رئيس التحرير
خالد مهران

الجامعات الأهلية الرصاصة الأخيرة في نعش التعليم العالي الحكومي

الجامعات الأهلية
الجامعات الأهلية رصاصة في نعش التعليم العالي الحكومي

سيطرت مخاوف عدة ليس فقط على أولياء الأمور، ولكن على الكثير من المنتسبين للمجتمع الجامعي من أعضاء هيئات التدريس بمختلف الجامعات الحكومية، بعدما أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن 12 جامعة أهلية جديدة ستبدأ الدراسة بالعام الدراسي الجديد 2023، خصوصًا وأن بعضهم يرى أن الجامعات الأهلية ربما تتسبب في ازدياد أوضاعهم سوءًا فوق سوء، ويعتبر الكثير منهم أنها لا تتعدى كونها عبئا على الدولة وإهدارا للموارد المالية، باعتبار أنها لم تلق الإقبال المنشود من قِبل الطلاب، وهذا ما كشفه بدء الدراسة بالجامعات الأهلية الثلاث الأولى (الجلالة - العلمين - الملك سلمان)، اللواتي تم افتتاحهن قبل عامين، تحديدًا في أكتوبر 2020.

مخاوف أولياء الأمور

مخاوف أولياء الأمور وبعض أساتذة الجامعات الحكومية، وصلت إلى القول بأن تلك الجامعات الأهلية، تعتبر خطوة في سبيل إلغاء مجانية التعليم وإحلالها بدلًا من الجامعات الحكومية، فهل حجم المنافسة بين تلك الجامعات الأهلية ونظيرتها الحكومية يسمح بذلك؟ وهل الجامعات الأهلية منفعة أم مضرة للتعليم العالي؟ 

أرباح مقننة ومخاوف

12 جامعة أهلية جديدة تبدأ الدراسة خلال العام الدراسي الجديد 2022-2023، ببعض البرامج الأكاديمية المعتمدة، وتشمل تلك الجامعات (أسيوط الأهلية - المنصورة الأهلية - بني سويف الأهلية - وحلوان الأهلية - الزقازيق الأهلية - بنها الأهلية - قناة السويس الأهلية - قنا الأهلية - المنوفية الأهلية - المنيا الأهلية - شرق بورسعيد الأهلية - الإسكندرية الأهلية)، وفقًا لما أعلنته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، شهر أغسطس الماضي.

ويلزم القانون الجامعات الأهلية بدعم العملية التعليمية للأشخاص الاعتبارية العامة التي أنشأتها أو ساهمت في إنشائها والتي من الجامعات الحكومية، لا سيما وأنها لا تستهدف الربح وإنما، يوجه ما قد تحققه من صافي الفائض الناتج عن نشاطها إلى تطويرها ورفع كفاءتها التعليمية والبحثية، وخدمة المجتمع، وتنمية البيئة، ورعاية الطلاب، وتمويل المنح الدراسية للمتفوقين، ودعم العملية التعليمية أو البحثية بالأشخاص الاعتبارية العامة التى أنشأت أو ساهمت فى إنشاء الجامعات الأهلية، وفقًا لنص المادة 15 من قانون الجامعات الخاصة والأهلية، رقم 12 لسنة 2009، والذي تم تعديله نوفمبر 2021.

تعديل القانون جاء ليقصر صراحة ما قد تقدمه الجامعات الأهلية في مجال المشاركة المجتمعية على دعم الأشخاص الاعتبارية التي أنشأتها، باعتبارها الأولى بذلك لكونها قد ساهمت منذ البداية في إنشاء الجامعة.

رغم أن تعديل القانون ألزم الجامعات الأهلية بتخصيص جزء من الأرباح لدعم العملية التعلمية أو البحثية للشخصية الاعتبارية التي أنشأتها -كالجامعات الحكومية على سبيل المثال- ما يعني أنها من المفترض سيكون لها دور في تحسين دخل الأساتذة بالجامعات الحكومية، إلا أن أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الحكومية يرون أنها تهدد أوضاعهم ووضع التعليم الجامعي بشكل عام.

