إيلون ماسك: إفلاس سيليكون فالي يشبه الخميس الأسود.. هل دقت ساعة الانفجارالعظيم؟
يثير إيلون ماسك منذ سنوات طويلة الجدل والخلاف، حتى قبل شرائه تويتر، بسبب مواقفه المثيرة عبر تغريداته على هذه المنصة، وكان آخرها التحذير من أزمة هائلة مماثلة لانهيار البورصة الأمريكية في 1929، وما تلاه من كساد عظيم، وذلك بعد إفلاس البنكين الأمريكيين سيليكون فالي، وسيغنتشر في الأسبوع الماضي.
هذه المرة لم يكن تحذير إيلون ماسك مباشرًا أو مستفزًا كما تعود، ولكنه كان على شكل تعليق منذ يومين على تغريدة لواحدة من أبرز المحللين والمسؤولين الماليين في الولايات المتحدة، رئيسة مجموعة "آرك إنفست" كاثي وود، مؤسسة الشركة وإحدى نجمات البورصات والأسواق المالية في أمريكا والعالم، بعد أن نجحت في تأسيس مؤسسة تمكنت في أقل من 10 سنوات من مراكمة أصول وإيداعات تفوق 50 مليار دولار.
وأثارت تغريدة وود ردود فعل متباينة بعد أن حدثت أزمة حقيقية في النظام المالي الأمريكي مقابل انتعاشة العملات المشفرة والإلكترونية، وأسباب تدهور الأوضاع المالية للمؤسسات المصرفية البنكية في الولايات المتحدة، بسبب الارتفاع المُشط في نسب الفائدة التي ارتفعت 19 مرة تقريبًا في ظرف قصير، ما ضاعف كلفة الاقتراض، وقلص فوائد وهوامش الحصول على التمويلات والسيولة النقدية الضرورية للمؤسسات والشركات.
وانضم ماسك إلى الجدل الذي أثارته وود، بتأكيده التشابه بين الأزمة المالية التي تفجرت بعد انهيار بنك سيليكون فالي، والخميس الأسود في 1929، وانهيار بورصة وول ستريت، وبداية ما أصبح يعرف بالكساد العظيم.
ورغم أن إيلون ماسك اكتفى بالإشارة إلى "نقاط تشابه كثيرة" بين 1929 و2023، دون تفاصيل أو تحليل أكثر، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يعرب فيها عن انهيار مالي أو أزمة مالية وشيكة، وفي يونيو (حزيران) 2022، أكد في تغريدات سابقة خوفه من انهيار مالي واقتصادي قريب، ما دفعه إلى "إعادة" النظر في نموذج تسيير وعمل شركته للسيارات الكهربائية تسلا، وتسريح عشرات الموظفين منها، والضغط على النفقات وترشيد المصاريف "لتفادي الكابوس المنتظر".
ورغم أن التشابه بين الأزمتين الراهنة، والأزمة الكبرى في 1929، لا يزال يقسم المحللين والخبراء، بين مؤكد ونافٍ، وبين مؤمن به وبين ساخر منه، إلا أنه لا يمكن إسقاط الحديث عن "مناطق" أو نقاط تشابه مثيرة بين الأزمتين، فضلًا عن أزمة 2008 المالية العالمية.
معنويات
في علوم الاقتصاد والمالية، يكتسي الجانب النفسي، والمناخ العام، أهمية كبرى تفوق حتى أهمية الأموال والأصول نفسها، فالشائعات، والقلق، أو الشك، مشاعر أشد تأثيرًا وأقوى من أي تحليل مالي، أو تصريحات إعلامية رسمية كانت أو متخصصة. ولذلك ترافقت كل الأزمات المالية والاقتصادية، مع عشرات التصريحات والتحليلات التي هدفت في العادة للطمأنة والتهوين، واستبعاد الأسوأ، بالاعتماد على "المعطيات الدقيقة والحقيقية" والمؤشرات "التي تؤكد سلامة الوضع المالي والاقتصادي" وقوة الأداء العام للمؤشرات الاقتصادية المختلفة.
