خطة الحكومة لتشديد إجراءات ترشيد الكهرباء والغاز الطبيعى
أعلن مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، عن خطته لترشيد الكهرباء عبر وضع خطة تنفيذية بالمحافظات لترشيد استهلاك الكهرباء، وذلك في محاولة لخفض الطلب على الدولار ومحاولة توفير الغاز الطبيعي الذي تستهلكه محطات توليد الكهرباء، حيث يصل إجمالي استهلاك محطات الكهرباء نسبة 60% من إجمالي استهلاك الغاز الطبيعي.
والخطة التي بدأ تطبيقها ستتم في المنشآت العامة والأندية ومراكز الشباب وغيرها، كوسيلة لخفض كمية الغاز الطبيعي المُستخدم في توليد الكهرباء بمتوسط 15% سنويًا، حسبما قال رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي.
وبحسب «مدبولي»، فإن الحكومة قد تلجأ إلى خطوات أكثر تشددًا بخصوص ترشيد الكهرباء في الفترة القادمة، وقال رئيس الوزراء إن الحكومة، في سبيل توفير الغاز، بدأت بالفعل، منذ أكتوبر الماضي، تشغيل عدد من محطات توليد الكهرباء باستخدام المازوت المنتج محليًا، الأمر الذي أدى لتوفير ما بين 100 إلى 150 مليون دولار شهريًا.
ووفقًا لبيانات جهاز تنظيم الطاقة، فقد قفزت نسبة الاعتماد على المازوت في توليد الكهرباء خلال عام لتصل إلى 11.5% من إجمالي مصادر الطاقة، في مايو الماضي، مقابل 1.1% فقط في مايو من العام الماضي.
في تصريحاته، لم يوضح «مدبولي» لماذا نُرشد استهلاك الكهرباء إن كنا استبدلنا الغاز بالمازوت المتوفر محليًا بالفعل، وهو السؤال الذي أجاب عليه المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، أيمن حمزة، بأن الحكومة تريد ترشيد استهلاك الغاز لإنتاج كهرباء بنسبة 15%، لكنها تريد أيضًا ترشيد استهلاك المازوت، وهو ما يتطلب إجمالًا خفض استهلاك الكهرباء.
وبحسب التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن إجمالي الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي 7.5 مليار قدم مكعب يوميًا، مقسمة إلى حصتين بين الحكومة والشريك الأجنبي المُتولي شؤون الحفر والتنقيب، تبلغ حصة الحكومة خمسة مليارات قدم مكعب، تحصل عليها مجانًا، وتشتري مليار قدم مكعب إضافية من حصة الشريك الأجنبي، لتوفي كامل احتياجها للاستهلاك المحلي البالغ 6 مليارات قدم مكعب.
بينما لا يزال «مدبولي» يرى أن الحكومة ستصدر هذه الكميات المُوفرة من الغاز الطبيعي، وذلك لتحقيق الاستفادة القصوى من الأسعار العالمية للغاز، التي وصلت إلى أكثر 30 دولارا لكل مليون وحدة حرارية، مقابل سعر محلي يبلغ 3 دولارات للمليون وحدة، تبيع به وزارة البترول الغاز الطبيعي لوزارة الكهرباء.
في الوقت نفسه، أكد وزير الطاقة والبترول، طارق المُلا، في أكثر من تصريح أن طموح مصر في ما يتعلق بكونها مركزًا إقليميًا لتجارة الغاز الطبيعي، يتمثل في حصولها على فوائض الغاز الطبيعي لدى دول الجوار، ثم تسييلها عبر محطتي الإسالة الحصريتين لدى مصر ثم تصديرها، مؤكدًا أن مصر لا تمتلك فوائض في الغاز إلا كاستثناء، مثل فصل الشتاء الذي يشهد تراجعًا في استهلاك الكهرباء، ما يوفر بعض الفوائض التي يمكن تصديرها.
كما أن أعمال البنية التحتية في منطقة حوض شرق المتوسط تُؤكد على ذلك، مثل خط أنابيب نقل الغاز بين مصر وقبرص، الذي بدأت الأعمال الإنشائية فيه مايو الماضي، ويُنتظر أن ينقل الأنبوب الغاز من حقل أفروديت القبرصي، إلى محطات الإسالة المصرية، لتلعب مصر دور المُورد للغاز المُسال لاحقًا إلى أوروبا.
