علي الهواري يكتب: الرقص مع إبليس!
أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما نهائيا، بعزل أستاذة جامعية من وظيفتها، بسبب ما وصفته المحكمة بثبوت ارتكاب الأستاذة لمخالفتين هما الرقص في العلن وتشجيع طلابها على ذلك، فضلا عن إنكارها ثوابت دينية.
وأيدت المحكمة حكم أول درجة الصادر من محكمة القضاء الإداري برفض الطعن المقدم من المدرس المساعد بقسم اللغة الإنجليزية بكلية التربية بجامعة السويس، منى برنس، ضد قرار الجامعة، بعزلها من وظيفتها.
وقالت المحكمة الإدارية العليا في حيثيات حكمها، إن قرار جامعة السويس بعزل منى برنس من وظيفتها له تبريرات قانونية وجيهة، وأن المذكورة ارتكبت المخالفتين المنسوبتين إليها.
وأوضحت المحكمة أن المخالفة الأولى التي ارتكبتها منى برنس هي قيامها بنشر عدة فيديوهات ترقص فيها على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، مع إصرارها على تكرار نشر مقاطع جديدة، بما يحط من هيبة أستاذ الجامعة ومن رسالته ومسئوليته عن نشر القيم والارتقاء.
المحكمة أكدت أن تلك المخالفة تحط من قدر أستاذ الجامعة، وأنه لا يجوز لأستاذة الجامعة أن تتخذ من الرقص شعارًا تدعو به الناس، بما ينال من هيبتها أمام طلابها، ويجرح شعور طالباتها، ويمس كبرياء زميلاتها رفيقات دروب العلم.
وذكرت المحكمة أن ثاني المخالفات التي ارتكبتها منى برنس هي خروجها عن المنهج العلمي للمقررات الدراسية، وقيامها بنشر أفكار هدامة تخالف العقائد السماوية والنظام العام.
وشرحت المحكمة أن المذكورة قامت خلال المحاضرات بالطعن في الثوابت الدينية وقالت للطلاب إن إبليس شخصية جيدة وتعرض للظلم وكان يعبر عن حريته برفضه الأوامر، ودعت الطلاب إلى الاقتداء بما فعله إبليس، وعدم الالتزام بتعاليم الأديان.
المحكمة أدانت ما قالته منى برنس وقالت في حيثيات حكمها إن الحرية الأكاديمية لا تعنى إنكار ما هو معلوم بالدين بالضرورة والطعن فى ذات الله جل علاه مع مخلوقاته، وبث الشك فى نفوس الطلاب بالحياة الآخرة وتعظيم شأن الشيطان ضد خالقه بالمخالفة لتعاليم الأديان.
وأوضحت المحكمة أنها أصدرت حكمها بعدما تيقنت من ارتكاب منى برنس للمخالفات المذكورة، ومشاهدة قرص مدمج عليه مقاطع فيديو وصور لها وهي ترقص وأقرت بصحتها، وأن صفحتها على فيسبوك متاحة للجميع ومنهم طلابها ووسائل الإعلام، مما استوجب تأديبها بالعزل من الوظيفة.
وشددت المحكمة على أن تصرفات أستاذ الجامعة محسوبة عليه ولا تنسلخ من السياق العام للدولة، وأي مخالفة يرتكبها تحط من شأنه وتؤثر على رسالته في المجتمع.
الاستاذة الجامعية المثيرة للجدل
وكانت منى برنس قد أثارت الجدل في يونيو 2017 حينما نشرت مقاطع فيديو على صفحتها بفيسبوك وهي ترقص شبه عارية وتشجع متابعيها وطلابها على فعل ذلك، كما أنها تحدثت في أمور دينية وحاولت إظهار إبليس على أنه بريء وكان يمارس حرية الرأي عندما عارض أوامر الله.
وفي يونيو 2018 أعلنت جامعة السويس عزل الأستاذة المذكورة من وظيفتها بعد تحقيق قانوني وإحالة لمجلس التأديب المختص في الجامعة.
