رئيس التحرير
خالد مهران

القضاء يحمّل وزير التعليم مسؤولية سقوط طفلة من الطابق الثالث بمدرسة في المنيا

النبأ

حملّت محكمة النقض في حكم حديث لها، وزير التربية والتعليم -بصفته- ومديري المدارس والعاملين بها، مسئولية رعاية التلاميذ صغار السن وضمان سلامتهم والمحافظة عليهم لدرء الخطر وتوفير الرقابة اللازمة لهم عند تحركاتهم طوال اليوم الدراسي.

الواقعة التي صدر بشأنها الحكم تعود إلى عام 2012 في أثناء اليوم الدراسي، عندما سقطت طفلة من الطابق الثالث بإحدى مدارس مركز ملوي بمحافظة المنيا، وحدثت إصابتها التى أودت بحياتها.

وتشبه هذه الواقعة إلى حد كبير واقعة سقوط تلميذة بمدرسة بالعجوزة هذا الشهر.

اتهم والد الطفلة، العاملين في المدرسة بالإهمال وانعدام الرقابة بها، وحرر عن الحادث محضرًا، وأقام دعواه المدنية ضد وزير التربية والتعليم ومسئولي الوزارة بالمحافظة، لما لحق بالأسرة من أضرار بسبب الحادث، ليقيم الوزير -بصفته- دعوى ضمان فرعية على مدير المدرسة والمشرفة بها بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا له ما عسى أن يُقضى به عليه في الدعوى الأصلية.

أحالت المحكمة الدعوى للتحقيق، وبعد سماع الشهود حكمت في الدعوى الأصلية بإلزام الوزير بصفته بأن يؤدى لأسرة الطفلة مبلغ التعويض الذي قدرته، وفي الدعوى الفرعية بطلبات الوزير المتعلقة بسداد مدير المدرسة والمشرفة مبلغ التعويض المقضي به.

استأنف الوزير على حكم أول درجة أمام محكمة الاستئناف، كما استأنفه والد الطفلة فرعيًا أمام ذات المحكمة، لتضم المحكمة الاستئنافين، وتقضي في نوفمبر 2015 بإلغاء الحكم المستأنف، ورفض الدعويين الأصلية والفرعية.

طعن والد الطفلة على الحكم بطريق النقض مستندًا إلى ثلاثة أسباب متعلقة بمخالفة القانون والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، وقال في طعنه إن حكم الاستئناف قضى برفض الدعوى استنادًا إلى أن الخطأ ثابت في حق الطفلة باعتلائها سور سلم المدرسة محل الحادث فاختل توازنها مما أدى إلى سقوطها أرضًا فحدثت وفاتها، في حين أن تابعي المطعون ضدهم بصفاتهم هم المسئولين عن ذلك الخطأ المتمثل في عدم القيام بواجبهم فى الرقابة والإشراف تجاه الطفلة التي كانت في السابعة من عمرها دون سن التمييز.

وأضاف أن تابعي الوزير في المدرسة قاموا بإلحاق الطفلة -وهي دون سن التمييز- فى أحد الفصول الدراسية بالطابق الثالث من المدرسة، والسماح لها بالذهاب للمرحاض دون وجود أحد من المشرفين أو العمال لمتابعتها حتى عودتها، وعدم توفير إدارة المدرسة لوسائل الأمن والسلامة وتعلية أسوار السلم للمدرسة، للحيلولة دون سقوط التلاميذ الصغار من خلالها.

وتابع: "ما سبق يؤكد أن السبب المنتج والفعال في الحادث، لم يكن إلا بسبب خطأ تابعي الوزير ومسئولي الوزارة، وهو الأمر الثابت بتحقيقات النيابة الإدارية وشهادة الشهود فيها والتى انتهت إلى لفت نظر المشرفة المختصة، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبًا مما يستوجب نقضه".

حيثيات النقض:

في البداية؛ حددت محكمة النقض الخصم الحقيقي في هذا الطعن وهو المطعون ضده الأول وزير التربية والتعليم -بصفته- دون ما سواه، قائلة إنه لا يكفى فيمن يُختصم فى الطعن بالنقض أن يكون خصمًا في الدعوى التى صدر فيها الحكم، بل ينبغى أن يكون خصمًا حقيقيًا وذا صفة فى تمثيله.

وأوضحت النقض أن وزير التربية والتعليم بصفته هو الذى يمثل الدولة في الشئون المتعلقة بوزارته، وذلك بالتطبيق للأصول العامة، وباعتباره المتولى الإشراف على شئونها والذى يقوم على تنفيذ السياسة العامة للحكومة، فيها بما يجعله خصمًا حقيقيًا في الدعوى يصح اختصامه في هذا الطعن، أما عن المطعون ضدهما الثاني والثالث (مسئولي الوزارة بالمحافظة) بصفاتهما، فهما من تابعي المطعون ضده الأول بصفته ولا يمثلان الوزارة أمام القضاء، وبالتالي فإن اختصامهما في الطعن يكون غير مقبول.

ورأت محكمة النقض أن الأسباب التي ساقها والد الطفلة في طعنه على الحكم في محلها، لأنه أقام قضاءه على أساس أن خطأ الطفلة هو السبب المنتج والفعال في الحادث، ومن ثم استغرق خطأ الوزير ومسئولي الوزارة بصفاتهم بما ترتب عليه انتفاء خطأهم الموجب للمسئولية.

وأشارت محكمة النقض إلى أن لها مراقبة محكمة الموضوع في تكييفها الأفعال الصادرة من المدعى عليه بأنها خطأ أو ليست خطأ.

وأكدت محكمة النقض أن رعاية التلاميذ صغار السن طوال اليوم الدراسي من صميم عمل مدير المدرسة والعاملين بها، لضمان سلامتهم والمحافظة عليهم لدرء الخطر ودفع أي أذى عنهم، لكن تابعي وزير التعليم خالفوا ذلك، بأن قاموا بإلحاق الطفلة صغيرة السن بأحد الفصول الدراسية الكائنة بالطابق الثالث العلوى من المدرسة، وسمحوا لها بالذهاب إلى المرحاض بمفردها وتركوها تلهو بالتزلج على السلم الحديدى دون رقابة منهم، موضحة أن هذه المخالفة تسببت في سقوط الطفلة أرضًا وحدوث وفاتها.

وانتهت محكمة النقض إلى أن حكم الاستئناف المطعون فيه خالف ذلك بشأن المخالفة التي تسببت في وفاة الطفلة، فإنه يكون مشوبًا بالفساد في الاستدلال الذي جره إلى الخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه.

وفي استعراض ما استقرت على أحكام النقض بهذا الشأن، قالت المحكمة إن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وإن كان يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أن لذلك شروط بأن يكون استخلاصها سائغًا ومستمدًا من عناصر تؤدي إليه من وقائع الدعوى، مشيرة إلى أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ، أو نفي هذا الوصف عنه، من المسائل التي يخضع فيها قضاء الموضوع لرقابة محكمة النقض التي تمتد إلى تقدير الوقائع فيما يستلزمه التحقق من صحة استخلاص الخطأ من تلك الوقائع والظروف التي كان لها أثر في تقدير الخطأ واستخلاصه.

وأضاف المحكمة أن أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط، ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها، أو إلى فهم خاطئ للعناصر الواقعية التي تثبت لديها أو وقوع تناقض بين هذه العناصر، كما في حالة عدم اللزوم المنطقي للنتيجة التي انتهت إليها المحكمة بناء على تلك العناصر التى ثبتت لديها.