انسحاب الجيش الروسي من خيرسون..هزيمة أم تكتيك؟
إعلان وزير الدفاع الروسي انسحاب قوات بلاده من مدينة خيرسون الأوكرانية الاستراتيجية التي سيطرة عليها القوات الروسية في بداية غزوها لأوكرانيا، أثارت الكثير من الجدل وعلامات الاستفهام.
لا سيما وأن البعض اعتبرها هزيمة لبوتين، والبعض الأخر اعتبرها استسلاما لروسيا، فيما قال البعض أنها مجرد تكتيكا عسكريا.
يذكر أن الجيش الروسي كان أعلن في وقت سابق انسحاب أكثر من 30 ألف جندي روسي من منطقة خيرسون، تاركين الضفة اليمنى لنهر دنيبرو للانتشار على ضفته اليسرى.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان: "سحب أكثر من 30 ألف جندي روسي وحوالي 5 آلاف وحدة تسليح ومركبة عسكرية" من الضفة الغربية لنهر دنيبرو.
إلى ذلك بدأ الجيش الأوكراني دخول خيرسون بعد انسحاب القوات الروسية، حسب وزارة الدفاع الأوكرانية. وكتبت الوزارة على فيسبوك: "خيرسون تعود إلى السيطرة الأوكرانية. وحدات من القوات الأوكرانية تدخل المدينة".
غير أنه على الرغم من انسحاب القوات الروسية منها، أكد الكرملين، ألا تغيير على وضع مدينة خيرسون، في إشارة إلى بقائها من ضمن الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا إلى أراضيها أواخر سبتمبر الماضي.
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في إحاطة صحافية الجمعة، إن انسحاب قوات بلاده من المدينة الاستراتيجية لن يغير أي شيء.
كما شدد على أن وضع المنطقة "محدد وثابت بلا أي تغييرات". فيما رفض التعليق على تصريحات الخبراء حول الوضع في خيرسون، مكتفيًا بالتأكيد أن "العملية العسكرية مستمرة".
الرئيس الأوكراني: يوم تاريخي
وبعد إعلان روسيا انسحاب قواتها من مدينة خيرسون في جنوب أوكرانيا، أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بـ "يوم تاريخي"..
وكتب زيلينسكي على تلغرام: "اليوم يوم تاريخي. نحن نستعيد خيرسون"، موضحًا أنه "في الوقت الراهن، مدافعونا موجودون في ضواحي المدينة. لكن قوات عسكرية خاصة موجودة بالمدينة"، وفق فرانس برس.
كما أضاف: "شعبنا. لنا. خيرسون" إلى جانب رمز تعبيري لعلم أوكرانيا ومشاهد التقطها هواة من المدينة تظهر القوات الأوكرانية تتجمع مع سكان المدينة.
سر انسحاب الجيش الروسي المفاجئ من خيرسون
يقول خبراء غربيون آخرون إن قرار الرئيس الروسي بوتين بسحب القوات من مدينة خيرسون يظهر أنه "لا يزال مستعدًا لتقديم تنازلات تكتيكية" عندما يجد نفسه في موقف صعب.
ويضيف هؤلاء إن من الخطأ الاعتقاد أن بوتين "لا يتراجع عن قرارات اتخذها سابقًا" وأن هذا الأمر يظهر أنه قادر على أن يكون "براغماتيًا".
وتنقل مجلة التايم عن مسؤول عسكري غربي كبير قوله إن الانسحاب من خيرسون يظهر "تغييرًا في تفكير" سيّد الكرملين. يضيف المسؤول أن بوتين يسعى إلى "تجميد النزاع" لكسب الوقت بهدف إعادة بناء جيشه وتدريب جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم مؤخرًا.
ويضيف المسئول الغربي، أن بوتين ليس مستعجلًا، لأنه يرى نفسه في معركة طويلة الأمد مع الغرب، مشيرا إلى أن سيّد الكرملين انتهازي بطبيعته وتتمثل استراتيجيته الآن في رؤية كيف سير الأمور بحلول نهاية الشتاء، قبل أن يعيد تقييم الاستراتيجية بطريقة شاملة".
ويشير خبراء عسكريون، إلى أن الانسحاب من خيرسون هو أكبر من مجرد خطوة تكتيكية بالمعنى العسكري، وأنه ينطوي على رسائل وأبعاد سياسية واضحة، فيما يشير آخرون إلى أن الانسحاب هو دليل آخر على أن السلاح النوعي الغربي المقدم لأوكرانيا هاهو يقلب المعادلات الميدانية، وأن الروس انسحبوا تحت ضغط التقدم الأوكراني العسكري.
ولا يستبعد خبراء عسكريون من جانبهم أن يندرج الانسحاب في إطار إعادة الانتشار والإعداد لهجوم مضاد، ونصب فخ للقوات الأوكرانية بغية استدراجها ومحاصرتها، في مدينة كانت من أولى المدن الاستراتيجية التي سقطت بيد الروس في بداية الحرب.
يقول الباحث والخبير في الشؤون الروسية بسام البني، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": إن الانسحاب من خيرسون لم يكن مفاجئًا بالنسبة للروس، بسبب التحذيرات الجدية من أن سد كاخوفكا في حال تفجيره من قبل كييف، فإن القوات الروسية على الضفة اليمنى لنهر دنيبرو ستكون محاصرة تمامًا، ولهذا تم اتخاذ هذا القرار الصعب.