منى برنس من جانبها أقامت طعنا ضد قرار عزلها أمام محكمة القضاء الإداري التي رفضت طعنها، فتوجهت بالطعن إلى المحكمة الإدارية العليا التي أيدت حكم القضاء الإداري ورفضت طعن منى برنس أيضا.
وحسب موقع «سبق» الإخباري، فإن مواقف الدكتورة منى برنس، أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة السويس، دائمًا ما تثير جدلًا على مواقع “السوشيال ميديا”. واستعرضت “سبق” بعض من المواقف المثيرة للأستاذة الجامعية فى التقرير التالى:
احتفلت “برنس” بأول يوم فى السنة المصرية الجديدة 6259، وبجوارها زجاجة بيرة، وقالت عبر فيديو نشرته على حسابها بـ” فيسبوك”: “كل سنة وأنتم طيبين يا مصريين ومصريات، بكرة سنة مصرية جديدة، توت هو أول شهر فى السنة المصرية الجديدة، وتوت جاى من اسم الإله حوت، إله الحكمة والفنون والآداب فى مصر القديمة، إن شاء الله تبقى سنة جديدة ونرجع نعلم البشرية يعنى إية حضارة بالعلم والاجتهاد والضمير، كل حاجة حلوة ممكن المصريين يعملوها”.
وتابعت: “البيرة زى ما أنتم عارفين كانت موجودة فى مصر القديمة زمان بيعملوها فى كل البيوت، كل سنة وإحنا طيبين فى صحتنا كلنا”.
وفوق سطح منزلها وعلى أنغام أغنية “ليه بيدارى كده” للفنانة روبى، بدأت رقصتها مرتدية جلبابًا أزرق اللون مزينًا بحزام ذهبى على الخصر، وبعد انتهائها قامت بنشره على حسابها الشخصى بموقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك”، لتثير جدلًا على مواقع السوشيال ميديا، حتى اشتهرت بـ”الدكتورة الراقصة”.
وعادت دكتور مني البرنس، مرة أخرى لتثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى بعد نشر صور لها بـ”مايوه بكيني” مصطحبة بتعليق: “شواطىء ذهب”، الأمر الذى أغضب رواد تلك المواقع.
وأعلنت “برنس” ترشحها لانتخابات الرئاسة 2018، ودشنت صفحة عبر موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك”، تحت اسم “منى برنس رئيسة مصر 2018″، كما دشنت هاشتاج بنفس الاسم، وعليه نشرت برنامجها الإنتخابي وتضمن: “عشان أكون أمينة ما أقدرش أوعد إني هحل مشاكل مصر والمصريين في سنة ولا اتنين ولا عشرة، التغيير الحقيقي بياخد وقت، بس أوعد إني هجتهد واشتغل مع الشباب الكفء، أننا نحط الأساسات السليمة لبناء الدولة المصرية الحديثة وإعادة الهوية المصرية للمصريين في الأربع سنين”.
وتابعت:” من مبدأ تداول السلطة، ولأني هبقي عايزة أعمل حاجات تانية في حياتي، غير العمل العام اللي هيلغي تقريبا حياتي الخاصة، ولأني شخص مرح بطبعي وبحب الحياة، فهبقى ريسة دمى خفيف وهدلع الشعب من باب لاقينى ولا تغدينى، أنا واضحة”.
الديمقراطية واحترام العقود والعهود والمواثيق فى الدين والدنيا
بالبحث عثرنا على مقال بعنوان «الديمقراطية واحترام العقود والعهود والمواثيق فى الدين والدنيا»، منشور في موقع صحيفة الشروق المصرية بتاريخ 14 سبتمبر 2019، للكاتب أكرم السيسي، أستاذ متفرغ بكلية اللغات والترجمة «قسم اللغة الفرنسية بجامعة الأزهر».
تحدث فيه عن المعركة السياسية الدائرة في بريطانيا، حيث قال: إن هذه المعركة السياسية الدائرة فى المملكة المتحدة تعطينا درسا رائعا، ونموذجا يجب على كل دول العالم الثالث أن تتعلم منه، وفى الحقيقة، هذه المعركة الديمقراطية البديعة لم أر أبدع منها إلا فى حوارين قرآنيين، مثالا للديمقراطية الإلهية، الأول بين الذات الإلهية والملائكة، والثانى بين الذات الإلهية وإبليس.