وعلى عكس المُعلن من «مدبولي»، لم تُعلن الحكومة عن تفاصيل جديدة بخصوص خطتها لترشيد الكهرباء، في أعقاب اجتماعها الأسبوعي، وذلك بعدما كان «مدبولي»، قد اكتفى خلال الأسبوع الماضي بإعلان بعض خطوات ترشيد الكهرباء والمتمثلة في قطع الكهرباء عن المباني الحكومية بمجرد انتهاء ساعات العمل، باستثناء الاحتياجات الضرورية داخل المباني، وكذلك تخفيض الإنارة بالشوارع والمحاور الرئيسية، وكذلك بالنسبة للميادين العامة، وهو الأمر الذي بدأ تطبيقه في ميدان التحرير منذ منتصف الأسبوع قبل الماضي.
كما أوضح «مدبولي» أنه سيجري العمل بالتوقيت الصيفي بالنسبة لمراكز التسوق التجارية لتغلق عند الساعة 11 مساءً، كما ستُلزم تلك المراكز بتطبيق درجة حرارة لا تقل عن 25 للتكييفات المركزية داخل مبانيها، وغلق الإضاءات القوية بواجهات المحال التجارية، وكذلك غلق إنارات الاستادات والصالات المُغطاة الكبيرة.
حجم استهلاك الغاز
وفقًا لبيانات الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" لعام 2021، بلغ حجم استهلاك قطاع الكهرباء الغاز بدءا من العام المالي 2014/ 2015 إلى العام 2018/ 2019، أكثر من نسبة 60% من حجم استهلاك الغاز الطبيعي.
ويليه قطاع الصناعة بنسبة 22.5%، ثم قطاع البترول ومشتقات الغاز بنسبة 10.1%، ثم قطاع المنازل بنسبة 4.3%، ثم قطاع تموين السيارات بنسبة 0.8% من إجمالي الاستهلاك. ويُوضح تقرير شركة إيجاس، أن قطاع الكهرباء حوالي 3723.3 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا، وقطاع الصناعة يستهلك 1342.5 مليون قدم مكعب يوميا، وقطاع البترول ومشتقات الغاز يستهلك 605 مليون قدم مكعب يوميا، وقطاع المنازل يستهلك 261.1 مليون قدم مكعب غاز يوميا، وقطاع تموين السيارات يستهلك حوالي 45 مليون قدم مكعب يوميا.
زيادة الاعتماد على المازوت
بدأت وزارة الكهرباء في نوفمبر الماضي، زيادة الاعتماد على المازوت كوقود بديل للغاز الطبيعي لتشغيل المحطات والوحدات البخارية بشركات الإنتاج، نظرًا لارتفاع أسعار الغاز العالمية التي بلغ سعر المليون وحدة حرارية 34 دولارا، فيما تقوم وزارة البترول والثروة المعدنية ببيعه لوزارة الكهرباء مقابل الحصول على 3.25 دولار لكل مليون وحدة حرارية، مما نتج عنه تبنى الدولة المصرية خطة للعمل بالوقود المختلط «مازوت وغاز طبيعي» ببعض محطات إنتاج وتوليد الطاقة الكهربائية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من تصدير أكبر كمية من شحنات الغاز للخارج لما يحققه من عائد اقتصادي كبير.
ومنذ عام 2020، ارتفع استخدام المازوت بمحطات إنتاج الكهرباء بنسبة 620% -ووفقًا لوزارة الكهرباء- فإنه تم زيادة الاعتماد تدريجيًا على المازوت في إنتاج الكهرباء بداية من شهر يوليو 2021 بأكثر من 300%، وارتفعت النسبة تدريجيًا إلى أن بلغت 400% في شهر مايو الماضي، وتصل نسبة الاعتماد على الغاز الطبيعي في المحطات نحو 5.82%.
وتضم الشبكة القومية للكهرباء مزيجا من القدرات الكهربائية المنتجة بالغاز الطبيعي والمازوت والطاقة المتجددة، وتم تقليص الاعتماد على الغاز الطبيعي بنسبة 3.4% في ديسمبر الماضي مقارنة بنفس الشهر المماثل من عام 2020، وانخفضت المصادر غير الحرارية بنسبة 2%، وارتفعت المصادر المائية بنسبة 1.9%، بينما تراجعت المصادر المتجددة بنسبة 8.75%.
وبحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الكهرباء، فإن نسبة مصادر الطاقة الأولية في الطاقة الكهربائية المنتجة خلال الشهر الماضي بلغت 78.67% غاز طبيعي، و12.21 %مازوت، و5.83% مائية، و3.17 % متجددة «شمس، رياح».