زيادة مطردة ومجانية مهددة

في الوقت الذي وافق فيه مجلس النواب على تعديل القانون والسماح للأشخاص الاعتبارية بإنشاء الجامعات الأهلية، كان عدد الجامعات الأهلية 7 جامعات فقط، ولكن منذ تعديل القانون بدأت الجامعات الحكومية بتدشين جامعات أهلية موازية لها، إلى أن بلغ عدد الجامعات الأهلية حتى الآن 16 جامعة أهلية، والتي مثلت زيادة مطردة، للدرجة التي تكاد تكون كل جامعة حكومية لديها جامعة أهلية موازية.

وفي 7 يونيو 2022 كشف تقرير لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، عن زيادة أعداد الجامعات الخاصة والأهلية من 26 جامعة عام 2014 إلى 40 جامعة خاصة وأهلية عام 2022، بنسبة 53.8%، وفند التقرير تلك الزيادة بواقع 310 كلية خاصة وأهلية عام 2022 مقابل 132 عام 2014، مما يعني أن نسبة الزيادة بلغت 210%.

الزيادة المطردة في أعداد الجامعات الأهلية لم تقتصر على الـ12 التي مقرر أن تبدأ خلال العام الدراسي الجديد 2023، لا سيما وأن الدولة تسعى إلى زيادة أعداد الجامعات الأهلية؛ بهدف المساهمة في تحقيق استراتيجية الدولة في مجال التعليم العالى حتى عام 2050، ولذلك تم الـ12 جامعة الجديدة بعد توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بسرعة إنشاء 15 جامعة أهلية جديدة، وتوفير الدعم المالي اللازم لإنشاء هذه الجامعات وتجهيزها بأحدث الإمكانيات، لتنضم إلى منظومة التعليم الجامعي في مصر، مع تركيز الدراسة بها على العلوم الحديثة والتخصصات العلمية المتطورة التى تؤهل الشباب لسوق العمل الراهن سواء داخل مصر أو خارجها، وفقًا لتصريحات رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، 11 أغسطس الجاري.

ولم تقتصر زيادة أعداد الجامعات على تلك الأهلية وحسب، فوزارة التعليم العالي والبحث العلمي تعمل الآن وفقًا لخطة زمنية للانتهاء من الإنشاءات والتجهيزات للمرحلة الثانية لتدشين 6 جامعات تكنولوجية جديدة. 

استفحال الجامعات الأهلية بهذه الصورة، كان سببًا رئيسًا في تخوف السواد الأعظم من المصريين من فكرة إحلال الجامعات الحكومية بنظيرتها الأهلية، ومن ثَم إلغاء مجانية التعليم، ولكن هناك قلة لقاء الأغلبية الكاسحة، ترى أن ذلك الأمر غير منطقي بالمرة، لا سيما وأن أعداد طلاب الجامعات الحكومية أضعاف أضعاف طلاب نظيرتها الأهلية مجتمعة مع الجامعات الخاصة.

إحصاءات ومؤشرات

معدل الالتحاق بالتعليم العالي لعام 2020-2021 بلغت نسبته 35.8% بإجمالي عدد طلاب مقيدين 3.424 مليون طالب، مقابل 3.339 مليون طالب خلال العام الدراسي 2019-2020 بزيادة بلغت نسبتها 2.6%، حسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 17 نوفمبر 2021.

واستحوذت الجامعات الحكومية والأزهرية على النسبة الأكبر من عدد الطلاب المقيدين بها للعام الدراسي 2020-2021، بواقع 71.8% مقابل 6.5% بالجامعات الخاصة والأهلية معًا، بينما بلغ عدد الطلاب المقيدين بجامعة الأزهر 379.1 ألف طالب بنسبة 15.4%من إجمالي 2.459 مليون طالب مقيدين بالجامعات الحكومية والأزهرية، يليها جامعة عين شمس بعـدد 233.4 ألف طالب بنسبة 9.5% من إجمالي أعداد طلاب الجامعات الحكومية والازهرية خلال العام الدراسي 2020-2021.