الأول عندما أمر الله الملائكة وإبليس معا أن يسجدوا لآدم: «وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين»، لم ترفض الملائكة الأمر الإلهى، ولكنهم أبدوا استفسارا واستعجابا، فكان ردهم: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»، ويرد عليهم المولى فى نفس الآية السابقة: «قَالَ إِنِّى أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»، ليكون الرد عليهم درسا للبشر فى حرية الرأى والمشورة، وما إن ثبُتت أحقية آدم فى الخلافة عندما علّم الله آدم الأسماء كلها، وأصبح مفضلا بالعلم عن الملائكة، حتى لبّت الملائكة أمر الله فسجدوا جميعا لآدم إلا إبليس، لأن الملائكة علِمت أن أمر السجود كان سجود تكريم لا سجود عبادة، كما يتضح أن الحوار القرآنى مع الملائكة لم يكن معهم بوصفهم معارضين للمشيئة الإلهية، وإنما بوصفهم مستفسرين عن الحكمة فى استخلاف البشر.
والثانى عندما رفض إبليس السجود، وتكبر، وأنكر حقيقة أفضلية آدم عليه: «قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين»، والجدل واضح فى رد إبليس، فمن أين له أن النار أفضل من الطين؟ ولو فاضلنا بينهما، ربما كان الطين هو الأفضل، لأن النار لها فوائدها العظيمة، لكن لها طبيعة تدميرية هائلة ليست للطين، وفى مقابل هذا العصيان، وهذا الجدل العقيم لعدم الاعتراف بالحقيقة، جاء الرد الإلهى بطرد إبليس من الجنة: «قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين».
ولكن إبليس يطلب من الله أن يُمهله، ويستجيب الله لطلبه، وكان بإمكانه القضاء عليه فورا، ولكنه لم يفعل ليُعلمنا إعطاء الفرصة للآخر، مع علمه اليقينى بأن إبليس لن ينجح فى مسعاه، وهذا كما جاء فى قوله تعالى: «قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ»!
ونحن الآن أمام مشهدين، الأول دنيوى، نُعاصره، ونُشاهده بأعيننا، ونسمع عنه بأذننا، وعليه لا يمكن التشكيك فيه، والثانى قرآنى، لا ريب فيه، فى الدنيوى السيادة «للقانون» و«للدستور»، وأما الثانى فهو إلهى، والطاعة له واجبة، لأن الله هو «المطلق» له الإرادة العليا التى لا يمكن الخلاف معها، ولأنه إذا أراد شيئا فيقول له «كن فيكون»، فضلا عن أنه العالِم العليم بكل شيء، وبالمثل فى الحالة الدنيوية، «القانون» أو «الدستور» هو أيضا «المطلق» الذى لا يجب الانحراف عنه «مع الفارق فى التشبيه».
الحـوار السمـاوى مع الملائكة وإبليس وآدم
كما حصلنا على موقع «مجلة الأزهر»، تقريرا بعنوان« الحـوار السمـاوى مع الملائكة وإبليس وآدم»، جاء فيه: يقول المعجم: (المحاورة): التحاور والمجاوبة. وتحاور القوم: تراجعوا الكلام بينهم، أى أن الحوار يحتاج إلى تعدد الشخوص التى يجرى بينها الحوار، ثم حضور مسألة أو قضية تكون موضوعا للحوار بهدف الوصول إلى توافق أو اتفاق، أما (الجدل): فهو اللدد فى الخصومة، وجادلته: خاصمته، وقد يأتى الجدل بمعنى المناظرة والمخاصمة، نخلص من هذا التحديد إلى أن الحوار يمكن تشبيهه بشخصين، أو أشخاص يسيرون فى طرق مختلفة، وقد ينتهى بهم المسير إلى التلاقى فى مكان واحد يجمعهم، بينما الجدل يكون أشبه بشخصين يسيران فى طريقين متوازيين لا يلتقيان بحال من الأحوال، وهذه المشابهة هى التى جعلتنى أوثر مصطلح (الحوار) عنوانا لهذه القراءة حول (الحوار القرآنى) الذى حكاه الكتاب الكريم فى كثير من الآيات، وبعض هذا الحوار كان بين الذات الإلهية وجماعة الملائكة، وبعضه بينها وبين آدم ›، وبعضه مع إبليس، وبعضه مع جماعة الأنبياء والمرسلين، وقد ينزل الحوار من السماء إلى الأرض ليكون بين الأنبياء والمرسلين وأقوامهم.