ويُورد الغاز الطبيعي لمحطات الكهرباء بسعر 3.25 دولار للمليون وحدة حرارية، تتحمل الكهرباء 3 دولار منه، فيما تتحمل وزارة المالية باقي التكلفة.
أسباب إجراءات ترشيد الكهرباء
إلى ذلك، قال أيمن حمزة، المتحدث باسم وزارة الكهرباء، إن سبب تلك الإجراءات ليس لوجود عجز أو أزمة طاقة كهربائية في مصر، ولكن لتعظيم الاستفادة من الموارد وتحقيق وفرة في الغاز المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء لتصديره للخارج ودعم موازنة الدولة بالنقد الأجنبي.
وأضاف، أن مصر خلال الفترة الحالية وهي فترة الصيف التي تمثل الذروة في استهلاك الكهرباء، فأقصى معدل أحمال وصلت له هو قرابة 34 ألف ميجا وات، بينما لديها فائض عن ذلك ما يتخطى 13 ألف ميجا وات، ما يعني عدم وجود أي عجز في الطاقة.
وأشار «حمزة» إلى أنه منذ فترة بدأت وزارة الكهرباء بالتعاون مع وزارة البترول في تنفيذ خطة لتقليل الغاز المستخدم في تشغيل محطات إنتاج الكهرباء والتوسع في استخدام المازوت بدلا منه وهذا حقق وفرا في الغاز بقيمة تصل إلى 150 مليون دولار شهريا، ومن ثم فرؤية الحكومة الآن العمل على ترشيد الكهرباء؛ مما يعني تخفيف أكثر للضغط على استخدام الغاز في محطات الكهرباء ووفرة أكثر من أجل تصديره.
ولفت المتحدث باسم وزارة الكهرباء، إلى أن رئيس الحكومة خلال إعلان خطة ترشيد استهلاك الكهرباء، أكد أن المستهدف الوصول بنسبة توفير الغاز إلى 15% شهريا وتصدير تلك النسبة يعني توفير ما يقرب من 450 مليون دولار شهريا تدخل لخزينة الدولة.
وشدد «حمزة» على أن الإدارات المحلية وفقًا لقرار رئيس الحكومة ستتابع تنفيذ إجراءات الترشيد وهي المعنية باتخاذ اللازم ضد المخالفين، مشيرًا إلى أن أهم أهداف خطة الترشيد هي زيادة وعي المواطن المصري بأهمية الاستفادة من موارده وتوجيهها الاتجاه الصحيح بدلا من هدرها.
إجراءات الترشيد مهمة للاقتصاد
من جهته، قال الدكتور شريف الطحان، الخبير الاقتصادي، إن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية يحقق أهداف التنمية المستدامة، معتبرًا أنها خطوة هامة على الطريق الصحيح للاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية المتمثلة في الغاز الطبيعي الذي يعتبر من أهم الموارد الطبيعية المملوكة للدولة المصرية، حيث وجهت إليه استثمارات ضخمة في الآونة الأخيرة.
وأضاف، أن قرار ترشيد استخدام الكهرباء وترشيد الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بالحفاظ على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي يتماشى مع الأهداف الأممية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر خاصة الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة وهو طاقة نظيفة خضراء تهدف إلى تعزيز السياسات الاستباقية لتحسين أمن الطاقة وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ.
فضلًا عن كفاءة استخدام الطاقة والطاقة المتجددة وزيادة إنتاجية استخدام الطاقة وضمان وجود كوكب صحي للأجيال القادمة، فالهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في الاستهلاك والإنتاج بشكل مسئول، حيث تقوم على تعزيز أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامين اللذين يحدان من الآثار البيئية وتلبية الاحتياجات الأساسية وتحقيق الإدارة والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، وفقًا للخبير الاقتصادي.
ولفت «الطحان» إلى أن الحكومة المصرية بدأت بنفسها في تنفيذ خطة استراتيجية لترشيد استهلاك الكهرباء منها الغلق الكامل للتيار الكهربائي عقب انتهاء ساعات العمل الرسمية عدا المباني الخدمية، وأيضًا عدم إضاءة المباني الحكومية من الخارج، وهناك توجهات واضحة لجميع الوزارات بإتباع سياسة الترشيد في استخدام التيار الكهربائي والتنبيه على المولات التجارية التي تعمل بالتكييف المركزي أن يكون تشغيل أجهزة التكييف على درجة حرارة 25 فأكثر.