خلف جدران الكاتدرائية.. أسرار تنشر لأول مرة فى قضية الطفل «شنودة»
شغلت قضية «الطفل شنودة» الرأي العام خلال الأيام القليلة الماضية، وانتشرت «كالنار في الهشيم» على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما فوجئت ربة منزل وزوجها بانتزاع طفلها بالتبني «شنودة» من أحضانها لقيامها بتبنيه بطريقة غير شرعية ونسب اسمه لزوجها -على خلاف الحقيقة- وذلك بعدما قامت إحدى أقارب زوجها بإبلاغ الشرطة عن الواقعة برمتها.
وتسرد «النبأ» خلال السطور القادمة، تفاصيل الحوار الذي دار داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مع والدة الطفل شنودة بالتبني، ونسدل الستار عن كواليس وملابسات تبني الطفل وإصدار شهادة ميلاد له تثبت نسبه إلى أبويه القبطيين -على غير الحقيقة-.
تحكي الأم المكلومة إنها كانت تذهب يوميًا للكاتدرائية في محاولة منها للوصول إلى أحد رجال الدين المسئولين بالكنيسة حيث توسلت كثيرا للسكرتارية والأمن للموافقة على مقابلة البابا تواضروس لمساعدتها ولكن دون جدوى فلم يلتفت اليها أحد أو يشفق على حالها رغم دموعها التي لم تنقطع.
بدأت أمال في سرد قصتها مع محررة «النبأ» داخل جدران الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، قائلة: «أكثر من 29 عاما لم يرزقني الله بطفل وقمت بإجراء 3 عمليات للإنجاب انتهت جميعها بالفشل وكثيرا ما ذهبت باكية للكنيسة وجلست مع القس.. كاهن كنيسة العذراء مريم الذي كان يعلم جيدًا ما أعانيه من آلام وأوجاع بسبب رغبتي في إنجاب طفل إلى أن جاء اليوم الذي قلب حياتي رأسًا على عقب وفوجئت باتصال هاتفي من كاهن الكنيسة والذي طلب مني الحضور فورًا».
وتستكمل «أمال» حديثها: «دخلت الكنيسة متوجهة إلى مكتب الكاهن لأجد بيده طفل رضيع عمره يوم يسلمه لي ويقول "هذه هي عطية الله"، حملت الطفل بيدي وأنا أنظر إليه متعجبة في صمت امتزجت دموعي مع فرحتي بالطفل واعتبرت أن هذه مكافأتي من الحياة ولم أشعر بشيء إلا وأنني أتصل بزوجي وأنا باكية وطلبت حضوره فورًا، وبالفعل لم يمض أكثر من بضع دقائق حتى حضر وأخذ الطفل بفرح وشعرنا أن الله أراد أن يرأف بحالنا ويعوضنا بذلك الطفل.. توجهنا إلى منزلنا حاملين الطفل وذهب زوجي لشراء جميع احتياجاته ومنها شراء 10 باكيتات بامبرز وألبان وملابس كثيرة وبدأنا في رعاية الطفل صحيًا واجتماعيًا واستخرجنا شهادة ميلاد للطفل باسم شنودة فوزي فاروق، وظل الطفل معنا إلى أن بلغ 4 سنوات من عمره».
حتى لا ينكشف المستور
ولكن كانت الطامة الكبرى عندما أبلغت إحدى أقارب زوجها الشرطة وقالت في بلاغها إن الطفل تم خطفه، وقامت «أمال» بكتابته باسم زوجها حتى لا ينكشف المستور، وهنا انقلبت حياتها رأسًا على عقب وفوجئت باتصال هاتفي من أحد ضباط قسم شرطة الشرابية يطلب حضورها هي وزوجها بصحبة الطفل إلى القسم وإلا سيتم القبض عليهما فورًا.
تستكمل «أمال» حديثها لـ«النبأ» والدموع تنهمر من عينيها قائلة: «بعد رحلة طويلة من التحقيقات أصدرت النيابة قرارها بإجراء الكشف الطبي وخضعنا أنا وزوجي والطفل لتحليل الحمض النووي، وثبت عدم نسبة الطفل لنا».