وبداية القراءة ستكون لحوار الله ــ سبحانه ــ مع الملائكة، وهو ما يحتاج إلى أن نحدد سلطة كل منهما، أما السلطة الإلهية فهى محددة فى قوله تعالى: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (البقرة: 117)
وأما سلطة الملائكة فإنهم لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(التحريم: 6)
وطبيعة هاتين السلطتين هى التى تحكم الحوار الذى دار بينهما فى مسألة استخلاف آدم فى الأرض: وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة (البقرة: 30)
وبداية الحوار كان إعلاما من الله للملائكة بمشيئته، لأنه سبحانه لم يحدد فى هذا الإعلام من الذى سيكون خليفة فى الأرض، أى أن هناك دعوة للملائكة لإبداء الرأى فى مسألة الاستخلاف ذاتها، وهو ما حول الحوار من طبيعته التبادلية إلى ثنائية: (السؤال والجواب)، وسؤال الملائكة يشير إلى علمهم بالخليفة، وأنه آدم وذريته بدليل قولهم قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (البقرة: 30)
وهذا السؤال يتضمن أمرين، الأمر الأول: الاستفسار عن الحكمة فى استخلاف كائن بشرى مخلوق من صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (الحجر: 26)
وهو ما يدل على أن الملائكة كان عندهم علم بالطبيعة البشرية الفاسدة، فما الحكمة فى استخلافهم ؟، الأمر الآخر: أن الملائكة تلتمس من الله أن يكون الخليفة منهم، لأنهم مخلوقون للطاعة والعبادة، فهم الأولى بالخلافة، بدليل قولهم: ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك.
ويتجه الحوار إلى استحضار الجواب عن سؤال الملائكة فى قوله تعالى: قال إني أعلم ما لا تعلمون
من المصلحة فى خلق البشر واستخلاف آدم وذريته وإرسال الرسل والأنبياء، وتمييز الصالحين من المفسدين وإعلاء المؤمنين على الكافرين، فالمصلحة تعلو على المفسدة التى أشارت إليها الملائكة، وكان من الممكن أن يتوقف الحوار عند هذا القول الإلهي، لكن الحوار استمر ليكتمل الدرس السماوى لأهل الأرض فى الشورى وحرية الرأى
ويستمر الحوار فى إكمال الجواب على السؤال المضمر فى كلام الملائكة وهو: لم لا يكون الخليفة على الأرض منهم؟، وجاء الرد عمليا لإثبات أحقية آدم فى الخلافة، لأنه عليم بأمور الحياة الدنيا التى سوف ينزل إليها بعد خروجه من الجنة، وهى أمور تجهلها الملائكة:
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة: 31)
والمقصود أسماء المخلوقات من بشر وحيوان ونبات وجماد، وهنا ثبت عجز الملائكة وجهلهم بهذه الأسماء: قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (البقرة: 32)
وهنا استدعت المواجهة إشراك آدم فى الحوار: قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (البقرة: 33 )
وفى تصورى أن هذا الحوار القرآنى البليغ لا يقدم الملائكة بوصفهم معترضين على المشيئة الإلهية، وإنما بوصفهم مستفسرين عن الحكمة فى استخلاف البشر المفسدين بطبيعتهم الخلقية، وقد يكون هذا الحوار درسا للبشر ليتعلموا كيفية التعامل مع السلطة فى مستوياتها كافة، وأن التشاور سنة الحياة، ذلك أن الله سبحانه هو الذى أقدر الملائكة على هذا السؤال، ليكون الرد عليهم نسقا صالحا للحياة الإنسانية، وما أن تم للملائكة العلم بالحكمة، وتم إثبات أحقية آدم بالدليل العملي، جاء الأمر الإلهى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة: 34)
وأمر السجود كان زيادة تكريم لآدم، أى أنه سجود إكبار لا سجود عبادة، وأمر السجود هنا يفرض سؤالا: هل كان إبليس من الملائكة، وعصى أمر ربه، أم أنه كان من الجن استنادا إلى قوله تعالى:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (الكهف: 50)
