بعد فضيحة مونديال قطر.. خبراء يكشفون لـ«النبأ» مصير مشروع «دمج إسرائيل في المنطقة»
تعرض مشروع التطبيع العربي مع إسرائيل لضربة موجعة في مونديال قطر، بعد أن رفض المشجعين العرب التعامل مع الإسرائيليين الذين جاءوا للدوحة ليس من أجل تغطية ومشاهدة المباريات بل من أجل التطبيع الشعبي مع الجماهير العربية، وكذلك رفع الجماهير العربية أعلام فسلطين خلال مباريات المونديال، وهو بمثابة استفتاء شعبي عربي علىرفض دمج إسرائيل في المنطقة.
دبلوماسية سابقون يحللون لـ«النبأ»، سر كراهية الشعوب العربية لإسرائيل، ومصير مشروع «دمج إسرائيل في المنطقة»، الذي بدأ في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، دونالد ترمب.
تفاصيل الفضيحة
الفضيحة بدأت، عندما عبرت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن انزعاجها الشديد من تفاعل الجمهور العربي مع المراسلين والمشجعين الإسرائيليين الذين حضروا لقطر لتغطية وحضور كأس العالم.
وقال مقال في صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية بعنوان "المونديال في قطر مرآة للإسرائيليين: لا يحبوننا ولا يريدوننا أيضًا"، إنّ "المونديال في قطر وضع إسرائيل، أمام واقعٍ وحقيقة مؤلمة جدًا للإسرائيليين".
وأوضح المقال، أنّ الإسرائيليين "شاهدوا للمرة الأولى المتحمسين من الخليج، وتجربة الرفض والتجاهل والكراهية وعدم قبول الإسرائيليين في بلد مسلم عربي".
وأشار المقال إلى أن "كل من يزعم أن سكان دول الخليج ليس لديهم عداء تجاه إسرائيل، قد رأوا أنهم تعرضوا للخداع وشاهدوا حقيقة مختلفة".
وتابع قائلًا إن "مراسلي الأخبار في المحطات الإسرائيلية سافروا بحماسة إلى قطر، وأقاموا الكاميرات وانتظروا قدوم عدد من العرب المقيمين في الخليج والدول العربية الأخرى ليمتدحوا إسرائيل، لكن سرعان ما وجدوا أنفسهم يتعرضون للازدراء والتجنب والاستهزاء من هؤلاء العرب".
ووصف ما تعرض له المراسلون الإسرائيليون من إذلال واضطرار إلى الكذب وإخفاء هويتهم فقال: "من المخجل رؤية صحفي إسرائيلي يتوسل ويعانق من يجري معه مقابلة على الهواء مباشرة لحضه على قول كلمة طيبة عن إسرائيل، ليتبين أنهم يعتبرون أنه لا يوجد إسرائيل بل فلسطين فقط".
وأضاف المقال "حقًا هذه صفعة مدوية على الوجه لمن يظن أن التطبيع في متناول اليد، وأن التطبيع مع الدول العربية ليس سوى مسألة وقت".
وقال إن "سلوك المواطن العربي العادي تجاه إسرائيل يشير إلى عداء يزيد عمره على 70 عامًا، ويشير إلى أصل أصل المشكلة لا يزال حيًا ويركلنا ويصفعنا بشدة".
وأكد المقال أن هذا هو الواقع والحقيقة، وأن "على من لا يريد أن يراها أن يغمض عينيه، لكن الواقع المر والصعب، وفي نظري المؤلم، هو أنه إذا لم تحل القضية الفلسطينية بطريقة ما ومقبولة من جميع الأطراف، فنحن لسنا ولن نكون موضع ترحيب في الدول العربية، ولا حتى في البلدان التي أبرمت معها اتفاقيات تطبيع".
وأشار إلى أنه "يكفي النظر إلى اتفاقيات التطبيع مع مصر لنفهم كيف لم نحرز تقدمًا في مواجهة الشعب المصري، الذي لا يزال أكثر العرب عداء لإسرائيل، وبقينا على المفهوم الخطأ نفسه من الاتفاقيات بين قادة الدول فقط".
يقول بعض الخبراء والمحللين، أنه في الوقت التي تهرول فيه الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، يأتي مونديال كأس العالم في قطر، لإثبات رفض الشعوب العربية التطبيع مع الاحتلال، ودعمهم للشعب الفلسطيني، وهو ما سبب صدمة في إسرائيل.
وتداول نشطاء عدد من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بهذا الموضوع، وتؤكد رفض المشجعين العرب التعامل مع الإسرائيليين في قطر،الأول فيديو لمراسل قناة 12 العبرية، وهو يحاول التحدث مع مشجعيين لبنانيين في قطر، حيث رفضوا الحديث معه، وقالوا له «لا يوجد إسرائيل، توجد فلسطين فقط»، فيديو أخر، تظهر فيه جماهير عربية وهي تهتف ضد مذيع إسرائيلي قائلة له:«يلا يلا يلا.. إسرائيل بره».
