ما هي مقاييس معرفة الحق والباطل؟.. علي جمعة يجيب
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن هناك نوعا آخر من الخلط واللبس يكون في المجتمع، وينتج من تداخل أهل الحق وأهل الباطل فيختلط هؤلاء بأولئك فيصعب تميزهم.
تداخل أهل الحق وأهل الباطل
وتابع علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: يحتاج المؤمن في هذا النوع من الاختلاط بين أهل الحق وأهل الباطل لنوع آخر من التمييز، ولذا أمر الله الناس أن يطلبوا منه هداية طريق أهل الحق، والبعد عن طريق أهل الباطل، قال تعالى: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:7].
وأكمل: إلا أن المقياس في معرفة الحق والباطل يعود إلى الأفكار والآراء لا إلى الأشخاص، فالرجال تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، والحق المطلق هو الله سبحانه وتعالى، ونعرفه بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهما مقياس معرفة الحق والباطل، فلا توجد عصمة لأحد غير الأنبياء لأنهم مبلغين عن ربهم، أما غير الأنبياء فأقوالهم وآراءهم واجتهادهم يخضع للتقييم بمعايير النص الشرعي.
وأردف: فالفرقان هو البينة من الله للتفريق بين الحق والباطل، وبين أهل الحق والباطل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم به يعرف الحق من الباطل أمره ربه سبحانه وتعالى أن يخبرنا بأنه على بينة منه سبحانه وتعالى، فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّى عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَكَذَّبْتُم بِهِ﴾ [الأنعام:57]. كما أن كتاب ربنا هو مقياس لمعرفة الحق كذلك سماه ربنا بينة كذلك، فقال تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [الأنعام:157].
وشدد: قد يضل الناس ويرون الباطل حقا، وتأبى عقولهم الاستجابة لأمر الله، في هذه الحالة يأمر الله الأنبياء بأن يعلموا الناس أنهم على بينة ويتركوا لهم حرية الرأي والعقيدة، كما أخبر سبحانه عن نوح عليه السلام حيث قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى وَآتَانِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ [هود:28].
واوضح قد ذكر ربنا عن قوم هود ذلك فقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود:53] إلى أن قال لهم هود عليه السلام ما حكاه القرآن، في قوله تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [هود:57].
وبين أنه من خصائص الفتنة أنها في بداية أمرها يشتد اختلاطها وفي نهاية أمرها تعرف وينتبه الإنسان لها، والمؤمن مأمور في الفتنة بالبعد عنها وعدم تزكيتها وعدم الدخول فيها، فالنجاة في الفرار من الفتن، وهذا مسلك الغرباء الذين أحب الناس إلى الله تعالى كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء. قيل: ومن الغرباء ؟ قال: الفرارون بدينهم يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى بن مريم عليهما السلام» [رواه أبو نعيم في حلية الأولياء].
ويقول الإمام علي ناصحا الناس في الفتن: «كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب» [نهج البلاغة].
وشدد أنه ليس معنى ذلك أن يعتزل المسلم المجتمع، وإنما معنى ذلك أن لا يعطي نفسه شيئا للفتنة ولا ينجر إليها ويستدرج فيها.