السفير رخا أحمد حسن يكشف في حوار لـ«النبأ»: خفايا وأسرار الاتفاق بين إيران والسعودية وتاثيره على مستقبل العلاقات بين القاهرة وطهران
قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن الاتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية الذي تم برعاية صينية اليوم هو اختراق سياسي ودبلوماسي جديد من الصين للمنطقة.
وأكد في حواره لـ«النبأ»، أن هذا الاتفاق سوف ينهي فزاعة «الخطر الإيراني»، الذي اخترعته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من أجل تخويف وابتزاز دول المنطقة، مشيرا إلى أن الحديث عن مخطط إيراني لاحتلال مكة والمدينة أكذوبة، لافتا إلى أن هذا الاتفاق يجب أن يكون له تأثير ايجابي على العلاقات بين مصر وإيران.. وإلى تفاصيل الحوار..
في البداية ما هو تعليقكم على الاتفاق بين إيران والسعودية برعاية الصين؟
هذا الاتفاق بالنسبة للمتابعين عن قرب ليس مفاجئ، لا سيما وأنه سبق هذا الاتفاق 6 جولات من المباحثات بين إيران والسعودية في العراق وسلطنة عمان على مستويات متعددة، وتم الاتفاق على تفاهمات كثيرة، وبقيت بعض الأمور التي كانت مطلوبة لعودة العلاقات، ونتذكرزيارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن للسعودية، وطلبه عمل ناتو عربي ضد إيران، ورفض الدول العربية لهذا الطلب، وكان تصريح الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودي الذي قال أن إيران جارة نشترك معها في الثقافة والدين، هذا التصريح كان مؤشرا على أن المملكة تسير في اتجاه التهدئة مع إيران، لكن الجديد في الأمر هو دخول الصين بثقلها إلى المنطقة، والتي سبق وأن عقدت اتفاق استراتيجي بمليارات الدولارات مع إيران لمدة 25 عاما، تبعه عقد عدد من الاتتفاقيات مع السعودية أثناء زيارة الرئيس الصيني للمملكة وعقد عدد من القمم مع القادة العرب، وهذه الاتفاقيات كانت بداية للدخول في علاقات شراكة استراتيجية بين الرياض وبكين، وهذه كانت رسالة لأمريكا بأن هناك بديل لها في المنطقة، وبالتالي نجاح الصين في التوصل لاتفاق بين إيران والسعودية والاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلاتل شهرين يعتبر مكسبا كبيرا للصين ورسالة للولايات المتحدة الأمريكية بأن السعودية تبحث عن من يساعدها في حل الخلافات في المنطقة في ظل التقاعس الأمريكي، وبالتالي هذا الاتفاق هو اختراق سياسي ودبلوماسي جديد من الصين للمنطقة.
كيف قرأت رد الفعل الأمريكي لهذا الاتفاق حتى الأن؟
رد الفعل الأمريكي الذي رحب بالاتفاق كان متوقعا، وخاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية كان تدفع في اتجاه ايجاد حل للأزمة في اليمن من أجل تحقيق مكسب سياسي ودبلوماسي، ولكن المملكة العربية السعودية لم تمنحها هذه الفرصة، وبالتأكيد تم تناول الملف اليمني في المباحثات بين إيران والسعودية في الصين، وتم وضع صيغة لحل الأزمة اليمنية في الاتفاق، وبالتالي حل الأزمة في اليمن سيكون بعيدا عن التدخل الأمريكي، رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ مجيئه للسلطة وهو يطالب بحل الأزمة اليمنية، والأن الصورة تغيرت، سيكون حل الأزمة اليمنية من خلال الصين، أو من خلال اجراء مباحثات مباشرة بين السعودية وإيران.
ما هي توقعاتكم لموقف إسرائيل من هذا الاتفاق وهي التي عبرت أكثر من مرة عن قلقها من أي تقارب محتمل بين السعودية وإيران، وما هو مصير خطط إسرائيل فيما يتعلق باتفاقيات السلام مع الدول العربية وتشكيل ناتو عربي لمواجهة ما تسميه «الخطر الإيراني»؟
إسرائيل لم تعطي أي اعتبار للدول العربية ولا لعملية السلام ولا لحقوق الفلسطينيين، وبالتالي هذا الاتفاق سيكون وسيلة للضغط على إسرائيل في ظل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، ولا ننسى أن المملكة العربية السعودية ترفض التطبيع مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية من خلال اتفاقية السلام العربية التي طرحتها المملكة في القمة العربية في بيروت 2002، والتي نصت على حل الدولتين، وبالتالي هذا الاتفاق سيكون لصالح الدول العربية في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك هذا الاتفاق سوف ينهي مقولة إسرائيل بأن إيران تمثل خطرا على دول الخليج، وبالتالى فزاعة إيران التي كانت تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتخويف الدول العربية انتهت، وكذلك سينتهي موضوع شيطنة إيران في المنطقة، وسوف تخف حدة الحرب الإعلامية التي كانت تشنها بعض وسائل الإعلام العربية على إيران والعكس، وسوف تصبح إيران دولة جارة.