وأظهر التقرير أيضًا استحواذ المعاهد العليا الخاصة على نسبة 25.1% مقابل 0.9% بالأكاديميات، و0.7% بالمعاهد المتنوعة، في حين بلغت نسبة الطلاب المقيدين بالمعاهد الفنية فوق المتوسطة الحكومية والخاصة 5.0%، بينما بلغت نسبة إجمالي الطلاب المقيدين بالمعاهد الفنية الحكـومية 96.7٪، في حين بلغت هذه النسبة بالمعـاهد الفنية الخاصــة 3.3٪ للعام الدراسي 2020-2021 من إجمالي الطلاب المقيدين. 

زيادة خريجي التعليم العالي

6.6 % نسبة الزيادة في أعداد خريجي التعليم العالي عام 2020 بواقع 644 ألف خريج، مقابل 604 آلاف طالب عام 2019، بينهم 450.5 ألف خريج من الجامعات الحكومية بنسبة 70%، مقابل 428.6 ألف خريج عام 2019 بنسبة 64.9%، ما يعني أن نسبة الزيادة بلغت 5.1%، حسب النشرة السنوية لخريجي التعليم العالي والدرجات العلمية، للجهاز  المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادرة في 6 ديسمبر  2021.

وكشفت مؤشرات «التعبئة والإحصاء» أن خريجي الجامعات الخاصة لعام 2020 بلغ 30.5 ألف خريج بنسبة 4.7% مقابل 28 ألف خريج عام 2019، بزيادة بلغت 8.9%.

قد تكون صورة ‏تحتوي على النص '‏(ج) جامعة سيناء بفرعبها الملك سلمان جامعة شرق بورسعيد بفروعها الثلاثة جامعة الإسماعلية الأهلية جامعة الجلالة جامعة العلمين الكلية %77 %77 الجامعات الخاصة المنصورة الجديدة الجامعات الأهلية الجديدة %82 %77 %79 %77 %79 %80 %73 76 سيناء (فقط %73 الطب طب الأسنان %76 %78 %73 %68 %74 %65 العلاج الطبيعي الصيدلة %66 %60 %70 %66 %61 %55 %68 %61 %55 %62 %55 %55 الطب البيطري الهندسة الحاسبات التكنولوجيا،الحيوية العلوم الصحية،التطبينية،التمريض الإدارة،والاقتصاد العلوم السياسية الفنون والغنون،التطبيقية،الآداب العلوم،السنيمائية،الإعلام،التربية السياحة،والفنادق الحقوق والدراسات القانونية واللغات،والترجمة الزراعات،الصحراوية العلوم،الأساسية،الآثار.الزراعة‏'‏
الحدود الدنيا للقبول بعدد من الجامعات الأهلية

منافسة وهمية

إحصائيات ومؤشرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تكشف أن المنافسة بين الجامعات الحكومية ونظيرتها الأهلية مجتمعة مع الخاصة تكاد تكون معدومة، فلا منطقية في مقارنة نسبة الطلاب المقيدين بالجامعات الحكومية بتلك النسبة لطلاب الجامعات الأهلية والخاصة معًا، وحتى وإن تم ذلك فلن يمكن غض الطرف عن الفارق الكبير بينهما، والذي يكشف أن الكفة الراجحة كفة الجامعات الحكومية.

