحيرات المصرية الممول من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا (2022-2025)، مشروع التحسين الوراثي لأسماك البلطي النيلي الممول من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا (2020-2022)، المشاركة بدراسات تقييم الأثر البيئي  للمنشآت السياحية والصناعية، البرنامج القومي للرصد البيئي بالبحر الأحمر، الرصد البيئي لموانئ البحر الأحمر، استحداث طرق جديدة غير تقليدية لاستخدام الهائمات ومُستخلصاتها كمصادر طبيعية بديلة للبروتين والمحسنات الطبية ممول من هيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار. STDF

ورغم التقارير الرسمية التي تشير إلى تقدم كبير في مجال البحث العلمي، بل تفعيله والاستفادة منه لخدمة المجتمع المصري في مختلف المجالات، إلا أن هناك بعض المشكلات التي تواجه الباحثين، على رأسها تتمثل في الصعوبات التي يواجهها الباحثين في نشر أبحاثهم في المجلات المجانية، ما يضطرهم إلى المجلات المدفوعة، وتبدأ دائرة الاستغلال، كما يشتكي الباحثين العلميين من عدم تقديم الدعم المادي لهم.

الدكتور وائل كامل

العدد في الليمون

"بالنسبة للبحوث العلمية، لا يُفترض أن يكون العدد في الليمون، وأن يقاس بوحدة الكيلو نشر دولي، مثلما يحدث"، بهذه الكلمات بدأ عضو هيئة التدريس في جامعة حلوان، الدكتور وائل كامل، حديثه مع «النبأ الوطني».

ويضيف: "المساواة بين عضو مركز البحوث وعضو تدريس الجامعات بنفس معايير القياس، والتي تختصره في نشر علمي فقط، خاطئة، فمهام عضو مراكز البحوث ومسئولياته تختلف تمامًا عن مهام عضو تدريس الجامعات وهذا لا يعني ان هناك مهمة تفوق الاخرى ولكن لكل منهم اهمية ومهام مطلوبة ولكنها تختلف عن الٱخر". 

ويوضح «كامل» أن مهام عضو مراكز البحوث هي البحث العلمي في الأساس وخدمة المجتمع المرتبطه به،  ومهام عضو تدريس الجامعات هي في الاساس التدريس وأعداد الطلاب والأجيال والبحث العلمي وخدمة المجتمع المرتبط بهم،ولهذا يجب أن يكون لكل منهم نظام ترقي مختلف عن الٱخر له معايير تقيس الكفاءة في المهام والتوصيف الوظيفي له.
الأزمة الحقيقية هي أنه تم تحويل البحث العلمي؛ لمجرد رقم نُشر لتحقيق مركز وهمي في التصنيفات الدولية، في تصنيفات دولية، لا سيما وأن كل تصنيف له معايير حسب هواه ورغباته والبلد الموجود به وقد تجد جامعة مثل جامعة طوكيو على سبيل المثال في أولى المراكز بتصنيف ما وبمراكز متأخرة بتصنيف ٱخر، والتي تبني عليها الدول كل أهدافها وتعديلات القوانين واللوائح التي يفرح بها المسؤولون ويصدروا تصريحاتهم بأنهم حققوا مراكز كبيرة، وفقًا لوائل كامل.
ويختتم "كامل"، حديثه مع "النبأ الوطني"، بالتأكيد على أن بعض الأبحاث العلمية المنشورة لا يوجد لها أي تأثير على تقدم المجتمع المحلي وحل مشاكله، ولا يتم رصد موازنات لائقه لتخرج للنور لتتحول من مجرد حبر على ورق مركون على ارفف المكتبات؛ لمساهمة فعلية وأساسية ومؤثرة في تقدم وتطور وحل مشكلات هذا الوطن، بدلًا من كونها مسوغ تعيين وترقي يصرف به الباحث من جيبه على حساب متطلبات أسرته والتزاماته في ظل وجود رواتب مهينة لا تليق بكم المجهودات التي تبذل.

فقر في الأجهزة

ويرى أستاذ متفرغ بالمركز القومي للبحوث الزراعية، الدكتور إبراهيم سيد، أن المشكلات التي تواجه الباحثين العلميين كثيرة، على رأسها ضعف التمويل المادي الذي تعاني منه المراكز البحثية، رغم الجهود الكبيرة التي قدمتها الوزارة لتطوير البحث العلمي.
ويضيف «سيد»، أن معظم المراكز البحثية تفتقر إلى الأجهزة الحديثة والأكثر دقة في نتائجها، كما تفتقر إلى التمويل اللازم للأبحاث العلمية المقدمة.
واختتم إبراهيم سيد تصريحاته، بالإشارة إلى أن العديد من الأبحاث المقدمة ضعيفة، كما أن بعض الباحثين العلميين غير أمناء، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الأبحاث العلمية الخاصة بهم تخرج دون المستوى.