لكن لماذا لم يتم مشاركة الدول الخليجية الأخرى مثل الإمارات والكويت وقطر والبحرين وعمان في هذه المباحثات وهذا الاتفاق؟
الدول الخليجية الأخرى ترتبط بعلاقات متميزة مع إيران، فالإمارات العربية المتحدة مثلا لم تقطع علاقاتها مع إيران، بل على العكس الإمارات أكبر شريك تجاري لإيران، ومستشار الأمن القومي الإماراتي قام بزيارة إيران، وحجم التبادل التجاري بين إيران والإمارات وصل إلى 15 مليار دولار، أما بالنسبة للبحرين فسوف يشجعها الاتفاق على التقارب مع إيران.
لكن ما هو مصير الخلاف بين السعودية وإيران على برنامج طهران النووي، وخاصة أن السعودية كان لها تحفظات واعتراضات على هذا البرنامج، وطالبت أكثر من مرة بمشاركتها ودول الخليج في المفاوضات، وهددت بالدخول في برنامج نووي إذا لم يتم منع إيران من تطوير أسلحة نووية؟
السعودية تدرك أن الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني هو خلاف سياسي أكثر منه خلاف فني، ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية في زيارته الأخيرة لإيران أكد أن المباحثات مع المسئولين الإيرانيين كانت ايجابية وجيدة وأنه راض عن الإجراءات التي تتخذها إيران في هذا الشأن، لكن بعد عودته من إيران قال كلام غير واضح، وهذا يؤكد على أن هذا الملف مسيس، وخاصة وأن برنامج إيران النووي يخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإيران موقعة على اتفاقية منع الانتشار النووي، مقابل إن إسرائيل تمتلك سلاح نووي وترفض الخضوع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولم توقع على اتفاقية منع الانتشار النووي.
ماذا عن أذرع إيران العسكرية في المنطقة مثل حزب الله اللبناني الذي تصنفه السعودية ضمن المنظمات الإرهابية؟
حزب الله اللبناني جزء من التركيبة السياسية في لبنان، وله ممثلين في الحكومة والبرلمان، ويمثل شعب جنوب لبنان، وهو يتعاون مع إيران لأنه لم يجد أي تعاون من الدول العربية في الدفاع عن لبنان، عندما تم محاصرة حركة حماس في غزة لجأت إلى إيران وتركيا.
وماذا عن مشروع إيران بنشر المذهب الشيعي في المنطقة وتصدير الثورة الإيرانية للدول العربية، وأطماع طهران في المنطقة وحلمها في إعادة الامبراطورية الفارسية؟
أي دولة في المنطقة تتمدد عندما تجد فراغ، وبالتالي إيران مثلها مثل تركيا وإسرائيل أو أي دولة أخرى في المنطقة تتمدد عندما تجد فراغ، وبالتالي العيب ليس في إيران أو تركيا ولكن العيب في الدول العربية التي تركت ثغرات فدخلت منها تركيا وإيران، وهذا شئ طبيعي في ظل تنافس وتمدد القوى الإقليمية على حساب القوى الأخرى عندما تجد أن هناك فراغات يمكن أن تملأها، وهذا مشروع، لا سيما في ظل عدم قدرة الدول العربية على ملئ هذا الفراغ، وإسرائيل من أكثر القوى الإقليمية التي تتمدد في المنطقة دون أن يوقفها أحد، والصين دخلت المنطقة لملء جزء من الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
كيف تستفيد مصر من هذا الاتفاق؟
مصر ليست لديها مشاكل مع إيران، وبالتالي لا يوجد أي عائق أمام مصر لإعادة العلاقات مع إيران، لا سيما وأن أحد أسباب فتور العلاقات بين القاهرة وطهران كان الخلافات بين إيران ودول الخليج، أنا لا أرى أي سبب أو مبرر يمنع مصر من تطبيع العلاقات مع إيران، وخاصة وأن العلاقات الاقتصادية بين مصر وإيران لم تتوقف.
لكن ما زال هناك تخوف في الدول العربية ومنها مصر من نشر المذهب الشيعي؟
رأيي أن الشيعة لا يمثلون خطرا على مصر مثل السلفيين، بالإضافة إلى أن الفاطميين وهم شيعة هم من أنشأوا الأزهر الشريف، والمذهب الشيعي يتم تدريسه في الأزهر، الشعب المصري وسطي ومعتدل، وبالتالي ليس من السهل تشييع المصريين، والشيعة مسلمين، والرئيس جمال عبد الناصر كان متزوجا من السيدة تحية كاظم ووالدها كان تاجرا للسجاد الإيراني وكان يعتنق المذهب الشيعي، وأخت الملك فاروق كانت متزوجة من شاه إيران عندما كان وليا للعهد، وبالتالي المصالح الاقتصادية أهم من هذا الصراع، والصراع السني الشيعي موجود، لكنه صراعا خفيا وليس صراعا علنيا.
