بعد وفاته.. هل تستر البابا بنديكتوس السادس عشر على الفضائح الجنسية التي هزت الكنيسة الكاثوليكية؟
توفي البابا السابق بنديكتوس السادس عشر في مقر سكنه بالفاتيكان عن عمر 95 عامًا، وذلك بعد حوالي عقد على تنحيه عن منصبه بسبب المرض، وبعد أن ترأس الكنيسة الكاثوليكية لأقل من ثماني سنوات إلى العام 2013، قبل أن يصبح أول بابا يستقيل من منصبه منذ استقالة البابا غريجوري الثاني عشر في 1415.
من هو البابا بنديكتوس السادس عشر؟
ولد يوزف أَلويسيوس راتسينغر لعائلة متدينة في السادس عشر من أبريل عام 1927، في بلدة ماركت بولاية بافاريا جنوب ألمانيا، وفي عام 1944 حينما كان في السابعة عشرة من عمره، أجبر على الالتحاق بالجيش بسبب الحرب، وبعد انتهاء الحرب التحق بالجامعة لدراسة اللاهوت مثل شقيقه الأكبر منه بثلاث سنوات غيورغ، وكلاهما تم ترسيمهما كاهنين عام 1951.
في نهاية الخمسينيات حقق يوزف راتسينغر نجاحًا باهرًا في علم اللاهوت، وحصل على درجة أستاذا فيه، وحظى باحترام كبير من الجميع بسبب خبرته وعلمه، وبعد أن أصبح قريبا من رئيس أساقفة كولونيا، شارك البروفسور راتسينغر في مجلس الفاتيكان الثاني بين عامي 1962 و1965 والذي تولى العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم الحديث.
في عام 1977 تم تعيينه رئيسًا لأساقفة ميونيخ وفرايزينغ وبعد ذلك بمدة قصيرة ارتقى إلى كاردِينال، ثم استدعاه البابا يوحنا بولس الثاني إلى روما بعد أربع سنوات، ليتولى منصب رئيس مجمع عقيدة الإيمان، واشتهر حينها بأنه متشدد فيما يتعلق بتعاليم الكنيسة وقضايا الإصلاح مثل دور المرأة.
في عام 2005 فاز يوزف راتسينغر في انتخابات البابا بعد وفاة يوحنا بولس الثاني، وكان معروفًا أنه أكثر تحفظًا من خليفته، البابا فرانسيس، الأمر الذي جعل الفرحة تعم بين الألمان باعتباره أول ألماني يصل لهاذ المنصب منذ 700 عام، فنشرت صحيفة «بيلد» الواسعة الانتشار صفحتها الأولى بعنوان «البابا منّا نحن»، ولكن لم يسلم من الانتقادات، حيث رأى البعض أنه متقدم جدا في السن ليتربع على الكرسي الرسولي، فيما شعر آخرون بالقلق من أن خطه المحافظ سيعيق دفع عملية الإصلاح إلى الأمام.
فاجأ البابا بنديكت السادس عشر العالم في 2013 بعد تقديم استقالته، وهو ما أحدث صدمة لدى الكثيرين من الكاثوليك حول العالم، فرغم أنه كان يبدو منهكا في الأشهر الأخيرة، حيث كان قد بلغ الخامسة والثمانين من العمر، كان معظم الناس يتوقعون أن يبقى في منصبه حتى آخر حياته كما فعل سابقوه.
وتعتبر هذه الخطوة هي الأولى التي يتنحى فيها بابا منذ ما يقرب من 600 عام، وكان آخر بابا استقال قبل وفاته هو غريغوري الثاني عشر الذي استقال عام 1415، لإنهاء حرب أهلية داخل الكنيسة الكاثوليكية، ادعى فيها أكثر من رجل أنه البابا، وفي آخر يوم له غادر الفاتيكان على متن مروحية بيضاء، حيث تم نقله إلى القصر البابوي في قلعة غاندولفو، ورغم تقاعده، فضّل البابا الفخري بنديكت السادس عشر ارتداء قبعة بيضاء، كما يفعل البابوات الحاكمون، واستمر المقربون منه في مخاطبته بـ«الأب المقدس».
وفي عام 2020، أعلن الفاتيكان أن بنديكت عانى من «حالة مؤلمة، ولكنها ليست خطيرة»، في أعقاب تقارير بوسائل إعلام ألمانية أفادت بأنه مريض، وقبل ذلك بعامين كتب بنديكت أنه «في ظل التهالك البطيء لقوتي الجسدية، فأنا في رحلة حج داخلية نحو الوطن»، ويعتبر البابا أول من دخل التاريخ مرتين، الأولى عندما أصبح أول بابا ألماني منذ وفاة أدريان السادس، والثانية عندما قدم استقالته المفاجئة.
سلسة فضائح جنسية
ألقى تقرير نشره موقع «BBC عربي»، وأجرته شركة محاماة ألمانية، بطلب من الكنيسة الكاثوليكية، في شهر يناير 2022، الضوء على تستر البابا السابق على قضايا تحرش وقعت على مر السنوات.
ويوثق التقرير الجديد 497 اعتداء ارتكب في الفترة الممتدة بين عامي 1945 و2019، مع توثيق أسماء 65 معتديًا، بعضهم ثبتت جريمته، وبعضهم لا يزال مشتبها به.
وبحسب الخبراء، فإن عدد الجرائم غير المبلغ عنها قد يكون أكبر من ذلك بكثير، مع الإشارة إلى أن عدد الحالات المبلغ عنها زاد بنسبة ملحوظة منذ عام 2015.