وأضاف: "الواضح أن القائد الجديد للقوات الروسية في أوكرانيا يريد البدء من الصفر بحيث يجهز خطًّا دفاعيًّا بهندسة عسكرية متينة على الضفة اليسرى للنهر، قاطعًا الطريق أمام القوات الأوكرانية لمهاجمة مناطق أخرى، والتي في حال محاولتها التقدم نحو الضفة اليسرى، فإنها ستكون تحت مرمى نيران القوات الروسية بشكل مباشر".
وتابع: "هكذا كان بقاء الروس في الضفة اليمنى مخاطرة كبيرة ومجازفة بأرواحهم ومعداتهم العسكرية، لكن مع هذا الانسحاب فالجيش الأوكراني سيتقدم بداهة نحو المنطقة التي أخلاها الجيش الروسي، وهكذا يكون الأوكرانيون في موقع ضعيف ومكشوف عسكريًّا، وليس العكس، ويصبحون عرضة سهلة للصواريخ والمدافع الروسية حال نيتهم التقدم أكثر".
وأردف: "تسعى القيادة العسكرية الروسية لإنشاء نظام قيادة ميداني جديد عبر وضع ضباط ذوي خبرة في المناصب والمواقع الرئيسية، وذلك بهدف تعزيز الخطوط الخلفية والدفاعية، وتأمين طرق الإمداد اللوجستي والعسكري للقوات في مواجهتها للقوات الأوكرانية.
وبيّن أن "الانسحاب التكتيكي العسكري محاط بمخاطر سياسية كبرى، فإن نجح الجيش الروسي في السيطرة قريبًا على مدن وبلدات جديدة على جبهات القتال مع أوكرانيا، فإن الرأي العام قد يعتبر الانسحاب المؤقت من خيرسون مبررًا، وكجزء من الاستراتيجية العسكرية، وفي حال عدم تحقق ذلك، فقد يتسبب هذا في قلب المزاج الشعبي الروسي الداعم للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والمطالب بتحقيق إنجازات ومكاسب ميدانية، وبالتالي تراجع الحاضنة المجتمعية لتلك العملية، وتراجع التأييد لها".
واستطرد: "الكرملين يعطي التعليمات العامة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية في أوكرانيا، لكن يحق لقائد العملية هناك تحديد التحركات العسكرية والأهداف في الميدان، بعد الرجوع لوزير الدفاع، وهو ما حصل مع طلب قائد العملية الجنرال سيرغي سوروفيكين، الإذن من الوزير سيرغي شويغو، بتنفيذ الانسحاب من الضفة اليمنى لنهر دنيبرو، والوزير طبعًا هو على اتصال مستمر مع الرئيس بوتين، وهذا يعني أن ثمة تنسيقًا كاملًا بين الكرملين والقيادة العسكرية".
من جهته يقول أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في القاهرة رائد العزاوي، في لقاء مع "سكاي نيوز عربية": إنه "يبدو أن موسكو عبر هذا الانسحاب تعمل على تخفيف حدة الأزمة الأوكرانية، ولا سيما ميدانيًّا، بعد ما سببته من تداعيات خطيرة عليها وعلى العالم ككل، وهو تطور إيجابي ربما يشكل علامة على وجود ما يشبه تفاهمات سرية وترتيبات للبدء بالمفاوضات، وتقديم التنازلات المتبادلة لإنهاء الحرب".
وأضاف: "تراجع وتيرة العمليات العسكرية للقوات الروسية عامة في مناطق تماسها واشتباكها مع القوات الأوكرانية في جنوب وشرق البلاد؛ مؤشر على أن الانسحاب بهذا المعنى هو ذو دوافع سياسية بالدرجة الأولى، ورسالة حسن نية غير معلنة من قبل الروس، في سياق توفر قناعة لدى مختلف أطراف النزاع بعد شهور دموية عاصفة، أن لا حل عسكريًّا للأزمة، وأنه لا بديل من الركون لمنطق الحوار والدبلوماسية".
وتقع منطقة خيرسون على حدود شبه جزيرة القرم في البحر الأسود، وتوفر لموسكو رابطًا، من خلال جسر بري، مع شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا عام 2014. إن استعادة كييف السيطرة على مساحات شاسعة من منطقة خيرسون، في حال حصل، سيؤدي حرمان موسكو من هذا الممر البري. وسيعني ذلك أيضًا اقتراب المدفعية الأوكرانية بعيدة المدى من القرم، التي تعتبرها موسكو ذات أهمية حيوية لمصالحها.
ستتعرض إمدادات المياه العذبة لشبه جزيرة القرم للخطر أيضًا إذا استعادت أوكرانيا المنطقة بكاملها.فعندما استولت روسيا على أجزاء من منطقة خيرسون ومنطقة زابوريجيا المجاورة إلى الشرق، تحركت على الفور لفتح القناة. وتحتاج روسيا لهذه المياه من أجل السكان المحليين والمنشآت العسكرية العديدة ولري الأراضي القاحلة في شبه الجزيرة.