وفيديو يظهر قيام صحفي إسرائيلي بإنكار انتماءه للدولة العبرية عندما سأله أحد المشجعين عن بلده، حيث قال إنه من الإكوادور، بينما هتف صاحب الفيديو أمامه بقوله Free Palestine للتأكد من هويته، فاضطر الصحفي الإسرائيلي لترديد نفس الهتاف حتى لا ينكشف أمره، وتبين بعد ذلك أنه الصحفي الإسرائيلي راز شاشنيك، الذي غرد قائلًا: «بعد عشرة أيام في الدوحة، من المستحيل عدم إطلاعكم على ما نمر به هنا، نحن لا نريد التجميل، نشعر بالكراهية، نحن محاصرون بالعداء، نحن غير مرحب بنا».
الكاتب والمفكر الدكتور شريف الشوباشي، قال من خلال صفحته على «الفيس بوك»، أن مقال مهم نشر فى مجلة "ماريان" الفرنسية لصحفية فرنسية معروفة اسمها مارتين جوزلان «كنت على اتصال بها وانا مدير مكتب الأهرام فى باريس» تؤكد فيه أن المناخ العدائى السافر الذى أحاط بوجود بضعة آلاف من المشجعين الإسرائيليين فى قطر على هامش كاس العالم هو تكذيب لفكرة أن القضية الفلسطينية لم يعد بها وجود، وأن الشعب العربى أصبح يتبقل إسرائيل كصديق أو على الأقل كدولة جارة عادية وخاصة بعد التوقيع على اتفاق "إبراهام" منذ أعوام قليلة.
وتصف الصحفية ردود أفعال الشعب القطرى ومشجعى الدول العربية الأخرى مثل تونس والمغرب بأنها كانت عدائية تجاه الإسرائيليين وخاصة الإعلام الإسرائيلى، لدرجة أن الأمن الإسرائيلي وضع دولة قطر في الدرجة 3 من الخطورة بالنسبة للسائحين الإسرائيليين مثلها مثل لبنان وإيران وأن هناك تعليمات لمن بقى من الإسرائيليين فى قطر بتوخى الحذر وعدم الكشف هويتهم وألا يتحدثوا اللغة العبرية ولا يرتدوا "ألكيبا"، وهى القلنسوة اليهودية المعروفة وأن يعطوا أي جنسية اخرى لدى سؤالهم عن جنسيتهم.
وتختتم الصحفية مقالها بأن عودة نتنياهو إلى الحكم مع استناده إلى عناصر متطرفة وعنصرية «كما تقول» لن يؤدى إلى تحسين الأوضاع بل سيزيدها سوءا.
«بيومي»: ستظل الشعوب العربية رافضة للوجود الإسرائيلي ما لم يرضى الشعب الفلسطيني
يقول السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن ما قامت به الشعوب العربية في مونديال قطر من رفض لإسرائيل هو رسالة للدولة التي تطبع معها، مشيرا إلى أن فلسطين ستظل هي العقدة التي تحول دون دمج إسرائيل في المنطقة، مؤكدا على أن عدم حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة فإن الشعب العربي لم يقبل بتواجد إسرائيل في المنطقة، وستظل الشعوب العربية رافضة للوجود الإسرائيلي ما لم يرضى الشعب الفلسطيني، موضحا أن ما قامت به الشعوب العربية في مونديال قطر يؤكد مقولة الفنان عادل إمام في فيلم «السفارة في العمارة»، «مش هنبيع مش هنبيع هنقول لأ للتطبيع»، مشددا على أنه مهما طبعت الحكومات فإن الشعوب العربية لن تطبع مع إسرائيل.
«حسن»: هناك شروط لدمج إسرائيل في المنطقة وهذا هو سبب كراهية الشعوب العربية للدولة العبرية
ويقول السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، حتى هذه اللحظة هناك رفض لإسرائيل داخل مصر نتيجة أعمال العنف والقتل الميداني وتدمير بيوت الفلسطينيين وعدم احترامها لرغبة الدول العربية في العيش معها بسلام، مشيرا إلى أن المواطن العربي بحسه البسيط العادي وبدون أي تعقديات سياسية يشعر أن التطبيع مع إسرائيل غير مجدي، موضحا أن هناك أكثر من 90% من الشعب العربي يرفض التطبيع مع إسرائيل، لأنها لم تتجاوب مع السلام، بل على العكس فإن تقارير الأمم المتحدة تؤكد على أن عام 2022 كان أسوأ عام في قتل واعتقال وتدمير للفلسطينيين منذ عام 2006، وأن حكومة بينيت أسوأ عشر مرات من حكومة نتنياهو، الأن إسرائيل تنتقل إلى زيادة في التطرف اليميني لتحقيق أهداف معينة منها ضم المستوطنات في الضفة الغربية.