تلك النتيجة تثير تساؤلًا آخر مهمًا للغاية، حول أسباب عزوف الطلاب وأولياء أمورهم عن الجامعات الأهلية، فهل السبب مادي بحت أم أن هناك أزمة ثقة بشأن الخدمات التعليمية التي من الممكن أن تقدمها تلك الجامعات؟ بجانب التساؤل حول كونها مضرة أم منفعة للتعليم العالي؟

الصيادلة فى خطر

على سبيل المثال يبلغ عدد كليات الصيدلية بالجامعات الأهلية والخاصة 24 كليات بجامعات (الملك سلمان- الجلالة- العلمين) الأهلية، وجامعات (الدلتا - سيناء - المستقبل - 6 أكتوبر- فاروس - النهضة - أكتوبر للعلوم الحديثة والآداب - الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات - نيو جيزة - هليوبوليس - حورس - بدر - دراية - المصرية الروسية - الأهرام الكندية - البريطانية - الألمانية - مصر الدولية)، فضلًا عن 3 كليات تابعة لجامعة الأزهر، والتي كانت في البداية أقل من ذلك، ومع تزايد أعداد كليات الصيدلة توافرت أماكن أكثر مما زاد أعداد خريجي كليات الصيدلة منذ 2007، ولم يقتصر الأمر على كليات الصيدلة وحسب، ولكن الأمر ذاته حدث مع الكليات الهندسية، الأمر الذي أحدث أزمة كبيرة نظرًا لزيادة أعداد  الخريجين في من هذه الكليات عن حاجة سوق العمل.

زيادة أعداد خريجي كليات الصيدلة عن حاجة سوق العمل، أحدثت أزمة كبيرة للدرجة التي دفعت اتحاد نقابات المهن الطبية، والنقابة العامة للصيادلة، بالمطالبة بتحديد أعداد الطلاب الملتحقين بها، في مختلف الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية، والمطلب الرئيسي تمثل في تثبيت نسبة 90% للقبول بمختلف كليات الصيدلة، حسب عضو مجلس اتحاد نقابات المهن الطبية، وعضو اللجنة الثلاثية لإدارة أعمال النقابة العامة للصيادلة، الدكتور عبدالناصر سنجاب.

ومنذ عام 2007 وأعداد خريجي كليات الصيدلة من مختلف الجامعات تشهد زيادة مطردة، بما لا يتناسب مع سوق العمل، وبلغ تعداد الخريجين نحو 17 ألف خريج.

صيادلة مصر 4 أضعاف

أزمة زيادة أعداد خريجي كلية الصيدلة لا تقتصر على مصر وحسب، بل إنها أزمة عالمية، ولكن الأمر في مصر أكثر فجاجة، لا سيما وأن معدل أعداد الصيادلة في مصر بالنسبة للمواطنين، بلغ صيدلي لكل 438 مواطنًا، في حين أن المعدل العالمي هو صيدلي لكل 1100: 1600 مواطن أو 23 صيدليًا لكل 10 آلاف مواطن، والمعدل الطبيعي العالمي من المفترض أن يكون من 6:9 صيادلي لكل 10 آلاف مواطن، أما عن معدل وجود الصيدليات ففي مصر نجد صيدلية لكل 1261 مواطنًا، وعالميًا صيدلية لكل 3500: 5000 مواطن، حسب تقارير منظمة الصحة العالمية.

تلك الأرقام تعني أن معدل أعداد الصيادلة في مصر أصبح أكثر من 4 أضعاف النسبة العالمية، الأمر الذي جعل البعض ينادي بضرورة وضع حلول جذرية للأزمة، ومن بينها تحديد أعداد المقبولين بكليات الصيدلة بدءًا من العام الدراسي المُقبل 2022-2023، على أن يتراوح بين 100: 150 طالب بكل كلية صيدلة، وإعلان وزارة الصحة عن حاجتها لشغل وظائف للصيادلة بعد تخرج دفعة 2022-2023، وقبل قبول الدفعات الجديدة هذا العام، حسب «سنجاب».

الجامعات الأهلية ليست حل

وبخلاف الصيدلة نجد أن هناك شكاوى من أن هناك عجز في الأطباء بمختلف المؤسسات الطبية، ورغم ذلك العجز، إلا أن هناك من يؤكد أن أعداد خريجي كليات الطب بمختلف تخصصاتها، كافية لتغطية احتياجات الدولة، ولا حاجة لزيادة أعداد القبول بها، لا سيما وأن معدل أعداد الأطباء لكل مريض بمصر بلغت 6.8 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، حسب أمين الصندوق المساعد باتحاد نقابات المهن الطبية، أبو بكر القاضي.

