عميد كلية آثار القاهرة السابق يكتب: مطلوب بشكل عاجل إنشاء المجلس الأعلى للتاريخ
في ظل ما نشهده ويشهده العالم أجمع من مؤامرات،وأوبئة وفيروسات وإرهاب وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية عديدة وحروب معروفة للجميع؛ غير إن مايعنينا منها في هذا المقام هو ما يتعلق بما يعرف بحروب الجيل الرابع فهي تستخدم أبيات إدارة العقول وإثارة المشاعر والدعايات المغرضة وتوجيه الرأي العام وترويج الشائعات والسخرية السياسية وتفتيت الهوية الثقافية من خلال تزييف التاريخ وزلزلة الثوابت؛ فضلا عن العمل على إحداث فجوة بين الدولة والمجتمع ومحاولة تفجير المجتمع من الداخل. ومن المعروف إن لمصر ومنطقة الشرق الادني القديم مكانتها المرموقة في دائرة تواريخ الشعوب وفي مسيرة الحضارة الإنسانية بعامة؛ ولقد تداولت عليه عصور وعهود استمسك فيها بمرتبة القيادة في مجالات الفكر والمادة معا؛ وعصور وعهود أخرى انفلتت منه زعامتها، والتزم فيها بالتبعية لغيره منذ اواسط الالف الأول قبل الميلاد وحتى النصف الأول من القرن السابع الميلادي نهضت مصر والشرق الأدنى. بعد هذه القرون المتتابعة في ثوب حضاري جديد بعد ظهور الإسلام على أرضه؛ ولما كانت الايام الحضارات دول ضعفت الحضارة الإسلامية وتبدلت أحوال شعوبها وإنتقلت موازين القوي وزعامة الحضارة ثانية إلى الغرب وأمريكا؛ ورغم ذلك لم ينسوا زعامة الشرق وريادة حضارته سواء في عصوره القديمة التي ينظرون إليها علي أنهم هم وحدهم ورثتها وأولى بها من اصحابها الحقيقين؛ أو في عصوره
الإسلامية التي نقلت العلم والفن ومظاهر الحضارة كلها إلى الغرب ولكنهم لم ينسوا إنه ا الحضارة التي قضت على حضارة الفرس والروم وأثرت سلبا على اليهودية والمسيحي من وجهة نظرهم؛ ولكل هذا وذاك عندما حمل الغرب عصا المرشالية والعلم منذ أواخر القرن 18م قاموا بالتخطيط الجيد التشكيك وزلزلة الثوابت من خلال مجموعة من المصطلحات التي بنتها وزعتها العديد من المؤسسات والجمعيات والمنظمات والجامعات ومنها اللغات والشعوب السامية والدراسات الاستشراقية والدراسات الكتابية وعلم الآثار التوراتي؛ وتم تقديم كافة.التسهيلات والدعم السخي الالقاب للعلماء والمستشرقين الذين حملوا عبء البحث والدراسة والتحليل والنشر والتحقيق؛ وعندما إنتهى الاستشراق القديم في باريس1973م ونشأ الاستشراق الجديد وفق نظريات جديدة ورؤية جديدة في باريس عام1973 م أيضا استقطبوا أنصار وأعوانواتباع ومريدين لهم من الشرقيين من المحيط للخليج ليكون تأثيرهم أقوى واشد على شعوبهم من تأثير هؤلاء المستشرقين ولدينا قائمة طويلة عريضة بأسماء هؤلاء واولئك وهناك العديد من الجامعات والمعاهد المنظمات التي ترعاهم وتدعهم في أوروبا وامريكا في ألمانيا وإنجلترا وفرنسا هارفارد بأمريكا؛ ومن جهة أخرى ظهرت إدارات ومنظمات ومنها إدارة الدبلوماسية الروحية بوزارة الخارجية الأمريكية ومنظمة الأفرو سنترك بأمريكا أيضا وكذلك الماسونية والصهيونية العالمية؛ وكلها تهدف إلى تفتيت الهويات وتزييف التاريخ والدعوة إلى تبني دعوات جديدة تحت شعار الإخوة الإنسانيةو المشترك الإنساني من أجل الديانة الإبراهيمية والولايات الإبراهيمية المتحدة؛ ومنها تزييف التاريخ المصري وتفتيت الوحدة الوطنية وزلزلة الثوابت والتشكيك في أصول المصريين وحضارتهم وإبداعاتهم التي كانت وما تزال وستظل تبهر العالم وتعجزه؛ وفي ظل تلك الهجمة الشرسة تفاجئنا وسائل الإعلام العديد من البرامج التي يقدمها غير المتخصصين أو برامج أخرى تتم إستضافة من لا علاقة له بالتاريخ والآثار والتراث والحضارة من الأطباء والمحامين والمهندسين والصحفيين وبعض علماء الدين؛ ومن يطلقون على أنفسهم اسم التنويريين وأصحاب الفكر الحر أو الفلاسفة ونحن نحترم أمثال كل هؤلاء في تخصصات تهم ومجالاتهم ولكن ان يفتوا وينظر ا في تاريخ مصر وتراثا واثارها وثقافتها وحضارتها فلا يمكن قبوله ابدا وعلى الاطلاق؛ وقديما قالوا ادي العيش لخبازينه؛ فلماذا إذن التاريخ هو المجال الوحيد المستباح كالكلأ المباح يستحله لنفسه من يشاء؛ مع إنه أصعب مجال في البحث والدراسة والتحليل والنقد لأنه علم وفن وفلسفة والمؤرخ مثله مثل القاضي فهل يعقل إن يتولى القضاء أمثال هؤلاء؛؛؛ ومن باب الحرص على الأمن القومى والهوية المصرية والوحدة الوطنية الراسخة التي تحرصون عليها ياسيادة الرئيس في الجمهورية الجديدة التي أرسىيتم دعائمها ووضعتم أساسها أناشدكم إصدار قرار جمهوري بإنشاء المجلس الأعلى للتاريخ مع تشكيل لجنة وطنية لوضع لائحته ونظامه الأساسي على إن يكون تابعا لدولة رئيس الوزراء ليؤدي دوره الوطني ويقوم به خير قيام؛ وفي نفس الوقت يجب اصدار تشريع بمنع العبث بالتاريخ سواء بالكتابة أوعلي وسائل التواصل الاجتماعي أو بوسائل الإعلام فضلا عن الافلام والدراما التاريخية. وهذا المجلس ليس بدعة فلدينا العديد من المجالس التابعة للوزارات المختلفة المجلس الأعلى للثقافة بوزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار بوزارة السياحة والآثار وغير ذلك فإستكمالا لتلك المنظومة يجب أن يستحدث في الجمهورية الجديدة هذا المجلس الأعلى للتاريخ ليكون شاهدا أمينا وصادقا على الماضي العريق والحاضر الزاهر ويخطط للمستقبل المشرق فالتاريخ في الغرب وامريكا من علوم المستقبل وليس حواديت وحكا وي ومجرد قعدة ودردشة ؛ وفي أمريكا هو من مواد التحدي الأربعة وهي الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتاريخ ؛ وبالتالي يجب أن يكون التاريخ كذلك في الجمهورية الجديدة. حفظ الله مصر أرضا وشعبا وقيادة وحكومة وتاريخها وأثارا وثقافة وتراثا وحضارة إلى إن تقوم الساعة والي إن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها اللهم أمين يارب العالمين
بقلم:
الدكتور محمد حمزة أستاذ التاريخ الإسلامي وعميد كلية الآثار جامعة القاهرة سابقة