رئيس التحرير
خالد مهران

حجر صحي في مَعيَّةِ الزيَّات!

الكاتب صبري الموجي
الكاتب صبري الموجي

ألمتْ بي مُؤخرًا وعكةٌ صحية، جعلتني رهينَ محبسي مدة أربعة أيام، لا أتجاوز فيها حجرةَ نومي، عرفتُ خلالها سببَ نبوغ أبي العلاء المعري، والذي كان رهينًا لمحبسين، وليس محبسًا واحدًا!.


ولولا أنه صَاحبَ هذه الوعكة صداعٌ بالرأس والعين، لاتخذتُ من الكتاب خيرَ جليس، ولكني لم أتمكن من هذه الأمنية أيضا، فهرعتُ إلي هاتفي بحثا عن لقاءات ثقافية عبر " يوتيوب"، فوقفتُ - دون قصدٍ مني - على لقاء إذاعي نادر للإعلامي القدير الشاعر فاروق شوشة مع الأديب الكبير الفذّ أحمد حسن الزيات صاحبِ (الرسالة)، أعظم مجلة ثقافية في العصر الحديث، سواء من حيث الموضوعات والقضايا، أو من حيث الكتّاب والمفكرين.


والحقيقة أنها كانت أولَ مرة أستمع فيها للأديب الزيَّات، وإن كنتُ عرفتُه من قبل كاتبًا، لا ينشق له غبار، ولا تلين له قناة، لا ينضب له فكر، أو تعييه قضية، فكان فيما يكتبُ موسوعيَّ المعرفة، جزل العبارة، قوي الحجة، بليغًا إلى أقصى حد، يسوقُ  المعاني الكثيفة بعبارات رشيقة لطيفة، فلا يطغى عنده المعنى علي الصياغة، ولا الصياغةُ على المعنى، فالكلمةُ بل الحرف عنده بميزان، وهذا ما تلمسه في كتبه الرائعة والتي منها: " تاريخ الأدب العربي"، و" وحي الرسالة" و" البلاغة العربية.. مفهوما وغاية"، و" ذكرى عهود" أروع ما سُطر في السير الذاتية، بالإضافة إلي مقالاتة الماتعة في الحياة والناس والمواقف والأحداث، وكلها - أقصدُ هذه الكتب - ترجماتٌ واضحة، وبراهينُ ساطعة على عقلية جبارة، ملكت ناصية اللغة، وروعة البيان، فصاغت ماصاغت بأسلوبٍ مُعجِب.


ولا أخفى أنه بسماعي لهذه الحلقة (الكنز)، لاحظتُ أن الأديب الفذَّ الزيات، لم يقل متحدثًا عنه كاتبًا، فأدهشني حضورُه الطاغي، وإجاباتُه الشافية، التي تميزت بفصاحةِ العبارة، وجزالة اللغة، وثراء المترادفات، وحضور الذهن، وسلاسة الأسلوب، وكلها ملكاتٌ يأنس لها القلب قبل الأذن.


بعبقرية الإعلامي القدير، جال الشاعر فاروق شوشة عبر هذه الحلقة الرائعة، في رياض الزيَّات المترامية الغنّاء، وبساتينه فواحة العطر، فناقشا سويَا العديدَ من القضايا المُتعلقة بمجلة الرسالة، ودورِها الثقافي، وكتَّابها، وأسباب عدم استمرارها منارة تشع الثقافة والفكر، وعرَّج بهما الحديث فتكلَّما عن العديد من الأجناس الأدبية: من رواية وقصة ومقال، ومسرح وشعر، وتحدثا عن معاني البلاغة ومفهومها، وعن علاقة الزيَّات بكبار كتَّاب عصره.


برامج: ( مع الأدباء، وكاتب وقصة، وغيرها من البرامج الثقافية علي ماسبيرو زمان) كانت أنيسا لي خلال تلك الفترة، ونسيتُ بفضلها ما أعانيه من صداع وحمى!.

 

لجميع مقالات الكاتب صبري الموجي اضعط هنا