رئيس التحرير
خالد مهران

علي الهواري يكتب: عروسة مولد النبي وصناعة الأصنام

علي الهواري يكتب:
علي الهواري يكتب: عروسة مولد النبي وصناعة الأصنام

مع اقتراب الإحتفال بالمولد النبوي الشريف في بداية شهر أكتوبر القادم، أثارت صور نشرتها قناة «عربي CGTN» التابعة للتلفزيون الحكومي الصيني، وتظهر صناعة عروسة المولد احتفالًا بذكرى المولد النبوي الشريف، جدلًا واسعا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. 

وأظهرت الصور المنشورة على منصات القناة على مواقع التواصل الاجتماعي عمال حي باب البحر، وهم يصنعون حلاوة مولد النبي تحت عنون «عمال مصريون يصنعون الأصنام ترحيبا بالمولد النبوي».

ونشر الحساب صورا من داخل مصنع في حي باب البحر بالقاهرة لصنع أشكال لحلوى المولد مصنوعة من السكر على هيئة فتيات وأحصنة.

وسرعان ما أثار المنشور تعليقات ساخرة من المصريين الذين التفتوا إلى عبارة الأصنام التي كتبتها الصفحة بدلًا من حلاوة مولد النبي.

وانقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تعليقاتهم على الصور المنشورة، فالبعض دافع عن تلك الصناعة بحجة أن حلوى الحصان والعروسة تقليد قديم، ويعبر عن الفرحة بذكرى المولد النبوي، والبعض عاب على القناة تسميتها بالأصنام كونها تصنع من السكر وتؤكل في نهاية الأمر.

والبعض الآخر انتقد تلك الصناعة باعتبار أن هناك تشابها كبيرًا بين الحلوى المصنعة وبين الأصنام التي كانت تتخذ للعبادة، وأخذوا يستشهدون بآيات وأحاديث، ويسقطون ما فيها على هذا الفعل.

عروسة المولد حرام أم حلال؟

في شهر أكتوبر الماضي، قالت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»:  تنتشر العديد من الأسئلة الشائعة في مثل هذا الوقت من كل عام حول حكم الاحتفاء بالمولد النبوي والتهادي بحلوى المولد.

ويحظى المولد النبوي الشريف بمكانة كبيرة في قلوب المسلمين، ورغم ذلك إلا أنّ هناك اختلافا حول حكم الاحتفال بتلك المناسبة الدينية، حيث يتجدد سؤال الناس مع اقتراب المولد النبوي 2021، عن حكم الاحتفال به وشراء الحلوى والتهادي بالعرائس كما هو معتاد عليه في كل عام.

الاحتفال بالمولد النبوي لم يكن أمرا شائعا في سنوات الإسلام الأولى ولكن الأمر بدأ ينتشر ويتحول إلى تقليد بداية من القرن الرابع للهجرة، وحول حكم الاحتفال بالمولد النبوي، فقد سبق وأجاب الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، عنه في فتوى على الموقع الرسمي لدار الإفتاء المصرية قبل حلول المولد النبوي 2021، قائلًا: «إن الاحتفال بالمولد النبوي هو أمر جائز شرعا ومستحب، فإظهار الفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الاحتفال بمختلف طرقه لا يعد من البدع المذمومة».

وبحلول المولد النبوي 2021 يبدأ إقبال الناس على شراء الحلويات و«عرائس المولد» كما هو معتاد في هذا الوقت من كل عام، ويبدأ إقبالهم أيضا على الأسئلة حول جواز شراء الحلوى والدمى من عدمه، لانتشار الأقاويل التي تحث على عدم شرائها أو التهادي بها أو أكلها، وتصف العرائس بالأصنام، وهي من الأسئلة التي وردت كثيرًا على دار الإفتاء، وقد حسم المفتي، أي جدل يتعلق بهذا الأمر.

ويرى الدكتور شوقي علام، أنّ شراء الحلوى والتهادي بها ليس من البدع أو المحرمات، بل هو تقرب إلى الله عز وجل عن طريق إحياء ذكرى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والبهجة بها ويعتبر أيضا حبا منهم لما كان يحبه صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ» رواه البخاري وأصحاب السنن وأحمد، فشراء الحلوى في المولد النبوي 2021 هو سُنةً حسنة.

ومن الشعائر الدينية التي يتبعها الكثيرون في المولد النبوي هي كثرة الدعاء والصلاة على سيد الخلق نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا ما يدفعهم للبحث عن أفضل الأدعية في يوم خلق فيه خاتم المرسلين، وهناك عدد كبير من الأدعية الجميلة يمكن الاستعانة بها في المولد النبوي 2021 ومنها مثلا «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، اللهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار»، ويمكن الدعاء أيضا بـ«سبحانك لا إله إلا أنت أسألك إجابة الدعاء، والشكر في الشدة والرخاء سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت نظرت إلى السماوات العلى فأوثقت أطباقها»، ومن الأدعية الشائعة في مثل هذا اليوم «اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا».