الحلول المطروحة لحل أزمة عجز الأطباء لم تشير من قريب أو من بعيد إلى زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب، خصوصًا وأن البعض يعتبر أن الزيادة في أعداد المقبولين وافتتاح كليات جديدة للطب سيخلق أزمة على شاكلة أزمة تضخم أعداد الصيادلة، ولذلك فالحل الأمثل -حسب الكثيرون- يكمن في إجراء دراسة للوقوف على احتياجات مصر الفعلية في المستقبل في كل تخصص من تخصصات مهنة الطب البشري وبالتالي تحديد أعداد القبول بكليات الطب.

رغم مخاوف نقابة الأطباء من فكرة زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب، إلا أن توجه الدولة متجه نحو تدشين جامعات أهلية منبثقة من كل جامعة حكومية، وكل جامعة لا تخلو بالطبع من كلية الطب البشري، ويبلغ عدد كليات الطب بالجامعات الأهلية والخاصة 10 كليات بجامعات (الملك سلمان - الجلالة) الأهليتين، وجامعات (6 أكتوبر - مصر للعلوم والتكنولوجيا - نيو جيزة - النهضة - بدر - الحديثة - الدلتا - ميريت)، والتي كانت في البداية 3 كليات طب فقط.

أرقام الأطباء المُقيدة بسجلات النقابة العامة للأطباء تثبت أن الأزمة ليست في أعداد خريجي كليات الطب، لا سيما وأن عدد الأطباء المُقيدين بالنقابة بلغ 380 ألف طبيب، بينهم 125 ألف طبيب يعملون بالمؤسسات الطبية الحكومية، ولذلك فأن العجز في أعداد الأطباء في المستشفيات غير منطقي علاجه بزيادة أعداد الخريجين من الكليات الخاصة والحكومية -ومؤخرًا الأهلية- لا سيما وأن السبب الرئيسي في الأزمة تكمن في ضعف المقابل المادي للعمل بالمستشفيات، الأمر الذي أدى إلى عزوف الأطباء عن العمل بالمستشفيات وتفضيل خيار السفر إلى الخارج.

الدكتور وائل كامل

 

الهندسة الأهلية تهدد المهندسين

أعداد خريجي الهندسة أيضًا تفوق الاحتياجات، وهناك تخوفات من أن افتتاح المزيد من الجامعات الأهلية يفاقم الأزمة، فأعداد خريجي الهندسة أدت إلى بطالة كبيرة بين المهندسين، وعليه انخفضت الرواتب بشكل كبير؛ لزيادة العرض على الطلب.

الأزمة الضاربة في جذور أوساط المهندسين، دفعت نقابة المهندسين إلى المطالبة بألا يزيد أعداد الطلاب المقبولين بالتعليم الهندسي العام الدراسي الجديد 2022-2023، عن 25 ألف طالب، أي ما يعادل 5% من الناجحين بالثانوية العامة هذا العام، ولم تكتف النقابة بذلك فقط، وطالبت ألا يقل الحد الأدنى لتنسيق القبول بها عن 5% من تنسيق القبول بكليات الهندسة الحكومية، وتوجيه طلاب التعليم الفني إلى تنسيق الكليات التكنولوجية الجديدة، وتدشين نقابة خاصة بهم، وفقًا لما جاء بالجلسة النقاشية الأولى تمهيدًا لمؤتمر «مشاكل التعليم الهندسي في مصر»، 16 أغسطس الماضي.

