وثائق سرية تكشف سعي «القذافي» للإنتقام من «تاتشر»
كشف تقرير لوزارة الخارجية، جرى رفع السرية عنه حديثا وتسليمه إلى الأرشيف الوطني، عن تفاصيل اجتماع جرى قبل أكثر من 30 عاما بين وزير إيرلندي ومسؤول ليبي، أصبح فيما بعد مسؤولا عن جهاز المخابرات الليبية.
وحسب الوثائق التي تم كشف السرية عنها، فقد التقى وزير خارجية إيرلندا آنذاك جيري كولينز بالممثل الدائم لليبيا لدى الأمم المتحدة أبو زيد عمر دوردة في نيويورك خريف عام 1991، وركز الاجتماع على تسليح الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي للجيش الجمهوري الإيرلندي، وعلاقاته مع بريطانيا في عهد رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر.
وحسبما نقلت جريدة "ذا إيريش تايمز" المحلية، فقد سرد كولينز تفاصيل محادثاته مع المسؤول الليبي، خلال الاجتماع، حيث وصف الممثل الدائم لليبيا بأنه "شخص له تأثير كبير في ليبيا"،وكانت المخاوف الرئيسية التي أثارها كولينز خلال الاجتماع هي حقيقة أن السوق الليبية مغلقة أمام الأبقار الإيرلندية، ولحوم الأبقار بسبب أزمة جنون البقر.
وحسب الوثائق السرية التي تم الكشف عنها، فإن دوردة اشار إلى أن بريطانيا كانت ثاني أكبر شريك تجاري لليبيا، وأنه لا يرى أي سبب يمنع بلاده من إقامة علاقات جيدة مع المملكة المتحدة. لكنه قال إن العلاقات كانت سيئة للغاية من الناحية السياسية.
وكشفت الوثائق، أن كولينز ارجع سوء العلاقات بين ليبيا وبريطانيا إلى الدعم الليبي لإرهاب الجيش الجمهوري الإيرلندي في الماضي، حيث رد دوردة بأن هذا توقف منذ عامين.
وأوضح كولينز أنه إذا كانت شحنة الأسلحة من ليبيا على متن سفينة الصيد "اسكند" قد وصلت في عام 1987 "لكانت هناك حرب أهلية في أيرلندا"، وأضاف: "ليبيا كانت تلحق الضرر بدولة صديقة". ورد الدبلوماسي الليبي أن ذلك كان مجرد رد فعل على موقف تاتشر من ليبيا وكرر أنه قد توقف الآن.
وجاء في الوثيقة الإيرلندية: "سأل الوزير عما إذا كانت ليبيا ترغب في الانتقام، فلماذا لم يكتفوا بتحويل تجارتهم إلى دول مثل أيرلندا". وسأل دوردة عما إذا كان بإمكان إيرلندا توفير معدات لصناعة النفط. وقال كولينز إنه لا يمكن إلا أن يكون لديه "صفقة جيدة للبيع بما في ذلك على وجه الخصوص لحوم الأبقار والماشية".
وقال كولينز، إن بلاده تريد علاقات جيدة مع ليبيا، "ولكن يجب أن تتوقف ليبيا عن إمداد الجيش الجمهوري الإيرلندي بالأسلحة". وشدد الممثل الدائم لليبيا إنه يستطيع أن يؤكد للوزير أن "ليبيا قد أوقفت هذا الآن تماما".
وتضيف الوثيقة "كان دوردة يعتقد أن الحكومة الإيرلندية يمكن أن تلعب دورا في المساعدة على تحسين العلاقات بين ليبيا والمملكة المتحدة".
وأبو زيد عمر دوردة، ولدعام 1944، وهو من بلدة الرحيبات بجبل نفوسة، غرب ليبيا، عمل في بداية حياته المهنية، بوظيفة مدرس تاريخ في المدارس الثانوية، إلى جانب نشاطه السياسي.
وعرف أبو زيد دوردة بأنه كان من رجالات العقيد معمر القذافي المقربين وأبرز معاونيه طيلة سنوات حكمه، وتولى منصب ”أمين اللجنة الشعبية العامة“ رئيس الوزراء 1990.
وشغل عدة حقائب وزارية في فترة السبعينيات، منها وزارات الإعلام والخارجية والاقتصاد والزراعة، وعمل مندوبا دائما لليبيا في الأمم المتحدة وسفيرا في كندا، ورئيسًا لجهاز الاستخبارات الخارجية، قبل الإطاحة بالقذافي.
عاد إلى ليبيا عام 1993 وأصبح فيما بعد رئيسا لجهاز المخابرات الخارجي واعتقل في 2011 خلال "ثورة فبراير" عندما كسرت ساقاه بعدما سقط من النافذة أثناء محاولة القبض عليه، وحكم عليه في 2015 بالإعدام مع ثمانية مسؤولين آخرين بينهم سيف الإسلام القذافي، ومكث في السجن لمدة 8 سنوات، قبل إطلاق سراحه شهر فبراير 2019 ”لأسباب صحية“، وتوفي في القاهرة العام الماضي.