الكويت تنتخب.. الإسلاميون يشعلون النار بوثيقة «قندهار»
بالتزامن مع إجراء الانتخابات البرلمانية التاسعة عشر في دولة الكويت، أطلق عدد من رجال الدين والشخصيات السياسية التي تنتمي للتيار الإسلامي ما يعرف بـ«وثيقة القيم»، حيث أثارت هذه الوثيقة جدلا واسعا على المستوى السياسي والشعبي، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان الباحث الكويتي عبد الرحمن نصار، قد نشر تغريدة في 19 أغسطس/آب الماضي، مطالبا الناخبين "من جميع الدوائر" بالتوقيع على "وثيقة القيم" إلكترونيًا لتقديمها للمرشحين.
ثم بدأ مرشحون للبرلمان الكويتي ينشرون عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي بعض الصور ومقاطع الفيديو لتوقيعهم على الوثيقة، وسط جدل بين مؤيدين للوثيقة، ومعارضين لها وصفها بعضهم بأنها "وثيقة داعش" أو "وثيقة قندهار".
وقال النصار، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، إن "كثير من الليبراليين يسألون: من الذي كتب الوثيقة؟ تفضلوا.. أنا ممن شارك بكتابتها".
ومن أبرز بنود هذه الوثيقة، التي شملت 12 بندا، "العمل على تطبيق قانون منع الاختلاط، رفض المهرجانات الهابطة، رفض المسابح والنوادي المختلطة، تفعيل قانون اللباس المحتشم، العمل على وقف الابتذال الأخلاقي" كما تدعو المرشح الذي يصل إلى مجلس الأمة إلى "تعديل قانون التشبه بالجنس الآخر، تطبيق قانون تجريم الوشوم الظاهرة على الجسد".
ويرى مؤيدون للوثيقة أنها تدعو إلى "الحفاظ على القيم الكويتية" و"مكافحة دعوات التغريب"، يرى منتقدون لها أنها "مخالفة للدستور" و"محاولة لسيطرة الإسلاميين على المرشحين والناخبين والحكومة معا".
لاتزال وثيقة القيم، التي أثارت جدلا ساخنا منذ توقيع بعض المرشحين في انتخابات مجلس الأمة الكويتي عليها، تمر على ديوانيات الكويت لتنال نصيبا من التأييد أو الرفض، وذلك قبل أيام من الانتخابات المقررة في 29 سبتمبر/أيلول الجاري.
كما انقسمت الآراء بي مؤيد ومعارض للوثيقة، كما انتشر وسم # وثيقة_القيم من أجل إبداء الرأي من الوثيقة ومحتواها، وقد اختلفت الآراء تبعًا لمنظور كل شخص. وقد أطلق معارضو الوثيقة وسم # وثيقة_قندهار، مشبيهن مطلقي الوثيقة بمقيدي الحريات للمرأة كم فعلت طالبان بعد استلامها الحكم.
يقول منتقدون لهذه الوثيقة إن التيار الديني يحاول استباق الانتخابات المقبلة لبناء كتلة آيديولوجية عابرة للانقسامات السياسية التي أضعفته في الانتخابات السابقة، من أجل الهيمنة على البرلمان المقبل.
ويرى أستاذ العقيدة بكلية الشريعة بجامعة الكويت الدكتور بسام الشطي أن الشعب اعتاد قبل حلول انتخابات مجلس الأمة على هذه الاقتراحات، حيث تكتب تلك الوثائق للمرشحين للتوقيع عليها وحثهم على الالتزام بها في حال فوزهم بالانتخابات مثلما حدث سابقا مع وثيقتي الإسكان والطلبة.
وأضاف الشطي، في تصريحات صحفية "الوثيقة تمثل الأخلاق والدين والقيم ولكن هناك من يرفضون الالتزام بها بحجة أن لدينا دستورا وهي حجة باطلة لأن الوثائق تُعرض منذ أن استقلت الكويت ولا علاقة لها بالدستور إنما بها نوع من أنواع الالتزام".
وقسّم الأكاديمي وثيقة القيم إلى 3 أقسام: أولها أخلاقي قائم بالفعل وقد ذُكر فقط للتأكيد عليها، كالأمانة والالتزام بالواجب النيابي تجاه الأمة، والآخر يسعى إلى ضبط السلوك العام في المجتمع، أما الثالث فيواجه الضغوط التي تدفع باتجاه قبول المجتمع للمثليين على سبيل المثال.
وأكد أستاذ الشريعة بجامعة الكويت أن الوثيقة وقع عليها مجموعة كبيرة من المرشحين ورفضها فقط التيار الليبرالي وبعض الذين يريدون "تمييع" قضية الأخلاق والقيم، مشددا على أن الوثيقة لا تتعارض مع الدستور، فالدولة ترحب بأي اقتراح يدعم الوضع الاجتماعي بشكل دائم.