وعلى هذا أو ذاك فإن الحوار أخذ مسارا آخر بين الذات الإلهية وإبليس، ذلك أن الحوار القرآنى قد تحول إلى نوع من الجدل من جانب إبليس، وقد بدأ جدله من خروجه على الأمر الإلهى بالسجود لآدم: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (الأعراف: 12)
والجدل واضح فى رد إبليس، فمن أين له أن النار أفضل من الطين؟ ولو فاضلنا بينهما، ربما كان الطين هو الأفضل، لأن النار لها فوائدها العظيمة، لكن لها طبيعة تدميرية هائلة ليست للطين.
والملاحظ إن رد إبليس يتنافى مع رأى بعض المتصوفة الذين أرادوا أن يلتمسوا العذر لإبليس، بقولهم إنه رفض أن يسجد لغير الله، إذ الواضح أنه رفض السجود لأنه رأى نفسه أفضل من آدم، وهو ما أكده الحوار القرآنى فى الآية السابقة وفى قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا الإسراء: 61)
وفى مقابل هذا العصيان من إبليس جاء الرد الإلهى: قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (الأعراف: 13)
ويصعد إبليس من (الجدل) إلى (التمرد والعناد): قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {7/14} قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ {7/15} قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ {7/16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (الأعراف: 14 – 17)
ثم يصعد إبليس من العناد إلى التحدى: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (ص: 82، 83).
ويكون الرد الإلهى قاطعا: قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (الأعراف: 18).
أى أن خروج إبليس ملازم للّعن والطرد، وهو ما يعنى أيضا أن إبليس كان من أهل الملأ الأعلى.
وفى تصورنا أن هذا الحوار القرآنى كان بين سلطتين: السلطة الإلهية العليا، والسلطة الإبليسية السفلى، وقد قدم درسا آخر للبشر الذين يسكنون الأرض، درسا فى العلاقة بين السلطات الأرضية ــ والتشبيه مع الفارق قطعا ــ فقد تجرأ إبليس على معارضة السلطة الإلهية المطلقة (التى إذا أرادت شيئا فإنما تقول له كن فيكون)، والمفهوم ــ ضمنا ــ أن الله ــ سبحانه ــ هو الذى سمح لإبليس بهذا الموقف العصيانى الذى بلغ مرحلة التمرد ثم التحدي، ومن ثم كان الجزاء بقدر الخطيئة: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (ص: 84، 85)
ثم يدخل الحوار نسقا ثلاثيا: الله – سبحانه – آدم – إبليس: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (الأعراف: 19 – 21).
لقد مارس الشيطان مهمته الإغوائية، واستخدم فى الإغواء حجتين للتأثير فى آدم وحواء، الحجة الأولى: أن الأكل من الشجرة التى حرمها الله عليهما سوف يدخلهما زمرة الملائكة: (أن تكونا ملكين) بل يمكن أن يدخلهما منطقة الألوهية: ( أو تكونا من الخالدين ) أما الحجة الثانية، فهى القسم بالله: (وقاسمهما إني لكما من الناصحين ) ولم يتصور آدم وحواء أن الشيطان يمكن أن يقسم بالله كذبا، وهذا الموقف يجعلنا نستحضر قول الملائكة عندما أخبرهم الله بأنه سوف يستخلف آدم وذريته فى الأرض، وكان قولهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها )أى أنهم كانوا على علم بأن آدم وذريته فاسدون مفسدون، وقد ظهر أن لهم بعض الحق فيما قالوه، والدليل: أن آدم وحواء استجابا للغواية الشيطانية، وغاب عنهما التحذير الإلهى: فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (طه: 117 – 119).