وفي مقابل هذا الخطاب، يعمل المعنيون بالشأن المالي على مواكبة ردود فعل البورصات والأسواق المالية، واستطلاع مزاجها، وتوجهها لمعرفة حقيقة نبض الأسواق، وتوجهاتها، وبالاعتماد على هذا المعطى يمكن القول إن إيلون ماسك لم يكن مجانبًا للصواب في جوانب كثيرة. فالأزمة الراهنة ليست وليدة أمس، أو أمس الأول، ولكنها تفاقمت بسبب المشاكل التي تراكمت في الفترة القصيرة الماضية، فمثل أزمة 1929 التي كانت أسبابها الأساسية التحولات الهائلة التي عرفها العالم بسبب الحرب العالمية الأولى، التي انتهت في 1918، في أوروبا، والتي كانت بوابة الأزمة الكبرى ومنطلقها، حتى بلغت أوجها في 1929 لعوامل وأسباب كثيرة، من أبرزها انهيار الاقتصاد الألماني وتوقف حكومة برلين عن دفع التعويضات عن الحرب خاصة لفرنسا وإنجلترا، وهي تعويضات كانت تخنق الاقتصاد الألماني وتمنعه من التعافي، رغم ضخ عشرات المليارات من الدولارات الأمريكية في الاقتصاد الألماني عبر قروض تجارية، وإنمائية ضخمة من المؤسسات المالية والبنكية الأمريكية، التي وجدت نفسها في أزمة سيولة هائلة، خاصة بعد تعثر فرنسا وإنجلترا بدورهما في سداد القروض الأمريكية، ثم سحبهما لما أمكنهما من سيولة في المصارف الأمريكية لتغطية العجز في أوروبا، وذلك بالتوازي مع فورة الاستثمار في البورصة الأمريكية بين 1920 و1928، مع ما رافقها من تساهل وتغاضٍ عن سلامة العمليات فيها بدعم من البنوك التي فتحت صنابير الإقراض للمستثمرين في وول ستريت بكثافة.
الانهيار
ولكن مع انكماش الاقتصاد في ألمانيا وفرنسا، وإنجلترا، تدهور وضع البنوك الأمريكية، ما انعكس على حركة وحجم السيولة، قبل أن تبلغ الأزمة ذروتها في أكتوبر (تشرين الأول) مع موجة بيع هائلة للأسهم، في محاولة من المستثمرين لجني العوائد الضئيلة التي كان التداول يوفرها قبل ذلك، لمجابهة المشاكل المالية المتراكمة بسبب الصعوبات في الحصول على التمويل من البنوك، ما أدى في النهاية إلى انهيار البورصة في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1929، في ما أصبح لاحقًا يعرف بالخميس الأسود. ولكن الانهيار لم يكن لأسباب مالية أو اقتصادية واضحة ومفهومة بقدر ما كان بسبب "الشائعات" والهلع والفزع الذي صاحب وول ستريت طيلة أسبوع.
فرغم أن مؤشر داو جونز لم يخسر في الخميس الأسود أكثر من 22%، إلا أن الشائعات والأنباء المتضاربة، أجهزت على البورصة، ففي ذلك اليوم انتشرت الشائعات عن إفلاس مستثمرين، وانتحار 11 منهم، ثم "أخبار" عن إغلاق بورصات نيويورك، وشيكاغو، وبافلو، وغيرها، ما أدى إلى شلل البورصة نهائيًا، وتوقف المستثمرين عن التعامل واندلاع شغب وعنف مع قوات الأمن، في الوقت الذي كانت فيه كبريات البنوك الأمريكية مثل جي بي مورغان، تؤكد أنه لا سبب للخوف والتخلص من الأسهم، وأن الوضع في طريقه إلى التحسن، وهو تحت السيطرة، وأن البنوك في طريقها إلى ضخ سيولة إضافية للسماح للمستثمرين بتدارك الموقف.
