رئيس التحرير
خالد مهران

زنا أم زواج مدني..

أسرار تعدد الزوجات للأقباط بعيدًا عن الكنيسة

أسرار تعدد الزوجات
أسرار تعدد الزوجات للأقباط بعيدًا عن الكنيسة

«لا يجوز الطلاق إلا لعلة الزنا، ومَنْ طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوَّج بأخرى يزني».. هذه هي تعاليم الكتاب المقدس وقوانين الشريعة المسيحية، حيث خصص البابا الراحل شنودة الثالث فصلًا في كتاب شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، وأهم مبادئها في الأحوال الشخصية، حمل ذاك الفصل شعار الطلاق والتطليق في المسيحيّة، قال خلاله إن موضوع الطلاق بالذات قد وضع السيد المسيح بنفسه تشريعًا خاصًا به، وكرَّره بوضوح في أكثر من موضع، ولا يجوز لأحد أن يغير فيه، وإلا كان هذا التغيير منافيًا لتعاليم السيد المسيح وآيات الكتاب المقدس.

والسبب في هذا أن المسيحية ترى أن الرجل مرتبط بزوجته، وأن طلاقه منها بغير علة الزنا هو طلاق باطل لا يفصم عرى الزوجية، لذلك إذا تزوج بأخرى يعتبر زانيًا، إذ إن المسيحية لا تسمح له بالجمع بين زوجتين في وقت واحد.

وعلى الرغم من إصرار الكنيسة على تطبيق شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، إلا أننا نجد بعض الأقباط يضربون بعرض الحائط ويسعون للزواج الثاني بطرق مختلفة.

وتكشف «النبأ» في السطور القادمة حكايات من واقع الحياة لأزواج لجأوا للزواج الثاني رغما عن تعاليم الكنيسة ورفضًا لتطبيق شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية.

القصة الأولى بطلها ممثل له أفلام دينية شهيرة، تكرر ظهوره بمعظم القنوات التلفزيونية والأفلام الدينية بل وكاد الجمهور حتى الآن يقطع يده من حرارة التصفيق له على خشبة مسرح الكنيسة.

بطل الرواية  المقيم بمحافظة القليوبية، وهو موظف بشركة شهيرة يمتلكها رجل أعمال قبطي شهير، متزوج ولديه طفلان. قرر الرجل أن يتزوج بامرأة أخرى على الرغم من عدم طلاقه من زوجته.

ولم يكتف بترك زوجته وأولاده والزواج بأخرى، بل أنجب طفلا من زوجته الثانية وأعلن عن ذلك الطفل رغم أنف الجميع.

وتم نشر صور المولود وتقديم الشكر والتهليل فرحًا بقدوم المولود السعيد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بل والعجيب في الأمر هو تهنئة العديد من قامات الكنيسة والشمامسة له على صفحته الشخصية.

وعلى الجانب الآخر، تواصلت «النبأ» مع الزوجة الأولى والتي فجرت المفاجأة الكبرى، حيث أكدت أنها مازالت زوجة شرعية للمذكور ومعها جميع الأوراق التي تثبت صحة ما تقوله، حيث استخرجت شهادة زواج حديثة لها من السجل المدني والتي تؤكد فيها أنها الزوجة الحقيقية للممثل القبطي المعروف.

الغريب في الأمر هو تسجيل المولود الجديد من الزوجة الثانية باسم الأب دون أوراق رسمية تثبت صحة الزواج الثاني، وعلى الرغم من علم الكنيسة بهذا الأمر إلا أن الممثل القبطي المعروف مازال يمارس الطقوس الكنسية بشكل مباشر أمام الجميع ويشارك في الخدمات والأنشطة الدينية بشكل يومي داخل الكنيسة.

القصة الثانية، بطلتها «م.ن» زوجة أربعينية تقيم في مصر الجديدة اكتشفت بعد زواج دام 11 سنة أنها ليست الزوجة الوحيدة بل توجد زوجة ثانية لزوجها بعقد زواج مدني، واكتشفت ذلك عن طريق الصدفة بعد أن دفعت الزوجة الثانية بدعوى ضم أطفالها من الزوج ولذلك قامت الزوجة الأولى على الفور بتقديم بلاغ تتهم فيه زوجها بتعدد الزوجات بناءً على تطبيق قوانين شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية، بل وأقامت الزوجة دعوى قضائية تطالب فيها بالطلاق من الزوج الخائن.

القصة الثالثة، بدأت بغياب الزوج وتركه لزوجته وأطفاله لسنوات طويلة وسفره للخارج بحجة العمل، وفوجئت الزوجة بتوجيه رسائل لها من إحدى صديقاتها بالخارج تخبرها فيه بأن زوجها يقيم مع فتاة أجنبية، وبالتحقيق في الأمر واستجوابه من قبل والديه أكد الزوج أنه تزوج الفتاة الأجنبية بعقد زواج مدني، وأوضح أنه سعيد بزواجه الثاني بالخارج لأنه لا يتحمل ظروف المعيشة بمفرده ولذلك قام بالزواج من أخرى.

وعلى الفور قامت الزوجة الأولى بإقامة دعوى قضائية تطالب فيها بالطلاق من زوجها بناءً على الصور والرسائل التي تحصلت عليها والتي تؤكد قيام زوجها بالزواج من أخرى. 

وأمام هذه الحالات الشاذة ترصد «النبأ» موقف رجال الدين والقانون من الزواج الثاني لدى الأقباط.

وقال الأنبا بولا مطران طنطا وتوابعها ورئيس المجلس الأكلريكي سابقا: «لسنا ضد الزواج الثاني، لكن ضد الزواج الثاني الذي يتعارض مع قوانين الكنيسة المأخوذة عن الكتاب المقدس».