وفي المقابل، وجه الناشط الحقوقي وأحد أبرز مؤسسي الحركة الليبرالية أنور الرشيد انتقادات للتيارات الدينية، لافتا إلى أنها لم تشارك في الانتخابات التشريعية منذ إقرار الدستور عام 1962 إلا بعد 20 سنة.
وأضاف أن هذه الوثيقة إحدى الوسائل لتشويه الديمقراطية الكويتية وإجهاضها من الداخل "وأصحابها وجدوا أن الشارع الكويتي ضدهم، والدليل أن من أصل 376 مرشحا لم يوقع عليها إلا 42 فقط، أي نحو 12%، وهذا دليل على أن الشارع يرفض هذه الوثيقة".
وأوضح الرشيد في تصريحات صحفية، أن أغلب بنود الوثيقة تتحدث عن الملابس والحريات الشخصية كما أنها تظهر المجتمع بصفة ليست فيه، مشددا على أن الوثيقة تستهدف الديمقراطية ليس إلا "والذي يقوم بهذا الدور نعرف مقصدهم".
واعتبر المرشح فهد محمد المهمّل، أحد الموقعين على الوثيقة، أن توقيعه يأتي "إيمانًا منه بأن الثوابت الإسلامية هي قَاعده تُبنى عليها التشريعات والقوانين.. وهي القيم والثوابت التي تُمثل الهوية الوطنية".
وقال رجل الدين البارز في الكويت، عثمان الخميس، في مقطع فيديو تداوله مغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنه "اطلع على وثيقة القيم ولم يجد ما يخالف الشرع ولا قوانين البلاد".
واستغرب فهيد محسن الديحاني، المرشح لمجلس الأمة "الهجوم على وثيقة القيم"، وعدد المواد الدستورية التي تتطابق حسب قوله مع بنود الوثيقة.
وهاجم الصحفي داهم القحطاني المعترضين على الوثيقة ومن وصفوها بأنها "#وثيقة_قندهار"، ووصفهم بأنهم من "المتطرفين الذين لا يعرفون من الديمقراطية وحريتها سوى القشور".
في المقابل، أبدى كثيرون معارضتهم للوثيقة ومضمونها، ووصفوها بـ "الوثيقة الداعشية"، وأنها "إعلان حرب على الحريات" وأن "التوقيع عليها مخالف للدستور".
كما وصفها النائب الكويتي السابق، أحمد نبيل الفضل، بـ "وثيقة الكفر بالدستور".
ورأى فريق من المعارضين للوثيقة أن الموقعين عليها قسمان: "مرشحون هدفهم كسب أصوات الناخبين فقط، وأشخاص آخرين هدفهم الشهرة والظهور الإعلامي".
وغردت الإعلامية والمرشحة لانتخابات مجلس الأمة فجر السعيد قائلة: "وثيقة القيم المرفوضة تناقض ما جاء في القرآن الكريم عن مبدأ حرية العقيدة".
وسخرت ملك الرشيد، الأستاذة في جامعة الكويت، من مضمون الوثيقة، واعتبرت أن "من يقرأها سيتبادر لذهنه أن المجتمع الكويتي مجتمع فاسق منحلّ أخلاقيًا، ولهذا يحتاج ممثلوه إلى إصدار مثل هذه الوثيقة، لانتشاله من الوحل كأولوية قبل التعليم والصحة..".
وقالت الدكتورة غدير محمد أسيري، وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة، إن الوثيقة "تشكك في أخلاقيات المواطن وإحياء لهيئة الأمر بالمعروق والنهي عن المنكر".
وتقول دكتورة هيا بنت سلمان الصُّباح، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة في جامعة الكويت - قسم التفسير والحديث: "كمية الاستهزاء بأحكام الله وأوامره وشرعه في #وثيقة_القيم أمر مخيف ينم عن ركام ضلال مذاهب الناس ومراميهم وجزاء الاستهزاء بشرع الله ليس بالهين!".
بينما تقول الكاتبة الصحفية إيمان حيدر دشتي: "القيم لها مقاييس ومعايير مختلفة بين شخص وآخر. لا يمكن توحيد معتقدات واتجاهات الناس. وظيفة النائب مراقبة الحكومة وليس مراقبة الأمة. قيمنا لا تحتاج وثيقة!".
بينما اعتبر الإعلامي أحمد العنزي أن الوثيقة "أنقذت البعض لأنها أصبحت برنامجا انتخابيا لمن لا برنامج له".
وقال المفكر الكويتي أحمد الصراف عبر «تويتر»: «وثيقة القيم التي يتحدثون عنها تعني باختصار تعيين لجنة أو تأسيس «هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، لتطبيق بنودها، وهي الهيئة التي رفضتها وألغتها بقية الدول الإسلامية، فأي كارثة يتحدث عنها مؤيدو بنود هذه الوثيقة؟».
