أحمد عبد العزيز يكتب: عندما نكون كلنا "أشرف"!
يعيش المجتمع المصري، واحدة من أخطر أزماته على الإطلاق، وهي بالمناسبة ليست الأزمة الاقتصادية كما نتوهم، وإنما هي كارثة أخلاقية كفيلة بهدم أركانه، والإتيان بما لم تستطع الحوادث الجسام أن تفعله بهذه الدولة، منذ نشأتها قبل التاريخ نفسه.
ومبعث خوفي يعود إلى أن الانحطاط الأخلاقي عندما يصبح سمة عامة، فإن العقاب يكون جماعيا، فما من مجتمع استمرأ "قلة الأدب" وصمت عليها، إلا عاجلته حوادث الزمن بالأزمات، فالانهيار الأخلاقي يقود إلى انعدام الضمير، وبالتالي يفقد المجتمع مناعته ضد جميع أنواع الآفات، فتنخر في العظام وتصل إلى النخاع لتهلكه غير مأسوف عليه.
والمدهش في الحالة المصرية أن الجميع يدركون، وبلا أدنى شك، أن الصمت نهايته كارثية، وأنا هنا لا أتحدث عن واقعة بعينها، ولا عن شخص بذاته، وإنما عن حالة توقفنا فيها عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى أن خرج علينا أصحاب المنكر يأمروننا به، وينهوننا عن المعروف، وفي المقابل ارتضى كل منا أن يكون "أشرف"!
وأشرف هذا، لمن لا يعرفه، اختراع توصل إليه سائقو ومحصلو هيئة النقل العام، لتفادي أن ينادي كل منهم الآخر باسمه الحقيقي أمام الركاب، فبدلا من ذلك، لجؤوا إلى استخدام اسم أشرف، فالسائق "أشرف" والمحصل "أشرف"، وبالتالي يتوه الركاب، وإذا وقع خلاف بين أحدهم وسائق أو محصل، يكون من العسير أن يشكوه باسمه الأصلي، وكيف ذلك والكل "أشرف".
وفي غفلة انتقلت ثقافة هذا الـ"أشرف" إلى المجتمع، وأصبح الشعب المصري كله "أشرف"، فالكلام ليس له، والأحداث لا تعنيه، والشتائم والسباب، واللعنات، لا تمسه.
نعم لقد أصبحنا جميعا "أشرف"، ذلك الشخص المزيف، الذي لا يقيم وزنا إلا لمصلحته الفردية وحدها دون سواها، وفي سبيلها هو مستعد لتحمل كل شيء وحتى إهدار الكرامة، ولم لا وهو متخفٍ في شخصية "أشرف"، يظن أن أحدا لن يعرفه.
ومن أسوأ ما في ثقافة "أشرف"، أنها تصنع إنسانا مزيفا قادرا على الهروب من مسؤولياته، منفصلا عن قضايا وطنه، لا يملك القدرة على خوض التحديات، ولا مد يد العون إلى هذا الوطن إذا احتاج للمساندة.
والسؤال الآن هو كيف لـ "أشرف" المزيف هذا أن يخرج من شرنقة التخفي ليعود إنسانا حقيقيا يدور مع الأحداث فيؤثر ويتأثر بالقدر الذي يحتاجه كل مجتمع صحيح البدن في هذه الدنيا؟!
وبمعنى آخر متى يخرج "أشرف" المزيف من مهربه ليعود "أشرف حقيقي" يستمد اسمه من معنى الشرف والأخلاق الرفيعة.