وفي 2007، قالت دار الإفتاء المصرية، في فتواها عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي، والتي تجدد نشرها كل عام مع قرب الاحتفال بالمولد، إن الاحتفالُ بِمولدِ النَّبي صلى الله عليه وآله، وسلم مِن أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أصل من أصول الإيمان.

وأكدت دار الإفتاء المصرية أن النبي سن لنا الشُكرِ لله تعالى على مِيلاده الشريف؛ فكان يَصومُ يومَ الاثنين ويقول: "ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه".

وقالت دار الإفتاء، إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف شاهدٌ على الحب والتعظيم لجناب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والفرح به، وشكرٌ لله تعالى على هذه النعمة، "وهو أمرٌ مستحبٌّ مشروعٌ، ودرج عليه المسلمون عبر العصور، واتفق علماء الأمة على استحسانه".

وأوضحت الدار كيف يتم الاحتفال بالمولد النبوي، فقالت "المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي: أن يتجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا".

واستدلت دار الإفتاء بما روي عن بُرَيدة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: خرج رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداء فقالت: يا رسول الله، إنِّي كنت نذَرتُ إن رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَن أَضرِبَ بينَ يَدَيكَ بالدُّفِّ وأَتَغَنَّى، فقالَ لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبِي، وإلَّا فلا"، موضحة: "فإذا جاز ضرب الدُّفِّ فرحًا بقدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم سالِمًا، فجواز الاحتفال بقدومه صلى الله عليه وآله وسلم للدنيا أولى".

وفي شهر نوفمبر 2018، قالت دار الإفتاء المصرية، في فتوى أعادت نشرها عبر بوابتها الالكترونية، إن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف والفرح بها من أفضل الأعمال وأعظم القربات.

وفي رده على سؤال يقول: "ما حكم شراء الحلوى والتهادي بها في المولد النبوي الشريف؟ حيث ظهرت بعض الأقوال التي تدَّعي أنها أصنام، وأن ذلك بدعة وحرام ولا يجوز للمسلم أن يأكل منها، ولا أن يشارك في شرائها ولا في إهدائها ولا في الأكل منها"، أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أنه يُندب إحياء هذه الذكرى بكافة مظاهر الفرح والسرور، وبكل طاعة يُتقرب بها إلى الله عز وجل، ويَدخُل في ذلك ما اعتاده الناسُ من شراء الحَلوى والتهادي بها في المولد الشريف؛ فرحًا منهم بمولده صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبةً منهم لما كان يحبه؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ، وَيُحِبُّ العَسَلَ" رواه البخاري وأصحاب السنن وأحمد، فكان هذا الصنيعُ منهم سُنةً حسنة، كما أن التهادي أمر مطلوب في ذاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "تَهَادوْا تَحَابوْا" رواه الإمام مالك في "الموطأ"، ولم يَقُمْ دليلٌ على المنع من القيام بهذا العمل أو إباحَتِه في وقت دون وقت.

وأضاف فضيلة المفتي: أما الزعم بأن شراء الحلوى في المولد أنها أصنام، وأنها بدعة وحرام، وأنه لا يجوز الأكل منها، ولا إهداؤها: فهو كلام باطل يدل على جهل قائليه بالشرع الشريف، وضحالة فهمهم لمقاصده وأحكامه؛ فإنها أقوال مبتدعة مرذولة لم يَقُلْها أحدٌ من علماء المسلمين في قديم الدهر ولا حديثه، ولم يُسبَق أصحابُها إليها، ولا يجوز العملُ بها ولا التعويل عليها... والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب، إن الاحتفال بمولد خاتم الأنبياء ليس احتفالا بعظيم من العظماء ممن يتوقف التاريخ عند أدوارهم، ثم ما يلبث أن يروح ويتركهم، بل هو احتفال من نوع آخر مختلف.

وأضاف شيخ الأزهر خلال كلمته بالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف العام الماضي، إنه "احتفال بالنبوة والوحي الإلهي وسفارة السماء إلى الأرض، والكمال الإنساني في أرفع درجاته وأعلى منازله، والعظمة في أرقى مظاهرها وتجلياتها، احتفال بالتشبه بأخلاق الله تعالى قدر ما تطيقه الطبيعة البشرية، وقد تمثل كل ذلك في طبائع الأنبياء والمرسلين، الذين عصمهم الله من الانحراف، وحرس سلوكهم من ضلالات النفس وغوايات الشياطين، وفطر ظاهرهم وباطنهم على الحق والخير والرحمة".

