اللا إنجابية.. كواليس إطلاق دعوات لقطع خلف المصريين
لوهلة تظهر على السطح، أفكار، تشعر، أنها غريبة عن الشخصية المصرية وأفكارها، المحافظة والمتمسكة بالعادات والقيم الأصيلة، والتي ترى الزواج في العزوة، تردد مصطلحًا لم نعهده من قبل، وهو «اللا إنجابية»، بين أوساط الشباب بشكل كبير خلال الفترة الحالية.
وتقوم الفكرة التى أطلقها أصحابها على صفحات بها عشرات آلاف المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي على رفض الإنجاب، بعضهم لأسباب اقتصادية وغيرهم لأسباب اجتماعية، باعتبار أن العالم ليس بحاجة لمزيد من الأطفال، وأنه ليس من حق الشخص اتخاذ قرار إنجاب طفل وتعذيبه بالمعاناة في الحياة دون اختياره، خاصة أن هناك ما يكفي من الأطفال التي تحتاج رعاية والتي يمكن تبنيها بدلًا من إنجاب جدد، -حسب قولهم-.
الإنجابية ظلم
«الإنجاب ظلم لكائن آخر».. بهذا الكلمات بدأ «محمود»، أدمن جروب يحمل مسمى «ضد التناسل.. ضد الإنجاب»، حديثه عن سبب تبنيه لفكرة اللا إنجابية.
ويقول لـ«النبأ»، إن الفكرة جاءته منذ 4 سنوات، ولم يكن يعلم أن هناك غيره، وبالصدفة كان يبحث عن شيء ما في «الفيسبوك» ووجد أن هناك أشخاصًا كثيرة مثله، يرون أن الإنجاب ظلم، وأن هناك الكثير من الأطفال المعدمين والفقراء، وأنه لا أحد لا يسلم من الآلم، -على حد قوله-.
يسترجع «محمود» ذكرياته الحزينة، والتي يرغب في عدم تكرارها بالإنحاب: «طفولتي لم تكن جيدة، أنا شخصيا عملت حادث ونمت في السرير قرابة العام، عذاب بكل المقاييس هناك من يقول هذا قدر ولكن بنظري الإنجاب ظلم كائن آخر وأيضًا ظلم لنفسك، ولكن بعضهم يراها متعة».
ويرى «محمود» الذي يبلغ من العمر 33 عاما، أن فكرة الإنجاب لا تتعارض مع الزواج، «لا تتضمن الفكرة منع الزواج، لأنها غريزة، ولكن بشرط أن يكون هناك توافق على عدم الإنجاب».
الحديث السابق، يدعمه، ريمون أمين، الذي يرى أن تفاصيل الفكرة ترتبط بالمعاناة الشخصية من الشعور بعدم الراحة والأمان والزهق والملل والفقر والحرمان والفشل، معقبًا: «طبيعي أنه ميتمناش يخلف طفل يمر بنفس المعاناة خصوصا انى معنديش حلول له».
ويرى، «أمين»، أنه حتى الآن، مازال هناك الكثيرين يرفضون فكرة اللا إنحابية، معقبًا: «من حوالى 10 سنىن بدأت اتبنى فكرة عدم الإنجاب ورغم أن حاليًا عمري 42، إلا أنه لم يتقبل أحد الفكرة ممن حولي».
موقف آخر
بدوره يقول باهر التربي، إن إنقاذ طفل موجود بالفعل ويعانى أولى من إنجاب طفل جديد، مشيرًا إلى أن بهذه الطريقة نستطيع إنقاذ أطفال العالم من معاناة الفقر واليتم والتشرد.
«ولكن لا يعني ذلك أني أرفض الإنجاب».. بهذه الجملة كشف «التربي» عن عدم توافقه التام مع «اللا إنجابيون» في الرفض المطلق للتكاثر، متابعًا: «هشجع عليه لأن دى فطرة الإسلام الرحمة المطلقة فى انك تجيب مولود جديد عشان يدخل الجنة معاك ولكن لا نغمض أعيننا عن معاناة الأطفال في العالم».