فيما قررت النيابة العامة المصرية إيداعه دار أيتام بوصفه «فاقدا للأهلية» وتم تغيير اسم الطفل إلى «يوسف»، ولم تتخذ النيابة العامة أي إجراء ضد الزوجين، إذ ثبت لديها حسن نيتهما، فيما يستند قانون التبني في مصر إلى الشريعة الإسلامية، التي تعتبر فاقد الأهلية «مسلما بالفطرة»، وفي النهاية تم إيداع الطفل بأحد دور الأيتام في منطقة الهرم التابعة لإحدى الجمعيات الخيرية، وفوجئت «أمال» بعد مرور 8 شهور من زيارة «شنودة» أن الجمعية الخيرية ترفض رؤيتها له.
عادات موظفين
ومن جهتها قالت زينب خير، الحقوقية المتخصصة في حقوق الطفل، إن ليس هناك أي نص في القانون المصري يجعل من الطفل مجهول النسب مسلما بالفطرة، مثلما يشاع بل هو عرف جرت العادة على اتباعه من قبل موظفي الرعاية الاجتماعية الذين يتسلمون الأطفال في دور الرعاية فيما نحوهم أسماء رباعية.
وأشارت «خير» إلى أنه في السابق كان الطفل مجهول النسب يحصل على اسم ثلاثي ثم تغير الوضع بعد ذلك للاسم الرباعي.
وتابعت: «الأسرة خالفت القانون باستخراج شهادة ميلاد باسم الطفل ونسبته لها الأمر الذي دفع النيابة لحفظ القضية لأنها حالة إنسانية وربما لأن العائلة لديها جهل بالقانون».
وأضافت الحقوقية زينب خير: «قبل أربع سنوات حين أقدمت الأسرة على احتضان الطفل شنودة كان نظام الاحتضان يواجه صعوبة شديدة حتى ظهرت لائحة العام الماضي لتنظم وضع احتضان الأطفال وبدأت الأسر المسيحية في احتضان أطفال من نزلاء دور الرعاية، ما يفسر إقدام أسرة شنودة على هذا المسلك».
نسب مجهولي الهوية للإسلام
ومن جانبه أكد المستشار نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، أن قضية الطفل شنودة هي مقتل للإنسانية وذبح لعاطفة الأمومة رغم أن القانون المصري بكل فروعه قد خلا من نص يعطي جهة الإدارة حق تسمية الطفل مجهول النسب ونسبه إلى الإسلام.
وتابع: «إلا أن التحاور حول المادة الثانية للدستور نقول لأصحاب هذا الرأي المهترأ إن الدستور يخاطب المشرع ولا يخاطب القاضي والمشرع حتى الآن لم يصدر قانون ينسب الطفل مجهول النسب إلى الدين الإسلامي وأكبر مثال على ذلك أنه بالرغم من أن المادة الثالثة من الدستور تعطي للمسيحيين حق الاحتكام إلى شرائعهم في تطبيق أحوالهم الشخصية ومنها المساواة في الميراث إلا أن المحاكم حتى الآن تطبق علي غير المسلمين الذكر مثل "للذكر حظ الأنثيين" لعدم وجود قانون حتى الآن يساوي في الميراث بين المسيحيين».
واستكمل: «ومن ثم نزع الطفل عن من عثروا عليه دون أن يكون دليلا يثبت أنه مسلم وتسميته من شنودة إلى يوسف وتغيير ديانته إلى الإسلام فيه افتئات على الدستور فضلًا عن هذا القرار فيه قتل لروح القانون بالتضحية بحاجة الطفل إلى من قاموا بإعطائه الأمومة والحنان».
وأكد «جبرائيل» أن الأيام القليلة القادمة سوف تشهد ساحة القضاء أدلة جديدة تؤكد أن هذا الطفل وجد داخل الكنيسة وأنه في ظل ترسيخ قواعد المساواة وعدم التمييز وترسيخ الوحدة الوطنية في ظل الجمهورية الجديدة لا نريد نزاعات دينية يمكن أن تقضي على الأخضر واليابس -على حد قوله-.
موقف القانون من التبني
ومن جانبه يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض ميشيل إبراهيم حليم، إن القانون حرم التبني اتباعًا لأحكام الشريعة الإسلامية طبقًا للمادة رقم «2» من الدستور المصرى حرصًا على عدم خلط الأنساب وقد سمح القانون بالاحتضان طبقًا لقواعد وضعتها وزارة التضامن المصرية أهمها أن يكون الطفل من نفس ديانة الأسرة البديلة، وأن يكون سن الزوجين لا يقل عن 25 عاما ولا يزيد عن 60 عاما مع متابعة وزارة التضامن للبيئة التي ينشأ بها الطفل والأسرة البديلة بمعرفة مندوبيها.
