أحمد عمران يكتب: كيف أقلعت عن التدخين؟!
حقيقة إن قرار الإقلاع عن التدخين - أي - انتقال الإنسان من مرحلة مدخن إلى غير مدخن؛ هو أمر صعب تنفيذه؛ إلا إذا توفرت لدى هذا الشخص؛ إرادة قوية، وعزيمة من حديد، فقد يحتاج هذا الأمر إلى صلابة في اتخاذ القرار، وأن يظهر الشخص نفسه في موقف «إنسان يتحدى التدخين».
الإقلاع عن التدخين
وكان قراري شخصيا بإقلاعي عن التدخين، له بُعد إنساني، وليس بُعد مادي على الاطلاق؛ كما يعلم البعض، فأنا أعلم جيدًا أن الأيام القادمة ستُظهر حقيقة ذلك، وأعلم أيضا أن المال إذا تسبب لك في عدم فعل شيئًا ما.. تأكد تماما أنك وضعت نفسك على قائمة انتظار لحينما يأتيك المال، ثم تعاود على فعله مرة ثانية؛ لا محالة.
أما إذا كان الهدف سامٍ، والغاية إنسانية، قطعة منك، يحمل كل شيئًا منك، فهو «فلذة كبدك».. أيرضيك بالله عليك أن تتسبب في إذائه بدخان سجائرك، بالله عليك كيف تدخن بجوار طفلك وتعلم أنك تتسبب في ضرر كبير على صحته؟!.. وكيف لك أن تنام دون أن يراودك إحساس بالذنب؛ لما تفعله؟!.
هنا نسرد الإجابة عن السؤال المهم: كيف اتخذت قراري الإقلاع عن التدخين؟!.. في البداية القرار ليس له علاقة بالشعار المدون على علبة السجائر، مضمونه: «التدخين يدمر الصحة، ويسبب الوفاة»، فقراري هذا ليس بسبب ذلك، بدليل أن كل يوم اشتري السجائر، وأجد عليها هذه الكلمة بارزة وأرددها على مسمعي، واعتقد أنه لا يمر يومًا دون ذكر هذه الكلمة، ولكن لم ألقي لها بال على الإطلاق، واعتقد أن الجميع كذلك.
وذكرت أن المال إذا أجبر أحدًا على الامتناع عن فعل شئ.. تأكد تمام أنه حينما يأتي المال سيفعله حتما، فالأمر كان مختلفا تماما بالنسبة لي، وكان يوم القرار، به عصف للذهن لإقناع النفس بأنه قرارًا سليمًا صحيحًا صائبًا، ومن هنا اشتعلت الحرب الذاتية، حتى اتخذت أنا القرار، بعد مرور يوم «دون تدخين».
في الحقيقة بعد مرور يوم دون تدخين، ليس كان القرار نهائيًا، فكان مجرد محاولة لإعطاء نفسي فرصة ربما لا استطيع تنفيذ القرار، وإذا كان حدث ذلك بالفعل كنت سأطلق عليها «محاولة فاشلة»؛ لكنها نجحت بفضل الله.
ولأنني أحب النجاح، وأعشقه؛ أسعى لتحقيقه، لأنني أعلم جيد أن الإنسان يفعل ما عليه، ويترك لله سبحانه وتعالى الباقٍ، لذلك لم استسلم للفشل، واستمرت محاولتي حتى مضى عليها أسبوعًا كاملًا دون تدخين، تشجعت وقتها لأعلن رسميا أمام كل أهلي بأنني قررت نهائيا الإقلاع عن التدخين، واعترفت لهم على مرور أسبوع دون تدخين، وهو الأمر الذي قابله إشادات واسعة، وتشجيع من الجميع.
وكان أول إعلانًا رسميًا موجه للأصدقاء والعامة؛ بعد مرور شهر ونصف، من اتخاذ القرار، عبر صفحتي المتواضعة على «فيسبوك»، لكن بعد مرور أكثر من عام؛ تظل أخر علبة سجائر لها ذكرى عالقة في ذهني.
اتذكر أنه بعدما انتهيت من العمل جلست على «كنبه» بصالة التحرير، ووضعت علبة السجائر أمامي على ترابيزة صغيرة، ودخنت منها سيجارة وسرحت مع الهاتف، ثم ووقفت بعد انتهاء السيجارة، وتحركت نحو باب الخروج، وقفت أمام الباب مناديا على أحد زملائي، وأخبرته بأني خارج، ومن ثم خرجت؛ وتركت ناسيا السجائر بالولاعة.
توجهت إلى مسكني بجنوب القاهرة، قادما من الجيزة، وقابلت في طريقي أحد أقاربي، وجلست وشربت معه فنجانا من القهوة، ولما شعر قريب أنه مر وقت دون تدخين سيجارة، اعتقد الرجل مشكورا أنني ليس لدي سجائر، وهما ليشتري لي علبة، لكنني رفضت بشدة، وأخبرته أنني لا أحتاج سجائر حاليا، وإذا طلبت دماغي سيجارة سوف اشتري على الفور؛ سيدي لا تشغل بالك، وذلك كان أول مؤشر لهذا القرار.
تركت مجالسة قريبي، وتوجهت إلى منزلي، وأنا أسير بالشارع، اخذت أفكر، وكان شغلي الشاغل، هو أن لدي (طفلان، الأكبر اسمه «خالد» وشقيقه الأصغر «يزن»)، حينما ادخل البيت يستمران تنطيطا من حولي، يذهبون خلفي أينما أذهب، إذا دخلت الغرفة أجدهما حولي، وإذا دخلت التواليت أجدهما ينادياني حتى أخرج، وإذا دخلت أمام التليفزيون يجلسان حولي، وإذا وقفت على الشباك يبكيان حتى احملهما بين أيدي لكي ينظران إلى الشارع مثلي، وكل يوم على هذا الحال.
كنت حينما أشرب سيجارة، أقف لاشربها على الشباك ثم اغلفه وادخل مسكني، لكن الصغيران كانا يفعلان جنازة بكاء وتصويت حتى يجبراني على إلقاء السيجارة التي أشعلتها فورا، حتى احملهما، فكنت أغضب قليلا لكن ينتهي الغضب مع حملهما بين أحضاني، فكنت أشعر براحة نفسية عميقة، فالابن الأكبر حينما كان يراني أشرب سيجارة يقف بجواري، وذات مرة اطفيت السيجارة بيدي عصفا حتى احرقتني، كي لا تحرق صغيري.
هذا الموقف طبيعيا لاي أب، ويؤكد على حقيقة أن الرجل يضحي بنفسه من أجل طفله، فكان في أحيان كثيرة يقف ابني بجواري، ودخان السجائريذهب إليه، وخوفا عليه هو شقيقه من إذائه، قررت عدم شرب السجائر نهائيا، ومر على الذكرى الأولى لقراري هذا، شهر ونصف الشهر.