وأضاف «حسن»، أن الشعوب العربية وخاصة الشعب المصري مستاءة بشدة مما تفعله إسرائيل في فلسطين وفي المنطقة، موضحا أن هناك شعور عام في المنطقة العربية أن إسرائيل لم تحترم اتفاقيات السلام التي أبرمتها مع الدول العربية ومع الفلسطينيين، ولم تحترم حل الدولتين ولا خارطة الطريق التي تم الحديث عنها في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، مشيرا إلى أن الشعوب رغم اختلافتها ولكن عندما تتبادل الرغبة في السلام تتعايش، وبالتالي لو استجابت إسرائيل لحل الدولتين ووافقت على إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وانسحبت إسرائيل من الجولان ومن المناطق التي تحتلها في لبنان، وفتحت الحدود مع الدول العربية، في هذه الحالة فقط سوف تصبح إسرائيل جزء من الشرق الأوسط، وسوف يتم تقبلها من الشعوب العربية، لكن المشكلة أن الأشكناز هم من يسيطرون على إسرائيل، وهم يهود هاجروا لإسرائيل من الدول الأوروبية، وبالتالي هم لا ينتمون للدول العربية ولا للشرق الأوسط، ثقافيا ولا فكريا ولا حضاريا، وهم دائما يشعرون أنهم جزء من الحضارة الأوربية، وهذا عامل أخر يعيق دمج إسرائيل في المنطقة، مؤكدا على أن الإسرائيليين يخشون السلام ويرفضون اختراق المجتمع الإسرائيلي، لافتا إلى أن الحكومة الإسرائيلية القادمة ستكون أكثر تطرفا، مشيرا إلى أن تصرفات إسرائيل هي التي تحدد موقف الشعوب العربية منها، مؤكدا على أن توحيد الدول العربية هو من سيحدد مستقبل القضية الفلسطينية، متمنيا أن تنجح المساعي الجزائرية في توحيد العرب، مؤكدا على أن توحيد العرب هو قوة للفلسطينيين.
«الرقب»: ما حدث في مونديال قطر رسالة قوية لأمريكا وحكومة الاحتلال ولكل صناع القرار المستعمرين في العالم
ويقول الدكترو أيمن الرقب، المحلل السياسي الفلسطيني، أن مونديال قطر شهد حالة تعاطف غير مسبوقة، ليس من جانب الشعوب العربية فقط، ولكن من جانب كل شعوب العالم، ظهر ذلك من خلال الرفض الشعبي لعمل لقاءات مع الإعلام الإسرائيلي ورفع العلم الفلسطيني وارتداء الوشاح الفلسطيني، مؤكدا على أن فلسطين كانت حاضرة في المونديال بشكل كبير، وأن هذا المونديال كشف حجم الكراهية والرفض للوجود الإسرائيلي في المنطقة، وهذه رسالة واضحة بأن الإحتلال رغم كل ما يفعله من جبروت لا يزال هناك رفض شعبي كبير له في المنطقة والعالم، بل هناك رفض للاعتراف باسم دولة الاحتلال، وهذه المواقف الشعبية أثلجت صدور كل الأحرار في العالم وفي المنطقة العربية بالتحديد.
وأضاف«الرقب»، أنه على الولايات المتحدة الأمريكية وصناع القرار المستعمرين في العالم أن يقرأو هذه الرسالة جيدا، مؤكدا على أن رفض الشعوب العربية لإسرائيل هو من أفشل مخططات دمج إسرائيل في المنطقة من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية التي كانت تهدف إلى قيادة إسرائيل للمنطقة، مشيرا إلى أن شعوب العالم وعلى رأسها الشعوب العربية في مونديال قطر وجهت رسالة قوية للعالم مفادها، بأن الاحتلال مرفوض وأن عدم حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه فستبقى إسرائيل منبوذة من قبل كل شعوب المنطقة، وبالتالي على قادة العالم الذين يريدون دمج إسرائيل في المنطقة أن يفكروا في حل القضية الفلسطينية أولا حتى ترضى عنهم الشعوب العربية، مطالبا الإعلام الفلسطيني والعربي باستغلال هذه الأحداث لدعم وانصاف الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، مؤكدا على أن الفلسطينيين متمسكون بالسلام ويراهنون دائما على الشعوب بعيدا عن حسابات الحكومات، لافتا إلى أن الفترة القادمة سيكون من المحرج لأي دولة عربية الدخول في اتفاقيات سلام جديدة مع إسرائيل، لا سيما بعد الذي حدث في مونديال قطر ووجود حكومة إسرائيلية متطرفة، وبالتالي على المجتمع الدولي وحكومة الاحتلال التحرك باتجاه انصاف الشعب الفلسطيني قبل الحديث عن سلام مع شعوب المنطقة.