وأعلنها الأنبا بولا صراحة بأن الكنيسة ترفض الزواج المدني، لأنه تشبه بالدول العلمانية، معتبر إياه تقنيينا للانحراف ومصر دولة دينية، مشيرًا إلى أن الكنيسة تعتبر من ارتبط خارجها في وضع خاطئ ويحرم من الأسرار الكنسية الأخرى، وهذا معناه وجود شرخ دائم بين الإنسان وبين كنيسته.

وتابع: «هل تقبل الدولة بتشريعها أن تصنع جدارًا فاصلًا بين بعض الأقباط وكنيستهم؟، الموضوع عايز تفكير ما نخدش من دول علمانية أفكار ونحطها جوه مصر».

وأوضح أن الزواج في المسيحية له شقان شق بشري فيه رغبة من الطرفين بالارتباط والتوثيق، وله شق إلهي مرتبط بالعبادة والطقوس، متابعًا: «ولأننا دولة مدنية ارتبط التوثيق برجل الدين الذي يتمم الطقوس الدينية».

الزواج المدني في المسيحية

وأكد الأنبا بنيامين مطران المنوفية وتوابعها، وأستاذ اللاهوت الطقسي بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن الزواج في المسيحية هو عمل إلهي، وهذا الزواج المدني يعتبر زواجا اجتماعيا مُعلنا ولا يشترك فيه العمل الإلهي، موضحًا أن الزواج المدني للأقباط هو زواج غير شرعي ولا يتوافق مع الشريعة المسيحية واستند في ذلك على آيات من الكتاب المقدس «ما جمعه الله لا يفرقه إنسان».

وأضاف الأنبا بنيامين، أن الأطفال من الزوجة الثانية أي الزواج المدني لهم الأحقية في ممارسة الطقوس الدينية المسيحية داخل الكنيسة، ولكن الزوج الذي جمع أكثر من زوجة يتم تحويله لمجلس اكليريكي.

وعن زواج المسيحي مرة ثانية من زوجة مسلمة بحجة أنه لم يخالف الشريعة، أكد الأنبا بنيامين أن هذا ممنوع رسميا وغير متاح بالنسبة للكنيسة، فالزوج المسيحي لا يمتلك قوة القانون التي تؤهله للزواج الثاني من أساسه سواء كانت الزوجة الثانية مسلمة أو مسيحية.

وأكد المستشار نجيب جبرائيل، في تصريحات خاصة لـ«النبأ» أن الزواج العرفي أو المدني للأقباط يعتبر زواجا باطلا من وجهة نظر القانون.

وأوضح أنه من الناحية الدينية فهو زواج غير معترف به ويعتبر في حكم الكنيسة «زنا» ومن حق الزوجة الأولى إقامة دعوى بطلان للزواج الثاني طبقًا للشريعة المسيحية التي لا تعترف إلا بشريعة الزوجة الواحدة، مشيرًا إلى أن الكنيسة لا تسمح بالجمع بين زوجتين في وقت واحد.

على الجانب الآخر، ترى المستشارة فيولا راجي المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أن الدولة تعلم أن تشريعات الكنيسة الدينية تتعارض مع ما اتخذته من أحكام قضائية للزواج الثاني المدني وتعلم جيدًا أن الكنيسة لن تعترف بهذا الزواج المدني لأنه تفريط في إيمانها وعقيدتها وتعد على قدسية أسرارها المقدسة التي تأسست عليها، ولكن نأمل ألا تظل الدولة في إلقاء مسئوليتها على عاتق الكنيسة لأنها تعلم أن الكنيسة لم ولن تعطي تصريحا بالزواج الثاني ولن تعترف بالزواج المدني.

وتابعت: «الحكومة ترفض رفضًا قاطعًا إصدار مثل هذا القانون المدني رغم أنه من سلطتها تشريعه، ولكن رفضها وإلقاءها بمسئولية إصدار تصريح الزواج الثاني على عاتق الكنيسة إنما يأتي من أنها حكومة إسلامية بدستور ذى مرجعية دينية حسب نص المادة الثانية من الدستور».

وعن العقوبة القانونية المقررة للزوج في حالة شكوى الزوجة فقد تقرر الحكم على الزوج وشريكته بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر طبقًا للمادة 277 من قانون العقوبات.

وأكدت «راجي» أنه يتم تطبيق عقوبة الزنا في القانون المصري على بعض الحالات الخاصة التي تم تناولها القانون المصري في المواد ما بين 273 إلى 277، والتي تشمل الآتي:

إن القانون المصري لا يطبق عقوبة الزنا على الرجل الغير متزوج أو المرأة غير المتزوجة.

أي إنه لكي يتم تطبيق العقوبة التي نص عليها القانون المصري وثبوت الزنا يجب أن يكون الرجل متزوج كذا المرأة.

يتم تطبيق العقوبة على المرأة سواء كان مكان وقوع الزنا في بيت الزوجية أو خارج بيت الزوجية.

أما عن الرجل يتم تطبيق عليه العقوبة في حالة ما إن كان الزنا وقع في مكان الزوجية فقط.

علمًا بأن المكان هنا أي مكان اتخذه الزوج مكان للزوجية، سواء كان بعلم المرأة أو دون علمها.

سواء كان مكان يمتلكه الزوج أو أنه قام بتأجيره أو يتردد عليه على أنه أحد أماكن الزوجية الخاصة به.

أي مكان يتردد عليه الزوج وزوجته وقع فيه الزنا مع أخرى يكون مكانا للزوجية.