رئيس التحرير
خالد مهران

ما هو السعر الحقيقي للجنيه المصري أمام الدولار؟

سعر الجنيه أمام الدولار
سعر الجنيه أمام الدولار

منتصف الأسبوع الجاري، خرج مقدم البرامج يوسف الحسيني عبر شاشة التلفزيون الرسمي للبلاد، يصرخ في المواطنين بقوله:"لو عندك دولار ألحق بيعه قبل يوم 15 سبتمبر المقبل!"؛ دون أن يوضح سبب هذا الكلام.

قبل هذا الكلام تحديدًا، نشرت مؤسسات اقتصادية دولية، أن الجنيه المصري مقوم بسعر أعلى من قيمته الحقيقية، إذ قدرته بلومبرج بأنه أعلى من قيمته بنسبة 23%، فيما كشف تجار لبعض وسائل الإعلام الخارجية، أنهم يتعاملون في العقود الآجلة على أساس أن سعر الجنيه مقابل الدولار 21 جنيهًا. 

هذا في الوقت الذي قررت فيه وزارة المالية، رفع سعر الدولار الجمركي من 18.63 جنيه للدولار، إلى 19.19 جنيها للدولار، بزيادة قدرها 56 قرشا. فيما يتداول البعض عن وجود سوق موازية للدولار يقدر فيها بأكثر من السعر المعلن في البنوك المصرية. 

وفقًا لتقرير وكالة الاقتصاد بلومبرج، فإنه من المحتمل أن تترك العملة التي تقول أكبر البنوك في العالم أنها باهظة الثمن لمصر خيارات قليلة إلى جانب السماح لها بالضعف أكثر، مضيفةً أنه خلال الفترة الأخيرة نوقشت مسألة مرونة أكبر في سعر الجنيه، حيث تتطلع الحكومة إلى الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.

وتنقل الوكالة، أنه من وجهة نظر دويتشه بنك إيه جي، وجولدمان ساكس جروب إنك، فإن العملة مقومة بأعلى من قيمتها بنسبة 10%، كما تم قياسها من خلال سعر الصرف الفعلي الحقيقي، في حين أن شركة سيتي جروب لديها تقدير أقل بنسبة 5%. 

ويُشير تقرير بلومبرج إلى أنه هناك حاجة ماسة إلى خفض قيمة العملة بأكثر من 15%، مقدرة نسب التخفيض بأكثر من 23%. 

وذلك في الوقت الذي انخفض صافي الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي إلى 33.14 مليار دولار في يوليو، وهو أدنى مستوى منذ يونيو2017. لذلك، فإن التكهنات بأن صندوق النقد الدولي سيطالب بمزيد من المرونة في الجنيه كجزء من الشروط المرتبطة بحزمة قروض جديدة دفعت الجنيه نحو أدنى مستوى قياسي وصل إليه في عام 2016.

وبحسب بنك جولد مان ساكس، فإن زيادة أسعار النفط والسلع أثرت بشكل كبير على مصر التي تعدّ أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، كما تضررت حركة السياحة، والتي تعتمد في غالبيتها على القادمين من روسيا وأوكرانيا. 

ولفت إلى تسارع التضخم في المناطق الحضرية في مصر في يوليو، بعد شهر من الهدوء. حيث أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والارتفاع المحلي في تكاليف الوقود، إلى مزيد من الضغط على المستهلكين. 

هذا في الوقت الذي تشير فيه بعض التقديرات إلى أن القرض الذي تريد مصر الحصول عليه من صندوق النقد الدولي يقدر بنحو 15 مليار دولار، فيما يقول محمد معيط وزير المالية أن الرقم أقل من هذا. 

على جانب أخر، كشف تجار مشتقات للنفط، أن الجنيه المصري سجل خسائر خلال الـ11 أسبوعًا الماضية، وتعد تلك هي أسوأ سلسلة خسائر متتالية للجنيه المصري منذ ما يقرب من 10 سنوات، وأنهم يتعاملون في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، على أساس العقود لمدة ثلاثة أشهر بسعر حوالي 21 جنيها لكل دولار، بأقل من قيمته المعلّن عنها في البنك المركزي بنحو 9%. 

وقال محللون في بنك سيتي جروب، إن المبالغة في تقييم الجنيه ينبغي أن تثير استياء صندوق النقد الدولي الذي يبدو أن لديه شروط إقراض أكثر صرامة في معظم الأسواق غير السائلة. وأوضحوا أن المستثمرين استمروا في تسعير المزيد من التخفيضات في قيمة الجنيه، في ضوء الانخفاض في صافي الأصول الأجنبية. 

إلى ذلك، قال هاني جنينة، الخبير الاقتصادي والمحاضر في الجامعة الأمريكية، إن سعر الدولار في مصر تحت السيطرة وهو أمر محمود وليس مذموما فهو مدار، قائلا: "لو اتساب في هذه الظروف هيطلع لسعر أعلى من كده وبصورة سريعة تربك المصنع والمستهلك والحكومة".