إن دخول أدم وحواء فى هذا الاختبار السماوى جعلهما بين سلطتين: السلطة العليا الإلهية والسلطة السفلى الشيطانية، وقد سقطا فى هذا الاختبار، ومن ثم جاء الأمر الإلهى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (البقرة: 36).
وجاء الأمر بصيغة الجمع (اهبطوا ) لأنه موجه لآدم وحواء والشيطان، وهنا تنبه آدم وحواء إلى خطيئتهما، وتوجها إلى الله قائلين: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الأعراف: 23).
واستجاب الله لتوبتهما: فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة: 37).
ومن الواضح أن الحوار مع آدم كان متعدد الشخوص، إذ شاركت فيه حواء، وإن كانت مشاركة صامتة، أى هى مشاركة بالفعل لا القول، كما تدخلت شخصية إبليس، وهو ما جعل الحوار حوارا بين سلطات: السلطة الإلهية المقدسة، والسلطة الإبليسية الشيطانية، والسلطة البشرية التى كانت وظيفتها استقبال وحى السلطة الأولى ووسوسة السلطة الثانية، وقد انتهى الحوار إلى نوع من المفارقة، فبالنسبة لآدم وحواء كان اعترافهما بالذنب وطلب المغفرة، وقد استجابت السلطة الإلهية لتوبتهما: ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (طه: 122).
وبالنسبة لإبليس فقد طلب الإمهال، واستجاب الله لطلبه: قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (الأعراف: 14، 15).
والدرس الذى يقدمه هذا الحوار: أن الله قد أعطى للكائنات قدرا كبيرا من حرية الرأى والاختيار، ليكون الثواب والعقاب على قدر هذا الاختيار، وهو ما تابعناه فى سلوك آدم وحواء من ناحية، وسلوك إبليس من ناحية أخرى، وهو ما يعنى أن الحرية المتاحة، هى الحرية المسئولة المحاطة بالقانون السماوى:
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة 7، 8).
أفكار لا تليق بالمجتمعات الشرقية
بعيدا عن حكم القضاء، يقول الشيخ علي عبد الباقي شحاتة، الأمين العام السابق لمجمع البحوث الإسلامية، يوجد فريق من أصحاب الفكر العالمي يحارب الأديان وينكر وجود الله تعالى، مثل كارل ماركوس الذي قال، أن الدين أفيون الشعوب، مشيرا إلى أن البعض في بلاد الشرق يفهمون الحرية والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير فهما خاطئا، لافتا إلى أن مثل هذه الأفكار لا تليق في المجتمعات الشرقية التي تتمسك بالقيم ومكارم الأخلاق، موضحا أن الذين يعتنقون مثل هذه الأفكار يريدون نشر الفساد في المجتمع وضرب قيمه، مؤكدا على أن الصهيونية العالمية تلعب دورا كبيرا في نشر هذا الفكر من أجل السيطرة على العالم، منوها أن المذكورة بالغت في الحرية وتخطت حدود علاقة المخلوق مع الخالق، وتعدت حدود الأدب مع الله، وهذا شرود في الفكر، ولا يجوز لأستاذة بهذا العلم الراقي أن تنزل لهذا المستوى المتدني من الفكر.
