رئيس التحرير
خالد مهران

إعلامية في بُرج عاجي!

الكاتب الصحفي صبري
الكاتب الصحفي صبري الموجي

ورد في الأثر: " المرءُ مخبوءٌ تحت لسانه" وهي عبارة تكشفُ خطورة اللسان، فقد يكون سفيرَ صاحبه لنيل المحامد، وتحصيلِ الثناء والمدح إن كان طيبا، يقول الحق، ولا ينطق إلا بالصدق، أو يكون سفيرَه للمنايا، فيفتح عليه أبواب جهنم -إن جاز التعبير-  إذ تضطرم بسببه عداوات بين المرء والآخرين، يكون الملوم فيها هو المتجرئ بلسانه، الذي لم يقو علي كبح جماحه. 


هذا ما تعرضتْ له بالفعل إعلامية شهيرة، توالت زلاتُ لسانها، التي أوقعتها في مزالق شتي، فما إن تخرج من حفرة، حتي تسقط في حفرة أشد منها عمقا، وذلك بسبب تصريحاتها غير المُتزِنة، التي كان آخرها ما شاهدتُه مؤخرا عبر (فيديو) لها أساءتْ فيه للمرأة المصرية عامة، والبدينة بصفة خاصة، حيث صرحت بأن المرأة البدينة امرأةٌ ميتة، وعبءٌ علي أهلها والمجتمع، بل زادت الطين بلة بأن وصفتها بأنها صورةٌ شائهة يرفضها المجتمع.


ورغم أنه تصريحٌ قديم إلا أنه يفرضُ عدة أسئلة أهمها.. لو سلمنا بحسن مقصدك -كما زعمت- بأنك تُريدين من المرأة المصرية أن تُحافظ علي قوامها ورشاقتها لتبقي صحيحة سليمة من الأمراض، فإن ما بدر عنك من ألفاظ يتعارضُ مع ميثاق الشرف الإعلامي، الذي يرفض الشتم والتجريح، والإساءة، كما جري منك لكيان هو نصف المجتمع، هو المرأة الصبور التي تصل الليل بالنهار في خدمة أسرتها، وتلبية مطالب الزوج والأولاد.


لقد نَسِيتِ أيتها الإعلاميةُ (اللامعة) أن المرأة المصرية التي لم تسلم من لسانك، هي الأمُ والأختُ، والعمة والخالة، والابنة والجارة، وغيرهن ممن لا يستريح لهن جنب، أو تغمض لهن عين، فيعملن خارج البيت؛ لمساعدة رب الأسرة في توفير النفقات دون إغفال الواجبات المنزلية من (غسيل، وتنظيف، وطبخ، ومذاكرة للأولاد، وخلافه)، فمتي يُتاح لها الوقت الذي تُمارس فيه الرياضة لتُحافظ علي جسمها ورشاقتها؟.


لقد أغفلتِ أيتها الإعلاميةُ أن كثيرا ممن يُعانون السمنة مصابون بأمراض وراثية، أو عندهم مشاكل في الغدد تسببُ لهم البدانة، ومن ثم فإن لومهم علي شيء لا دخل لهم فيه ظلمٌ كبير وجرمٌ فادح.

اعلمي -رعاك الله- أن أسرًا كثيرة يُكمل أفرادُها عشاءهم نوما بسبب قلة الدخل، فكيف نُطالب المرأة بنظام غذائي صحي -لا طاقة لها به- يضمن لها قواما ممشوقا، وجسما خاليا من البدانة والترهلات؟.

إن ذلك النظام الغذائي يتطلبُ تنوع الأغذية وتعددها علي مائدة السفرة، وهذا لا قِبل لكثير من الأسر المصرية به، كما يتطلب توافر "البروتين" يوميا ولو بكميات محدودة، وهو مُحالٌ علي معظم الأسر المصرية التي تُعاني غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار السلع.


إن تصريحَك السابق، يؤكد أنك تعيشين في بُرج عاجي، فكيف لمن تتناول (الكرواسون، والباتون ساليه، والسيمون فيميه، والكافيار، ويكون حلوها هو (المارون جلاسيه)، وغيرها من أطعمة يسمعُ عنها الكادحون دون أن يذوقوها أن تشعر وتُحسَ بمعاناة وفقر من يُفتشون في صناديق القمامة بحثا عن كِسرة خبز تُقيم صلبهم، وربما يربطون بطونهم من شدة الجوع، إذ يمرُ اليومُ أو أكثر دون أن يدخل جوفهم شيء من الزاد!.


إن دورَ الإعلام هو التنوير، ومُعايشة أحلام البسطاء، أما تلك التصريحات المستفِزة غير المدروسة التي تبدر عنك بين الحين والآخر ما هي إلا طعنات دامية  في كبد المجتمع، والتي تسيلُ بسببها شلالاتُ الحقد، ويزداد بسببها احتقانُ المُعدَمين، الذين ينحتون في الصخر، ويعملون في مهن لا تقل أهمية عن مهنتك، ولا يتقاضون عُشر مِعشار، ما تتقاضين أنت وأمثالك.

إن مجرد الاعتذار ليس حلا لتلك المشكلة، لأن تصريحك السابق، الذي أسأتِ فيه للمرأة المصرية هو من الأخطاء التي لا ينفع معها الندم، والتي لن تُغتفر إلا بعفو من أسأت إليهن، وهيهات أن يحصل ذلك.

إن صونَ اللسان هو من أَجَلِّ مقاصدِ الشرع، كما أنه دليلٌ علي إيمان المرء، وإلا فالصمتُ أولي، وهذا هو الأليق بك لتكرار أخطائك، وحقا صدق نبينا: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".