وفي الأسبوع الموالي، عادت الهواجس لتسيطر على المستثمرين، مع استمرار تراجع قيمة الأسهم، وعزوف البنوك عن التمويل الضروري لتغطية العجز المالي للمتداولين والمستثمرين، لتبدأ موجة حرق الأسهم بالتخلص منها مهما كان الثمن، حتى بلغت قيمة الخسائر في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 30 مليار دولار، وهو مبلغ هائل بكل المقاييس في ذلك الوقت، إذ كان يعادل 10 أضعاف الميزانية الفيدرالية الأمريكية، ويتجاوز إجمالي ما أنفقته الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى.
إن الأزمة الحالية، والمناخ الذي يرافقها، وتقلبات "مزاج" السوق، بالتوازي مع التصريحات المتناقضة لرؤساء البنوك، والمسؤولين الحكوميين، تهدد بالتفاقم وتذكر في بعض جوانبها بأزمات 1929، 1987، 2008، كلها عوامل لا تبعث على الارتياح، ذلك أن الحديث عن الأثر المحدود لأزمة سيليكون فالي في أمريكا مثلًا، لا يتناسب مع تداعياتها، وردود الفعل عليها، إذ سارعت الحكومة الأمريكية عبر الاحتياطي الفيدرالي إلى ضخ 12 مليار دولار في البنوك الأمريكية، أمس الخميس، إضافة إلى كشف قبول المركزي الأمريكي ضخ سيولة طارئة في البنوك الأمريكية منذ انهيار سيليكون فالي، وحتى أول أمس الأربعاء 152.9 مليار دولار، من التسهيلات المالية، بما يفوق كثيرًا ما حصلت عليه المصارف الأمريكية في 2008 لمواجهة الأزمة المالية، والتي بلغت يومها 112 مليار دولار، إلى جانب قروض أخرى بـ12 مليار دولار للبنوك أيضًا.
تشابه
وفي الوقت الذي كانت فيه السلطات الأمريكية تتحدث عن السيطرة على الوضع، ومحدودية الأزمة، خسر أحد البنوك الجهوية البارزة، البنك الـ14 بين أكبر البنوك الأمريكية، فيرست ريبابلك بنك، في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، والمنكشف على سيليكون فالي المفلس، والعامل أيضًا مثله في تمويل شركات التكنولوجيا والاتصالات الناشئة، 70% من قيمة أسهمه في 9 أيام بعد سقوط سيليكون، ما جعل المصارف الأخرى تبادر إلى محاولة إنقاذه بضخ حوالي 30 مليار دولار فيه، من الأموال غير المضمونة في مخاطرة كبرى إضافية، لمحاولة وقف انهياره.
وبالنظر إلى هذه التطورات السلبية السريعة والمتعاقبة، تجد تغريدة إيلون ماسك عن الأزمة المنتظرة، صداها في الأوساط المالية والاقتصادية، وإن كانت محدودة، فكل المؤشرات تؤكد أن الشروط التي توافرت في أزمة 1929، توافرت أو في طريقها للظهور اليوم أو في الفترة القليلة المقبلة، وذلك بسبب الحرب في أوكرانيا ونتائجها التي لن تظهر قريبًا خاصةً في الولايات المتحدة التي ضخت أرقامًا فلكية لتمويل آلة الحرب الأوكرانية، وسيأتي حتمًا وقت عرض نتائجها، بالتوازي مع الأزمة الاقتصادية المتواصلة في أمريكا وأوروبا، في ظل تضخم هائل، واضطرابات اجتماعية متنامية سببها ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية، وتراجع الإنتاج الصناعي، والزراعي، وغيرهما، كل ذلك بالتوزاي مع توترات سياسية وعسكرية واستراتيجية، من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. فهل اقتربت ساعة الانفجار العظيم؟