رئيس التحرير
خالد مهران

متى تنصت الحكومة ولو قليلًا لمقهوري هذا العصر.. أصحاب المعاشات؟

منير سليمان الأمين
منير سليمان الأمين العام لاتحاد نقابات أصحاب المعاشات

 

يمثل التدنى الشديد وغير المسبوق في الحد الأدنى للمعاشات أولى وأهم المشكلات الشائكة التي تواجه جميع أصحاب المعاشات التأمينية والمستحقين عنهم والذى تقترب أعدادهم حاليًا (أكتوبر 2022) من إحدى عشر مليونا، يحصل منهم وفقا للأرقام الرسمية المعلنة من وزارة التضامن الاجتماعي على تقل من 1000 جم نحو 2.5 مليون صاحب ومستحق معاش. 


هذا التدنى في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية غاية في القسوة والصعوبة، يتطلب تحركًا عاجلًا وحاسمًا من مختلف المسئولين سواء السلطة التنفيذية أو التشريعية بهدف القضاء على التدنى وبما يحقق الحد الأدنى من الحياة الكريمة لأصحاب المعاشات، وكلما تأخر هذا التحرك، كلما زادت حِدة الغضب والغليان وعدم الرضى بين مقهورى هذا العصر وهم بلا مبالغة " أصحاب المعاشات".


ولعلنا نشير فيما يلى وفى نقاط سريعة ولكنها محددة بما يؤكد الأهمية القصوى لاتخاذ القرار الواجب "اليوم قبل الغد" بزيادة الحد الأدنى للمعاشات وما يترتب عليه من زيادة لجميع أصحاب المعاشات. 


1- من الصعب.. بل من المستحيل أن يصدق أحد أن الحد الأدنى للمعاشات المذكور بالرقم والقيمة في قوانين زيادة المعاشات السنوية لم يجري عليه أي تغيير منذ ما يزيد على ثلاث سنوات.. ويبلغ 900 جنيه فقط تخلو تماما من أى منح أو مكافأت حتى في عدد من المناسبات الوطنية منها تو الدينية، وهذا المبلغ مقرر بالمادة الثانية من قانون زيادة المعاشات اعتبارا من 1/7/2019، وجميع القوانين السنوية التي تلت هذا التحديد اقتصرت على إقرار العلاوة السنوية الدورية دون تن تتضمن زيادة قيمة الحد الأدنى للمعاشات سابق الإشارة اليه ( 45 دولار الان – 1.5 دولار يوميا).


2- بمقارنة الحد الأدنى للمعاشات الذى لم يشهد أى تعديل على مدار ثلاث سنوات، نجد أنه قد صدرت عدة تعديلات بالزيادة على الحد الأدنى للأجور حتى وصل الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه اعتبارا من 1/4/2022 بالإضافة إلى علاوة شهرية مقطوعة بمبلغ محدد يستفيد منها جميع العاملين بلا استثناء وهذا الحد كان من شأنه أيضا أحداث زيادة في الحوافز والمكافآت والمنح التي أصبحت تصرف للجميع تقريبًا في عدد من المناسبات الاجتماعية أو الدينية أو القومية، والتي تحولت مع الوقت إلى كون هذه المنح حقًا مكتسبًا. 


3- ولعلنا نسجل هنا وبوضوح شديد أن الحد الأدنى للأجور هو الآخر يمثل تحديًا يتطلب زيادته بما يحقق الحياة الكريمة المناسبة لجميع المواطنين.


4- بالنظر إلى ما سبق عرضه من ارقام، يتضح أن الحد الأدنى للمعاشات لا يزيد بأية حال عن 25% من الحد الأدنى للأجور بل لعله يكون أقل من ذلك، فيما يعانى فيه جميع المواطنين (عاملين كانوا أو أصحاب المعاشات) من نفس الواقع شديد الصعوبة متمثلا في ارتفاعات لم ولن تنقطع في أسعار جميع السلع والخدمات وعلى سبيل المثال لا الحصر فالزيادات التي جرت ومازالت مستمرة التي صدرت وتصدرها الأجهزة والهيئات الحكومية سواء كهرباء تو غاز أو مياه وصرف صحي بالإضافة إلى الارتفاعات التي  طالت الكثير من الرسوم المقررة على مختلف الخدمات.. هذه الارتفاعات والزيادات يتحملها الجميع بلا تمييز. 


