محمد مازن يكتب من بكين: زيارة بيلوسي والحسابات الأمريكية الخاطئة
بعد ترقب دولي وإقليمي واحتجاجات صينية، حطت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، ليلة الثلاثاء، في تايبيه بسلام.
وستعقد اجتماعا مرتقبا اليوم الأربعاء مع الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون. وقد أوصلت الزيارة بالفعل مستوى التوتر بين بكين وواشنطن إلى أوجه إلى حد التهديد من قبل بكين. وقد تحدثت تقارير إعلامية عالمية عن تحرك أصول عسكرية أمريكية باتجاه مضيق تايوان، وأشارت تقارير إعلامية صينية إلى تحرك أصول عسكرية صينية وإرجاء رحلات الطيران المدنية في مقاطعة فوجيان مقابل جزيرة تايوان مباشرة.
وفي الليلة التي حطت فيها طائرة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في تايوان، أطلق جيش التحرير الشعبي الصيني تدريبات عسكرية واسعة النطاق حول جزيرة تايوان الصينية، بما في ذلك تدريبات بالذخيرة الحية في مضيق تايوان وتدريبات بالذخيرة الحية بالصواريخ التقليدية شرق الجزيرة. وقالت وكالة شينخوا الرسمية الصينية إن جيش التحرير الشعبي سيجري أيضا سلسلة من التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية في الفترة من 4 إلى 7 أغسطس في ست مناطق مختلفة تطوق الجزيرة من جميع الاتجاهات.
قد يكون من السابق لآوانه التكهن حاليا ما إذا كان الوضع سينفجر إلى أزمة كاملة أم لا، لكن الواضح أن الولايات المتحدة قد قامت بمخاطرة كبيرة بالمضي قدما في هذه الزيارة، التي تعد الأولى لمسؤول أمريكي كبير للجزيرة في 25 عاما، وكان يمكن تجنب الأزمة الناجمة عنها. فمن ناحية، رغم أن بيلوسي قالت لدى وصولها أن زيارتها "تضامن مع الجزيرة ورسالة سلام إلى المنطقة"، إلا أنها في الواقع بعيدة عن ذلك، وقد حذر مسؤولون وخبراء دوليون من خطورة تلك الزيارة بالفعل على السلام والاستقرار في المنطقة.
وكتب توماس فريدمان الكاتب الأمريكي الشهير في نيويورك تايمز أن زيارة بيلوسي "الطائشة والمتهورة" لن تأتي بشيء جديد ولن تجعل تايوان أكثر أمنا أو ازدهارا. ووصفها بأنها رمزية بحتة وقد تحدث الكثير من الأشياء السيئة، بما في ذلك رد عسكري صيني قد يؤدي إلى انزلاق الولايات المتحدة في صراعات غير مباشرة مع روسيا والصين المسلحتين نوويا في آن واحد.
وأكدت وزارة الخارجية الصينية أن الزيارة تضر بشكل خطير بالأساس السياسي للعلاقات الصينية-الأمريكية وترسل رسالة خاطئة بشكل خطير لقوى "استقلال تايوان". وقالت الوزارة في بيان إن الصين بالتأكيد ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية سيادتها وسلامة أراضيها بحزم ردا على الزيارة محملة الولايات المتحدة كل التبعات التي ستنجم عنها.
من ناحية أخرى، هذه الزيارة لا تخدم الأمن القومي الأمريكي الذي يجب أن يمثل أولوية قصوى لصانع القرار الأمريكي عند اتخاذ مثل هذا قرار، ولا حتى الازدهار الاقتصادي للبلاد. وفشلت رئيسة مجلس النواب في تحقيق أي من الهدفين بل اقتربت من تعريض كليهما للخطر في وقت لا تزال تواجه فيه البلاد أعلى مستويات التضخم تاريخيا وآثار الجائحة اقتصاديا.
إن الولايات المتحدة لديها بالفعل اتفاقية أمنية مع تايوان بموجبها تساعد الولايات المتحدة الأخيرة في الدفاع عن نفسها. وعلى مر السنين، قامت واشنطن بتوفير أسلحة عالية التقنية وتدريبات عسكرية للتايوانيين فضلا عن الوصول إلى القدرات الدفاعية الأخرى. وزودت الولايات المتحدة تايبيه لسنوات بأحدث المعدات العسكرية والطائرات المقاتلة والصواريخ والدبابات، ولكن لا توجد اتفاقية على غرار المادة الخامسة لحلف الناتو تطلب من الولايات المتحدة الدفاع عن تايوان بنفسها.
ومنذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية في عام 1949 وهزيمة القوميين على يد الشيوعيين وفرارهم إلى تايوان، قالت الصين إنها ستستخدم القوة لإعادة توحيد الصين. ورغم فترات الشد والجذب، ظلت بكين ثابتة على موقفها من التوحيد السلمي ما دام أن الجزيرة لم تعلن استقلالها، وإدعت الولايات المتحدة مرارا التزامها بمبدأ "الصين واحدة".
إن تايوان تعتبر مسألة وجودية بالنسبة للصين بالمعنى الحرفي للكلمة، وسيكون من الحماقة إدخال القوات الأمريكية في نزاع ثنائي. فالصين تعمل بجد منذ ما يقرب من 30 عاما على تحديث جيشها وتطويره وبنائه لخدمة ثلاث مهام هي الحفاظ على الاستقرار الداخلي واستعادة تايوان وصد أي تدخل أمريكي متوقع.
ولا يمكن اليوم التقليل من شأن الصين كدولة ذات قوة بحرية وجوية وبرية حديثة. قد لا تكون منافسا كبيرا للولايات المتحدة من حيث القدرة العالمية، ولكن في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، تتحدث تقارير أن لديها مزايا كبيرة تتفوق على أساطيل الولايات المتحدة الجوية والبحرية في المحيط الهادئ. وسيكون من الحماقة أن تخوض الولايات المتحدة حربا مع الصين على تايوان حيث ستكون الصين في موقع عسكري متفوق.
من المهم أيضا الإشارة إلى أنه لا توجد مخاطر على الأمن القومي الأمريكي بسبب النزاع بين الصين وتايوان. سواء انتهى بهما الأمر إلى القتال أم لا، فإن الأمن القومي الأمريكي مضمون. وتضمن قواها التقليدية والنووية أن لا تهاجم الصين قواتها بطريقة غير مبررة لأنهم يعلمون أنها سترد بقوة. ومع ذلك، فمن المحتمل أيضا أن تتمكن بكين من محاربة القوات الأمريكية إذا اتخذت خطوة الدفاع العسكري عن تايوان. في هذه الحالة، يمكن أن توجه بكين ضربة قاسية لأسطولها الجوي والبحري في المحيط الهادئ وستكون التكلفة التي ستتحملها قواتها وسفنها وطائراتها كارثية وغير ضرورية على الإطلاق، حسبما يرى مراقبون ملمون جيدا بقدرات البلدين عسكريا.