لكن هل ترى ان هذا الاتفاق سوف ينهي فزاعة إيران في المنطقة، والتي كانت تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتخويف الدول العربية؟
هذا الاتفاق سوف يحول إيران إلى دولة جارة، وبالتالي سوف تتحول العلاقة بين الدول العربية وإيران من العداء إلى التنافس، ومن المواجهة إلى التعاون، ودائما التعاون يحتوى الخلافات والانتشار، ودائما المصالح تتصالح، ولا ننسى أن الولايات المتحدة الأمريكية دمرت العراق وسلمتها على طبق من فضة لإيران، من أجل خلق فزاعة لدول الخليج، وبالتالي هذا الاتفاق سوف يبطل هذه الفزاعة.
لكن هل تعتقد أن أمريكا سوف تحاول افشال هذا الاتفاق وابعاد الصين عن المنطقة؟
لا اعتقد ذلك، والدليل العلاقات المتميزة بين إيران وكل من الإمارات وقطر والكويت.
وماذا عن أطماع إيران في مكة والمدينة والأماكن المقدسة؟
هذا كلام غير حقيقي، كلام من قبيل الحرب الإعلامية والسياسية.
وماذا عن حلم إيران بالسعى لإعادة الامبراطورية الفارسية؟
من حق أي دولة أو مجموعة أن تحلم، لكن السؤال هو ماذا ستفعل الدول العربية؟، وهل قطع العلاقات سيمنع إيران من تحقيق أحلامها؟، وهل قطع العلاقات مع إيران منعها من التوغل في الدول العربية؟.
ما هي انعكاسات هذا الاتفاق على القضية الفلسطينية؟
القضية الفلسطينية هي قضية العرب، وحلها بيد العرب، ودخول أي طرف أخر هو عامل مساعد، ما لم تقم الدول العربية بمعاقبة إسرائيل وتتخد إجراءات ضد الدول التي ترفض معاقبة إسرائيل باعتبارها قوة احتلال تنتهك حقوق الإنسان وترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فلن يتم حل القضية الفلسطينية.
لكن ألا تعتقد أن هذا الاتفاق سوف يكون عامل ضغط على إسرائيل يدفها إلى التخلي عن مواقفها المتشددة تجاه القضية الفلسطينية؟
إطلاقا، الدعم التركي والإيراني للفلسطينيين ليس دعما حقيقيا، وهدفه التأثير في الرأي العام العربي فقط، وبالتالي الضغط على إسرائيل يكون من خلال موقف عربي موحد.
هل هذا الاتفاق سيكون له تأثير على اتفاقيات السلام العربية مع إسرائيل؟
هذه الاتفاقيات يمكن تجميدها أو تبطيئها، لكن المشكلة أن الدول العربية تتصرف مع إسرائيل بشكل منفرد، وهذا يضعف من موقفها، والعرب يعتقدون خطأ أن عقد اتفاقيات سلام مع إسرائيل سوف يشجعها على حل القضية الفلسطينية.
البعض يقول أن إيران اضطرت للدخول في هذا الاتفاق كخطوة تكتيكية بسبب الضغوط التي يمارس عليها من قبل أمريكا والغرب وإسرائيل بسبب برنامجها النووي وبسبب المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها داخليا؟
هذا غير حقيقي، إيران منذ أكثر من 4 سنوات وهي تمد يدها للسلام مع دول الخليج، وبالتالى التفاوض كان مطلب إيراني أكثر منه مطلب سعودي.
إيران كانت تطالب دائما بخروج القوات الأمريكية من المنطقة وتقول أن أمن المنطقة لن يتحقق إلا بتحالف دول المنطقة.. هل سيغير الاتفاق من الموقف الإيراني؟
إيران سوف تستمر في المطالبة بخروج القوات الأمريكية من المنطقة، ولكن هذا الأمر يتوقف على موقف كل دولة، يعني هو حق سيادي لكل دولة من دول المنطقة، وأمريكا نفسها أعلنت أكثر من مرة أنها لن تنسحب من المنطقة، ومع دخول الصين سياسيا في المنطقة سوف يجعل أمريكا أكثر تمسكا في البقاء في المنطقة.
هل أنت واثق من تنفيذ هذا الاتفاق؟
نعم، لا سيما وأنه ليس وليد اللحظة، وسبقه مفاوضات طويلة.