رئيس التحرير
خالد مهران

الأزهر يسلط الضوء على تاريخ العلاقات الإسلامية الصينية

النبأ

قال مرصد الأزهر إن الحضارات الإنسانية المتعاقبة، ساهمت في بلورة وتطوير المكوّن المعرفي والثقافي البشري؛ وكان للتعاون والتكامل المستمر بين القيم الإنسانية في المجتمعات المختلفة، دورٌ مهمٌّ في نمو الحضارات الانسانية.

من هذا المنطلق تظهر أهمية دراسة تاريخ العلاقات بين الحضارات المختلفة، والتي تؤدي إلى فهم كيفية استقرار المجتمعات البشرية وتكوينها. وتعتبر الحضارة الإسلامية أحد أهم الحضارات التي كونت اتصالًا وثيقًا مع الحضارات الإنسانية المختلفة على مر العصور.

وأضاف المرصد: "ولا يمكن إنكار عظمة وعراقة الحضارتين؛ الإسلامية التي أضافت للإنسانية الكثير من العلوم مثل الطب، والفلسفة، والجبر والكيمياء، وعلوم الاجتماع وغيرها، والصينية التي تفتخر بعراقتها واختراعاتها الأربعة (البوصلة، والبارود، وصناعة الورق، والطباعة). وفيما يلي سوف نغوص في أعماق تاريخ العلاقات الإسلامية- الصينية".

وتابع: لكن يجدر بنا في البداية إلقاء نظرة سريعة على طبيعة العلاقات العربية- الصينية قبل الإسلام، والتي مهدت فيما بعد للاتصال الحضاري بين الإسلام والصين. وقد لعب طريق الحرير قديمًا دورًا أساسيًّا في التبادل التجاري والاقتصادي بين العرب والصين. ويتكون طريق الحرير من شبكة طرق برية وبحرية، وقد أصبح بعد الإسلام أحد أهم طرق التبادل الثقافي والمعرفي بخلاف التجاري والاقتصادي بين الشعوب الإسلامية في العراق وسوريا ومصر واليمن، والشعب الصيني كما تحول إلى معبر وجسر هام للإسلام والمسلمين إلى الصين.

ظهور الإسلام والعلاقات الرسمية

 

اختلفت الروايات حول الزمن الدقيق للاتصال الأول بين الإسلام والإمبراطورية الصينية، لكن أجمع المؤرخون على أن أول احتكاك بين الجانبين كان في عهد الخليفة الراشد سيدنا "عثمان بن عفان" في المدة (576 م - 656 م) حين وجه بإرسال الوفود إلى الإمبراطور الصني (قاوزونغ) من أسرة (تانغ). ووفق بعض السجلات التاريخية نقلًا عن المؤرخين العرب، فقد كان البلاط الإمبراطوري يتابع التطورات في شبه الجزيرة العربية، وقد ذكر (المسعودي) ما يؤكد معرفة الإمبراطور الصيني بأمر النبي (ﷺ) حتى أنه سجَّل وصول الصحابي "هبار بن الأسود" إلى الصين ومقابلته للإمبراطور الصيني (المسعودي: "مروج الذهب ومعادن الجواهر"، المجلد الأول: ص163.). كذلك قدمت المصادر الصينية وصفًا للعرب وعبادتهم وخُلوِّ المساجد من التماثيل، واختلاف الديانة الإسلامية عن البوذية (موسوعة العالم الإسلامي- الأقليات المسلمة الناشر دار الكويت). وازدهرت العلاقات الرسمية خاصة في عهد الدولة العباسية التي عُرفت بحب الفنون والثقافة والعلوم، فقد سجَّلت الروايات التاريخية تبادل الرسائل والزيارات بين الخلفاء العباسيين وأباطرة الصين في عهد "أبي جعفر المنصور" و"هارون الرشيد". وقد كان المؤرخ الصيني (دو خوان) حريصًا على تسجيل طبيعة الأوضاع داخل الخلافة الإسلامية. ثم برزت أهمية طريق الحرير مجددًا بعد استقرار أوضاع الخلافة الإسلامية؛ حيث ارتفع مؤشر التبادل التجاري بين الجانبين الإسلامي والصيني، وتلقى المسلمون فنون الكثيير من الصناعات كالمنسوجات الحريرية، وصناعة الورق، والنقش على الذهب والخزف على أيدي الصينيين. لكن سرعان ما تغيرت الأحوال نتيجة تدهور الأوضاع وتفتت الدولة الإسلامية؛ حيث انحسرت العلاقات الرسمية بين الجانبين، إلا أن نجاح المغول في توحيد الصين والعديد من الدول الإسلامية تحت مظلة إمبراطورية واحدة، ساهم بشكل كبير في نشأة الوجود الإسلامي بالصين.