لم تقتصر المخاوف على الكليات الطبية والهندسية وحسب، إلا أن الكثير من الكليات التي تجاوز أعداد خريجيها أضعاف مضاعفة عن احتياجات، يطالها التأثير السلبي لتدشين هذا الكم الكبير من الجامعات الأهلية، ورغم ذلك التأثير السلبي المتوقع، إلا أنه سيظل الفيصل هو نهاية الموسم للوقوف على مدى تأثُر الكليات، لا سيما الطب والصيدلة والهندسة بعد تزايد أعدادها بافتتاح الجامعات الأهلية، لا سيما وأن الحدود الدُنيا التي أقرها المجلس الأعلى للجامعات للالتحاق بكليات الجامعات الأهلية متدني، لا سيما وأنه تم تحديد 82% للطب و80% لطب الأسنان، و78% للعلاج الطبيعي و74% للصيدلة، بينما الحدد الأدنى للطب البيطري 70% و68% للهندسة و62% لعلوم الحاسب، و55% للتخصصات الأخرى.

رصاصة بنعش الجامعات الحكومية

من جانبه يرى الدكتور وائل كامل، عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان، أن قرار إنشاء الجامعات الأهلية والتوسع فيها غير مدروس، ونتائجه ظهرت العام الماضي وكانت واضحة في قلة عدد الملتحقين بها، رغم أوكازيون تخفيض نسب الالتحاق بها العام الماضي.

وأضاف «كامل» في تصريحات خاصة لـ«النبأ» أن إجبار الجامعات الحكومية على إنشاء جامعة أهلية، ما هو إلا محاولة لتنصل الدولة من مسؤوليتها تجاه الصرف على التعليم الجامعي، ورفع موازنته وتطويره وتحسينه، بيد أنه خطوة لتفريغ الجامعات الحكومية من كفاءاتها وجذبهم للجامعات الأهلية.

وتابع: «القول بتفريغ الجامعات الحكومية من كفاءاتها يستند إلى مقارنة بسيطة بين القانون الصادر مؤخرًا بشأن رواتب أساتذة الجامعات التكنولوجية على سبيل المثال، والذي تخطى أقل راتب بها  أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي أعلى راتب لأقدم أستاذ بالجامعات الحكومية، بفضل توقف قانون تنظيم الجامعات الحكومية، منذ عام ١٩٧٢ ولازال بنفس بنوده حتى الآن، بل وهناك تجاهل متعمد لإصلاح جدول رواتبه، بخلاف الزيادة السنوية التي أُعلن عنها للمجتمع الجامعي بقيم مهينة لتشمل ١٠٠ج حافز جودة قبل خصم الضرائب والتأمينات».

ويعتقد عضو هيئة التدريس بجامعة حلوان، أنه من الممكن التماس العُذر في إنشاء جامعة أهلية جديدة تتضمن تخصصات نادرة أوغير متوفرة بالجامعات الحكومية سواء بالبرامج العامة أو الخاصة، والتي يتحمل الطالب مصروفاتها كاملة دون دعم، وسنويا يفتتح برامج جديدة خاصة بالحكومية كمحاولة لتعويض ضعف الإنفاق والموازنات الضعيفة المرصودة لها؛ ولكن الإصرار على فتح نفس التخصصات وتكرارها يؤكد أن إنشاء الجامعات الأهلية هو أول رصاصة في نعش الجامعات الحكومية وخصخصتها مثلما حدث مع مصانع القطاع العام التي أهملت وتم التضييق على موازناتها حتى تم إعلان إنها خاسرة وخُصخصت.

واختتم «كامل» حديثه مع «النبأ الوطني»، بسؤال استنكاري بأنه كيف لشعب نسبة الفقر به 60% إلحاق أبناءه بالجامعات الأهلية في حين أن مصروفاتها تقترب من مصروفات الجامعات الخاصة، بقيمة تتجاوز النصف مليون جنيه لمصروفات خمس سنوات! قائلًا: «ألم يكن أفضل التوسع في إنشاء مدارس فنية حكومية، أو على الأقل إصلاح ما أفسده الزمن بالجامعات الحكومية وتطويرها وزيادة موازنتها!».