وتابع «ميشيل»: «وأما عن مشكلة الطفل المسمى "شنودة"، فقد عجزت الأسرة البديلة عن إثبات أنه تم العثور عليه داخل كنيسة، وبالإطلاع على أوراق تحقيقات النيابة الخاصة بهم فقد خلت من محضر تسليم للطفل من قبل الكنيسة للأسرة البديلة، كما قرروا بالتحقيقات أنهم عثروا على الطفل بالشارع خلافًا لما ادعوا على السوشيال ميديا، وكان عليهم إثبات ما ادعوه لتحقيق شرط وحدة الأديان الذي تطلبه القانون شرطًا أساسيا للاحتضان وطبقا للمادة رقم «2» من الدستور المصري فإن الإسلام هو دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية والشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع».
واستكمل الخبير القانوني: «ومن هنا فإن الطفل اللقيط الذي لم تتوصل التحقيقات لدين أبويه فهو طفلا "مسلما" طبقا لنص المادة سالفة الذكر من الدستور إلى أن يثبت المدعي العكس لذلك قررت النيابة إيداعه في دار أيتام لينشأ على دين الدولة، وأما عن حق المدعو “فاروق” في رؤيته داخل دار الأيتام عن بعد فهذا حقه دون اصطحابه خارج الدار أو التأثير على نشأته طبقًا لوضعه الحالي بعدم ثبوت وحدة الأديان».
وأكد ميشيل إبراهيم حليم، أن المتبني لا يرث من الأسرة التي قامت بتبنيه، بغير وصية منه حيث حرم القانون التبني اتباعًا لأحكام الشريعة الإسلامية، متابعًا: «أما الوضع الحالي لقضية الطفل شنودة تم القرار وفقًا للحالة القانونية، وبالفعل اتخذت الجهة الإدارية قرارها طبقًا لطبيعة القانون في هذا الأمر، وهو أن الطفل اللقيط مسلم بفطرته على اعتبار قواعد دينية إسلامية».
على الجانب الآخر، يرى الدكتور إيهاب رمزى عضو مجلس النواب، أن قضية الطفل شنودة هي خطوة نحو تشريع جديد للتبني، لأن ما أقدمت عليه وزارة التضامن الاجتماعى بتغير اسم وديانة الطفل، لا يستند إلى أي نص قانوني أو سند تشريعي، بل يستند إلى «المزاج الديني» -على حد قوله-.
وتابع: «فعندما يكون الأب والأم معروفان يتبع الأطفال ديانة الأب حسب نص القانون، ولكن عندما لا يعرف الأب أو الأم فيتم اللجوء لنشأة الطفل، وحيث أنه وجد داخل الكنيسة وتعمد وتربى داخلها ومع أسرة مسيحية فهنا يظل الطفل على هذه النشأة، ولكن تحويل ديانته واسمه بحجة الطفل مسلما بالفطرة فهو أمر لا ينص عليه أي قانون سواء قانون الطفل أو الأسرة».
وأضاف «رمزي» أن هذه المشكلة ليس لها غطاء قانونى ولا يوجد سند تشريعي لهذه الحالة وأن إيداعه فى مؤسسة مسلمة هذا اجتهاد لا يقابله قانون، يحكمه المزاج الدينى لدى الكثير من المسئولين وخاصة وزارة التضامن، لأن العودة يجب أن تكون للنشأة فهو عاش ونشأ داخل الكنيسة، متابعًا: «لذا يجب أن يظل على هذا الأمر حتى يكون له حرية الاختيار لا سيما أننا لدينا فراغ تشريعى، ولذا نتساءل على أى أساس قانونى تصرف مسئول التضامن الاجتماعى؟ وجاء الدستور المصرى بسابقة لم تكن فى الدساتير السابقة ألا وهي المادة الثالثة والتي أباحت لغير المسلمين الاحتكام لشرائعهم، وحيث أن التبني غير محرم مسيحيًا فأين أزمة تبني الطفل شنودة، فى احتضان أسرة مسيحية له».