بنها العسل.. والقرارات العشوائية!
مدينة بنها بفتح الباء أو كسرها، أو (بنها العسل) هي مدينةٌ فرعونية قديمة، تعددت الرواياتُ حول سبب تسميتها بهذا الاسم، فمن قائل إنه يرجع إلى كثرة مناحل العسل بها لوجود أشجار (الجميز) الضخمة مصدر رحيق النحل، وقائل إنه يعود إلى أيام المقوقس حاكم مصر، الذي أهدى النبىَّ (مارية القبطية)، ومعها (جرة) مملوءة بعسل نحل محمول إليه من قرية تُدعى بنها، فدعا لها النبيُّ بقوله: اللهم بارك فى بنها وعسلها.
وأيا كان سببُ التسمية تعالوا نؤكد أن هذه المدينة حباها الله بالعديد من المقومات، التي أهلتها لتصير عاصمة لمحافظة القليوبية بدلًا من مدينة (قليوب) التى ظلت لسنوات عديدة العاصمةَ الرسمية لمديرية القليوبية.
من هذه المقومات عبقريةُ المكان، إذ إن بنها تبعد عن مدينة القاهرة عاصمة مصر بنحو 45 كيلو مترا فقط، ومن ثم فيمكن القول إنها امتدادٌ طبيعى للعاصمة، وليست محافظة أخرى، فضلًا عن أن هذه المدينة ظلت لسنوات تتمتع بحدائقها الخلابة، وأشجارها الباسقة، وهو ما شجع الخديو عباس حلمى أن يُنشئ لنفسه بها قصرًا، ينعم فيه بهدوء المكان وسحر الطبيعة، إضافة إلي أنها جمعت بين محاسن الريف والمدينة، فيمكن أن نقول إنها ريفٌ متمدن، أو مدينةٌ ريفية.
لهذه المقومات وغيرها، اختيرت هذه المدينة عاصمة للقليوبية بلا منازع.
أقول.. ظلت هذه المدينة حتي فترات قريبة، تتمتع بسحر المكان، وهدوء الشوارع، التي روعي في إنشائها التخطيطُ والنظافة، وانسيابية الحركة، حتى صدرت مؤخرا قراراتٌ حَسِبَ أصحابُها أنهم يُحسنون صُنعا، فأساءوا بها لتلك المدينة وسكانها أبلغ إساءة.
من تلك القرارات، قرارٌ غيرُ مدروس، أصاب مدخل هذه المدينة من جهة الرياح التوفيقي بالشلل التام، فصار الدخولُ والخروج منها من تلك الجهة أمنية من رابع أو عاشر المستحيلات، وهو إنشاء كوبريين متوازيين أعلى الرياح التوفيقي دون وجود رابطٍ بينهما، بمعنى أن الكوبريين (متخاصمان)؛ مما نفَّر سائقي سيارات الأجرة داخل المدينة من استخدامهما هربا من اللف والدوران الذي يُهدر الوقت والبنزين معا، وظل مرورُ السيارات بها دخولا وخروجا من نفس المدخل، الذي كان قبل إنشاء الكوبريين( الغلطة )، اللذين تكلفا أكثر من 220 مليون جنيه، في حين أن حاصل الفائدة منهما صفر.
وحرصًا منها على تعويض خسارتها، قامت محافظة القليوبية بتأجير المحال أسفل هذين الكوبريين؛ مما زاد الزحام في تلك المنطقة، وأصاب حركة المرور بها بشلل تام.
أضف إلى ذلك أن بعضًا من تلك المحال صارت مقالب للقمامة، وحظائر للأغنام والماعز، واصطبلات لخيل العربات (الكارو)، فزادت المدينة قُبحا وزحاما، بعدما كانت مضرب المثل في السحر والجمال.
إن أزمة عدد من المسئولين المنوط بهم الإصلاح، أنهم لا يدرسون القرار إلا بعد تنفيذه؛ مما يُهدر على مصرنا الغالية كثيرا من الجهد والمال.
إن شيئا من التأنى يا سادة مطلوبٌ قبل الشروع فى تنفيذ مشروعات خاطئة، يعقبُها ندمٌ فى وقت لا ينفع فيه ندم.
إن هذه الأموال الطائلة التي أُنفقت فى مشاريع خاطئة جريمةٌ في حق مجتمعنا، الذى يتحسس خطاه نحو التنمية، التي أؤكد أنه لن يبلغها في ظل تلك القرارات العشوائية.
إن انتباهنا بعد أن تقع (الفاس في الراس)، أو (بعد خراب مالطا)، هو قمةُ الاستهتار بمقدرات الأمة وحقوق المواطنين.
إن بنظرة متأنية لعدد من قرارات المسئولين بمحافظة القليوبية، شأنها شأن بقية محافظات الجمهورية، نلمحُ ظاهرة قرارات (الخبط العشواء)، الذي يعوق التقدم، ويُعرقل مسيرة التنمية.
ومن أمثلة هذه القرارات العشوائية الفجة أيضا، القطع الجائر لأشجار نمت على حافتي الرياح التوفيقي، بدءًا من مدينة بنها حتى مدينة القناطر، ورغم فائدة تلك الأشجار في تثبيت التربة بجانب الرياح؛ وحيلولتها دون انهدام الجسر وكثرة الحوادث، إلا أن يدا عابثة أقدمت على خطوة قطعها بسكين بارد دون أن تُبالى أنه قرارٌ غير مدروس.
إن هذه القرارات رغم أنها صدرتْ في ظل إدارات سابقة لمدينة بنها، ولا يُسأل عنها مسئولو المحافظة الحاليون، إلا أنني أردت من مقالي مجرد التنبيه، وقبل ذلك محاسبة من أخطأ.. فهل ستلقي رغبتي استجابة؟.