مثال حى لواقع مؤلم ومرير 
وإذا ما ذكرنا مثالًا حيًا نبرز من خلاله مدى الظلم والاجحاف وعدم تقدير الدولة بكل أجهزتها لأصحاب المعاشات، فمن يتقاضون معاشا شهريًا أقل من 2500 جنيه وليس 900 جنيه كما سبق وذكرنا.. يجدون صعوبة شديدة في تلبية الحد الأدنى من مستلزمات حياتهم.. (فالأسرة التي تتكون من أربعة افراد إذا ما توفر لها فرص للعيش على الفول والطعمية فقط في جميع وجباتها اليومية).. فلن تقل قيمة الوجبة الواحدة عن 40 جنيها بتكلفة يومية 120 جنيها وبإجمالي 3600 جنيه شهريا ومن الواضح اننا لم نذكر ما تتحمله هذه الأسرة من ايجار المسكن مهما كان ضئيلا، واستبعدنا تكاليف استهلاك المياه أو الكهرباء أو الغاز، ولم نذكر أى مبلغ لمواصلات أى فرد من أفراد الأسرة.. وكأنهم لا يحتاجون لحد أدنى من الملابس، أو مصروفات للعلاج والدواء والذى من المعروف أنه يمثل بندا أساسيًا في ميزانية أى صاحب معاش.

وماذا تعنى الحياة الكريمة في مواد الدستور؟ 


وإذا كان الدستور المصري هو مرجعنا للقياس بين مواده والواقع المعاش فعليا فقد ذهب الدستور إلى أن المعاش ليس بصدقه تتصدق بها الدولة على المواطنين، وإنما هو حق للمؤمن عليهم والمستحقين عنهم.. (وأوضحت مواده التي سنأتي إلى ذكرها فيما بعد) بأن حصول أصحاب المعاشات على حقوقهم لا يتم الا بإتاحة كاملة دون نقصان أو جور على أى حق من حقوقهم.. وفى مقدمة هذه الحقوق بل من أهمها.. هو إقرار الدولة واعترافها قانونا بحد أدني للمعاشات يحقق لهم جميعا الحياة الكريمة بمضمونها المتكامل في العدل الاجتماعي والكرامة الإنسانية، وأن يتم ذلك من غير بخس أو ظلم أو اجحاف.


والحد الأدنى الذى نتحدث عنه " 900 جم – 45 دولار " لا يحقق بأية حال وبأي مقياس الحد الأدنى من الحياة الإنسانية وليس الحياة الكريمة المذكورة بمواد الدستور (فالمادة 27 من الدستور المصري القائم اشارت في فقرتها الثالثة عن المقومات الاقتصادية) 
(ويلتزم النظام الاقتصادي اجتماعيًا بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية.. وتقليل الفوارق بين الدخول.. والالتزام بحد أدني للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة).


ولم تكتفى المادة (83) من الدستور بما سبق التأكيد عليه بالمادة (27) بل أضافت بعدا هامًا لضمان حقوق المسنين (بأن تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيًا وثقافيًا وترفيهيًا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة الحياة في العامة) ولمزيد من التوضيح يتواصل نص المادة (83) في ابراز مقومات الحياة الكريمة بان (تراعى الدولة في خططها للمرافق العامة احتياجات المسنين.. كما تشجع منظمات المجتمع المدني على المشاركة في رعاية المسنين). 


والسؤال الذى يفرض نفسه.. أين نحن من التزامنا بمواد الدستور؟ ومتى تُحاسب الحكومة على ما تقترفه من مخالفات صريحة يلزمها به الدستور؟ ومن يحاسبها اذن ؟؟!!، وتوضيحا لذلك نود الإشارة في هذا الصدد إلى أن  المخالفة الدستورية لا تقتصر بالضرورة على العمل الإيجابي.. بمعنى أن تقوم السلطة التشريعية بإصدار قانون مخالف الدستور.. بل أن امتناع السلطة التشريعية عن وضع أحكام الدستور الواضحة والصريحة موضع التنفيذ وعدم إصدارها بما يلزم به الدستور جميع السلطات بلا استثناء.. فعدم التدخل في حد ذاته يعد مخالفة دستورية تستوجب تدخل سلطة القضاء الدستوري فالمحكمة الدستورية العليا يقع على عاتقها التدخل والتأكيد على أن عدم إصدار قانون يضمن حد أدنى للمعاش يحقق الحياة الكريمة، كما وضحت في المادتين ( 27)، (83) يعد في حد ذاته مخالفة دستورية تستوجب الحساب 
ونشير في ذات الصدد أيضًا إلى ما قاله الدكتور/ محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة " أنه " إن لم تقم السلطة التشريعية بتفعيل " تلك المواد التي تحددت عن أموال أصحاب المعاشات وحقوقهم بالدستور (17، 27، 83) لتكون نصوصا حية بين الناس يشعرون بها في حياتهم اليومية وتؤمن لهم مستقبلهم فأنها تصبح كإعجاز نخل خاوية وهذه هي حقيقة الواقع المرير الذى يعيشه أصحاب المعاشات.