ويفسر الدكتور علي البنوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، تبني «اللا إنجابية»، قائلًا إنه مع دخول عصر جديد من التواصل الاجتماعي الإلكتروني أصبحت الفكرة عبارة عن جروب ويتكاثر بشكل شديد، وتلقى قبولًا رغم غرابتها، وهذه ليست الفكرة الأولى فهناك الإحجام عن الزواج والتي ظهرت قبل ذلك كـ«تريند» أو الشذوذات الفكرية في العلاقات الاجتماعية.
ويشير «النبوي» في تصريح لـ«النبأ» إلى أن الروابط الأسرية، والترابط العائلي، التي كانت تدعم الإنجاب، تساقطت، مشيرًا إلى أن الأجيال الحالية هي إلكترونية.
ويضيف: «كان لدينا في الطب النفسي مشكلة الإدمان والتي كانت تدور إلى أن مدمنها يضحي بجميع لذات الحياة ويختزلها في حقن المادة المخدرة، كذلك الجيل الحالي الذي يختزلها في المكوث أمام العالم الاقتراضي».
وحول موقفهم القائم على عدم إنجاب طفل ليشقى، يؤكد «النبوي»، أنه قصور فكري غريب، متابعًا: «وإلا كان الفقراء أكثرهم تطبيقًا لهذه النظرية، ولكن على العكس، وهو ما يؤكد أن هذه النظرية اجتماعية وليست مادية، خاصة أن الكثير من تلك الحالات يستبدلون هذه الفكرة بتربية الحيوانات، على غرار النظرية الغربية».
ويشير أستاذ الطب النفسي، إلى أن المجتمعات الغربية التي كان لها السبق في استبدال الإنجاب بتربية الحيوانات الأليفة، موجهًا بضرورة الرجوع إلى أفكارنا الأصيلة وتنمية الأسرة والبعد عن الأجهزة الإلكترونية والحوار مع الأنباء وغرس القيم المجتمعية الأصيلة.
ويؤكد أن هذه الأفكار موازية إلى أفكار الانتحار والتي تكون مدخلها تلك الأفكار الغربية، معقبًا: «أصحاب هذه الأفكار يميلون الاكتئاب والانتحار وعدم الاستمتاع بالحياة، لأنهم يفقدون المعنى الحقيقي لها».
رأي الأزهر
بدوره، يرى الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، بأن مسألة الإنجاب من الحقوق المشتركة بين الزوجين، وهي أثر مترتب على عقد الزواج الصحيح.
ويوضح «شلبي» حكم رفض الزوجة الإنجاب، مؤكدًا أن قرار الإنجاب أو عدمه قرار مشترك بين الزوجين وهو حق لهما معًا مثله كالميراث والعلاقة بينهما؛ فلا يجوز لطرف إرغام الآخر على قرار بعينه وإجباره عليه.
وأضاف أمين الفتوى: «بل لا بد أن يتناقش الزوجان بهدوء ويعددا أوجه الإفادة والضرر ويتفقا على ما فيه المصلحة لهما».
ويشير إلى أن دار الإفتاء أجابت على حكم تحديد النسل، قائلة: «إنه يجب أن نفرق في مسألة تحديد النسل بين حالتين: الأولى: أن يكون تحديد النسل خوفًا من عدم الرزق، وهذا لا يجوز؛ لأن الرزاق هو الله تعالى، ومن الذي يضمن إذا كان أولاده قليلين أن لا يموت ويتركهم أيتامًا».
ويتابع: «أما الثانية: أن يكون تحديد النسل بسبب مرض في الأم، فهذا يجوز بشروط: أن يشهد طبيب ثقة في دينه ماهر في تخصصه بأن الحمل والولادة يعرض الأم لخطر حقيقي لا يحتمل، أن تتخذ وسيلة لمنع الحمل لا تضر بصحة الأم؛ لأن الضرر لا يزال بمثله، أن يكون هذا قبل الحمل وليس بعده؛ لأن إسقاط الجنين لا يجوز».