وأضاف، أن هناك معروض من الجنيه المصري ومعروض من الدولار، وهناك خياران أمام مصر إما إحداث توازن بينهما وبالتالي يحدث استقرار في سعر الصرف، أو استكمال المشروعات المحلية في هذه الفترة وترك سعر الجنيه للهبوط.

ولفت جنينة إلى أن سعر الدولار يساوي 120 لفئة العملة المحلية للأرجنتين، وهي العملة التي كانت تساوي نفس سعر الجنيه المصري مقابل الدولار عام 2015، مشيرًا إلى أن سعر الدولار في الأرجنتين قفز بسبب عدم الاهتمام بسياسة الإنفاق الخاصة بالمشاريع المحلية الضخمة التي لا تدر عائدا مناسب على المدى القريب. 

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مصر ملزمة بدفع 30 مليار دولار بداية من شهر يوليو المقبل، وحتى نهاية العام الجاري، مضيفًا أن ميزان المدفوعات سجل فجوة ضخمة في تعاملات مصر مع العالم الخارجي.

وتابع، أن تلك الفجوة في ميزان المدفوعات تنشأ من عدم سداد المديونيات وتلك تشكل نحو 20 مليار دولار، وفقًا لما أعلن البنك المركزي أواخر العام الماضي، ويجب سدادهم بأي حال من الأحوال قبل نهاية العام، حتى لا نصبح مثل سريلانكا. 

ولفت إلى أن الـ10 مليار دولار المتبقيين والذي من المفترض سدادهم قبل نهاية العام الجاري سيتم تسديدهم في صورة عجز فى الميزان التجارى بين الصادرات والواردات، ودول نتيجة حركة التجارة العالمية.

إلى ذلك، قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، إن انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار مجددًا سببه عدم طرح شهادات ادخار مرتفعة العائد تجذب السيولة من السوق، مما دفع بعض المواطنين إلى معاودة الاستثمار في الدولار، فعاودت السوق السوداء نشاطها مما دفع البنك المركزي لزيادة سعر الدولار مرة ثانية.

وأضاف، أنه في الوقت الحالي من الصعب تحديد قيمة عادلة لسعر صرف أي عملة، في ظل المتغيرات المتتالية لأسعار النفط ومعدل التضخم العالمي، والحرب الروسية الأوكرانية التي لم تكن عسكرية فقط، بل شهدت تبادل عقوبات اقتصادية بين الغرب وروسيا، وأثرت هذه المتغيرات على الأداء الاقتصادي العالمي.

وأشار عبده إلى أن تداعيات موجة التضخم العالمي تسببت في زيادة في أسعار الفائدة عالميًا، مما دفع البنك المركزي المصري إلى اتخاذ قرار مماثل لتجنب "الدولرة"، أي الاستثمار في الدولار، وسحب السيولة من السوق للادخار في شهادات البنوك مرتفعة العائدة، وفي الوقت نفسه جذب مستثمرين أجانب للاستثمار في أدوات الدين الحكومية، بعائد يتراوح بين 13-14% أعلى من مثيلها في دول أخرى.

من جهته، قال متى بشاي، عضو شعبة المستوردين، إن هناك مخاوف من جانب المستوردين من قرار رفع سعر الدولار الجمركي والذي سيؤدي للمزيد من الارتباك"، موضحا أن القرار جعل الدولار الجمركي للمرة الأولى أعلى ولو بنسبة طفيفة من سعره في السوق، وهو ما سيلقي بظلاله على كافة السلع المستوردة وسيؤدي لارتباك في الأسواق. 

وأضاف، أنه في العادة يكون سعر الدولار الجمركي أقل من سعر الدولار في البنوك لتخفيف الأعباء على المستهلكين، ولكن القرار خلق حالة ضبابية، ونتوقع أن تراجع الحكومة تلك القرارات قريبا بعد متابعة تأثيرها على الأسواق.

وأشار عضو شعبة المستوردين إلى أن هناك قيودا كثيرة مفروضة على الاستيراد بالفعل، ورفع سعر الدولار الجمركي يفاقم من أزمة الاستيراد، لافتا إلى "وجود نقص في البضائع لا يقل عن 40% في الأسواق بسبب أزمة الاستيراد، كما أن الأسعار ارتفعت بنسب كبيرة تصل إلى 60 و70% لبعض السلع المستوردة، نتيجة شح العرض وزيادة تكاليف الاستيراد. 

ولفت إلى أن مسألة أن القيود على الواردات تدعم الصناعة الوطنية ليست واقعية بالمرة، مصر تستورد أكثر من 60 % من احتياجاتها، هذه الواردات ليست كلها سلع تامة الصنع، فجانب كبير منها خامات ومستلزمات إنتاج، وبالتالي القيود على الاستيراد لا يمكن أن تدعم الصناعة الوطنية، على العكس، الصناعة الوطنية متأثرة سلبا بالقيود على الاستيراد ورفع قيمة الدولار الجمركي.