كما استنكر الدكتور عصام الروبي أحد علماء الأزهر الشريف، فتاوى بعض المتشددين محرمي الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وتشبيه تصنيع حلوى المولد النبوي على شكل عروسة أو حصان أو جمل بالأصنام، بقوله " فين العقل طيب، فين الفهم".

وأضاف "الروبي"، أن صناعة الحلوى على شكل جمل أو عروسة لا يوجد فيه أي نوع من التشبه بعبادة الأصنام أو الأوثان، والقول بذلك فيه مغالاة وجهل شديد.

واستشهد العالم الأزهري، بسيدنا عمرو بن العاص عند فتح مصر، إذ زار الأهرامات وأبوالهول، ولم يطالب بهدمهم كما يطالب بعض المتشددين.

السلفيون يحرمون الاحتفال بالمولد النبوي

يرى السلفيون أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أول من أحدثها هم الفاطميون في القرن السادس الهجري عند ظهور الدولة الفاطمية.

وقد أفتى كل دعاة التيار السلفي تقريبًا، وعلى رأسهم الداعية أبو إسحاق الحويني، بأن الاحتفال بالمولد النبوي حرام.

ومن أبرز من حرموا احتفالات المولد النبوى الشريف من التيار السلفى كان الشيخ عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية، حيث قال فى مقال له عبر الموقع الرسمى لـ "الدعوة السلفية": "لا أعلم لهذا المولد أصلًا فى كتابٍ ولا سنةٍ، ولا ينقل عمله عن أحدٍ مِن علماء الأمة؛ الذين هم القدوة فى الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون".

وقال الشيخ سامح عبد الحميد، الداعية السلفى، فى بيان له، إن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة محدثة، حيث لم يحتفل النبي صلى الله عليه وسلم بيوم مولده، ولم يحتفل الصحابة بالمولد النبوي، وهذه احتفالات غير شرعية.

وقال الداعية السلفى، إنه يجب الابتعاد عن المشاركة في هذا الاحتفال بأى وجه من الوجوه، فلا ينبغى التعاون مع المحتفلين فى إقامة احتفالهم، أو أكل الحلويات التى يوزعونها، أو شراء حلوى المولد في زمن الاحتفال به، فذلك يُعتبر نوعًا من المشاركة فيه ؛ وكذلك هو من الإعانة والترويج له.

وقال الداعية السلفى حسين مطاوع، إن القاعدة عند أهل السنة أن العبادة توقيفية بمعنى؛ أنه لا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشىء لم يشرعه الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحق الناس بأن يحتفل بمولده إن كان ذلك جائزا، بل كان صحابته من بعده هم أحق الناس بالاحتفال بنبيهم صلى الله عليه وسلم لأنه أقرب الناس وأشدهم حبا له، ومع ذلك فلم يثبت عنهم أن احتفلوا بهذا المولد.

وأوضح الداعية السلفى فى بيان له: "نحن نسأل المحتفلين بهذا المولد:هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن في هذا الاحتفال خير أم شر؟، فإن قالوا كان يعلم أن فيه خير فنقول لهم: لماذا لم يحتفل به هو نفسه صلى الله عليه وسلم؟، وإن قالوا شر فنقول لهم: لماذا إذا تحتفلون أنتم به؟

وتابع الداعية السلفى: "أما بخصوص الحلوى: فليس هناك عاقل يقول بتحريمها ولكن تخصيصها بيوم معين واعتقاد أهميتها فيه هذا هو الممنوع وهو البدعة لأنه يفتح بابا لأن يستحسن كل أحد ما يهواه وينسبه لدين الله َ، فالدين أكمله الله ولسنا بحاجة لأمر لم يشرعه الله ولم يبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.

كما يعتبر الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية، من أكثر المعارضين لاحتفالات المولد النبوى الشريف بزعم أنها بدعة.

ومؤخرا أفتى «برهامي» عبر موقع «أنا سلفي»، بتحريم المولد وتحريم تناول الحلويات واللحوم والصيام فى هذا اليوم، زاعما أن الاحتفال بالمولد «بدعة»، وأن السلفيين يحتفلون بالرسول كل أسبوع عن طريق صيام يومى الإثنين والخميس.

وأشار نائب رئيس الدعوة السلفية، إلى أن من اخترع الاحتفال بالمولد النبوى هم الفاطميون، وأن الحلويات والعرائس والأحصنة والطبول «حرام».