تطور العلاقات الإسلامية الصينية

لم تتوقف العلاقات الإسلامية- الصينية عند حدود الزيارات أو التبادل الاقتصادي، ولكن في المدة من (1360م إلى 1424م) حرص الإمبراطور (يونغ لي) من أسرة (سونغ) على تطوير العلاقات العسكرية مع الدول الإسلامية المختلفة، ووجه بإرسال الرحَّالات البحرية لتأمين طرق التجارة تحت قيادة الرحَّالة المسلم (تشينغ خه) الذي قاد على مدار (30) عامًا عدد (٧) رحلاتٍ بحرية في موانئ وبلدان آسيا وإفريقيا، فوصل بأسطوله البحري إلى جزيرة "جاوة" الإندونيسية جنوبًا، ومنطقة الخليج والبحر الأحمر ومكة المكرمة شمالًا، وجزيرة تايوان شرقًا، والسواحل الشرقية لقارة إفريقيا، وهى الرحلات المعروفة باسم (الكنز). وفي العصر الحديث لعب الأزهر دورًا مهمًّا في توطيد العلاقات الإسلامية- الصينية، من خلال استقبال البعثات الطلابية. وقد وصلت أولى دفعات الطلاب الصينيين إلى مصر عام 1931م. وبلغ  مجموع الطلاب الصينيين المبعتثين حوالي (٣٣) طالبًا على (٥) دفعات حتي عام ١٩٣٨م، وكان لهؤلاء الطلاب دورٌ كبيرٌ في إثراء الحياة الثقافية داخل الصين، فكان لأغلبهم بعد انتهاء دراستهم وعودتهم إلى موطنهم مناصب علمية رفيعة ساعدت على ترجمة العديد من الكتب العربية إلى الصينية.

عوامل زيادة التبادل الحضاري بين المسلمين والصين

مع مرور القرون توطدت العلاقات بين الجانبين نتيجة تصاعد نفوذ الوجود الإسلامي القوي داخل الإمبراطورية الصينية، وصعود الكثير من المسلمين إلى مناصب رفيعة في الحكومات الصينية. كذلك سعي أباطرة الصين إلى وجود علاقات اقتصادية وتجارية قوية، وخاصة أن أغلب طرق الحرير تمر داخل البلاد الإسلامية. ومن أهم عوامل زيادة التبادل الحضاري: حسن النوايا: نشأ الإسلام في الصين بين ضلوع المجتمع، نتيجة للاتصالات واحتياجات المجتمع الصيني إلى العلوم والفنون، التي كان المسلمون روادًا فيها مثل علوم الطب والفلك والعمارة، إضافة إلى وجود العديد من المسلمين على الأراضي الصينية مُنذ عهد أسرة (تانغ) في القرن الأول الهجري، وإنشاء بعض المساجد أهمها مسجد هوايشينغ والذي تعني (الحنين إلى النبي)، ويطلق عليه أيضًا مسجد "المنارة" ويقع بمقاطعة (قوانغ تشو) جنوبي الصين.

تدرج النمو الإسلامي داخل الصين

شهد عهد أسرة (يوان) الحاكمة قفزة كبيرة في الوجود الإسلامي، بسبب رغبة الإمبراطورية الصينية نقل كثير من العلوم المنتشرة داخل الدول الإسلامية إلى الصين. هذا بخلاف إقبال الصينيين على اعتناق الإسلام ومصاهرة الأسر المسلمة.

 

وقد ساهم الإسلام في ذوبان القوميات المسلمة المختلفة في كيان قومي واحد عرف بعد ذلك باسم "قومية هوي". أثر العلاقات التاريخية على الواقع المعاصر لم تكن الفترة التي خاضها المسلمون في التعايش مع الحضارة الصينة ووجود علاقات بين الصين وجوارها الإسلامي عبثية؛ فقد نشأت العديد من الظواهر التي نتجت عن علاقات اجتماعية وسياسية، وصلت إلى حد نشوء مجتمع إسلامي داخل الصين، وتأثر الحضارة الصينية بالعلوم والثقافة الإسلامية العربية، ظهر ذلك في العمارة والأدب الصيني، كما نشأت حركة ترجمة ضخمة إلى اللغة الصينية، وعرف الغرب الاختراعات الصينية، وسعي الصين حاليًا إلى إعادة إحياء فكرة طريق الحرير من جديد، كل ذلك تأكيد على أن تلك العلاقات كانت سببًا في النهضة للحضارة الإسلامية والصينية. ويؤكد مرصد الأزهر أن التأثير الذي نراه الآن، هو بفضل التعاون والعلاقات الحسنة التي استغلها المسلمون في القرون الأولى لظهور الإسلام، فالتاريخ الذي هو نبراس للأمم يعطي للأمة الدفعة للعودة إلى الفكر السليم، والتعايش المشترك الذي ينتج نهضة ويصنع حضارة.