أسرار العالم السرى لـ«الكواحيل» لهروب أصحاب المطاعم والكباريهات ونباشى القبور من طائلة القانون
لا تنقطع دوائر أصحاب المصالح عن البحث حول الحيل والألاعيب للهروب من المسألة القانونية، وهو ما أدى إلى انتشار ظاهرة «الكواحيل» بشكل فج في كافة القطاعات والمجالات، فبعد أن وضعت الدولة قوانين صارمة للبناء المخالف دون تراخيص للحد من العشوائيات، اخترع المقاولون حيلة للتحايل على القانون وهو «الكاحول» الذي تحرر جميع المحاضر الخاصة بمخالفات المباني، وسرقة المياه والكهرباء باسمه، حيث يقوم المخالف الحقيقي بالتستر خلف هذا الكاحول، للتهرب من المسألة القانونية.
ولكن بعد أن اكتشفت الدولة هذه الحيلة التي تحدث عنها الدكتور مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء، وبدء في وضع خطة محكمة لمواجهة هذه الظاهرة، بدء أصحاب الملاهي الليلية بالسير على نفس النمط، لتنتقل بعدها إلى أصحاب المطاعم، بل الاستعانة ب«الكواحيل» لتسهيل عمليات نشر القبور والاستيلاء عليها وبيعها دون وجه حق.
من البناء إلى الكباريهات
بدء أصحاب الملاهي الليلية في السنوات الأخيرة وتحديدًا عام 2016، في استخدام مصطلح «الكاحول» للتهرب من الضرائب وإسقاط المسئولية القانونية عن أصحاب تلك المحلات في محاضر سرقة الكهرباء.
تكشف الأمر عندما ضبطت إدارة حماية الآداب العامة بالجيزة، 4 ملاهي ليلية دون ترخيص، بمنطقتي العجوزة والطالبية، فيما حررت 3 محاضر «عدم الإخطار بتشغيل مضيفات» داخل الملاهي الليلية، و4 محاضر «إدارة منشأة بدونترخيص»، و10 محاضر «مزاولة مهنة دون ترخيص»، وكانت تلك المحاضر قد حررت لشخص واحد، ادعى أنه مالك تلك الملاهي على خلاف الحقيقة، وتبيّن فيما بعد أن هذا الشخص هو «الكاحول» الذي يتم عمل جميع المحاضر باسمه لتهرب مالك الملاهي الليلية من المسألة القانونية.
المطاعم تسير على نفس الخطى
منذ جائحة كورونا في 2020، وبعد كارثة ضبط المطاعم التي تستخدم لحوم الحمير وتبيعها للمواطنين على أنها لحوم عجول، ما كان لأصحاب المطاعم المتهمين في تلك القضايا، إلا اللجوء لـ«الكاحول»، حتى يسطر رجال الطب البيطري، المحاضر باسمه للهروب من المسألة القانونية، وهذا ما حدث في المحضر رقم 3509 لسنة 2020 إداري حلوان، والذي أكد استخدام أحد المطاعم للحوم الحمير، ولكن المحضر قد سطر باسم شخص لا يعلمه أحد، وحكم عليه بالسجن سنتين غيابيًا، فهذا مثال لإحدى المحاضر من ضمن 11 محضر قد حرر من الطب البيطري للمطاعم، وبعدها اختفت تلك الظاهرة، حتي ظهر كاحول جديد داخل المطاعم السورية.
ففي يوم 5 فبراير الماضي، بناء على إشارة واردة من إدارة مراقبة الأغذية بمنطقة حلوان الطبية وإدارة الطب البيطرى بمدينة حلوان، أنه بالتوجه والتفتيش على مطعم كائن بشارع سيد أحمد تقاطع شارع راغب، وبإجراء التحاليل للعينة الثالثة المسحوبة من صدور فراخ متبلة فقد قامت المعامل المركزية التابعة إلى وزارة الصحة بتحليلها فجاءت نتيجتها أنها غيرمطابقة للاستهلاك الآدمى والعينة مغشوشة، وغير صالحة للاستهلاك الآدمى طبقًا للقانون رقم 10 لسنة 1966 وغير مطابقة للقرار رقم 4 لسنة 2020، لإضافة صبغة «sudan1» الغير مصرح باستعمالها.
تم تحرير مجموعة من المحاضر لشخص يدعى «مصطفى.م.ع.ص»، 32 سنة، ومقيم أول المنتزه بمديرية أمن الإسكندرية، ادعى أنه مدير المطعم، حيث حررت له جنحة الأطعمة الفاسدة، كما حرر له محضر إدارة دون ترخيص، 4 محاضر أخرى لوجود عمال دون شهادات صحية، ومحضر آخر إشغال طريق، وأخيرًا محضر بيئة، مع العلم أن هذا الشخص جاء من الإسكندرية إلى حلوان، وطبيعة عمله بالمحل هي إشهار بطاقته في لأي حملة تفتيشية تأتي لتحرير المحاضر باسمه.
كواحيل المقابر
وتفشت ظاهرة الكواحيل مؤخرًا في عالم الموتى والقبور، حيث بدأت عصابات جديدة من نوعها يتزعهما بعض المسئولين عن المقابر بعمل حصر شامل لكافة العيون والقبور الموجودة داخل حدود عمله، ليتابع عقب ذلك من يأتي لتلك المقابر ومن يترك مقبرته نهائيًا ولا يذهب إليها.