في حين وصفها وزير الإعلام السابق، والكاتب الكويتي الدكتور سعد بن طفلة العجمي بأنها «وثيقة داعشية»، وقال عبر صفحته في «تويتر»: «ما يسمى بوثيقة القيم هي وثيقة داعشية بامتياز، وعلى كل حريص على دولة القانون والدستور والحريات العامة والخاصة أن يرفض هذه الوثيقة بلا تردد... (إنها) وثيقة قندهار».
واعتبر عبد العزيز سلطان، المحلل السياسي الكويتي، وأحد المترشحين على عضوية مجلس الأمة، أن إعلان وثيقة القيم بين بعض المترشحين لمجلس الأمة، يأتي في إطار محاولة التيار الإسلامي استغلال الوضع في الكويت، والانتفاضة الحالية، والتعاطف الكبير للشارع مع رجال الدين والملتزمين والدعاة، لا سيما وأن نسبة كبيرة من الشعب الكويتي محافظة ومن أبناء القبائل.
وقال في تصريحات صحفية،: تحاول التيارات الإسلامية السلفية والإخوانية مدعومة من بعض قوى المعارضة عبر هذه الوثيقة الوصول إلى نسبة كبيرة من المقاعد في مجلس الأمة القادم، معتبرًا أن هذا التيار يمكن أن يسبب أزمات كبيرة في المستقبل حال نجاحه، وسيعمل ضد الحكومة التي ستبدو ضعيفة حينها.
وقال سلطان إن الطرف الآخر الرافض لهذه الوثيقة، ليس لديه أي مشاريع سياسية، أو طروحات فعالة، وغالبيتهم يتبعون التيارات والأحزاب الليبرالية والعلمانية، وليس لهم أي قبول في الكويت لدى الشعب المحافظ بطبعه، وليس لديهم ما يميزهم، وهم أقلية ودائمًا ما يفشلون في الانتخابات، بخلاف التيارات الإسلامية سواء المعتدلة أو المتشددة، وقوى المعارضة الذين يملكون حظوظًا كبيرة لدى الناخبين في الكويت، ولديهم مشاريع سياسية وبرامج وقوانين تم تطبيقها من قبل، وكانوا متعاطفين فيها مع غالبية المواطنين والناخبين.
واعتبر أن طرح هذه الوثيقة في الوقت الحالي حركة ذكية، تدفع المواطنين لانتخاب كل من وقع على هذه الوثيقة، متوقعًأ إمكانية نجاح غالبية الموقعين عليها.
وفيما يتعلق باتهامات البعض للوثيقة بأنها غير قانونية وتخالف الدستور، أكد المحلل الكويتي أنها مجرد ورقة عادية ولا تخالف الدستور، إلا في حال تم التوقيع تحت قبة البرلمان على بعض القوانين التي تحارب الحريات وحقوق المواطنين وتقصي باقي الأطراف السياسية، وفيما عدا ذلك لا تعدو كونها مجرد ورقة لجلب التعاطف السياسي.
بدوره، قال عبدالواحد خلفان المحلل السياسي الكويتي، إنه في كل انتخابات برلمانية هناك في الحقيقة من يريد أن يلفت الأنظار ويبعدها عن موجة الإصلاح التي تشهدها الكويت، وهو ما يتضح حاليًا في طرح ما تسمى بوثيقة القيم.
وبحسب حديثه، وثيقة القيم هذه هي وثيقة "قندهارية" يمكن أن تنطلق من أفغانستان وليست في الكويت بلد الحريات وبلد الدستور والدولة المدنية، ودولة القانون، معتبرا أن هناك من يريد أن يروج لهذه القضايا البعيدة عن القانون والدستور وكأن المجتمع الكويتي مجتمع غير محافظ ومجتمع لا يتمتع بأي قيم.
وتابع: "هؤلاء يريدون استغلال فترة الانتخابات البرلمانية للضغط على المرشحين من أجل التوقيع على هذه الوثيقة حتى تعرض داخل مجلس الأمة في وقت لاحق عندما يفوز هؤلاء المرشحون الذين وقعوا، فتكون ورقة ضغط عليهم في المستقبل من أجل ملفات أخرى قد تكون متطرفة، ولذلك هناك ردة فعل عنيفة على الوثيقة".
وأوضح أن المجتمع الكويتي يرفض هذه الوثيقة جملة وتفصيلًا، معتقدًا بأنها لا تخدم موجة الإصلاح وإنما تأتي من أناس يريدون أن يوسعوا أو يروجوا لدائرة الفساد بشكل غير مباشر عن طريق التركيز على هذه القضايا الهامشية والابتعاد عن موجة الإصلاح وسيادة القانون والدولة المدنية والدستور وغيرها من القضايا التي تهم كل شرائح المجتمع الكويتي وطوائفه المختلفة.