سيناريوهات حل أزمة «سد النهضة» عن طريق «الذكاء الاصطناعي».. دراسة
خلال الأيام القليلة الماضية، تصاعد السجال من جديد بين القاهرة وأديس أبابا بخصوص سد النهضة الإثيوبي، بعد أن كشفت صور للأقمار الصناعية عن تجهيزات إثيوبية لتعبئة الملء الرابع للسد.
وتضمن التصعيد تحذيرات مصرية من المساس بحصتها المائية، ودعوة الجامعة العربية الجانب الإثيوبي للتوصل إلى اتفاق بشأن الملء والتشغيل، مقابل رفض إثيوبي متكرر والتمسك بحقها في سيادتها على السد وتأكيد عدم الإضرار بأحد.
كما أعلنت السلطات الإثيوبية اكتمال 90% من بناء سد النهضة رغم ما وصفته بالتحديات والضغوط الدبلوماسية التي واجهتها والحرب الداخلية.
وقالت فقرتي تامرو نائبة رئيس مجلس منسقية مشروع سد النهضة إن بلادها واجهت تحديات وضغوطا دبلوماسية وحربًا داخلية، ومع ذلك تمكن الإثيوبيون من إنجاز سد النهضة، مؤكدة مضي بلادها قدما لاستكمال بناء السد، ودعت لحل الخلاف داخل البيت الأفريقي.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، ميليس إلم، أن نهر النيل أفريقي، ويجب حل الخلافات بشأنه في البيت الأفريقي مطالبا بوقف إحالة ملف سدّ النهضة إلى مجلس الأمن الدولي أو جامعة الدول العربية، مؤكدا أن بلاده مستمرة في استكمال بناء السد، مشددا على أن ما وصفها بالاتفاقات الاستعمارية السابقة قديمة ولن تقبلها بلاده.
كما احتفلت أديس أبابا بالذكرى الثانية عشر لوضع حجر أساس لسد النهضة، مع التحضير لعمليات تعبئته "الرابعة المقبل.
وردا على السلوك الإثيوبي أحادي الجانب، حذرت القاهرة من خطر وجودي كارثي عليها، مؤكدة أن عمليات البناء والملء من جانب أحادي تشكل خرقا للقانون الدولي.
وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن لدى مصر "إمكانياتها وعلاقاتها الخارجية وقدراتها"، مشيرا إلى أن جميع الخيارات مطروحة للتعامل مع أي تهديدات لإمداداتها المائية، مشددا على أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لتشغيل السد الإثيوبي وملئه.
وقال شكري، إن خطر الممارسات الإثيوبية الأحادية على حوض الأنهار المشتركة قضية محورية، ذاتُ أولوية متقدمة، ولها تبعات مصيرية على أمن مصر القومي.
وأضاف خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، أن الممارسات الإثيوبية بشأن سد النهضة تمثل خطرا كبيرا على مصر التي تعاني ندرة مائية فريدة، وهي الدولة الأكثر جفافا في العالم.
أما وزير الري هاني سويلم، فقد قال في كلمة له بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، إن عملية البناء والملء والشروع في تشغيل سد النهضة تستمر من جانب أحادي بما يشكل خرقا للقانون الدولي، ويمكن أن تشكل خطرا وجوديا وكارثيا على نحو 150 مليون شخص.
واستعرض وزير الموارد المائية، أمام جلسة خلال فعاليات «مؤتمر الأمم المتحدة للمياه» في نيويورك، «الأضرار» التي تتحسب لها بلاده جراء بناء السد الإثيوبي.
وقال سويلم، أمام عدد من نظرائه، إن «سد النهضة الإثيوبي بدأ بناؤه من جانب واحد منذ 12 عامًا في غياب دراسات الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي المطلوبة، ومع ذلك يستمر ملء سد النهضة وتشغيله مع عدم وجود أي من هذه الدراسات أو وجود اتفاقية مُلزمة قانونًا تحكم الملء والتشغيل، في تجاهل تام للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2021».
