هل مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني مفيد للعالم؟
افتتح المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في 16 أكتوبر بحضور أكثر من 2200 مندوب عن الحزب من جميع أنحاء البلاد للتداول بشأن التقدم المحرز في الأهداف المحددة في المؤتمر السابق وتلك التي يتعين تحقيقها في المستقبل.
استبق المؤتمر كالعادة تقارير من قبل وسائل الإعلام الغربية تتضمن شائعات وافتراءات الهدف منها التقليل من المؤتمر ومساعي البلاد نحو التقدم ونظام حكمها، لكن هذا لم يغير شئ من أهمية الحدث سواء بالنسبة للصين أو العالم. فقد افتتح المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني وسط اهتمام عالمي كبير بعد أن أنجزت الصين هدفها المئوي الأول المتمثل في بناء مجتمع رغيد الحياة باعتدال من جميع النواحي بحلول عام 2021.
فقد أظهر الحزب الشيوعي الصيني بالفعل مستوى عال من الاستقرار مفتقد في كثير من أنحاء العالم وأثبت الحزب شرعيته للشعب من خلال إجراءات ملموسة. وبعد أن حقق الهدف المئوي الأول، قاد الحزب الطريق في القضاء على الفقر المدقع في الصين قبل الموعد المحدد وواجه تحديات جائحة كوفيد-19 باقتدار، رغم الانتقادات الغربية حفاظا على أرواح الناس في المقام الأول، بدلا من التركيز على الأرباح الاقتصادية.وقد وضح جليا أيضا في السياق كيف حمي الحزب الشيوعي الصيني مصالح الشعب داخليا وتمسكه بمبدأ السلام عالميا.
وخلال الجلسة الافتتاحية، حدد الرئيس الصيني شي جين بينغ ولأول مرة مغزى التحديث الصيني ووضع المبادئ التوجيهية لمسيرة الصين نحو هدفها المئوي الثاني المتمثل في بناء دولة اشتراكية حديثة بحلول عام 2049. وعلى خلفية "الرياح العاتية والمعاكسة"، تبدو السياسة الصينية في غاية الأهمية لما تشكله وتصنعه من فرص ستجلبها التنمية للداخل والخارج، ولا سيما في ظل التحديات الجمة التي يمر بها العالم من توترات جيوسياسية متزايدة وتضخم جامح وجائحة مستعرة وركود مدمر محتمل.
فمن خلال تحقيق دولة اشتراكية حديثة بحلول عام 2049 بما يشمل الوفاء بوعد التحديث الاشتراكي بحلول عام 2035 لا يسعي الحزب الشيوعي الصيني إلى التنمية من أجل التنمية، ولكن الشئ الأهم هو ارتباطًها برفاهية الناس.
ووضع شي في خطابه الافتتاحي الذي استمر لساعتين مخططا واضحا طويل الأجل لتوجيه الاقتصاد تضمن هإدراج التطوير عالي الجودة باعتباره المهمة الأساسية لتحقيق التحديث الصيني. وتم التركيز أيضا على الابتكار وأمن التنمية، بهدف معالجة الضغوط الهبوطية المتزامنة في الداخل والخارج والتي تتراوح من تباطؤ الطلب، والوضع الدولي المعقد والمضطرب، والكتل التكنولوجية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الصين و"الانفصال" المتزايد عن الغرب.
وهذه الرؤية الواضحة التي قدمها الرئيس الصيني تكشف الطريق الذي سيبحر فيه الاقتصاد الصيني وترسل رسالة واضحة مفادها أن الصين بمزاياها المؤسسية ونهجها الشامل ستخوض معركة لا هوادة فيها ضد الرياح المعاكسة لخلق معجزة جديدة بعد معجزة 2021.
وعلى صعيد التوقعات بشأن الوضع الاقتصادي للصين في ضوء الخطة، برى مراقبون أن الصين ستشهد السنوات الخمس المقبلة صعودا في سلسلة القيمة إلى مركز الصدارة واستبدال الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في عام 2030. والأهم من ذلك، كما ذكرت صحيفة غلوبال تايمز الصينية أن" مساهمة الصين في العالم سوف تتوسع لتتجاوز ثلث حصة النمو الاقتصادي العالمي. وسوف تستمر في العمل باعتبارها ثقل الاقتصاد العالمي، وسوف يتطور دورها في العولمة من مجرد مشارك إلى زعيم في تناقض صارخ مع الأحادية التي تروج لها الولايات المتحدة والدول الغربية مما يحمل تداعيات أوسع على المشهد العالمي".
وقد أكد شي أن الرخاء المشترك للجميع والتقدم المادي والعرقي والثقافي والبيئي ركائز في عملية التحديث الاجتماعي في الصين. فالصين لن تسعى لتحقيق النمو الاقتصادي ككل فحسب، بل ستعمل أيضا على تحقيق نمو جيد يقلل من عدم المساواة، ويعالج الفساد، ويزيد الرخاء الجماعي، ويعيد السلامة البيئية للعالم الطبيعي.
وقال "يجب أن نعتبر العلم والتكنولوجيا بمثابة القوة الإنتاجية الأساسية لدينا، والموهبة هي موردنا الأساسي، والابتكار هو المحرك الأساسي للنمو". ويأتي الارتقاء بالابتكار إلى مكانة غير مسبوقة هذا العام في ظل الصراع الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وقيام الأخيرة بفرض حظر على صادرات الرقائق إلى الصين مؤخرا وسن وتشريعات تهدف إلى كبح جماح صعود مركبات الطاقة الجديدة في الصين للضغط على الحلفاء الغربيين لتشكيل مجموعات صغيرة واستبعاد الصين من سلاسل التوريد العالمية.
ويرى الخبراء أن الجديد في الخطة أن النموذج الاقتصادي الذي يركز على التنمية عالية الجودة المدفوعة بالابتكار سيكون ركيزة التنمية الاقتصادية في الدولة الجديدة.و "هذا يعني أنه سيتعين على الصين تعزيز ميزتها الأساسية في السلاسل الصناعية الكاملة، والارتقاء في سلسلة القيمة وتحقيق اختراقات في التقنيات الأساسية، فضلًا عن تولي زمام القيادة العالمية في الابتكار، بدلًا من البقاء فقط على مستوى التطبيق".
وقال الخبراء إن الحزب الشيوعي الصيني يسلك مسارا مهما للغاية لمستقبل الكوكب بأسره حيث ترتبط تنمية الصين ارتباطًا وثيقا بالاقتصاد العالمي نظرا لأن الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة لديها أكبر قطاع صناعي في العالم وتشكل أكثر من 18.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. لكن سعي الحزب الشيوعي الصيني للتحديث الاشتراكي يوفر أيضا نموذجا بديلا للتعاون للدول التي تسعى إلى التنمية دون التضحية بالسيادة والاستقرار والسلام. وهذا يعني أن منافع مساعي الصين يتقاسمها الجميع.