وبحسب التقرير، أجاب البابا السابق عن أسئلة مكتب المحاماة بعشرات الصفحات، عبّر فيها عن دعمه للتحقيق، ونفى علمه بتهم الاعتداء الجنسي، أو تلكؤه في اتخاذ إجراءات بشأنها.
وقال الفاتيكان في بيان، إنه سيطلع على تفاصيل التقرير، مجدِدًا "الشعور ًبالعار والندم على الانتهاكات التي ارتكبها كهنة بحق قاصرين"، ومعبرًا عن دعمه للضحايا وعن نيته الاستمرار في نهج حماية الأطفال وتوفير مساحات آمنة لهم.
وحسب موقع «BBC عربي»، فإن التقرير يعد حلقة جديدة في سلسلة فضائح طالت الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا، وتحديدًا أبرشية ميونيخ وفرايزنغ، حيث خدم بنديكتوس السادس عشر.
ففي عام 2018 كشفت دراسة أجرتها ثلاث جامعات، بتكليف من الكنيسة، عن تعرض ما يزيد عن 3600 طفل لاعتداء جنسي من قبل قساوسة كاثوليك بين عامي 1946 و2014.
وفي عام 2010، تحدثت صحيفة ألمانية عن دور راتزنغر «بنديكتوس السادس عشر لاحقا»، في إيواء كاهن متحرش عام 1980، حين كان أسقفًا، وكان رد الأبرشية حينها أن إيواء الكاهن جاء بغرض "العلاج".
وقد وجدت دراسة أجربت في 2018 بتكليف من الكنيسة أن أكثر من 3،600 طفل في ألمانيا تعرضوا لاعتداءات جنسية من قبل قساوسة من الروم الكاثوليك في الفترة ما بين عامي 1946 و2014.
ولم يحاكم من المتهمين بارتكاب تلك الجرائم سوى 38% فقط، حيث يواجه معظمهم إجراءات تأديبية بسيطة فقط.
وكانت تحقيقات أصدرها الفاتيكان عام 2020 بينت أن بنديكتوس السادس عشر وسلفه يوحنا بولس الثاني تغاضيا عن تهم باعتداء الجنسي طالت كاردينالًا أمريكيًا شهيرًا.
وتتخذ الكنيسة الكاثوليكية حاليًا موقفًا متشددًا في محاولة إصلاح صورتها، بعدما تسببت فضائح الانتهاكات الجنسية بأضرار يصعب إصلاحها.
أبرز الخطوات التي اتخذها البابا فرنسيس في محاولة تحديث تعاطي الكنيسة مع جرائم الاعتداء الجنسي، هو تغيير قوانين الفاتيكان الجنائية لتجريم الانتهاكات الجنسية بشكل صريح.
ويعدّ هذا أكبر إصلاح يطال القانون الجنائي الكنسي منذ ما يقرب 40 عامًا، واستغرق العمل عليه 11 عامًا، وقد دخل حيّز التنفيذ بدءًا من 8 ديسمبر 2021.
ويجرم القانون الجديد "استمالة" القصّر أو البالغين الضعفاء، للضغط عليهم بغية المشاركة في مواد إباحية.
كما أزال القانون السلطة التقديرية التي كانت تسمح لمسؤولي الكنيسة رفيعي المستوى بتجاهل الشكاوى حول الانتهاكات لحماية الكهنة والتستر عليهم. وبات بالإمكان توجيه تهمة الإهمال لأي شخص لا يحقق فيما يصل من شكاوى بشكل صحيح ولا يعاقب المتحرشين.
موقفه من الإسلام والمسلمين
في 2006، ألقى البابا كلمة في جامعة ريجنزبورغ التي عمل فيها استاذا للاهوت، ونقل في الكلمة التي القاها عن حاكم مسيحي من القرن الرابع عشر قوله، إن إيمان النبي محمد بالجهاد هو أمر شرير ولا إنساني.
أغضبت تلك الكلمة المسلمين في شتى ارجاء الأرض الذين اعتبروا كلامه هجوما مباشرا على دينهم، وأجبر البابا بنديكتوس على الاعتذار.
لكنه لم يسحب ما تفوه به كما طالب كثيرون، بل قال فقط إنه يأسف لأن البعض اعتبر ما قاله جارحًا.
وقد قام تجمع من الشخصيات البارزة في العالمين الإسلامي والعربي ضم 38 من العلماء والدعاة والمفكرين، بتوجيه رسالة مفتوحة إلى بابا الفاتيكان بندكتوس السادس عشر، ردوا فيها على الأخطاء في الإشارة إلى الإسلام التي وردت في محاضرة له أثارت الجدل، وأكدوا في هذه الرسالة على أهمية التسامح والاحترام المتبادلين ما بين المسلمين والمسيحيين، مشيرين إلى تأكيد البابا على احترامه الكامل والعميق لجميع المسلمين أمام مجموعة مجتمعة من سفراء دول إسلامية .
ولم تشر الرسالة التي وجهها العلماء إلى البابا بندكتوس السادس عشر إلى قبولهم اعتذاره بشأن ما جاء في محاضرته المثيرة للجدل حول الإسلام التي ألقاها في جامعة رِجنسبورغ في ألمانيا بتاريخ 12 سبتمبر 2006، ولكنهم أعربوا عن تقديرهم لجهود البابا لإيضاح أن ما قاله لم يكن رأيا شخصيا حول الإسلام، وقاموا في نفس الوقت بتفنيد المفاهيم التي تضمنتها المحاضرة.