وتابع سويلم: «استمرار مثل هذه الإجراءات الأحادية غير التعاونية يمكن أن يضر بمصر، على الرغم من أنه يُزعم في كثير من الأحيان أن مشروعات الطاقة الكهرومائية يجب ألا تسبب أي ضرر، إلا أن الحقيقة هي أنه إذا تزامنت هذه الإجراءات الأحادية الجانب مع جفاف طويل الأمد، فقد تسبب ضررًا لا يُحصى للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في مصر، مما يجبر أكثر من مليون شخص على ترك عملهم وتدمير جزء كبير من الأراضي المزروعة في مصر».
وحدد سويلم أمام الجلسة الرئيسية لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه، عددًا من «الأضرار الرئيسية» للسد بالنسبة لبلاده، واعتبره بمثابة «خطر وجودي» يهدد حياة الملايين من المصريين.
وشدّد سويلم على أن «التعاون الفعال في إدارة الموارد المائية المشتركة هو أمر لا غنى عنه، ولا سيما أن ما يقرب من 40 % من سكان العالم يعيشون في أحواض الأنهار والبحيرات المشتركة».
وقال إن «مصر تعتمد بشكل حصري تقريبًا على المياه المشتركة والمتمثلة في مياه نهر النيل، حيث تسعى دائمًا لتعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف دول حوض النيل»، مشيرًا إلى أن الإجراءات المنفردة وغير التعاونية التي تتجاهل الامتثال للقانون الدولي، والتطبيق الانتقائي للقانون الدولي، وتجاهل المبدأ الأساسي للتعاون والذي يتضمن التشاور وإجراء دراسات الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على التدابير المخطط لها، تشكل تحديًا رئيسيًا أمام التعاون في إدارة المياه المشتركة».
كما التقى وزير الري المصري نظراءه من «الهند، وفرنسا، وكينيا، والإمارات، والمغرب»، فضلًا عن المبعوثة الخاصة للرئيس الأمريكي للموارد المائية والتنوع البيولوجي.
وكشفت صحيفة «ذي ناشيونال»، أن مصر قد تنسحب من المحادثات الفنية في الإمارات بشأن سد النهضة، بعد سبع جولات من المحادثات في أبو ظبي بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن تشغيل السد.
ونقلت مواقع إخبارية عن مسئولين مصريين قولهم، بأن القاهرة قد تتخلى عن المفاوضات الفنية مع إثيوبيا التي تجرى في الإمارات العربية المتحدة بشأن سد النهضة.
وقال مسؤول فني مصري، فضل عدم ذكر اسمه، إن القاهرة “توصلت إلى نتيجة مفادها أن المفاوضات مع أديس أبابا لا قيمة لها ولا تحرز أي تقدم يذكر”.
وقال إنه بعد أن اتهمت القاهرة إثيوبيا بالتعنت في قضية السد، بدا أن واشنطن تدعم أديس أبابا بالقول إن الدولة الواقعة في حوض النيل تظهر حسن النية من خلال المشاركة في مفاوضات مع مصر في أبو ظبي.
دراسة تستخدم الذكاء الاصطناعي لحل أزمة السد
وكشفت دراسة نشرت تم نشرها في شهر يناير الماضي بدورية "نيتشر كلايمت تشينج" (Nature Climate Change) إن العلم يمكن أن يوفر حلا لهذا النزاع من خلال تقديم تقييم موضوعي للتأثيرات المحتملة لسد النهضة، من خلال دمج السلوك التعاوني بين الدول.
وقال محمد بشير -من قسم الهندسة الميكانيكية والفضاء والهندسة المدنية في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، والمؤلف الأول للدراسة لدورية "نيتشر"، أن الدراسة توضح كيف يمكن لكل دولة مساعدة الأخرى، وكيف يمكن الاعتناء ببعضها البعض.
ووضع بشير وزملاؤه نموذجا لكيفية تأثير تغير المناخ على هيدرولوجيا حوض النيل والتأثير الناتج عن ذلك على اقتصاد كل بلد، وعلى أساس هذه البيانات استخدموا الذكاء الاصطناعي لإنشاء سيناريوهات لكيفية تشغيل السد لتحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية مع التكيف مع آثار تغير المناخ.
ووجدوا أنه إذا تم تشغيل السد بما يحقق المصالح الفضلى لدولة ما، فستقل الفوائد نسبيا للبلدين الآخرين، فعلى سبيل المثال، يؤدي السيناريو الذي تحصل فيه إثيوبيا على الحد الأقصى من الطاقة الكهرمائية لنقص مياه الري لدى مصر، أما في حال قامت مصر بتعظيم استخدامها للطاقة الكهرمائية، فإن إثيوبيا ستعاني من خسائر في الطاقة.