اشار «شحاتة» في تصريحات حصرية، إلى أن هذا الحكم يؤكد على أن القضاء المصري الشامخ ما زال يقف حائط صد أمام هذه الأفكار الهدامة التي تهدد قيم وأخلاق المجتمع، لافتا إلى أن القضاء المصري بهذا الحكم التاريخي إنما انحاز للعقل ومكارم الأخلاق ولمبادئ وقيم المجتمع الشرقي ولكل المبادئ الإنسانية، مؤكدا على أن مثل هذه الأفكار لا تضرب ثوابت الدين الإسلامي فحسب، بل تضرب كل الأديان السماوية، التي تقوم على مكارم الأخلاق، منوها أن المجتمع الشرقي، مسلمون ومسيحيون، يقدر القيم الدينية، لافتا إلى أن الكثير من الملحدين وعبدة الشيطان يعتنقون هذا الفكر، مؤكدا على أن هؤلاء هم جرثومة وعضو فاسد في المجتمع يجب بتره، حفاظا على قيم وأخلاق المجتمع، مشيرا إلى أن العلاقة بين الخالق والمخلوق تقوم على السمع والطاعة وليس الحرية أو الرأي والرأي الأخر، كما تزعم أو تفهم هذه الأستاذة الجامعية، يقول تعالى في كتابه العزيز «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍۢ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًا مُّبِينًا»، موضحا أن حرية الرأي والتعبير لا تعني الخروج عن طاعة الله وتدمير قيم وأخلاق وثوابت المجتمع.
أستاذة جامعية تخون أمانة رسالة الأستاذية
يقول الاستاذ الدكتور محمد محمد داود، أستاذ العلوم اللغوية بجامعة قناة السويس، في رسالة لـ«النبأ»، تحت عنوان «أستاذة جامعية تخون أمانة رسالة الأستاذية»، أستاذة جامعية ضد الهوية الإيمانية والأخلاقية للحضارة المصرية، دعو إلى (الفوضي المطلقة) باسم الحرية... وانحرفت عن رسالة الأستاذية!!!!!!.
فسعادة الدكتورة إن كانت حرة في نفسها لكنها ليست حرة في إفساد عقائد الناس وإفساد الأجيال ودعوتهم إلي الإلحاد، والتشكيك في ثوابت المجتمع التى هي جزء أصيل من هويته، والدكتورة عينتها الجامعة لمهمة العلم في تخصصها، فكيف تركت تخصصها وانجرفت لتكون ضد هوية المجتمع وثوابت إيمانه.
إن أستاذ الجامعة قدوة حسنة للأجيال يبني الوعي والفكر ويرقى بالأخلاق ليخرج للوطن والأمة شبابا يكونون عزا لأوطانهم وأسوة حسنة وقدوة طيبة.
إن انتكاس أستاذ الجامعة بالقيم والأخلاق والإيمان تحت دعوى الحرية مغالطة فاحشة منكرة، وذلك لأن الحرية في هوية أي مجتمع إيماني هي حرية منضبطة بهدي القيم الإيمانية في المجتمع وثوابته من مكارم الأخلاق.. وليس بالحرية المطلقة التي تدعو إليها الأستاذة، فالحرية المطلقة فوضي مطلقة، ومثل من تصدر منه هذه الأفعال غير أمين على رسالة الأستاذية في بناء الوعي الصحيح الهادف.
إن عماد الحضارة المصرية من البواكير الأولى على يد نبي الله إدريس.... ومرورا بأنبياء الله في مصر.. ( إبراهيم،ويوسف ويعقوب، وموسي، وعيسى، وخاتمهم محمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام يؤكد الهوية الإيمانية للحضارة المصرية، كذلك يؤكد الهوية الأخلاقية للحضارة المصرية.
ويؤكد صاحب كتاب فجر الضمير (جيمس هنري بريستد) أن الحضارة المصرية قامت علي محاور ثلاثة، هي.. الإيمان، والأخلاق، والعلم... وجعل عنوان الدراسة المتميزة جدا عن الحضارة المصرية... فجر الضمير.... وما قامت به الأستاذة المذكورة طعن في ضمير هذه الحضارة.
ليت الأستاذة تعود إلى ضمير هذه الحضارة وتعود إلى الهوية الأخلاقية والإيمانية لتكون أمينة على شباب هذا الوطن العظيم وهذه الحضارة الجليلة
وختم رسالته: اللهم رد الناس جميعا إلى الحق والصواب واهدهم إلى صراطك المستقيم وصل اللهم وسلم وبارك على جميع الأنبياء والمرسلين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. هذا وبالله التوفيق والسداد والمدد العظيم من الله المولي الكريم المنعم الوهاب الفتاح العليم الحكيم الخبير.