والقانون رقم 148 لسنة 2019 والخاص بالتأمينات والمعاشات يشارك بمواده المخالفة للدستور والواقع في زيادة معاناة أصحاب المعاشات. 


و إذا كانت مواد القانون رقم 148 لسنة 2019 تستوجب دراسة مستقلة تكشف مدى ما الحقته بأصحاب المعاشات بل والعاملين أيضا من ظلم، فإننا نقصر في هذه السطور عن مدى ارتباط نص المادة (35) من علاوات دورية سنوية تسهم بما لا يدع مجالًا للشك في زيادة معاناة أصحاب المعاشات من واقعهم الأليم. 


جاء بنص المادة (35) سابق الإشارة اليها " تزاد المعاشات المستحقة في 30 يونيو من كل عام اعتبارا من أول يوليو، بنسبة لا تقل عن معدل التضخم بما لا يزيد على 15% 
وإذا ما تجاوزنا عن الرفض القاطع والجماعي لأصحاب المعاشات والمستحقين عنهم للعديد من مواد القانون 148 لسنة 2019 ومن بينها هذه المادة فان العلاوة الدورية التي بدأ تطبيقها مبكرًا لأصحاب المعاشات اعتبارًا من أول ابريل 2022 بدلًا من أول يوليو 2022 بلغت 13% فقط فيما أن نسب التضخم المسجلة وفقًا للتقارير الشهرية التي يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هي 14.9% في نهاية ابريل – 15.30% في نهاية مايو – 14.7% في نهاية يونيو – 14.6% في نهاية يوليو – 15.3% في نهاية أغسطس – 15.3% في نهاية سبتمبر) وقد زادت هذه النسب فيما يصدره البنك المركزي من إحصاءات لتصل في نهاية شهر سبتمبر 2022 (ما يقترب من 17.00%).


وما تكشف عنه هذه الأرقام يمثل أمرا غاية في الخطورة يضاف إلى ما سبق توضيحه عن واقع مقهوري العصر من اعتداء على حقوقهم المشروعة التي أكد عليها الدستور. 
" إن القيمة الحقيقة للمعاشات المتدنية من حدث المبدأ قد تناقصت خلال هذه الشهور من إبريل 2022 حتى أكتوبر 2022 عما كانت عليه قبل إقرار ما يسمونه بالعلاوة الدورية السنوية".

 
وقد وضح أيضا مدى تأثر القيمة الحقيقية للمعاشات بقرارات الحكومة بتخفيض قيمة الجنيه المصري من جديد مقابل الدولار اعتبارا من مارس 2022، وكان حينها 18.23 جنيه ليصل إلى ما يقارب العشرين جنيها في منتصف أكتوبر 2022، وتشير كل التوقعات والمؤشرات أن قيمة الجنيه المصري ستواصل انخفاضها ليس فقط مقابل الدولار بل مقابل العديد من العملات الأخرى ذات التأثير على واقع الاقتصاد المصري؟

خاتمـــــــــــــــــة 
كل هذه الظروف اجتمعت لتحبط أصحاب المعاشات في جميع مناحى حياتهم ،، وجعلتهم يشعرون بان دولتهم لا تقدر لهم ما بذلوه من جهد عمل على مدار عشرات السنين.. وما حققوه من انتصارات دفاعًا عن حرية هذا الوطن واستقلال ارادته.
إن الوقت يمضى بسرعة.. وعلى جميع المسئولين أن يعوا جيدًا انهم يخالفون كل المبادئ الإنسانية والاجتماعية في تعاملهم مع أصحاب المعاشات.
ولعلهم يدركون المغزى في مقولة " مكسيم جوركي" الاديب الروسي الكبير بأنه يجب أن يعرف الذين يركبون فوق ظهورنا. ويصنعون العصابة في ذات الوقت على عيوننا أننا نرى كل شيء نحن لسنا اغبياء وأيضا لسنا حيوانا لا نطلب إلا مِعدةً ممتلئة.. نحن نريد أن نعيش حياة جديرة بكائنات بشرية.


ويبقي سؤالنا قائما بلا إجابة حتى الآن ؟ 
متى تنصت الحكومة ولو قليلا لمقهوري هذا العصر.. أصحاب المعاشات الأموات وهم مازلوا على قيد الحياة؟.
اما عن أصحاب المعاشات فسيظل إيمانهم مطلق بان قوتهم في وحدتهم تحت راية اتحادهم الشرعي " الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات.


منير سليمان
الأمين العام للاتحاد العام 
لنقابات أصحاب المعاشات