وهنا، يقترح الباحثون سيناريو حل وسط تساعد فيه البلدان الثلاثة بعضها البعض، على سبيل المثال، يمكن للعلماء استخدام النماذج الهيدرولوجية لمحاكاة سيناريوهات مختلفة وتحديد كمية المياه التي ستكون متاحة في اتجاه مجرى النهر في ظل ظروف تشغيل مختلفة، فعندما يكون هناك نقص كبير في تدفق المياه في اتجاه السودان ومصر، يجب على إثيوبيا زيادة تدفق المياه؛ ويمكنها أن تقلل تدفق المياه بعد ذلك عندما يقل هطول الأمطار على أثيوبيا.
وباستخدام النماذج الهيدرولوجية وصور الأقمار الصناعية وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد والأدوات العلمية الأخرى، يرى الباحثون أنه يمكن توفير طريقة موضوعية للبلدان الثلاثة لحل خلافها على سد النهضة دون اللجوء إلى المشاحنات الدبلوماسية أو العمل العسكري.
ومن الممكن التوصل إلى حل عادل يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف مع تقليل أي آثار سلبية محتملة على دول المصب، ويأمل الباحثون أن تكون دراستهم مفيدة للمفاوضات الجارية التي يشارك فيها الاتحاد الأفريقي والحكومة الأميركية والبنك الدولي.
ووفقا لبشير، فإن دراستهم "لا تقدم حلولا فردية، ولكنها توفر مجموعة من الحلول المثلى التي يمكن للأطراف المعنية التفاوض بناء عليها".
من جهته، قال كيفن ويلر الباحث في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة -والذي لم يشارك في الدراسة- إن التحدي يتمثل في جعل الدول الثلاث تقبل حقيقة أنها بحاجة إلى تقديم تنازلات.
ويتساءل ويلر "كيف تجعل الأطراف المتنازعة تتبنى مخرجات الحاسوب؟"، ويضيف أن هذه هي "المشكلة الأساسية".
نتائج وخيمة وإجراءات مصرية شديدة
وقد استنكر الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إعلان الهيئة الحكومية الإثيوبية المسؤولة عن مشروع سد النهضة، اكتمال 90% من عمليات بناء السد الإثيوبي، دون الوصول لاتفاق قانوني ملزم بين الأطراف المشتركة في الحوض الدولي.
وأكد الدكتور مهران، أن كافة التصرفات الأحادية التي تنتهجها الحكومة الإثيوبية تضر بمصر والسودان، وتهدد استقرار الشعوب والمجتمعات، مشددًا على تعمد الجانب الإثيوبي الاستمرار في انتهاك القانون الدولي والضرب بكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية عرض الحائط.
وحذر "مهران" من التصرفات الإثيوبية الأحادية، قائلًا إن ما يحدث من انتهاكات جسيمة ضد الشعبين المصري والسوداني ينذر بنتائج وخيمة وسيترتب عليه إجراءات مصرية شديدة ستدافع بها عن حقوقها المائية التي تحميها قواعد القانون الدولي، مشددا على أن استكمال عمليات بناء السد ستؤدي لكثير من الأخطار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على أحواض الأنهار المشتركة، مضيفًا أن هذا يعد اعتداء صريح على حقوق ملايين من البشر، وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية في الحصول على مياه للشرب.
ولفت إلى أن كافة القواعد التي وضعتها الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لعام 1997 بشأن الاستخدامات غير الملاحية للأنهار الدولية، لحل مثل هذه النزاعات لم تنتقص من حق الجانب الإثيوبي في التوسع في عملية التنمية أو البناء، ولكن في الوقت ذاته أكدت هذه القواعد مراعاة تأثير هذه السدود على الشعوب الأخرى، لا سيما وأن الدولة المصرية تعتمد اعتماد كلي على نهر النيل كمصدر للمياه، وتقليل حصتها سيعرضها لاضطراب اجتماعي واقتصادي كبير.