وتقوم العصابة عقب الانتهاء من عملية الحصر والفرز، بتغيير الأقفال دون وجه حق لتبدء في وضع يدها على تلك المقابر التي لا يزورها أصحابها، ويتم كتابة رقم محمول والإعلان عن بيع المقبرة، ويبدء أحد أفراد العصابة في ترويج الإعلانات عن وجود مقبرة للبيع، وعندما يأتي المشتري يستعين بـ«الكاحول» الذي يقوم بتحرير عقد البيع باسمه ويشترط أن يكون الكاحول من خارج المحافظة تحسبًا لاكتشاف أمرهم، وبعدها يأخذ الأموال من المشتري ويسلمه المقبرة، ًذا ظهر صاحبها الأصلي يتم عقد جلسة فيما بينهم بحضور مسؤول المقابر الذي يجبر أحد الطرفين بدفع مبلغ للآخر لترك المقبرة محل النزاع.
فقد تم اكتشاف هذه الحيلة عندما قام «محمد.م.ع.ا»، صاحب شركة مواد غذائية بتقديم بلاغ للأجهزة الأمنية يفيد بتعرضه لسرقة مقبرة العائلة بجنوب القاهرة، وقيام شخص بالإدعاء الكاذب أن هذه المقبرة ملكه، وأنه قام بشراءها من آخر لا تربطه به أي صلة.
وبعمل التحريات والبحث عن الواقعة توصلوا لمرتكب واقعة النصب، وبإعداد الأكمنة الثابتة والمتحركة تم ضبطه، حيث اعترف بارتكابه الواقعة بالاشتراك مع مسؤول المقبرة لتحقيق المكاسب المادية الغير مشروعة، وحُرر عن ذلك المحضر اللازم وتباشر النيابة العامة التحقيقات، وانتهي الأمر بعدها انتهى الأمر بالتصالح بين الطرفين.
الرأي القانوني
من جانبه يرى المحامي عمر نبوي، المحامي، أن هذه الظاهرة انتشرت في كل الأنشطة الآن فبعد العقارات، انتقلت للملاهي الليلية، ومنها إلى المطاعم والكافيهات، ومحاربة هذه الظاهرة المهمة ليست سهلة.
وتابع: «الفساد يصل عمره إلى أكثر من 20 عاما، وسوف تجد معارضين لتضارب العدالة مع مصالحهم ولكن المهم هنا هو الوقوف جانب الدولة وتشجيعها على القضاء على هذا الفساد لتكتمل مظاهر الحضارة في بلدنا، فالإنجازات المحققة ليست بقليلة والقضاء على فساد ضعاف النفوس وفساد المحليات مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة».
وأضاف «نبوي» أن الدولة المصرية تواجه بشكل دائم ومستمر، حربًا ضروسًا على كافة الأصعدة، في السابق كان الكواحيل يفلتون من العقاب مع من يساندهم، ولكن الآن وفي ظل تحركات الدولة في مجابهة هذه الظاهرة، أصبح الكاحول متهم بعلمه.
واستكمل حديثه لـ«النبأ»: «فبعد توسع الأجهزة الرقابية وحصولها على الضبطيات القضائية في بعض الأمور، وبتأمين الحملات بقوة أمنية من أقسام الشرطة، يتم حبس الشخص الذي يحرر باسمه المحضر، ويتم عرضه على النيابة العامة، بخلاف الأعوام السابقة، كانت المحاضر تحرر بصورة البطاقة دون متهم، مما ساعد في انتشار الخلل القانوني والذي كان يستغله أصحاب المصالح في الهروب من المسألة القانونية».
وفي سياق متصل، يقول عبد الرحمن سليمان، عضو مجلس نقابة المحامين بحلوان، إن انشار الجرائم داخل المقابر أصبح بشكل مريب يجعلنا نضع عدد من العلامات أمام ارتفاع معدل ارتكاب الجرائم داخل القبور، فالقانون يعاقب المتهم سواء بنبش القبور، أو سرقة المقابر، أو البناء المخالف، حسب نصوص المواد القانونية للعقوبات الخاصة بالسرقات العامة، والبناء المخالف، ولا يوجد قانون رادع لهؤلاء الخارجين عن القانون يحاسبهم على انتهاكهم لحرمة المقابر، حيث إن المادة 160 من قانون العقوبات تنص على أن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن يقوم بنبش القبور، وهذا القانون يحتاج إلى تغليظه.
وأوضح «سليمان»، أنه في حالة سرقة أبواب المقابر على سبيل المثال يتم الاستناد للمادة «317» من قانون العقوبات والذي ينص على أن السرقة التي تتم للملكيات الخاصة وبالتحديد للأماكن المحاوطة بالأسوار والمملوكة لأشخاص عاديين تكون عقوبتها السجن 3 سنوات.
وتابع: «من هذه الأحكام نجد أن المشرع لم يضع قانون خاص بالانتهاكات التي تتم داخل المقابر، لذلك فإن القضاء يصدر عقوبات بناء على النصوص القانونية، مما يجلنا نناشد مجلس النواب بإعادة النظر في نصوص المواد القانونية الخاصة بنبش القبور، وجرائم انتهاك حرمة المتوفي، وإصدار تشريعات مغلظة ضد المخالفين».