وأضاف أن موقف مصر ثابت فى ملف سد النهضة بوجوب الوصول لاتفاق قانوني ملزم بين الأطراف المتنازعة، محذرا من تفاقم الأزمة التي تضر باستقرار المنطقة، نظرًا لأن أزمة سد النهضة تعتبر قضية وجودية بالنسبة لمصر والسودان، وأن أمنها المائي جزء لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، مناشدًا المجتمع الدولي بضرورة دعم الموقف المصري والتدخل بشكل عاجل لحماية حقوق مصر واستخداماتها المائية من مياه النيل.
«بخيت»: الموضوع يحتاج إلى حسم والرهان على الجامعة العربية خاسر
ويقول اللواء حمدي بخيت، الخبير العسكري والاستراتيجي، ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي السابق بالبرلمان، أن رأيه في هذا الموضوع أن مصر تركت الملف كتيرا، وبالتالي هذا الملف لم يكن يترك هكذا، وكان يجب أن يتم حسم الموضوع مبكرا، وترك الموضوع دون حسم جعل الجانب الأثيوبي يتمادى حتى تم الوصول إلى الملء الرابع، ورغم عدم تأثير الملء الرابع حتى الأن لكن لا أحد يعلم ماذا يحمل الغد، وبالتالي يجب وضع أسوأ الاحتمالات للتعامل مع هذا الملف، والأسوأ هو أن هذا السد سيكون مؤثرا على حصة مصر من مياه النيل إذ لم يلتزم الجانب الإثيوبي باتفاق المبادئ الذي تم التوقيع عليه في الخرطوم، هذا الاتفاق يلزم الجانب الإثيوبي باشياء معينة سواء في الملء أو التخزين وفي سنوات الجفاف، وبالتالي تنصل إثيوبيا من هذا الاتفاق يعني أنها يمكن أن تتحكم عمدا في منع المياه عن مصر، وبالتالي هذا الموضوع أصبح مؤرقا رغم وجود قوى كبرى تضمن حقوق مصر من مياه النيل، ولكن المتغيرات الدولية والإقليمية لا تجعل الإنسان مطمئنا، فما حك جلدك مثل ظفرك، وبالتالي هذا الملف شائك ويحتاج إلى حسم ضروري، مشيرا إلى أن الحسم هو أن جميع الخيارات متاحة كما ذكر وزير الخارجية سامح شكري، لافتا إلى أن مصر فعلت كل شئ وسلكت كل الطرق بالنسبة للمجتمع الدولي، ولجأت لمجلس الأمن مرتين، ولجأت إلى الوساطة من خلال القوى الكبرى والاتحاد الافريقي، لافتا إلى أن مصر لم تترك بابا إلا وطرقته، ولم يبقى سوى خيار أخذ حقنا يأيدينا، مؤكدا على أن الرهان على جامعة الدول العربية خاسر، مشيرا إلى أن جامعة الدول العربية تحولت إلى جثة وأصبحت غير مؤثرة وتكتفة بعبارات الشجب والإدانة، كما أن دورها في حل القضايا العربية صفر، مطالبا بالتعويل فقط على العلاقات الثنائية والجماعية التي من الممكن أن تخدم الملف المصري في هذه القضية، موضحا أن الحلول السياسية مطلوبة، ولكن الواقع يحتاج إلى اتخاذ اجراءات.
«بدوي»: مصر طرقت كل الأبواب حتى لا يلومها أحد بعد ذلك
ويقول اللواء أركان حرب سمير بدوي، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، أن ما تقوم به إثيوبيا عبارة عن شو إعلامي من أجل الرأي العام، مؤكدا على أن حديث سامح شكري عن أن كل الخيارات مطروحة شئ طبيعي، مشيرا إلى أن موضوع المياه بالنسبة لمصر مسألة حياة أو موت، لافتا إلى أن الوصول إلى طريق مسدود يجعل كل الخيارات مطروحة، منوها أن هناك الكثير من الخيارات غير الخيار العسكري، موضحا أن مصر تطرق كل الأبواب حتى لا يلومها أحد بعد ذلك، مشددا على أن مصر سوف تحصل على حقوقها في مياه النيل ولن يتم التفريط في هذا الموضوع، مشيرا إلى أن مصر لجأت إلى كل الحلول الدبلوماسية، ولجأت في مجلس الأمن والأمم المتحدة وأطراف دولية كثيرة، ولكن الجانب الإثيوبي كان يرفض كل الحلول.